الأخبار

الباب السرى لإهدار القمح فى مصر

 

70

 

القوارض والتقلبات الجوية وتخزين القمح فى العراء تكلف مصر 2.5 مليار جنيه سنويًا

غنام: بنك الائتمان الزراعى مجرد جهة تخزين.. ويستلم القمح بناء على «الميزان»

فرج: «أصحاب الضمائر الميتة» يخلطون التراب بالقمح لمعالجة العجز فى الموازين

مشكلات القمح فى مصر لا تقف عند كوننا أكبر مستورد فى العالم لهذه السلعة الاستراتيجية، فمشاكلنا مع المحصول فى الداخل متعددة، فمن فساد التقاوى فى بعض الأحيان إلى ارتفاع سعر السولار الذى يؤثر على تكلفة الزرع والحصاد، فضلا عن ارتفاع أسعار المبيدات الزراعية والنقل، تأتى مشكلة الشون الترابية لتضيف بعدا آخر مع المشاكل المركبة.

الشونة هى قطعة أرض فضاء كبيرة المساحة نسبيا، أرضياتها ترابية مكشوفة للسماء، بعضها يحيط به سور مشيد من الطوب، وبعضها بأسلاك حديدية وبقايا ألواح خشبية وصاج، تمثلان حدا فاصلا بين طريق المارة والسيارات وعربات الكارو.. تسمى قطع الأرض هذه بـ«الشون» وهى مكان تجميع القمح وتخزينه، تمهيدا لتحويله إلى دقيق.

فى كل الشون وعلى مدى البصر أكوام كبيرة من حبوب القمح الأصفر منثورة فى الفراغ، ومعرضة لكل التقلبات الجوية، المطر والرياح والشمس، فلا سقف ولا حائل بينها وبين الفضاء، بعض الأكوام تحته قطع من «خيش» تفصله عن الأرض الترابية، وبعضها لا يحميها شيء من الأرض، فتختلط حبات القمح الصفراء بتراب الأرض، مع الوقت مما يصعب فصلهما، فيتم طحنهما معا، ليأكل المصريون قمحا مختلطا بالتراب، أو ترابا مختلطا بالقمح.

بحسب تصريحات لبعض العاملين فى الشون الترابية بمحافظتى البحيرة والجيزة لـ«الشروق» فإن تخزين القمح فى الشون الترابية المكشوفة يعرضه للحشرات والقوارض، ما يتسبب فى تلفه أو انخفاض قيمته الغذائية وارتفاع نسبة الرماد فى الدقيق الناتج من طحن القمح، بنسب تزيد كثيرا عن النسب العالمية، ونسبة الفاقد من القمح نتيجة سوء التخزين تصل المتوسط إلى 30% من جملة القمح الذى يتم تخزينه فى مصر، وهو ما يكلف الدولة ما يقارب من 2.5 مليار جنيه سنويا.

أضاف «م. س» أحد العاملين بشونة ترابية بأحد الأحياء الجنوبية لمحافظة الجيزة، إن العصافير والطيور والفئران تقضى على كميات كبيرة من القمح المخزن فى الشون، إضافة إلى الفاقد الأكبر فى عمليات النقل والتحميل والتنزيل من السيارات للشون، التى تهدر كمية كبيرة فى جميع الشون على مستوى الجمهورية.

وتابع: «لجان متعددة جاءت للمتابعة والكشف على الشون أثبتت أن وجود القمح فى العراء والتعرض لعوامل الطقس والمناخ المتقلبة يؤدى إلى تلف كميات كبيرة منه، خصوصا عندما يتعرض لهجوم من القوارض التى تلتهم كميات كبيرة، إلا أن الوضع بقى على ما هو عليه».

من جانبه قال «أ. خاطر» أمين سابق لإحدى شون القمح الترابية فى البحيرة، إن عددا قليلا من الشون تم تطويرها على مستوى الجمهورية، إلا أن «الهناجر» تأخذ مساحة وأجزاء من المكان، وهو ما يؤثر على السعة التخزينية للشون.

يقول رئيس بنك التنمية والائتمان الزراعى فى الجيزة محمد غنام، إن الواقع لخص وظيفة البنك فى اعتباره مستلما ومسلما للمطاحن لحساب وزارة التموين، وفى حالة وجود نسبة عجز فإن أمين الشونة يتحمل المسئولية كاملة، خاصة وأن نسبة الهدر لا تتعدى 3%، مشيرا إلى أن البنك مجرد جهة تخزين، يستلم القمح بناء على «الميزان» بحضور مندوبى التموين والصادرات، مضيفا: «المطاحن لا تتسلم القمح أبدا فى حالة وجود نسبة عجز كبيرة».

ويعترف فى الوقت ذاته بأن الشون الترابية تهدر كمية كبيرة من الأقماح المخزنة بها، والتى يتم تشوينها فى العراء وهو ما يتسبب فى «بهدلة» القمح، وبالتالى إهدار كمية كبيرة منه، مضيفا: «عملية تسليم القمح تتم بين لجنة من بنك التنمية والائتمان الزراعى والتموين والمطاحن».

وأشار إلى وجود مبادرة للقوات المسلحة بالتعاون مع دولة الإمارات، بأن يتولى الجيش تطوير شون كثيرة جدا، وعلى مستوى عالٍ، وهو ما تقوم عليه بالفعل فى شون «كومبيرة وكفر حكيم» وهى اماكن قريبة من كرداسة وأوسيم، بطاقة استيعابية عالية لتطوير الشون القديمة ورفع كفاءتها، إلا أن المشكلة الحقيقية أن المحصلة النهائية للتطوير لا تتجاوز شونة أو اثنتين فى كل محافظة، فى حين أن باقى الشون على حالتها القديمة، فعلى سبيل المثال شون المناشى آيلة للسقوط وليس فيها أى تواجد لقوات الأمن.

كانت الحكومة المصرية على لسان وزير التموين خالد حنفى، حددت مارس من العام الجارى موعدا نهائيا لتطوير الشون الترابية لتخزين القمح، وتحويلها إلى شون حديثة متطورة لاستقبال محصول القمح المحلى الجديد، مع تخزين القمح بالطرق الحديثة فى شون مغلقة بعد فرزه وتنقيته للتخلص من الشوائب وتجفيفه وربط هذه الشون بالمركز اللوجيستى العالمى للحبوب، مع إقامة عدد من البورصات السلعية واستغلال النقل النهرى بعد تحديثه فى نقل الاقماح والحبوب، لتوفير 50% من تكلفة النقل والحفاظ على الطرق.

يقول رئيس اتحاد الفلاحين الحاج محمد فرج لـ«الشروق» إن الشون الترابية أحد الأبواب الكبرى لإهدار المال العام، خصوصا من بعض ذوى الضمائر الميتة، الذين يخلطون التراب بالقمح، لمعالجة العجز فى الموازين، متهما إياهم باللعب فى استلام القمح من الفلاحين، ثم اتهام الطيور والقوارض والأرضيات غير المجهزة بالتسبب فى تلف القمح.

وحث فرج الحكومة على إنشاء المزيد من الصوامع المعدنية الحديثة للمحافظة على جودة القمح المصرى صاحب النسبة العالية من البروتين، خاصة وأن تكلفة الفاقد السنوى من القمح كفيلة بتغطية احتياجات البلد من الصوامع المعدنية الحديثة، خصوصا مع اقتراب موسم الحصاد الذى يبدأ فى المناطق الصحراوية أولا منتصف أبريل، وينتهى منتصف مايو.

واتهم رئيس اتحاد الفلاحين، المسئولين ومستوردى القمح بتعمد المغالطة فى ترديد مقولة إن مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، لأنها فى نفس الوقت أكبر مصدر للدقيق فى قارة أفريقيا، مضيفا: «يتم الحديث عن مبالغ الاستيراد فقط، وتجاهل الحديث عن حصيلة تصدير الدقيق لحساب بعض المستفيدين، ما يعنى أن المنظومة بأكملها تحتاج للتغيير والمراجعة، خصوصا أن تكلفة القمح حتى وصوله إلى المستهلك كرغيف خبز أكبر بكثير من السعر الذى يتم الاستيراد به من دولة المنشأ، بإضافة تكلفة الإبحار فى الميناء ونقل السفن للقمح وتحميلها للمستهلك».

ودعا إلى تغيير السياسة الزراعية لمدة عام واحد بتطبيق «الدورة الزراعية الثلاثية» وإجبار الفلاحين على زراعة ثلث مساحاتهم قمحا، وهو ما يعنى زراعة 3 ملايين فدان قمح، وهو كفيل بتحقيق الاكتفاء الذاتى للمصريين من القمح الذين يستهلكون 15 مليون طن قمح فى السنة، منهم 9 ملايين يتم توجيههم إلى الخبز المدعم.


الشروق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى