الأخبار

ميراث البابا شنودة في مواجهة البابا تواضروس

136

 

 

منذ تجليسه بطريركًا للأقباط الأرثوذوكس في نوفمبر 2012، أولى البابا تواضروس اهتمامًا بإعداد لوائح منظمة للعمل الكنسي، من أجل «تطبيق النظام المؤسسى بالكنيسة»، وكان ذلك متسقًا مع ما ذكره في أخر حواراته الصحفية حول المجلس الملي المنتهية دورته منذ 2011، حول رغبته في إصدار لائحة جديدة له، وتغيير اسمه، والدعوة لانتخاب مجلس جديد بصلاحيات واسعة، لكن قرار البابا ليس منفردًا، ويواجه معارضة مزدوجة من بعض رجال الأكليروس -نظام الكهنوت-، وأعضاء المجلس ذاته، في مقابل دعم وتأييد تيار أخر.

«المجلس الملي العام».. هو الجهة المختصة بالنواحى الإدارية وغير الدينية في الكنيسة، حيث يشرف على الجمعيات القبطية وممتلكات الكاتدرائية والكنائس، ويراقب أموالهم، ويتولى ملف الأحوال الشخصية، وتستمر دورته خمس سنوات، عن طريق مجلسًا منتخبًا يضم وكيلًا وأعضاء، ويتولى البطريرك رئاسته بحكم منصبه.

تأسس المجلس الملي العام، في فبراير 1874، حين طلب بطرس باشا غالي، الذي كان وكيلاً لأحدى الوزارات، من الخديوي إسماعيل، إنشاء مجلس منظم لشئون الكنيسة، لاقت الفكرة صدامًا مع الباباوات، أولها مع البابا كيرلس الخامس، الذي لم يقبل أن يأتي شباب علمانيين في مجلس يسألونه عن حسابات الكنيسة، ثم البابا كيرلس السادس، الذي كان مقربًا من الرئيس عبد الناصر، فطلب من وزارة الداخلية وهى المعنية بالدعوة لانتخابات المجلس أن لا تدعو لانتخابات جديدة، وبالتالي انتهت دورة المجلس وتجمد عمله.

جاء البابا شنودة عام 71 وقرر إعادة المجلس الملي مرة أخرى بالانتخاب، لكن بحسب ما ذكره كتاب «قراءة في واقعنا الكنسي» للكاتب كمال زاخر، «كان هناك أسماء مواليه له تترشح، فيتم إعداد قائمة بها وتوزع في الكنائس ويقولون أنها قائمة من يرغب بهم البابا أي ليسوا معارضين، وكل ذلك غير رسمي»، كما أستغل البابا شنودة وجوده على رأس المجلس الملي في 2008 ليعدل لائحة 38 فيما يخص الأحوال الشخصية للأقباط، وحصر أسباب الطلاق في عبارة «لا طلاق إلا لعلة الزنا»، وظلت الأوضاع هكذا حتى انتهت مدة المجلس الأخير في 2011.

لعدة أسباب، أولها دراسته أساليب الإدارة في بريطانيا، وتلمذته على يد الآنبا باخوميوس، القائم مقام البطريرك بعد وفاة البابا شنودة، والذين قالوا عنه إنه «ادار الكنيسة بإقتدار»، إلى جانب أنه جاء بعيدًا عن الصراع الكنسي الدائر طوال السنوات الماضية، ربما تختلف نظرة البابا تواضروس عن سابقيه في التعامل مع المجلس الملي باعتباره جزء من مشروع تطوير الكنيسة، وهو ما جعله يجتمع خلال الفترة السابقة مع أعضاء المجلس، ويُشكل لجنة قانونية منهم ومن خبراء أخرين لتسليم تقريرًا حول رؤيتهم للتعديلات المقترحة.

التعديلات المقترحة.. «تغيير الاسم.. وأعضاء بالتعيين»

اللائحة المنظمة لعمل المجلس بفروعه في المحافظات تعود إلى وقت تأسيسه في عهد الخديوي إسماعيل، ولم تتغير حتى الآن، يتحدد بموجبها عدد أعضاءه بأربعة وعشرين عضوًا يقوم الأقباط الأرثوذكس فى مصر بإنتخابهم بعد دعوة وزارة الداخلية، وبمقتضاها يُشترط في المرشح ألا يقل عمره عن ثلاثون عامًا، حسن السمعة، لديه مؤهل متوسط على الأقل، ومُقيد في جداول الانتخاب، كما أنها تنص على صلاحيات واختصاصات المجلس المذكورة سابقًا.

أنتقصت القرارات التي أعقبت ثورة 1952 من صلاحيات المجلس، حيث تتضمنت هذه القرارات إلغاء المحكام الملية، ونظر جميع القضايا التي تخص الأحوال الشخصية أمام المحاكم المدنية، وتأميم كل المستشفيات والمدارس القبطية لتصبح ملكًا للدولة، كما أنه بمقتضى قانون الإستصلاح الزراعي أصبحت الملكية لا تتجاوز 100 فدان، كل ذلك أدى إلى انحصار صلاحيات المجلس الملي طوال السنوات الماضية، إلى جانب عدم رغبة الباباوات في تفعيل دوره فيما يخص المراقبة والمحاسبة، ما جعل البعض يطلق عليه أنه مجرد «برافان الكنيسة».

وعليه أقترح عدد من أعضاءه الحاليين بعض التعديلات التي تتضمن توسيع صلاحيات المجلس وتحديثها، من خلال حق الإشراف على كل المشروعات الجديدة التي تمولها الكنيسة، وتحديد آليه عمل جديدة وفقا لذلك، إضافة إلى توسيع القاعدة الإنتخابية، ليحق للشباب بداية من سن 21 عام الانتخاب، وتغيير الاسم، لأن اسم «الملي» قديم وغير مناسب للمجتمع الحالي، وهناك اقتراحات أن يسمى بمجلس الأقباط الأرثوذوكس، أو المجلس البطريركي، أو مجلس الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية – بحسب ما قاله المستشار منصف سليمان، مسؤول اللجنة القانونية بالمجلس لـ«التحرير».

وبسؤاله عن وجود نسبة تعيين في المجلس، أضاف: «هناك اتجاه لتعيين عدد من الأعضاء من قِبل البابا، لكن لازلنا نناقش هذا الأمر، ونسبة التعيين معه».

وأشار إلى أنه تم تسليم المقترحات للبابا تواضروس ويقوم بدراستها حاليًا.

وفي السياق ذاته، كشف أحد الأعضاء – فضل عدم ذكر أسمه – أن التعديلات الجديدة تنص على أن يكون هناك حد أدني من التعليم للمرشح وهو مؤهل عالي بدلًا من مؤهل متوسط، وسيكون هناك زيادة في عدد الأعضاء لتصل إلى 30 تقريبًا، لأن هناك أعضاء سيأتون بالتعيين بنسبة 20% أو 30% على الأكثر، لكنها أرقام لازالت في إطار المناقشة.

المحامي، رمسيس النجار، علق قائلًا «تأخير انتخاب مجلس ملي جديد، لا يمثل أى خلل قانوني، فهو ينعقد بلائحة وينتهي بلائحة، ولا يوجد قانون منظم له، كما أن ما يقدم من تعديلات حاليًا، لازالت في إطار المناقشة، يمكن أن تصاغ لائحة أو مشروع قانون جديد».

مقترحات التيار العلماني

دائمًا ما كان للتيار العلماني، الذي يؤيد فصل السلطة السياسية عن الدينية، أراء في إدارة الكنيسة، تنطوي أحيانًا على انتقادات، ربما لا تلقى اهتمامًا أو تقبلًا من أعضاء المجمع المقدس، ومن بينها تفعيل دور المجلس الملي.

يقول الكاتب كمال زاخر، مؤسس التيار العلماني، إن المجلس الملي دوره شرفي فقط، حيث يذهب أعضاءه لمجلس الشعب ويحضرون الاجتماعات مع المسؤولين كممثلين للكنيسة فقط، لذا قدم التيار العلماني مقترحات للكنيسة بشأنه عام 2008 ولم تلقى استجابه، لكن أعادنا تقديمها للبابا تواضروس عند توليه منصبه، ووعد بدراستها، وهى تتضمن طريقة انتخابه «من القاعدة إلى القمة»، حيث تُنتخب مجالس الكنائس من شعب كل كنيسة في كل محافظة، ثم ترشح كل منطقة واحد أو أثنين من مجالس الكنائس، وتجرى انتخابات داخلية بين جميع هذه المجالس لاختيار من بين المرشحين أعضاء مجالس الإيبراشيات، ومن هؤلاء الأعضاء يتكون المجلس الملي، وبالتالي يصبح ممثل لكل المحافظات وليس القاهرة فقط.

حصلت «التحرير» على نسخة من الملف المقدم من التيار العلماني للبابا تواضروس، الذي حدد أيضًا دور المجلس، وهو «حصر جميع ممتلكات الكنيسة، مراقبة الإبرشيات فى تسجيل الاوقاف والممتلكات وحفظ الحجج والمستندات، الموافقة على استثمار الممتلكات التى يمكن استثمارها، اعتماد ميزانيات الكاتدرائية والإبرشيات، إلى جانب اعتماد نظم التدريس بمدارس الاحد مناهجها، ومتابعة سير العمل بالكليات والمعاهد اللاهوتية وتعيين مديريها».

مراكز القوى

قرار إصدارلائحة جديدة للمجلس الملي من المتوقع أن يجد معارضة من المجمع المقدس، بسبب ما هو معروف داخل الأوساط القبطية، وهو تمسك عدد كبير منهم بفكرة عدم الرغبة في المراقبة أو المحاسبة، وعدم وجود قوة منافسة لهم في الكنيسة.

ولم تقتصر المعارضة على المجمع المقدس فقط، لكن بالحديث مع وكيل المجلس الحالي، ثروت باسيلي، فرفض رفضًا قاطعًا فكرة إصدار لائحة  جديدة أو مشروع قانون جديد، وأعتبر أن القانون القديم هو أصلح القوانين، بل ورد واثقًا بأن أغلبية الأعضاء الحاليين للمجلس سوف يرفضون المقترحات والتعديلات التي يتبناها فرد أو أثنين من اللجنة القانونية.

هذا ربما يكشف عن رغبة أغلب أعضاء المجلس الحالي الذي بدأ عمله 2006، أن تظل الأوضاع كما هى، حتى يستمروا في مناصبهم ولا يُشكل مجلس جديد.

وعليه فسر البعض أن رغبة البابا تواضروس في تفعيل دور المجلس الملي هو محاولة منه لـ«توازن القوى داخل الكنيسة»، حيث يكون هناك قوة لأشخاص جديدة في المجلس تواجه قوة الإكليروس الذي يتمثل في بعض أعضاء المجمع المقدس «المتمسكون بسياسة البابا شنودة» – كما يطلق عليهم.

زاد من تأكيد هذا الرأى لديهم أن هناك إتجاه في التعديل المقرر إجراؤه على لائحة المجلس الملي، يميل إلى وجود نسبة تعيين في المجلس إلى جانب الأعضاء المنتخبين، وهذا ربما من شأنه أن يجعل هناك أشخاص «مواليين للبابا»، ورفض أيضا وكيل المجلس الحالي مبدأ التعيين بواسطة البابا.

كل ذلك يدفع بعض الأراء لتقول إن ظهور مجلس ملي بصلاحيات جديدة ومحددة هى «ولاده متعثرة» تتداخل فيها مصالح وأهداف أطراف عدة.

البابا شنودة مع أعضاء المجمع المقدس

يشار إلى أن ما يعادل المجلس الملي عند الكنيسة الكاثوليكية هو مجلس السنودس الذي يضم كل مطارنة الكنيسة في كل المحافظات، ذلك بحسب كل بطريركية لأن الطائفة مقسمة لـ (أقباط – أرمن – موارنة – روم – لاتين – كلدان – سريان)، ويختص المجلس بأمور دينية وغير دينية، أما في الكنيسة الإنجيلية، فلديها مجلس ملي إنجيلي عام، يتكون من 20 فرد ممثلين لمذاهب الكنيسة الـ 17 (علمانيين وقساوسة)، ويختص بتمثيل كل هذه المذاهب في كيان واحد أمام الدولة في الأمور الإدارية ويسير طبقا للائحة 1902، التي تحدد نسب تمثيل المذاهب، وتنص على أن كل عضو يحق له 4 سنوات، ويجدد له مرة واحدة فقط، يأتي ذلك عن طريق إبلاغ المذهب أن هناك مقعد شاغر، فيجتمع ويقترح مرشحين ويتفق على اسم يرسله ليمثله، ويجب أن يكون من المحافظة نفسها التي جاء منها العضو السابق.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى