الأخبار

أسرة مصرية في “مدينة الخوف” صنعاء:

 

140

آذان المغرب، يتناغم مع أصوات طائرات الاستطلاع التابعة لقوات “عاصفة الحزم”، في سماء مدينة صنعاء عاصمة اليمن، وعلى غير العادة العاصمة هادئة من حركة المارة، بعد أن انطفأت أنوارها، وسكنت شوارعها، ولم يسمع فيها إلا صوت الكلاب التي تعوي، الذي يتزامن مع أصوات الطلقات التحذيرية، وأصوات الانفجارات المتقطعة التي تضرب معاقل الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة.

في منتصف المدينة، تتواجد أسرة مصرية حرصت بشدة على إغلاق النوافذ وإبعاد الأطفال عنها لأن “القصف ينتج عنه شظايا من الممكن أن تؤذي الأطفال”، بحسبما يوضح والد الأطفال، الذي وجد نفسه محاصرًا في المدينة، بعد أن ترك مصر عام 2006، متوجهًا إلى صنعاء هو وعائلته، ليعمل مدرسًا في إحدى الجامعات الخاصة هناك.

يعاني الدكتور محمد قطب، هو والمصريون المقيمون في العاصمة من “استفزاز لمشاعرهم الوطنية” يصل أحيانًا إلى درجة التهديد، فهو ما زال يتذكر ماحدث لعدد من المصريين أثناء مرورهم بالقرب من مقر أمني للحوثيين، في وقت متأخر من الليل “هددوهم وقاموا باحتجازهم واشتبهوا في أنهم مشاركون في عاصفة الحزم، واتقالهم أنتوا جايين تقتلونا”، لكن قطب يتفهم أن هذا الوضع فُرض عليهم نتيجة للحرب، وهي الضريبة التي يجب أن تدفعها الدول عندما تدخل في الحروب.

جميع المدارس في مدينة صنعاء عُطلت نتيجة الحرب، وهو الأمر الذي انطبق أيضًا على عائلة قطب.. “الأولاد قاعدين في البيت مبيتعلموش لأن مافيش دراسة والمدارس كانت الحاجة الوحيدة اللي بتفسحهم وبفضل الحرب اتحرموا منها”، أما الدكتور الجامعي فهو يذهب إلى جامعته في التاسعة صباحًا ليعود في الواحدة ظهرًا، وسط مخاوف من إلغاء الدراسة الجامعية، بعد تقليل ساعات الدوام.

معسكرات جماعة الحوثيين التي تسيطر على المدينة، تتلاحم مع بعض الأحياء السكنية، فليس غريبًا أن تجد في منتصف حي سكني معسكرًا تابعًا لجماعة الحوثي، بحسبما يروي قطب لـ”الوطن”، وهو الأمر الذي شكَّل خطرًا على المدنيين المقيمين في المدينة، واضطر أغلبهم إلى النزوح للمناطق المجاورة والقرى، حتى أصبحت صنعاء مدينة أشباح.. “البلد مفهاش حد كله مشي وسابها مش عايش فيها غير المغتربين والمحاصرين”، وذلك بعد أن اشتدت أزمات الوقود والمواد الغذائية في المدينة.

في عام 2006 غادر الدكتور محمد قطب حرم جامعة حلوان، بعد أن طُلب للانتداب إلى إحدى الجامعات الخاصة في اليمن، ليظل هناك طوال تلك الفترة، ويصبح عميد كلية العلوم الطبية، ونائب رئيس الجامعة بالرغم أنه لم يتجاوز الأربعين من عمره، لكنه وجد في النهاية نفسه مضطرًا إلى التأكد من إغلاق باب منزله وإبعاد أطفاله عن النوافذ، وإطفاء الأنوار، ثم يقضي جزءًا من ليله يدعي الله أن يعود إلى بلاده في أقرب وقت سالمًا.. “أنا محاصر هنا أنا وأولادي نفسي أرجع بلدي مصر”.

عند الحديث عن العودة إلى مصر يجد قطب نفسه محاصرًا في هذه المدينة التي لا تهدأ، وهو بين خيارين أولهما العودة عن طريق السعودية بريًا، حيث سيضطر إلى السفر أكثر من 25 ساعة، وهو طريق محفوف بالمخاطر لن يتحمله أطفاله وزوجته، أو العودة عن طريق الحدود العمانية، وهي الرحلة الأصعب، حيث السفر لمدة 40 ساعة متواصلة، وأمام هذه الخيارات يضطر قطب يوميًا إلى التأكد من إغلاق النوافذ واحتضان أولاده جيدًا، وانتظار رد وزارة الخارجية وإجلائه أسوة بباقي الدول التي تعاملت مع مواطنيها.

 

 

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى