الأخبار

إذا كنتَ عطشان.. اشربْ

 

132

 

 

«إذا كنت ظمآنَ، اشربْ، إن كنتَ جائعًا، كُلْ. لا تَأكُلْ إن لم تكن جائعًا. ولا تشرب إن لم تكن ظمآنَ».. هذا كل ما قاله الكاتبُ شريف الشوباشى، وقامت الدنيا ولم تقعد! والسبب؟ أننا شعبٌ لا يمتلك مشروعًا قوميًّا يشغله بما يفيد. شعبٌ يهرب من العمل إلى الكلام واللغو. شعبٌ يفرُّ من الجدّ إلى الهزل. ومن البناء إلى الهدم. نتركُ المتنَ ونخوض فى الهامش. نترك الجوهر ونركضُ وراء الشكل. نبحث عن قضايا هامشية نقتتل من أجلها.

ولماذا؟ لأننا شعبٌ يحمل فلسفة العقل العربى. وما فلسفةُ العقل العربى؟ كلُّ عربى يجعل من نفسه حكمًا وقاضيا وديّانًا للناس. يُفتشُ فى ضمائرهم، ويُقيم أفكارهم ويُعيّر أعمالَهم ويُدينهم ويحاكمهم ويقتص منهم، ثم يضغط الزناد على مَن لا يروقه. وفى خضّم محاكم التفتيش تلك، ينسى أن يحاكِم ويُدينَ شخصًا واحدًا من بين البشر كافة. ينسى أن يُحاسب نفسَه. فهو يرى نفسَه فوق النقد وفوق المساءلة. فهو الديّانُ الذى لا يُدان. والحَكَم الحاكمُ الذى لا يُحاكَم. ذاك أن معه تفويضًا من الله بامتلاك صكوك الغفران والإدانة.

ما قاله الشوباشى ببساطة هو أن على كل فتاة ترتدى الحجاب دون رغبة منها فى ذلك، أن تطرحه جانبًا. لأن الأصل للإنسانَ أن يكون حُرًّا لا مُنقادًا ذليلاً. مستقلاً لا تابعًا. فإن كان اللهُ- تعالى- قد منح الإنسانَ حريته كاملة، إذ خلقَنا عبادًا أحرارًا لا عبيدًا لعبيد مثلنا؛ فمَن ذا الذى يجرؤ ليقول عكس ما قال الُله: «وهديناه النجدين- فمَن شاء فليؤمنْ ومَن شاء فليكفرْ»، ومَن ذا الذى يتجاسر ليأمر بغير ما أمر الله؟!

نحن بشرٌ مُكلّفون. والحريةُ شرطُ التكليف والمحاسبة. فإن منحنا اللهُ حرية الإيمان والكفر، فهل يسلبنا إنسانٌ حرية الملبس والمأكل والمشرب؟! هل يأكلُ إنسانٌ وهو لا يرغب فى طعام امتثالا لأمر إنسان آخر؟ قال الفيلسوفُ: «بوسعك أن تُجبر حصانك على الذهاب إلى النهر، ولكن مستحيل أن تُجبره على الشرب». فهل يفوقُنا الحصان حريةً وامتلاكًا لإرادته؟! بنفس المنطق ليس بوسع إنسان أن يُجبر فتاة على وضع الحجاب أو تركه. والحجابُ مسألةٌ جدلية اختلف فيها العلماءُ بدليل أن زوجة الشيخ الأزهرى محمد حسن الباقورى وبناته فى أوائل القرن الماضى كُنّ سافراتٍ كاشفاتِ الشعر كما يظهرن فى الصور.

كذلك فتيات المدارس الأزهرية فى ذلك الزمن الذى كان فيه الجوهرُ يعلو على المظهر. ولكن بفرض أنه فرضٌ، هل يُفرَضُ فرضٌ على إنسان، فإن نفّذه مُرغما يُثابُ عليه؟ إن أنا أديتُ الصلاةَ تحت الخوف من سَوطِ إنسان، أكون طائعةً لهذا الإنسان وليس لله، فأى ثواب يمنحنيه اللُه؟! كلُّ ما قاله الرجلُ هو أن يكون المرءُ حُرًّا، لأن اللهَ- تعالى- لا يُحاسبُ إلا أحرارًا.

[email protected]

 

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى