الأخبار

“مال سايب” فى “تحديث الصناعة”

 

57

 

 

قبل نحو 3 سنوات، اجتمع وزير الصناعة الأسبق بقيادات «مركز تحديث الصناعة»، أحد المراكز التابعة للوزارة، وقال لهم: «لو هنحاسب المسئولين عن الفساد فى المركز يبقى هنقفله».

وقتها كانت ملفات المركز «الغامض»، أو ما بقى منها غامضة، لكنها خرجت إلى العلن بعد ثورة 25 يناير، ما ترتب عليه إحالة مسئولى المركز، وفى مقدمتهم رشيد محمد رشيد وزير الصناعة الأسبق الهارب، وأدهم نديم المدير التنفيذى الأسبق للمركز، وحلمى أبوالعيش رئيس المركز الأسبق، إلى القضاء بتهم التربح من المركز.

وعلى الرغم من تصالح مسئولى المركز، وسدادهم المبالغ التى وجهت إليهم تهم بالحصول عليها، وعلى الرغم من إعلان وزراء صناعة ما بعد الثورة عن إنهاء الفساد و«تصحيح مسار عمل المركز»، فإن الوثائق والمستندات التى حصلت عليها «الوطن» تؤكد أن «المال السائب» داخل «تحديث الصناعة» لا يزال دون رقيب أو محاسبة حقيقية، سواء قبل صرف الأموال أو حتى بعدها.

المركز، الذى بدأ عمله فعلياً عام 2000 بمنحة أوروبية تقدر بـ250 مليون يورو وتمويل حكومى بـ105 ملايين يورور، وتبرعات من القطاع الخاص بـ70 مليون يورو، شهد مخالفات وعمليات صرف دون سند قانونى بملايين الجنيهات، إضافة إلى إنفاق أموال فى بنود تقع خارج نطاق اختصاصاته.

36 مليون جنيه تائهة.. و23 مليوناً لـ«اتحاد الصناعات» دون سند.. و 5 ملايين فواتير «محمول» فى سنة

وكشف تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات الذى أرسل إلى إدارة «تحديث الصناعة» فى 20 يناير 2015، عن مخالفات مالية كبيرة من جانب المركز، من بينها تخصيص المركز مبالغ مالية تقدر بـ23 مليون جنيه و447 ألفاً و115 جنيهاً لاتحاد الصناعات تحت بند إعادة هيكلة الاتحاد وغرفه الصناعية، بالمخالفة لاختصاصات المركز الواردة بالقرار الجمهورى رقم 66 لسنة 1999. الأمر لم يتوقف عند اتحاد الصناعات فقد كشف التقرير عن وجود أموال تابعة للمركز لدى جهات «لم يسمها الجهاز» بقيمة 36 مليوناً و872 ألف جنيه، لم يقم المركز حتى الوقت الحالى باتخاذ الإجراءات اللازمة لاسترداد تلك الأموال.

الأوراق تكشف أيضاً عن مفاجأة تدل بشكل واضح على أن أموال «تحديث الصناعة» لا تخضع لأى رقابة ولا محاسبة، فقد صرف المركز مبالغ جملتها 953 ألف جنيه للمجلس الوطنى للتنافسية، لتغطية مصروفات المجلس فى الفترة من يناير حتى مارس 2011، والمفاجأة هنا تكمن فى أن عضو مجلس تحديث الصناعة والمدير السابق للمركز وهو حلمى أبوالعيش كان هو نفسه مؤسس ورئيس المجلس الوطنى للتنافسية.

وتوضح الأوراق أن الجهاز المركزى للمحاسبات أرسل خطاباً إلى مركز تحديث الصناعة فى 29 أكتوبر 2014، حمل رقم 299، يطلب فيه توضيحاً بشأن أسباب صرف تلك الأموال، خاصة أنها ليست ضمن نطاق اختصاصاته، وهو الخطاب الذى رد عليه المركز بأنه استرد 762 ألف جنيه، وأن هناك 191 ألف جنيه لم تسدد بعد، غير أن الجهاز المركزى أرسل خطاباً آخر لـ«تحديث الصناعة» قال فيه: ما زال الجهاز عند رأيه بشأن ضرورة تحديد المسئولية بأسباب صرف المبلغ دون مبرر للمجلس الوطنى للتنافسية وإعطائه تسهيلاً ائتمانياً ودون فوائد بنكية.

وتحدد الاتفاقية الموقعة بين مصر والاتحاد الأوروبى عام 1999 بشأن إنشاء مركز تحديث الصناعة مهام المركز، التى تتمثل فى أن يختص المركز بإعداد وتنفيذ برنامج «تحديث الصناعة» بهدف زيادة القدرة التنافسية الصناعية عن طريق تحسين وتطوير أداء القطاع الصناعى، كما يختص بتقديم الدراسات واقتراح السياسات اللازمة لتحقيق الأهداف، وأنشئ المركز بقرار جمهورى من مبارك، حمل رقم 66 لسنة 1999.

وتكشف الأوراق عن مفاجأة كبرى تتمثل فى قيمة مصروفات المركز على استخدام الهواتف المحمولة، حيث بلغت قيمتها 5 ملايين جنيه و394 ألفاً و944 جنيهاً خلال عام واحد فقط، وهى المخالفة التى رد المركز عليها، فى خطاب إلى الجهاز المركزى للمحاسبات، بأن المبالغ الخاصة بفواتير استخدام المحمول تخصم مباشرة من الرواتب الخاصة بالعاملين مع نهاية كل شهر وفق لوائح إدارية داخلية خاصة بالمركز، وهو التبرير الذى رفضه «المركزى للمحاسبات»، مؤكداً فى خطاب رسمى أن اعتماد مركز تحديث الصناعة على الأمر الإدارى رقم 11 لسنة 2013 بشأن استخدام المحمول لا يعد سنداً قانونياً فى صرف مستحقات الفواتير الخاصة بالعاملين بالمركز.

ورصد الجهاز المركزى للمحاسبات بقية المخالفات التى تمثلت فى عدم وجود لائحة مالية معتمدة للمركز، وعدم التوصل إلى شكل قانونى محدد للمركز رغم انتهاء أجل المنحة الأوروبية فى 2006، إضافة إلى مخالفة تتعلق بعدم وجود رقابة مالية قبل الصرف على حسابات المركز من قبل وزارة المالية بالمخالفة لأحكام المادة 23 من القانون 127 لسنة 1981.

ومن بين المخالفات التى ذكرها الجهاز المركزى للمحاسبات، استمرار قيام المركز بفتح حسابات جارية وودائع بالبنوك التجارية دون الحصول على موافقة وزير المالية على فتح هذه الحسابات ما يعد مخالفاً للقانون الخاص بالمحاسبة الحكومية، إضافة إلى عدم قيام المركز بحصر وتضمين قيمة الأصول المملوكة للمركز بحساباته، ما يترتب عليه عدم إحكام الرقابة على تلك الأصول.

«تحديث الصناعة» أنشأه «مبارك» بقرار جمهورى للحصول على منحة أوروبية بـ250 مليون يورو

وفى الوقت الذى تعانى فيه موازنة الدولة من عجز مزمن، وتعانى بعض قطاعات وزارة الصناعة من أزمة سيولة، كشفت الأوراق عن وجود ودائع مجمدة باسم مركز تحديث الصناعة كودائع لدى البنك العربى الأفريقى الدولى بقيمة بلغت 78 مليوناً و629 ألف جنيه، بجانب تجميد ودائع بقيمة 135 مليوناً و912 ألف جنيه فى بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى، ووفقاً لرد مركز تحديث الصناعة على تلك المخالفة بأنه رفع دعوى قضائية أمام محكمة شمال القاهرة لاسترداد الودائع المجمدة من بنك التنمية الصناعية والعمال، وأنه سيرفع دعوى مماثلة على البنك العربى الأفريقى نظراً لوجود خلافات قانونية.

وعلى الرغم من وجود إدارة قانونية داخل المركز فإن مسئوليه تعاقدوا مع مكتب محاماة دولى للاستشارات القانونية ما أدى إلى تحميل المركز مبالغ إضافية تمثلت فى 47 ألفاً و990 جنيها خلال العام المالى 2012/2013 فضلاً عن دفع مقدم أتعاب 5 آلاف جنيه لأحد المحامين من خارج المركز. وقال التقرير إنه على الرغم من تنبيه الجهاز لهذه المخالفة فإن المركز استمر فى الاستعانة بمحامين من الخارج.

ورصد التقرير مخالفة تمثلت فى قيام المركز بصرف نحو 75 ألف جنيه قيمة مصروفات بعض الفروع التابعة له بالمخالفة لقرارات ترشيد الإنفاق، وترخيص سيارات بلوحات ملاكى دون الحصول على الموافقات اللازمة وبالمخالفة لأحكام المادة 526 من اللائحة المالية للموازنة والحسابات.

كما كشف التقرير عن قيام المركز بالتعاقد مع مراقب مالى وتكليفه بسلطات تنفيذية رغم تجاوزه سن الستين بالمخالفة لأحكام المادة 1 من قرار رقم 24 لسنة 1997 والمتعلقة بتوظيف الخبراء الوطنيين، وقال الجهاز إنه لا يجوز التعاقد أو التجديد إلا بعد العرض على الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة وموافقة وزير التنمية الإدارية، وأنه يبطل كل تعاقد يتم على خلاف ذلك، كما طلب الجهاز من المركز تحديد القيمة المالية التى يتقاضاها المراقب المالى الذى تم التجديد له.

ورصد التقرير صرف مبلغ 3600 جنيه قيمة تذكرة سفر للخارج خاصة بالقائم بأعمال مدير إدارة الموارد البشرية والشئون الإدارية دون إيضاح أسباب السفر ودون الحصول على الموافقات اللازمة للسفر إلى الخارج.

 

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى