الأخبار

حزب النور وحلم التمكين الداعشي

1

 

يتساءلُ السائلون ما الفرق بين تنظيم داعش الدموي الإرهابي الذي يروّع العالم، وبين حزب النور المصري حُلو اللسان طويل اللحية ذي الابتسامة الصافية التي تكسو وجوه أعضائه على شاشات الفضائيات؟
الإجابة التي يعرفها كل مثقف، وكل محلل، وكل قارئ تاريخ جيد، وكل من لديه عقل يفكّر بعيدًا عن الانخداع بزيف الابتسامات الطيبة، وعلامات الصلاة التي تكسو الجباه من فرط الورع، وشعارات العدل والرحمة التي يرفعونها كذبًا لكي يستميلوا البسطاء، هي أن الفارق بين تنظيم داعش وحزب النور، يكمن في كلمة واحدة وحيدة من أربعة حروف: “التمكين”.
التمكين هو المرحلة الخامسة، وقبل الأخيرة، من الخطة سداسية المراحل كما رسمها عرّاب الإخوان، والأب الروحي لكل التنظيمات الإرهابية الجهادية في العالم، الإمام حسن البنّا، سامحه الله على ما قدّمت يداه من ويل للإنسانية وللعرب ولمصر.
ولأطرح فكرة “التمكي”ن بطريقة خفيفية لطيفة ظريفة، دعوني أحكي لكم حكاية تُميت من الضحك، وربما تُميتُ من البكاء. والضحك والبكاء صُنوان كما تعلمون، حال الكلام عن مصر كما قال المتنبي: “ولكنه ضحكٌ كالبُكا”.
(كان الشيخ “محمد المصري” يبتسم ابتسامة تقوى وورع وهو يعظُ مشاهديه: “أخي المسلم عاوزين نتوب إلى الله، وناخد بإيدين اللي لسه ماتبوش. بالله عليك أبوس إيدك مش عاوزين غِلظة على الناس دي. الناس دي مرضى تعبانين مذنبين لازم نشفق عليهم ونكون كالطبيب الخايف على مريضه. لازم تشفق عليه وتشوف أي طريقة مبتكرة لتكون سببًا في توبة إنسان. هاقولك على قصة حلوة مش هتسمعها إلا لما تصلي على النبي. صلى الله عليه وسلم. كان فيه واحد مسلم بجواره واحد يهودي. وكان المسلم يرى في اليهودي شيء من الطيبة ولو كانت بسيطة، فكان عاوز يبتكر أي طريقة عشان يُسلِم بها. فقال له: “يا فلان، أليس لك حاجة في الإسلام؟” يعني منفسكش تُسْلِم؟ فقال اليهودي: “والله ما يمنعني من الإسلام إلا أني أُحب شرب الخمر.” أنا فعلا نفسي أسلم من زمان بس الحاجة اللي منعاني إني مدمن خمر. فالمسلم ابتكر له طريقة. قال له: “أسلِمْ واشربْ الخمر.” فاليهودي وافق وقال: “أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.” فقال له المسلم: “الآن أصبحتَ مسلمًا. فإن شربتَ الخمر، طبّقنا عليك حد الخمر. وإن ارتددتَ عن دين الله، قتلناك.” فثبتَ الرجل على دينه ولم يشرب الخمر أبدًا. ودي كانت حيلة جميلة من أخ مسلم فاضل.)
أرى القارئ غير مصدّق حكايتي، ويظن أنني أتقوّل على أحد الفقهاء الكرام، وربما مَن يُحسن الظن بأولئك الشيوخ الطيبين سيقول إنه كان يمزح. إلى هؤلاء وأولئك أهدي رابط الفيديو ليتيقنوا.

لم يُعلّمنا الشيخُ في درسه القيّم أن الرجل المسلم أدخل اليهوديَّ في الإسلام بحيلة رخيصة. ونسى حديث الرسول: “مَن غشّنا ليس منّا.” ولم يفسّر لنا كيف يكون المسلم كذابًا، وهو عكس ما قاله الرسول حين نفى عن المسلم الكذب. ولم يشرح لنا ماذا يُفيد الإسلام دخول شخص فيه بكذبة، فإن حاول العدول عن اعتناقه، بعد اكتشافه الخدعة، قُتِل؟! فهل يجوز اعتناقُ عقيدة دون اقتناع؟! ولم يشرح لنا سر ابتسامته الواسعة وهو يحكي عن مسلم كاذب مخادع، فيمدحه واسمًا إياه بالذكاء والإبداع، بينما يقدم صورة شوهاء للمسلمين.
كل ما سبق ليس مهمًّا. المهم في الأمر هو شرح مصطلح “التمكين” بتلك الحكاية، بصرف النظر عن رأينا فيها.
التمكين هو مرحلة تتلو مرحلة الابتسام والحنو والإيهام بالتقوى والورع ومحبة الناس، فينخدع البسطاء ويسلّمون زمامَ أمرهم لأولئك الباسمين الورعين، فتبدأ على الفور مرحلة تمكّن تيار الإسلام السياسي من الحكم، ليبدأوا من فورهم مرحلة تقطيع الرقاب والتنكيل بكل من يختلف معهم في الرأي. زاعمين أن القتل والنحر وسرقة الأوطان أوامرُ إلهية واجبة النفاذ! “التمكين” هو الخطوة الخامسة من أصل الخطوات الست التي يتوَّجُ معها حُلمُ التسلط والسيادة العالمية وما يسمونه: “أستاذية العالم” كما حددتها رسائل “حسن البنا”عام ١٩٢٨، فيما أسماها “خطّة التمكين” أو “دولة الخلافة”، عبر مراحل ستة هي على التوالي: “الفرد- الأسرة- المجتمع- الحكومة- دولة الخلافة الإسلامية- أستاذية العالم.
ونعود لسؤال المقال. ما الفارق بين حزب النور المصري، وكل ما على شاكلته، وبين تنظيم داعش وبوكو حرام وكل ما على شاكلتيهما؟
الفارق هو “التمكين”. ذكور داعش يمتلكون السلاح، ويغيب القانونُ عن مساحات تحركهم. وهما الأمران اللذان ينقصان حزب النور حتى هذه اللحظة. حزب النور المصري ينتظر غياب القانون المصري، عن طريق الاستيلاء على البرلمان ليضعوا القوانين التي تناسبهم ويكتبون الدستور الذي يؤمّن دمويتهم، وحينئذ، لن يتبقى إلا أن يشتروا بعض الخناجر والسيوف أمريكية الصنع، لتبدأ مرحلة تقطيع الرقاب على نهج داعش وبوكو حرام وأنصار بيت المقدس وغيرها.
أفيقوا أيها المصريون. التمكين على الأبواب، وداعش لا تحتاج إلى جوازات سفر لتدخل مصر، لأنها بالفعل داخل الحدود المصرية، يُعوزها فقط، بعضُ النصال الحادة.

 

نيوز بكرا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى