الأخبار

الجيش لن يوافق على التوريث

3

فى الحلقة الثانية من كتابه «لغز المشير» (تحت الطبع)، يكشف الكاتب الصحفى مصطفى بكرى، تفاصيل موقف المشير طنطاوى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة من الأحداث التى شهدتها البلاد خلال ثورة 25 يناير..

ويلقى المؤلف الضوء على الأسباب التى دفعت المشير طنطاوى إلى رفض اقتراح الفريق سامى عنان رئيس الأركان، بالانقلاب على نظام «مبارك» بعد أربعة أيام من اندلاع المظاهرات، مروراً بالأحداث التى شهدتها البلاد حتى رحيل الرئيس مبارك عن السلطة فى الحادى عشر من فبراير. وتتناول الحلقة تفاصيل اللقاء المهم الذى جرى برئاسة «مبارك» وحضور اللواء عمر سليمان نائب الرئيس، والمشير حسين طنطاوى القائد العام، والطلب الذى أبلغه زكريا عزمى رئيس الديوان، إلى المشير طنطاوى بأن يتولى الجيش إدارة البلاد قبل تدهور الأوضاع.

فى الثامن والعشرين من يناير 2011، كانت الأوضاع الأمنية فى البلاد تزداد سوءاً، لقد انهارت الشرطة فى هذا اليوم، بفعل المؤامرة الإخوانية، حيث بدأت عمليات واسعة لحرق الأقسام والاعتداء على مديريات الأمن ومبنى وزارة الداخلية، كما شملت الاعتداءات عدداً من المنشآت الحيوية الحكومية والخاصة..

كان الجيش المصرى يرقب الأوضاع ويتابعها، لقد تولى المشير حسين طنطاوى، القائد العام ووزير الدفاع، بنفسه قيادة مركز عمليات القوات المسلحة الرئيسى رقم (66) منذ اليوم الأول لاندلاع الأحداث فى الخامس والعشرين من يناير.. وكانت لدى المشير قناعة بأن الاحتجاجات سوف تتصاعد سريعاً، وقد تقود إلى صدامات بين الشرطة والمتظاهرين..

أدرك المشير أن الرئيس مبارك لن يستجيب لمطالب المتظاهرين. كان المشير يعرف أن الرئيس لم يعد يستمع إلا إلى مجموعة صغيرة تحيط به، ولا تجرؤ على إبلاغه بحقائق الأوضاع، وكان يعرف أن كل من يقترب من هذه الدائرة أو يسعى إلى مواجهتها أو كشف دورها لن ينجو من تآمرها؛ لذا ظل يحذر الرئيس من خطورة الأوضاع حتى فترة طويلة، إلا أنه لم يجد آذاناً مصغية، فقرر التزام الصمت..!!

وعندما اتصل به حبيب العادلى وزير الداخلية، ظهر الجمعة 28 يناير، ليقول له إن الرئيس طلب منه إبلاغه بضرورة نزول الجيش إلى الشارع بعد انهيار الشرطة، سأله على الفور: ولماذا لم يتصل بى؟!

قال حبيب العادلى: لقد أبلغت الرئيس أن الشرطة انهارت وباتت عاجزة عن التصدى للمخاطر والمؤامرة التى تتعرّض لها البلاد، فطلب منى أن أبلغك بضرورة نزول الجيش إلى الشارع على الفور.

قال المشير: أنا حتصرف..

لم يكن المشير مرتاحاً للتعامل مع حبيب العادلى، كانت هناك جفوة غير معلنة بين الطرفين، وكان المشير يحمّل حبيب العادلى مسئولية الكثير من الأحداث التى شهدتها البلاد وأثارت سخط الكثيرين، غير أنه أدرك أن اللحظة تستوجب النظر إلى الأمام..

وعلى الفور قام المشير طنطاوى بالاتصال بالرئيس مبارك، وقال له: لقد أبلغنى حبيب العادلى على لسانك ضرورة نزول الجيش إلى الشارع لحماية البلاد بعد انهيار الشرطة.

قال «مبارك»: نعم هذا صحيح، وأرجو منك أن تحرّك القوات على الفور لحماية المنشآت المهمة ومنع تدهور الأوضاع.

لم ينتظر المشير كثيراً، أصدر أوامره على الفور بنزول القوات بعد أن عقد اجتماعاً قصيراً مع القيادة العامة للقوات المسلحة.

وقبيل الخامسة بقليل كانت طلائع قوات الجيش قد بدأت تصل إلى ميدان التحرير، كما أن قوات من الحرس الجمهورى بدأت تطوق مبنى الإذاعة والتليفزيون لحمايته، بعد أن وصلت معلومات عن احتمال اقتحامه.. كما تم إعلان حظر التجول، ليبدأ فى هذا اليوم من الساعة السادسة مساءً وحتى السابعة صباح اليوم التالى.

وفى الوقت الذى تقدمت فيه بعض السيارات العسكرية المدرعة إلى ميدان التحرير، قام عدد من المتظاهرين بإحراق ثلاث منها على الأقل، ظناً منهم أنها من قوات الحرس الجمهورى وأنها جاءت لإمداد رجال الشرطة بالأسلحة والذخائر.

وعندما اتصل اللواء حسن الروينى، قائد المنطقة المركزية، بالمشير طنطاوى، ليُبلغه بما حدث، قال له: لا يجب التصدى لأحد، اتركوهم، ولا تنجرّوا إلى الصدام مع المتظاهرين بأى حال من الأحوال.

قال اللواء الروينى: ولكن هناك سيارة عسكرية تم اختطافها! قال المشير: ليس مهماً، حتماً سيتمكن رجالنا من إعادتها مرة أخرى.

فى مساء اليوم ذاته، جرى عقد اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة، تم خلاله تدارس الأوضاع، كانت الصورة الماثلة أمام الجميع أن النظام بات فى خطر شديد، وأن حركة الاحتجاجات سوف تتزايد، خاصة بعد نزول عناصر الإخوان بكامل طاقتهم وارتكابهم أعمال عنف واسعة فى البلاد.

كان السؤال المطروح فى هذا الاجتماع: ماذا نفعل؟، وأى طريق سوف نسلك؟

جاءت الإجابة على لسان المشير طنطاوى: نحن مع الشعب ولن نستخدم العنف أبداً ضده مهما كان، ومهما حدث..

كان رئيس الأركان الفريق سامى عنان غائباً عن القاهرة فى هذا الوقت، حيث قام بزيارة إلى الولايات المتحدة، لبحث أسس التعاون العسكرى بين مصر والولايات المتحدة، كانت محدّدة سلفاً وقبل تدهور الأوضاع فى البلاد.

وقد استمرت زيارة الفريق سامى عنان نحو أربعة أيام، حيث غادر القاهرة يوم 24 يناير، متجهاً إلى باريس، ومنها إلى الولايات المتحدة.

وفى الثامن والعشرين من يناير قرر الفريق سامى عنان قطع زيارته إلى الولايات المتحدة للعودة إلى مصر، خاصة بعد أن جرى اتصال بينه وبين المشير طنطاوى، أكد فيه المشير تدهور الأوضاع فى البلاد.

كان سامى عنان يتناول إفطاره فى هذا الوقت مع اثنين من القادة العسكريين الأمريكيين، حيث تلقى اتصالاً من المشير، طالبه فيه بضرورة العودة فوراً، فقام بإبلاغ القيادة العسكرية الأمريكية بقطع زيارته والعودة إلى مصر.

كان الرئيس الأمريكى باراك أوباما قد شكّل غرفة عمليات رئيسية داخل البيت الأبيض من كبار مسئولى الخارجية والأمن القومى والبنتاجون ووكالة الاستخبارات الأمريكية، برئاسته، لمتابعة تطورات الأوضاع فى مصر.

وعندما علم «أوباما» أن رئيس أركان حرب القوات المسلحة قد قطع زيارته وقرر العودة إلى مصر أرسل إليه قائد القوات الأمريكية المشتركة، حيث التقاه فى قاعدة «أندروز» التى توجه إليها سامى عنان، لبدء رحلة العودة إلى مصر.

 

أبلغ القائد الأمريكى الفريق عنان قلق الإدارة الأمريكية من جراء الأحداث المتصاعدة فى مصر، واستفسر منه عن موقف الجيش المصرى تجاه التعامل مع المتظاهرين، وعما إذا كان سيلتزم الحياد أم لا؟!

كانت إجابة الفريق عنان: «إن الجيش المصرى لن يستخدم القوة أبداً ضد أبناء الشعب، بل ستكون مهمته هى حماية المتظاهرين والحفاظ على الأمن والاستقرار فى البلاد».

وعندما وصل الفريق سامى عنان إلى القاهرة فى صباح يوم السبت 29 يناير توجه على الفور إلى مبنى وزارة الدفاع والتقى المشير طنطاوى، وبعد مناقشات حول أبعاد ما جرى، طرح الفريق عنان على المشير طنطاوى حسم الموقف والقيام بانقلاب عسكرى للحيلولة دون تدهور الأوضاع، ثم يتلو ذلك إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الانتهاء من الفترة الانتقالية التى يجب ألا تزيد على عام واحد، لكن المشير طنطاوى رفض ذلك، وقال: «إن زمن الانقلابات العسكرية ولى، وإن القوات المسلحة ستترك الخيار للشعب، هو الذى يقرّر مصيره بنفسه، وكل دورنا هو حماية هذا الشعب ومنع استخدام أى عنف يمارَس ضده».

اقتنع الفريق سامى عنان بوجهة نظر المشير، وتم صرف النظر عن هذا الاقتراح، خاصة أن الرئيس مبارك كان قد عيّن السيد عمر سليمان، مدير المخابرات العامة، فى منصب نائب رئيس الجمهورية، بعد أن رفض المشير طنطاوى تولى المنصب رغم الإلحاح الشديد من الرئيس مبارك، وفضّل أن يظل فى منصبه وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وقال له لا يصح أن تبقى وزيراً وعضواً فى حكومة يترأسها الفريق أحمد شفيق، الذى هو أقل منك فى الرتبة العسكرية»، إلا أن المشير طنطاوى قال إن هذا ليس مهماً، المهم هو أن يؤدى كل منا دوره فى حماية البلد من الانهيار، حاول «مبارك» كثيراً، لكن المشير كان يقول للمقربين، «إنه لا يريد شيئاً، ويوم أن يترك وزارة الدفاع فلن يذهب إلا إلى منزله، ولن يقبل بأى منصب آخر».

قبل أن يعرض «مبارك» المنصب على المشير طنطاوى كان قد خرج فى ليلة الجمعة 28 يناير بخطاب لم يلقَ تجاوباً جماهيرياً كما توقع، رغم أنه أقال الحكومة فى هذا الخطاب ووعد بتكليف حكومة جديدة.

فى اليوم التالى تجدّدت المظاهرات، وقدّمت الحكومة استقالتها وأصدر الرئيس قراراً باستمرارها فى تسيير الأعمال، لحين تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة الفريق أحمد شفيق.

كان المشير يتابع الموقف عن كثب، وقد انزعج كثيراً من المحاولة التى استهدفت حياة اللواء عمر سليمان نائب الرئيس، مساء 30 يناير، وأصبحت لديه قناعة بأن هناك من لا يريد حدوث أى تغيير فى البلاد، وعندما حضر الاجتماع الذى عُقد برئاسة الرئيس مبارك يوم الاثنين 31 يناير للحكومة الجديدة، أدرك أن الرئيس مصمم على المضى فى الطريق ذاته، وأن الأحداث التى تمر بها البلاد، لم تدفعه إلى مراجعة مواقفه، وأنه يتعامل مع الأحداث الجارية دون اكتراث، واعتقد أن المظاهرات سرعان ما ستنفض ويعود المتظاهرون إلى ديارهم..

كان المشير طنطاوى يتحسّب لاحتمالية صدور أمر من القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية إلى الجيش بالتصدى للاحتجاجات الشعبية، ولذلك قرر أن يعلن موقف الجيش مبكراً..

فى صباح الأول من فبراير 2011، دعا المشير إلى اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة برئاسته، وبحضور الفريق سامى عنان، رئيس الأركان ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، وقادة الجيوش الرئيسية ومدير المخابرات الحربية وبعض القادة الآخرين.

فى هذا اللقاء تحدّث المشير مطولاً عن المخاطر التى تمر بها البلاد، وقال: إن «الجيش المصرى أخذ على نفسه عهداً منذ زمن طويل، باحترام إرادة الشعب المصرى، باعتباره أصل الشرعية».

وقال: إن «المرحلة التاريخية التى تمر بها مصر.. والاحتجاجات التى شهدتها البلاد هى تعبير عن مطالب شعبية مشروعة، وإن الجيش المصرى لا يمكن أن يقف فى مواجهة هذه المطالب».

وقال المشير: إن القوات المسلحة حسمت خيارها وانحازت إلى الشعب منذ اللحظة الأولى، ونحن لن نسمح أبداً باستخدام القوة أو أى شكل من أشكال العنف ضد المتظاهرين. وقال المشير إن جماعة الإخوان نجحت فى احتواء المظاهرات وقيادتها من خلف ستار، وإن أحداث العنف التى شهدتها مصر خلال الأيام القليلة الماضية أكدت أننا أمام تنظيم مسلح. وقال إن الحل ليس فى الصدام مع المتظاهرين، بغض النظر عن مخطط الإخوان، لكن تحركنا فى المرحلة الأولى يجب أن يضع نظره على الشعب وحماية الدولة من مخطط السقوط المعد لها.

واقترح المشير طنطاوى إصدار بيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يؤكد هذه المعانى. وقال: إن هذا البيان سيكون إلزاماً للجميع، وهو رسالة أيضاً موجّهة إلى الشعب وإلى النظام، وبالفعل تمت صياغة البيان الذى أكد رفض استخدام القوة وتفهم المطالب المشروعة للشعب.

لقد أكد البيان أن القوات المسلحة هى الدرع الواقية والحصن الأمين لهذا الشعب العظيم وحمايته من الأخطار المحيطة به، وأن تراب هذا البلد ممزوج بدماء المصريين على مر التاريخ.

بعد الموافقة على هذا البيان أقسم الحاضرون على المصحف الشريف لحماية الشعب وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. بعد انتهاء الاجتماع تم تكليف اللواء إسماعيل عتمان بإذاعة البيان فى التليفزيون المصرى دون إخطار وزير الإعلام أنس الفقى، حيث قام عبداللطيف المناوى رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون، بتسهيل المهمة، مما أثار غضب كبار المسئولين، وفى مقدمتهم الرئيس مبارك الذى فوجئ بصدور هذا البيان الذى اعتبره البعض مؤشراً على بداية النهاية للنظام.

أحدثت إذاعة البيان ردود فعل إيجابية واسعة فى الشارع المصرى، وأدرك المتظاهرون أن الجيش المصرى لن يتخلى عن مطالبهم، ووجدوا فيه سنداً قوياً، وهتفوا فى الميدان للجيش وللمشير طنطاوى.

كانت الشائعات قد انطلقت حول موقف الجيش بعد زيارة الرئيس مبارك ونجله إلى مركز عمليات القوات المسلحة (66) يوم 30 يناير، حيث راح البعض يردّد أن الجيش ربما يدعم الرئيس. ورغم أن المشير طنطاوى نزل فى اليوم نفسه إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، وظهر وهو يقول لأحد الجنود «شدوا حيلكم.. مصر محتاجة لكم»، إلا أن الشائعات لم تتوقف، إلا بصدور البيان التاريخى للقوات المسلحة فى الأول من فبراير. لم يدرك البعض أن المشير كان يريد أن يبعث برسالة إلى الجميع، وأن دور القوات المسلحة سيكون أساسياً وفاصلاً فى هذه الأحداث.

فى مساء اليوم ذاته، الأول من فبراير، عقد الرئيس مبارك اجتماعاً بحضور كل من عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، وأحمد شفيق رئيس الوزراء، والمشير طنطاوى القائد العام ووزير الدفاع، والفريق سامى عنان رئيس الأركان، واللواء نجيب عبدالسلام قائد الحرس الجمهورى، بينما بقى كرسى وزير الداخلية الجديد اللواء محمود وجدى، شاغراً إلى حين وصوله.

فى هذا الاجتماع وجّه الرئيس اللوم إلى المشير طنطاوى بسبب البيان الذى أصدرته القيادة العامة للقوات المسلحة، وأكدت فيه تفهمها المطالب المشروعة للمتظاهرين وعدم استخدام العنف ضدهم.

وعندما تساءل الرئيس عن السبب فى إصدار هذا البيان، رد المشير بأن البيان يعكس موقف القوات المسلحة المعروف برفض استخدام العنف ضد أبناء الشعب المصرى، وهو موقف ليس جديداً، بل هى عقيدة ثابتة!

وعندما قال الرئيس: ولكن هذا البيان سوف يشجّع المتظاهرين على الاستمرار فى التصعيد ورفع سقف المطالب، كما أن ذلك ما كان يجب أن يتم دون التشاور مع القائد الأعلى؛ قال المشير: كان يجب أن تكون هناك خطوات عملية، لتهدئة مشاعر الغاضبين والمتظاهرين.

وساعتها قال الرئيس: «ألا تدركون أنكم أنتم المسئولون عن حماية الشرعية؟!»، فرد الفريق سامى عنان قائلاً: «نحن قلنا إننا لن نتورط فى إراقة دم المتظاهرين»، وهنا قاطعه الرئيس مبارك وقال «دم.. دم إيه.. كفانا الله شر الدماء، أنا أردت فقط أن أقول إنكم حسمتم أمركم مبكراً دون العودة إلىّ بصفتى القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأكرر كلامى أرجو ألا تنسوا أنكم مسئولون عن حماية الشرعية»!!

فى مساء هذا اليوم، أذاع التليفزيون المصرى خطاباً جديداً للرئيس مبارك حذّر فيه من خطر الفوضى، ووعد فيه بعدم الترشُّح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية.

تميّز خطاب «مبارك» فى هذا اليوم بالعاطفية الشديدة، وهو ما دفع الكثيرين إلى الانصراف من ميدان التحرير فى اليوم التالى، ولولا أحداث موقعة «الجمل» ودور الإخوان فى إشعالها، لانتهى كل شىء فى هذا الوقت.

فى الثامن من فبراير 2011، دعا نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان كبار الصحفيين ورؤساء التحرير إلى اجتماع بالقصر الجمهورى بالاتحادية، كان القصر محاطاً بمركبات عسكرية وأسلاك شائكة من كل اتجاه، وبعد انتهاء الحوار الذى استمر عدة ساعات، خرجنا للانصراف.

فى هذا الوقت، التقيت المشير طنطاوى فى الصالة الرئيسية للقصر، كان فى طريقه إلى الصعود لمقابلة الرئيس مبارك، سألته عن الأخبار، فقال: ربنا يسهل، حاولت أن أحصل منه على معلومة واحدة عن سيناريو الأحداث المقبلة، فقال بابتسامته المعروفة: ماتخافش على مصر، ثم سرعان ما انصرف!!

مضيت فى طريقى إلى مقر الصحيفة بوسط القاهرة، كان التوتر فى الشارع المصرى يتزايد، وكان الإخوان يدفعون المتظاهرين إلى ممارسة المزيد من الضغط على الرئيس مبارك للرحيل.

فى هذا الوقت، التقى زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، مع المشير طنطاوى، وكرر عليه مجدداً القول: «شيلها يا سيادة المشير، انت توافق بس، واحنا نطرح الموضوع على الرئيس، وهو لن يمانع أبداً، هو نفسه لا يريد الاستمرار، وخايف يسيب البلد تضيع، لكن مع الجيش مش حتضيع»!!

لم تكن هناك إجابة محدّدة لدى المشير، كان يعرف تماماً، أن القرار بيد الرئيس، وأن «مبارك» ما زال متمسكاً بالسلطة بفعل ضغوط داخل البيت الرئاسى، حتى إن كان لا يرغب بالاستمرار فى تحمل المسئولية.

كان المشير يريد انتقالاً سلمياً للسلطة، خوفاً من ردود الفعل وحدوث انشقاقات، وكان يعرف أن القرار لم يصدر بعد، وأن الرئيس يتعامل مع الأحداث ببطء شديد. كان الموقف فى منتهى الخطورة والحساسية، وكان يتمنّى ألا يحدث أى صدام بين الجيش والرئيس، لأنه كان يعرف خطورة ذلك وتداعياته فى ظل محاولات التربُّص بمصر والضغوط التى تمارسها الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية، جنباً إلى جنب مع جماعة الإخوان. كانت المعلومات تقول فى هذا الوقت إن الرئيس أوباما يضغط من أجل تشكيل حكومة انتقالية برئاسة «البرادعى»، وإن «مبارك» يرفض ذلك بكل قوة.

بدأت الشائعات تنتشر فى كل مكان، لقد قيل: إن «مبارك» يريد إجراء تغييرات فى القيادة العسكرية والإتيان بوزير دفاع ورئيس للأركان جديدين، طرحت أسماء عديدة، إلا أن عمر سليمان حذر من خطورة أى تغيير فى المناصب العسكرية، لأن ذلك من شأنه إحداث قلاقل كبيرة داخل الجيش، كما أن «مبارك» لم يكن متحمساً لهذا التغيير الذى يحاول البعض دفعه إليه.

 

وفى يوم الأربعاء التاسع من فبراير، التقى الرئيس بنائبه عمر سليمان، ووزير الدفاع المشير طنطاوى، فى جلسة مشتركة، وكان الهدف من اللقاء هو الاطلاع على سيناريو الأحداث، شعر المشير فى هذا اللقاء بأن «مبارك» تراجع عن وعوده بنقل السلطة إلى عمر سليمان، وأنه لا يزال مصراً على التعامل مع الأحداث الساخنة فى الشارع المصرى بنفس سياسة رد الفعل والبطء الشديد فى اتخاذ القرارات!

فى اليوم التالى دعا المشير طنطاوى إلى اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان هذا الاجتماع رسالة واضحة إلى الرئيس مبارك، الذى فوجئ بعقد الاجتماع دون أن يُدعى إليه، فأدرك حقيقة الموقف، خاصة بعد صدور البيان الأول فى الساعة الخامسة وخمس وعشرين دقيقة من ذلك اليوم (الخميس 10 فبراير)، حيث أكد البيان «أن المجلس سيظل مستمراً فى الانعقاد، لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموح شعب مصر العظيم».

وفى مساء الليلة ذاتها، كان خطاب الرئيس مبارك الذى اعترف فيه أن نظامه ارتكب أخطاءً عديدة، وقال إنه عازم على تصحيحها، وإنه لن يرشح نفسه مرة أخرى وإنه يفوض نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان فى اختصاصات رئيس الجمهورية على النحو الذى يحدّده الدستور.

وأكد «مبارك» فى خطابه الذى جرت إعادة صياغته بطريقة مملة أنه بصدد إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة ومتابعتها، وأنه أصدر تعليماته بالانتهاء من التحقيقات فى سقوط الشهداء والجرحى وإحالتها إلى النائب العام.

بعد خطاب «مبارك»، أشعل الإخوان الاحتجاجات مرة أخرى، وراحوا يهتفون ويطالبون «مبارك» بالرحيل، لقد استطاعوا حشد الجميع خلفهم، وأصبح الميدان بأيديهم كاملاً، نظموا أنفسهم وأصبحوا على قناعة تامة، أن بقاء «مبارك» يعنى تصفية وجودهم التنظيمى والقبض عليهم جميعاً، ومحاسبتهم على جرائمهم التى كانت ملامحها قد بدأت فى الظهور تدريجياً. مارس الإخوان ضغوطهم على وائل غنيم الناشط السياسى، الذى لعب دوراً فى إثارة الجماهير وتحريضها من خلال موقع «كلنا خالد سعيد»، فقد أدلى بتصريحات يؤيد فيها نقل اختصاصات الرئيس إلى عمر سليمان، إلا أنه سرعان ما تراجع عنها بعد الهجوم الشديد الذى تعرّض له، وقال إن تصريحاته قد جرى تحريفها.

وبعد أن اشتعل ميدان التحرير بهتاف «ارحل»، قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقد جلسة أخرى فى تمام الثانية عشرة والنصف من بعد منتصف اليوم ذاته، وظل الاجتماع مستمراً حتى الثالثة والنصف فجراً.

وقد استعرض المجلس برئاسة المشير، الأوضاع فى البلاد بعد خطاب الرئيس مبارك، وكان الاتجاه الأغلب هو تأييد نقل الاختصاصات إلى نائب رئيس الجمهورية، دار نقاش طويل، وكان المشير من أنصار نقل السلطة سلمياً، لتجنيب البلاد مخاطر الفوضى والانهيار.

وعندما طرح البعض من أعضاء المجلس الموقف الجماهيرى الرافض مضمون هذا الخطاب، وحذّر من خطورة الزحف الجماهيرى الذى دعت إليه عناصر الإخوان إلى مبنى القصر الجمهورى ومحاصرة مؤسسات الدولة ومبانى الحكومة ومجلسى الشعب والشورى ومبنى الإذاعة والتليفزيون، كان الحل هو إصدار بيان يتعهد فيه الجيش بضمان تنفيذ المطالب الشعبية المعلنة.

كان اللواء مراد موافى رئيس جهاز المخابرات العامة، قد أكد فى اتصال مع كل من عمر سليمان والمشير طنطاوى أن المعلومات التى لديه تؤكد احتمال وقوع صدامات واسعة خلال زحف المتظاهرين إلى القصر الجمهورى حال عدم إقناعهم بالتراجع.

لقد ناقش أعضاء المجلس الأعلى مضمون هذا التقرير وخطورته، فى ضوء الرفض الشعبى، وتقرر عقد اجتماع آخر للمجلس فى العاشرة من صباح اليوم التالى الجمعة 11 فبراير، وفى ضوء المناقشات تقرر إصدار بيان للجماهير، لتحديد الموقف من المطالب الشعبية.

وفى الحادية عشرة وخمسين دقيقة، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بياناً تعهد فيه بإجراء التعديلات الدستورية وإنهاء حالة الطوارئ بعد انتهاء الظروف الحالية والفصل فى الطعون الانتخابية، وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة فى ضوء ما سيتقرر من تعديلات دستورية، على أن تضمن القوات المسلحة تنفيذ هذه الإجراءات فى التوقيتات المحدّدة.

لم يكن المشير طنطاوى يرغب فى الانقلاب على «مبارك»، بل كان يأمل فى تنفيذ المطالب الجماهيرية، وتهدئة الشارع بضمانة من الجيش المصرى، الذى أعلن عن انحيازه إلى هذه المطالب الشعبية منذ اليوم الأول.

كان المشير يعرف أن الإخوان هم الذين يقودون التظاهرات ويحرّضون على الصدام، وكان يدرك أن البلاد تتعرّض فى هذا الوقت لمؤامرة كبرى، أطرافها خارجية وداخلية، وأن الهدف ليس تغيير النظام، وإنما إسقاط الدولة. وكان ذلك مبنياً على معلومات سابقة أكدتها الأحداث الجارية.

لقد نشرت صفحة تُدعى «سلاح الجو المصرى» على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» فيديو للمشير طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة، تحدث فيه بصراحة ووضوح عن الأعداء المتربّصين بالوطن من الداخل والخارج.

وقال المشير طنطاوى فى كلمة ألقاها وسط جنود وضباط القوات المسلحة قبيل ثورة 25 يناير بأسبوعين «إنه لا يهتم كثيراً بأعداء الخارج، لأنهم معروفون جيداً»، إلا أنه قال «إن المصيبة فى عملاء الداخل، لأن هؤلاء هم الأشد خطراً على مصر».

وقال المشير «إن الأحداث التى تشهدها المنطقة ليست صدفة، بل ينفذها عملاء وخونة من الداخل»، وأضاف «يجب ألا نيأس أبداً، لأننا نعرف أن عدو الداخل هو من يعمل لمصلحته ومصالح أعداء الوطن، وهو خائن وأخطر علينا من العدو الخارجى».

وقال المشير: إن «القوات المسلحة مسئولة عن أمن مصر، ويجب أن نكون جاهزين لأى مهمة تُطلب منا حتى لا تصبح مصر مثل أفغانستان أو العراق، يجب الحرص على مصر، لأن مصر هى القلب المراد، ولو حدث شىء تكون المنطقة بأسرها قد انتهت، وهذا لن يحدث، ومصر ستستمر شعلة الوطنية والقومية والأمن والأمان فى المنطقة كلها».

كانت تلك كلمات المشير قبل انطلاق أحداث الثورة بأسبوعين، وكان ذلك مبنياً على معلومات موثّقة قدمتها إليه المخابرات الحربية المصرية، التى حذرت مبكراً من خطورة مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذى يهدف إلى استغلال الرفض الشعبى لممارسات النظام فى مصر فى تفجير الأوضاع ونشر الفوضى فى البلاد والعمل على إسقاط الدولة، بزعم تغيير النظام.

كان هاجس المشير طنطاوى هو الحفاظ على الجيش المصرى وتماسكه ووحدته، كان يدرك تماماً أن المخطط يستهدف الجيش أولاً وأخيراً، ذلك أنه لو تمكنت أطراف المؤامرة من إحداث صدام بين الجيش والمتظاهرين، فستكون تلك هى بداية الانهيار.

من هنا كان إصرار المشير طنطاوى على الحذر فى كل التحركات، والتأكيد لدى قادة الجيوش والأفرع على عدم الصدام والخضوع للاستفزازات وتفويت الفرصة على هؤلاء الذين يسعون إلى جرجرة الجيش المصرى.

وكان المشير يدرك أيضاً أن التحريض الحاصل فى الشارع من الإخوان تحديداً، يحتاج إلى تعامل من نوع مختلف، ولذلك كانت تعليماته للحرس الجمهورى، بالامتناع عن الرد على أى استفزازات يتعرّض لها خلال محاصرة المتظاهرين للقصر الجمهورى، بل زيادة فى الحرص صدرت التعليمات إلى كبار الضباط بالحرس الجمهورى بجمع الذخيرة الحية من رجال الحرس الجمهورى وتسليمهم ذخيرة «فشنك»، خوفاً من أن يتهور أحدهم ويطلق الرصاص الحى على المتظاهرين، فتدخل البلاد إلى مرحلة خطيرة قد تؤدى إلى فوضى يعقبها تدخل دولى وفرض عقوبات على الجيش المصرى لإضعافه وتفكيكه.

ورغم أن كثيراً من الشباب الذين كانوا يقودون المظاهرات، ومنهم وائل غنيم وعمرو سلامة ومصطفى النجار وعبدالرحمن يوسف ومحمد دياب ومحمد إمام قد رحّبوا ببيان القوات المسلحة رقم «2»، فإن الصوت الأعلى كان لعناصر الإخوان فى الميادين، ومن ثم فقد ضاعت جميع الأصوات الأخرى التى رحّبت بالضمانات التى وضعتها القوات المسلحة.

فى هذا الوقت كان أمام المشير طنطاوى وأعضاء المجلس الأعلى أحد خيارين:

– إما مواجهة المتظاهرين والصدام معهم.

– وإما استيعاب الموقف وتفويت الفرصة.

كان المشير طنطاوى من أنصار الحل الثانى، وكان يدرك أن الصدام مع المتظاهرين سيُحقق هدف الإخوان، ولم يكن فى استطاعته فى هذا الوقت أن يكشف عن مخطط الإخوان الذين استعدوا جيداً لهذا الصدام، كما أن أحداً من المتظاهرين الغاضبين لن يصدق غير ما يعتقد أنه صحيح، ناهيك عن الموقف الدولى ومحاولة التربُّص بمصر.

وكان «مبارك» أيضاً على قناعة بخطورة هذا المخطط، إلا أن حساباته كانت خاطئة منذ البداية، ولذلك عندما تصاعدت الأوضاع، لم يكن أمامه من خيار سوى الانتقال إلى شرم الشيخ، بعد نصيحة من المقربين، فغادر فى اليوم التالى فى تمام الثانية عشرة والنصف ظهراً، أى مع بدايات زحف المتظاهرين إلى القصر الجمهورى.

وفى هذا الوقت التقى عمر سليمان، والفريق أحمد شفيق، ووزير الخارجية أحمد أبوالغيط، ووزير الداخلية اللواء محمود وجدى، والدكتور زكريا عزمى رئيس الديوان، فى مكتب رئيس الحرس الجمهورى، بمقر إدارة الحرس القريب من القصر الرئاسى، بحضور اللواء نجيب عبدالسلام قائد الحرس الجمهورى.

وقد تدارس الحاضرون تطورات الأوضاع الخطيرة التى تمر بها البلاد، وبعد المناقشات، اتصل اللواء عمر سليمان بالمشير طنطاوى، وقال له: سأحضر إليك أنا والفريق أحمد شفيق.

كان أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حالة انعقاد مستمر، ظلوا جميعاً فى أماكنهم، وباستثناء قادة الجيوش فإن أحداً لم يغادر مبنى القيادة العامة فى وزارة الدفاع.

وفى الواحدة والنصف ظهراً، وصل إلى مكتب المشير كل من النائب عمر سليمان والفريق أحمد شفيق، كان الموقف صعباً للغاية، أدرك الجميع أن أحداً لن يستطيع إقناع الأصوات الهادرة التى كانت تزحف إلى القصر الجمهورى وبقية المنشآت الاستراتيجية، بعد أن أصبحوا وحدهم فى الشارع، وبات الوضع مهيأً لاقتحام هذه المؤسسات رغم التنبيهات.

كان أكثر ما يخيف المشير طنطاوى فى هذا الوقت، هو انفلات الأوضاع، حاول الإخوان فى هذا الوقت افتعال الصدام مع الحرس الجمهورى، إلا أن حكمة العسكريين فوتت عليهم الفرصة!

لقد اعتمد المشير طنطاوى فى هذا الوقت سياسة «الاحتواء»، باعتبارها الخيار الوحيد الأكثر أماناً، كان يدرك أن الشحن المجتمعى ورفض النظام بسبب ممارساته، أكبر من أن ينتهى بطلقة رصاص، ذلك أن الطرف الآخر (الإخوان وتابعيهم)، كانوا قد استعدوا لذلك اليوم جيداً والدليل على ذلك نجاحهم فى حرق وتدمير أكثر من 161 قسماً للشرطة فى يوم واحد، والاستيلاء على كثير من أسلحة الشرطة، ناهيك عن إفراجهم المتعمّد على أكثر من 23500 سجين من العناصر الإجرامية الخطرة من جميع السجون المصرية التى جرى اقتحامها.

وكانت التقارير المقدّمة من الشرطة العسكرية وقائدها اللواء حمدى بدين، تؤيد معلومات المخابرات الحربية والعامة من أن هناك عناصر أجنبية من جنسيات متعدّدة أمريكية وبريطانية وألمانية وإسرائيلية وتونسية وقطرية وحمساوية كلها موجودة فى ميدان التحرير وبعض الميادين الأخرى، وأنها تلعب دوراً مهماً فى التحريض والإثارة.

 

وكان لدى القيادة العسكرية معلومات تقول إن عناصر الإخوان والتنظيم الخاص تمتلك الأسلحة التى يمكن استخدامها فى أى وقت، لإحداث سيناريو كالذى شهدته سوريا أو ليبيا فيما بعد، وإنها ستجد فى هذا الوقت رد فعل شعبياً مؤازراً لهذه التحركات.

عندما وصل النائب عمر سليمان والفريق أحمد شفيق إلى مبنى وزارة الدفاع، كان الزحف الجماهيرى قد حاصر القصر الجمهورى، لقد رفض المشير وضع حواجز فى الطرق المؤدية إلى القصر الجمهورى؛ لأنه كان يعرف أن ذلك حتماً سيقود إلى الصدام، ولذلك طلب رفع الأسلاك الشائكة التى كانت قد وُضعت بالقرب من رئاسة الجمهورية، وكان رهانه فى هذا الوقت، أن ذلك من شأنه أن يهدّئ الأوضاع ويمنع الصدام، بهدف الوصول إلى القصر الرئاسى.

كان المشير يعرف أن قرار الصدام لن تكون عواقبه مضمونة النجاح، بل سيؤدى إلى اتساع حركة الاحتجاجات والعنف، وسقوط الضحايا، ومن ثم حدوث انشقاقات داخل المؤسسات الكبرى، وكان يعرف أيضاً أن ذلك يعنى تخلى الجيش عن دوره فى حماية الشعب ومشروعية مطالبه.

لقد كانت المعلومات التى لدى المشير، والتى أفصح عن بعضها قبل الثورة تقول إن هناك عاصفة شديدة فى الطريق، وإن التعامل مع هذه العاصفة بالحكمة والموضوعية هو الذى سيؤدى إلى إنقاذ الوطن وحماية الجيش وتماسكه.

لقد سعى المشير كثيراً إلى إقناع «مبارك» بالتغيير، لكنه فشل، وحاول البعض الإيقاع بينه وبين الرئيس، وكان أشد ما يؤلم المشير فى هذا الوقت هو انتشار الفساد وبيع أصول الدولة وسيناريو التوريث المتوقع حدوثه فى عام 2011.

وفى عام 2010، طلب المشير طنطاوى من اللواء صلاح حلبى أن يعزمه على العشاء، وأن يدعو أيضاً صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى وأمين عام الحزب الوطنى، لحضور هذا العشاء، وفى هذا اللقاء طلب المشير طنطاوى بوضوح من صفوت الشريف أن يبلغ الرئيس مبارك أن الجيش لن يوافق أبداً على مسلسل التوريث.

كان المشير طنطاوى يسعى بكل ما يملك إلى إنقاذ البلاد من المخاطر التى كانت تحيق بها، وكان يعلم تماماً أبعاد المخططات التى تستهدف هذا الوطن، ويحذر منها، غير أن كل نداءاته ذهبت أدراج الرياح.

كان يحدثنى اللواء سمير فرج، وكان فى هذا الوقت رئيساً للأوبرا، ومن بعدها محافظاً للأقصر، ويقول لى: إن «المشير أصبح على آخره، وإنه يرى أن مصير البلاد يمضى إلى المجهول»، وكان يقول لى إن المشير أعرب عن غضبه أكثر من مرة للرئيس.

وعندما التقيت المشير طنطاوى فى حفل زفاف ابنة اللواء أبوالوفا رشوان، رئيس سكرتارية الرئيس، جلست إلى جواره بعض الوقت، وكانت لديه مخاوف جادة على مصير البلاد، وكان دائماً يقول: «ربنا يستر».. كان ذلك فى عام 2010.

كانت كل هذه الصور تدور فى ذهن المشير طنطاوى، ولذلك عندما اقترح الفريق شفيق ضرورة إقناع الرئيس بالتنحى عن منصبه، كان المشير يظن أن «مبارك» سوف يعاند كالعادة، وقال لن يوافق، وإذا فعلها يكون أنقذ مصر من الخطر المحدق بها، وبالفعل عندما اتصل عمر سليمان بالرئيس مبارك وحدّثه عن المخاطر، قال له «مبارك»: «وأنا شخصياً موافق، لكن بشرطين تغيير كلمة (تنحى) إلى (تخلى الرئيس عن الحكم)، وأن يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، والأمر الآخر ألا تتم إذاعة بيان (التخلى عن السلطة)، إلا بعد وصول سوزان وجمال مبارك إلى شرم الشيخ». وبالفعل هذا هو ما حدث، وقد تمت إذاعة البيان الذى سجّله السيد عمر سليمان فى وزارة الدفاع فى تمام السادسة من مساء يوم الجمعة 11 فبراير 2011، لتبدأ مصر صفحة جديدة فى تاريخها!!

وقد جرى الاتفاق بين القادة على اللقاء فى تمام العاشرة من صباح السبت ١٢ فبراير، لبحث فكرة تشكيل مجلس رئاسى، إلى جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد، وفى هذا الوقت تم استدعاء وزير العدل المستشار ممدوح مرعى، ومعه المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا، لأخذ رأيهما فى فكرة المجلس الرئاسى وإعداد الدستور، إلا أن المشير فاجأ الجميع، وطلب من فاروق سلطان تولى منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت!!

 

المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى