الأخبار

لا أحد هنا يعبأ بالإرهاب

 

 

282

 

«الكرنك» يبتسم لـ«طوابير السائحين».. وضيوفه يرفعون علامة النصر

• مدير آثار الأقصر: 1400 سائح بينهم 800 روسى زاروا المعبد أمس دون حالة إلغاء واحدة

• العقيد خالد يوسف لـ«الشروق»: ليست المرة الأولى التى أتبادل فيها الرصاص مع مجرم.. لكنها أول مرة مع الإرهابيين

• أصحاب شركات السياحة يدعون السيسى لزيارة المدينة والمشاركة فى أنشطتها

سماها صاحب «الإلياذة والأوديسا»، الشاعر الإغريقى هوميروس، مدينة «المائة باب»، وأطلق عليها العرب بعد الفتح الإسلامى اسمها الراهن لكثرة ما وجدوا بها من قصور، فكانت «الأقصر» جمعا للجمع من كلمة «القصر».

المدينة التى حظيت أيضا بلقب مدينة «الشمس»، تألقت بالأمس وبدت غير آبهة بمحاولات ضربها والتضييق على أرزاق أهلها، فبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على الهجوم الإرهابى الذى استهدف معبدالكرنك بمدينة الأقصر (670 كم جنوب القاهرة ) توافد مئات السائحين لزيارة المعبد فى عدة أفواج غالبيتهم قادمون من روسيا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا، بحسب مسئولين بوزارة الآثار فى الأقصر.

وقال عدد من المرشدين السياحيين إن الزوار الأجانب ليسوا مهمومين بشىء غير قضاء وقت ممتع، فهم يحضرون للأقصر لعدة ساعات ضمن برامج تشمل مدنا سياحية أخرى.

ومن بين مئات السائحين، برز بعض الأطفال فى أرجاء المتحف بصحبة ذويهم، يعلنون للقادم من بعيد أن «ثمة من لم يعبأ بالإرهاب»، بحسب تعبير مرشد سياحى يدعى محمد صلاح.

وقال صلاح لـ«الشروق»: «السائحون يردون على الإرهابيين، جاءوا ليمرحوا ويتبادلوا اللحظات الطيبة فى ذات الأماكن التى ود الإرهابيون لو يفجرون أنفسهم فيها».

ورصدت «الشروق» توافد السائحين منذ التاسعة صباحا، وقدر مصطفى وزيرى، مدير آثار الأقصر، عدد السائحين بألف وأربعمائة سائح، مشددا على عدم وجود أية حالات لإلغاء رحلات أو زيارات، رغم الحادث الإرهابى.

ووصف ضابط شرطة برتبة نقيب يشارك فى إحصاء وتسجيل الوفود السياحية داخل المعبد عدد السائحين أمس بـ«الكبير»، وأكد صحة الأرقام التى تحدث عنها وزيرى.

وبحسب عدد من رجال المباحث والخدمات المعاونة وأفراد الحراسة فإنه بات من غير المسموح للسيارات الأجرة أو الملاكى دخول حرم معبدالكرنك بعد حادث أمس الأول، وأشار أحدهم وفى يده جهاز لكشف المعادن إلى مرآب للسيارات أمام المعبد، وقال إنه بات لزاما على الجميع، الالتزام بالأوامر.

وردا على سؤال لـ«الشروق» حول كيفية دخول السيارات الأجرة فى السابق من البوابة الأولى للمعبد، كما فعل الإرهابيون، أجاب الفرد الأمنى الذى رفض التصريح باسمه: «كانت العملية ماشية بالحب، أما الآن فلم يعد مسموحا بشىء من ذلك»، واعترض عدد من ضباط الشرطة على تصوير حارس البوابة وفى يده آلة كشف المعادن، باعتبار أن ذلك يدخل فى قائمة الممنوعات.

واصطف السائحون فى طوابير امتدت لعدة أمتار فى طريقهم إلى بوابات الدخول، والمزارات داخل المعبد، وأبرزها بوابة طريق الكباش، التى تعد المدخل الرئيسى للمعبد، ولوح بعضهم بالأيدى لتحية المصورين الصحفيين الذين رافقوهم، كما لوح بعضهم بعلامة النصر.

المعبد الممتد على مساحة تبلغ ستين فدانا، وتصل إلى مائتى فدان بإضافة الحرم الواقع بمحيطه، دعمته قوات الشرطة بعناصر إضافية بعد الحادث، وذلك بحسب أحد أمناء الشرطة بمدخل جانبى من المعبد.

وللمعبد أبواب عديدة للدخول، إلا أن رجال الشرطة بدوا متحمسين للالتزام بالتعليمات الجديدة التى تشدد على ضرورة الدخول، فقط، من الباب الرئيسى، حيث رصدت «الشروق» محاولة سيدة أربعينية تقول إنها مرشدة سياحية، للدخول من باب جانبى، إلا أن ضابطا برتبة ملازم، أكد لها وجود تعليمات بالمنع، ودعاها للدخول من الباب الرئيسى «لحين استتباب الأوضاع ومعرفة القواعد الجديدة لتنظيم الدخول والخروج من المعبد».

أصحاب المحلات التجارية والسياحية داخل المعبد، الذى يعد أكبر متحف مفتوح فى العالم، طالبوا الحكومة بـ«تعويضات مناسبة»، لما لحق بهم من أضرار، جراء الحادث، وقال أحدهم: «انخفض دخلى الشهرى بنسبة 99 %، لم تعد هناك سياحة كما كانت».

وروى رجل خمسينى يعمل بأحد المقاهى داخل المعبد، كيف أن الحادث أعاد إلى ذاكرته تداعيات حادث الدير البحرى قبل ثمانية عشر عاما، الذى أوى بحياة 68 شخصا بينهم 58 سائحا من جنسيات مختلفة، كان غالبيتهم من سويسرا واليابان.

وقال شاهد عيان على الحادث الإرهابى إن القدر وحده منع تحول الأمر إلى كارثة مروعة، بحسب تعبيره، وأضاف: «كان يفصل بين الإرهابيين وبين تجمع الوفود السياحية ونزولها من الحافلات بضعة أمتار، لو تمكن الإرهابى الذى فجر نفسه من الوصول إلى أحد الأفواج، لانتهى الأمر إلى غير ما وقع بالفعل».

وقال شاهد عيان آخر يدعى محمد حلمى، وهو مدير لإحدى الشركات السياحية بالأقصر، إنه رأى الإرهابى الذى فجر نفسه، وهو ينفذ العملية فى نفسه بواسطة حزام ناسف.

ودعا محمد حلمى، وهو مدير لإحدى شركات السياحة بالأقصر، الرئيس عبدالفتاح السيسى لزيارة المدينة، والمشاركة فى أى نشاط عام فيها.

وأضاف حلمى لـ«الشروق»: «تركيا وإسرائيل تنافسان مصر على الموسم السياحى الراهن، ولابد من تهيئة الأجواء الإيجابية لتشجيع السياح لزيارتنا، لدينا أهم آثار الدنيا، وظروف المناخ كفيلة بجذب المزيد من السياح، وعلينا ألا نسمح للإرهاب بترويج دعاية سيئة عن أوضاعنا بأنها غير مستقرة بمثل تلك الأفعال التى حدثت».

وبحسب حلمى، حققت السياحة دخلا بلغ قرابة 7.5 مليار دولار أمريكى العام الماضى، معربا عن أمله فى استعادة السياحة عافيتها، كما كانت من قبل، مشيرا إلى أنها حققت دخلا قيمته 14 مليار دولار عام 2010.

ومع إشادة عدد كبير من شهود العيان بسرعة تدخل الشرطة إلا أن بعضهم أشار إلى «تقصير فادح» فى تأمين البوابة الأولى التى تبعد عن نقطة وقوع الحادث نحو خمسة وسبعين مترا، وقال أحد شهود العيان إنه يجب أن تكون هناك آلية لكشف المعادن وتفتيش جميع الزائرين جيدا منعا لتكرار الحادث.

والتقت «الشروق» بالعقيد خالد يوسف، أحد الضباط الذين شاركوا فى إحباط العملية الإرهابية بمعبد الكرنك، وتبادل إطلاق الرصاص مع أحد الإرهابيين حتى جاءت قوات الأمن العام وتسلمت الإرهابى بعد إصابته، وتحفظت على السلاح الذى كان بحوزته.

العقيد خالد يوسف أحد الضباط المشاركين في إحباط العملية الإرهابية بمعبد الكرنك بالأقصر – تصوير إسماعيل الأشول

 

وقال يوسف إنها ليست المرة الأولى التى يواجه فيها مسلحا وجها لوجه، ويتبادلان إطلاق النيران، لكنها أول مرة تحدث فى مواجهة إرهابى، وأضاف أنه سبق له مواجهة جنائيين مسلحين من قبل فى إطار عمله بقوات الأمن العام.

واكتفى يوسف بتصريحاته عقب إحباط العملية الإرهابية بأن رجال الشرطة يؤدون دورهم وهم مؤمنون بمهمتهم، وأن الشعب يدعمهم فى ذلك، وأنه وزملاءه يؤمنون بأن الأعمار بيد الله، وأن من يموت دفاعا عن سلامة الأبرياء وأمنهم، يموت شهيدا.

خارج جدران وأسوار معبد الكرنك، باشر مواطنو مدينة الأقصر، مهامهم اليومية، وغزا الحادث الإرهابى موضوعات النقاش داخل السيارات الأجرة بشوارع المدينة.

وقال مواطن خمسينى يدعى فتحى سلامة لـ«الشروق» : «الإرهابى إما جاهل لا يعرف شيئا وهناك من كذب عليه وأوهمه أن الجنة تحت أشلاء الأبرياء، أو تاجر دماء، يخرج بحثا عمن يدفع أكثر، الإرهابيون أفكارهم مغلوطة، والشعب المصرى، على اختلاف انتماءاته، لا يقتنع بتبريرات أعمالهم».

وقال سائق سيارة أجرة يدعى عادلى محمد 33 عاما: «الناس تخرج إلى أعمالها ككل الأيام، الدنيا لا تتوقف على أحد، ولا على مائة ألف، لكن السياحة تتضرر أكثر بهذه الأعمال، هم يريدون فقط أن يقولوا إن معبد الكرنك حدث فيه كذا وكذا، فيقرأ السائحون ذلك فى الأخبار فلا يحضرون إلينا، الحالة تزداد سوءا والسياحة تتدهور أكثر».

وقال أحد العاملين بمجال السياحة: «كنا نقول فى السابق إن السياحة تمرض ولا تموت ولكنها الآن مصابة بالسرطان، فبعدما عانينا طويلا بسبب عدم الاستقرار الذى نتج عن أحداث الثورة منذ يناير 2011 وحتى فترة قريبة، بدأنا نعانى أكثر من الإرهاب وأعمال العنف، على الحكومة الانتباه لرجال الأمن أكثر ليمارسوا عملهم باحتراف ومهنية عالية تمنع الأعمال الإرهابية قبل وقوعها».

 

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى