الأخبار

حول مرحلة ما بعد 6 أغسطس.. «ما بعد الافتتاح»

 

31

 

 

يام تفصلنا عن لحظة تاريخية أو لحظة فارقة فى تاريخ مصر يونيو، وهى لحظة افتتاح قناة السويس، هذا الافتتاح الذى يراه الأغلبية أحد أهم إنجازات ثورتين متعاقبتين والنظام الحاكم، لحظة اختلطت فيها مشاعر نشوة الانتصار على الإرهاب بفرحة النجاح فى انتهاء حفر القناة بعام واحد “رغم الحرب”، ضاربين كل الأرقام القياسية العالمية فى الإنجاز، هذا الإنجاز الذى لم يمر بسهولة ولم يتحقق فى ظرف عادى كردة فعل لتطور اقتصادى كبير، أو موازٍ لعلاقات دولية قوية وتجارة عالمية مترامية الأطراف، ولكنه إنجاز خرج من رحم المعاناة، إنجاز لمصر قيادة وشعباً، رغم كل الضغوط، إنجاز رغم حصار اقتصادى غير معلن وحرب على الإرهاب مدفوعة الأجر، ووضع داخلى بالغ الصعوبة والتعقيد.

النجاح فى هذا المشروع لم يكن فقط اقتصادياً كما يراه البعض أو فولكلورياً واحتفالياً، ولكن رسالة لكل العالم، وخصوصاً الأعداء، بأن مصر قادرة بل مستمرة فى حربها للنجاة من المخطط الكبير الجارى تنفيذه لتقسيم المنطقة وإفشال الدول فيها، هذا المخطط الذى بكل أسف أتى بثماره فى دول عدِّة بوطننا العربى وجارٍ تنفيذه فى مناطق أخرى.

نعم.. مصر رغم ما حاكه لنا الأعداء من خطط تدميرية متنوعة على جميع المستويات بغرض إفشال الدولة بداية من دخول التيارات المتأسلمة المعادلة السياسية، ومروراً بتوليهم الحكم، وإشعال فتيل الفتنة بين الشعب المصرى، ووصولاً للضغوط غير العادية على الوطن بعد يونيو، فى جميع المجالات، ستعلن فى السادس من أغسطس للعالم أجمع ليس فقط افتتاح القناة الجديدة، ولكن ستعلن انتهاء المرحلة الأولى من حرب الجيل الرابع ضد الوطن وانتصار مصر.

فحرب الجيل الرابع والتى ما زال الوطن يعانى منها ليست حرباً عادية أوحرباً ترسم أحداثها الصدفة أو المؤامرات البسيطة، ولكنها حرب شاملة، حرب لتقويض الإرادة وإخضاعها لإرادة العالم الجديد وهو المطالب بالإفشال، بالتفتيت والتقسيم والاقتتال.

ولذلك فمن خلال أول نفير لأول السفن المارة بالقناة سيكون الإعلان عن نهاية تلك المرحلة لصالح الوطن من خلال احتفالية كبيرة ليست بالمجرى الملاحى فقط، ولكنها ستكون احتفالية بشعب مصر وثورته، احتفالية باستمرار تلاحم وتكاتف المصريين فى معركة البناء والتطوير والتحديث، معركة إقامة الدولة المصرية العظيمة فى مواجهة إرادة العدو لإفشال الدولة المصرية العظيمة.

وهكذا فالاحتفال بقناة السويس واجب، فى ظل تلك الظروف، سواء الداخلية أو الخارجية، ومن خلاله سيتم توجيه كل الرسائل السياسية الممكنة، ولكن يبقى الأهم، الجبهة الداخلية والتى يجب تنويرها ورفع وعيها فى مرحلة ما بعد الافتتاح، هذا الرفع للوعى لم يصبح رفاهية نملك فيها الاختيار، ولكنه واجب فى المرحلة الثانية، أو الشوط الثانى مع أعداء الوطن، فخلاله لن تكون عداوتهم تحت الستار أو فى الخفاء مثل المرحلة الأولى، حيث ستصبح عداوة واضحة.

ففى هذه المرحلة سيقوم الأعداء باستخدام جميع الأسلحة المتاحة، سواء الإرهابية الصريحة من خلال الميليشيات المستأجرة المسماة بالجماعات الجهادية أو من خلال زيادة الضغوط الدولية على مصر، وحلفائها، بواسطة جمهوريتى تركيا وإسرائيل، اللتين تحاربان مصر سياسياً بكل قوة لمنعها من أى نهوض أو تنمية أو نفوذ، وللأسف أيضاً فى المرحلة الثانية سيتم استحداث لاعب جديد وخطير فيها، وهى إيران، هذه الدولة التى تعود للمنطقة لتطالب بالتأثير والتدخل فى كل شىء سواء بالخليج أو مصر، تطالب بالتدخل فى ظل رفع الحصار وعودتها للعالم كلاعب رئيسى وعنيف يحمل ميراثاً من العنف الطائفى للجميع.

وهكذا فلم تعد مصارحة الشعب بمعطيات مرحلة ما بعد افتتاح قناة السويس رفاهية أو اختياراً، فترابط المصريين وصمودهم فى مواجهة ما هو قادم من ضغوط أمر وجوبى، فلن تمر مصر من الحرب أو الأزمة ولن تخرج من المعركة منتصرة إلا فى ظل استمرار نفس الترابط والتماسك والتحدى، فحرب الجيل الرابع مستمرة بل وأكثر عنفاً وضراوة بعد الحفل، ولذلك فعلى القيادة المصرية العمل بكل جهد فى ملفاتها المتعددة داخلياً وخارجياً وأهمها على الإطلاق الآن ملفان..

الأول اقتصادى وأمنى، وهو مشروع تنمية قناة السويس، فانتهاء مشروعات تخصيص الأراضى ومد الخدمات وتوفير التشريعات والامتيازات للاستثمار، سواء على المستوى المحلى أو الدولى، وسرعة الانتهاء من هذا الملف سيفرض على العالم “هونج كونج” جديدة، سيفرض منطقة تجارية وصناعية كبرى تنتقل بسيناء من مرحلة الحماية العسكرية والأمنية المحلية لمرحلة يتشارك معنا العالم فى حمايتها، هذه المرحلة التى ستفرضها معطيات الأمر الواقع من انتقال رؤوس الأموال من شتى بقاع العالم للاستثمار على تلك البقعة والاستفادة من خيراتها ومنه ستفرض على العالم أيضاً وقف مخططات التقسيم والاستثمار فى الإرهاب فى هذه المنطقة.

الملف الثانى داخلى، وهو ملف الإصلاح وتقوية الجبهة الوطنية المحلية، هذا الملف لن يستقيم إلا من خلال البداية بالمصارحة مع الشعب فى جميع الملفات والأوضاع سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية بل والأمنية، فمن خلال تلك المصارحة سنضع أولى الخطوات الحقيقية لبناء داخلى قوى ومتماسك، بناء ليس على أحلام وتوقعات وتصورات ربما تخالف الحقيقة، ولكن بناء على أسس الموضوعية والتعامل مع الأمر الواقع، مصارحة بكل ما تشمله الكلمة من معان، مصارحة تستعيد الجبهة الداخلية وتوحدها حول هدف واحد، وإرادة واحدة، ليكون الجميع على قلب رجل واحد وإرادة واحدة وهى إرادة الانتصار فى المرحلة الثانية من المعركة.

ويأخذنا هذا الملف لملف فرعى، وهو التطوير الداخلى واستدعاء الطاقات لقيادات جديدة ومحترفة بل وواضحة للوطن لاستلام المسؤولية من الأجيال القديمة، هذه الأجيال التى نشكرها على ما تركت لنا ولكن بكل صدق نطلب منها فتح المجال لدماء جديدة، دماء جديدة وأجيال جديدة من المصريين على مستوى الحدث، بل ومدركون للمعطيات الزمنية لتلك المعركة والأهم قادرون على التعاطى بحداثة مع أدواتها واستخدامها فى صالح الوطن وضد الأعداء.

ولذلك كل التوفيق لبلدنا وشعبنا الكبير والكريم، وكل التحية لقيادتنا السياسية العظيمة على هذا الإنجاز، ولكن ليكتمل الحدث، لنستكمل الانتصار، ونبنى مصر الجديدة والعظيمة على أسس وقواعد جديدة.

 

 

مبتدا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى