الأخبار

100 سنة «دهشة».. تكفى..!

 

 

102

 

فى اتفاق جنيف الأخير فى يوليو ٢٠١٥.. «إيران» تصل إلى تسوية مع الغرب.. !

يريدها الغرب أو ينتويها أو يدعيها تسويةً تحجم طموح إيران النووى وتستأنسها سياسياً وتعيدها إلى حظيرة المجتمع الدولى مدجنةً تابعةً.. وعلى وجه آخر من الصورة.. إيران تمتلك مقعدها على مائدة العالم المستديرة لتحكم وتتحكم فى مصير الإقليم كطرف أصيل – وإن لم يكن فاعلا – فهو مُعتَرَفُ به على الأقل.. تُشرعن نضجها النووى علمياً وسياسياً فى العلن.. بعد أن مارست نفوذها الإقليمى لمدة أربعين سنة من وراء ستار..!

وفى ركن ما من الصورة نحن «مصراً وعرباً».. مندهشون..!!

فى طرف ما من ذات الصورة «جواد ظريف» (وزير الخارجية الإيرانى).. و«على أكبر صالحى» (رئيس هيئة الطاقة الذرية) مهندسا الاتفاق يناوران.. وفى طرف آخر منها «حسن روحانى» رئيس الجمهورية يهنئ.. فى طرف ثالث المرشد الأعلى «على حسينى خامنئى» يختال ويتوعد ويتودد.. فى زاوية ما «جون كيرى» يرتب أوراق المنطقة وفقاً للمعطيات الجديدة.. وألمانيا تجهز لتحرك اقتصادى تالٍ.. ولندن على لسان «كاميرون» تجهز لفتح السفارة.. وفى زاوية الصورة المهجورة كالعادة.. نحن بين أسىً ودهشة وعتاب للأصدقاء الذين كنا نحسبهم أصدقاء.. فوجدناهم «أوفياء» لمصالحهم كالعادة..!

منذ مائة سنة أو أقل قليلاً.. صورة قديمة ولكن تكاد تكون مطابقة.. فيها «لويد جورج» (رئيس وزراء بريطانيا حينها) وجيش من المفاوضين والسياسيين.. كلورد «أرثر بالفور» (وزير خارجيته) و«سير مارك سايكس» مسؤول الشرق الأوسط.. ينهون اتفاقا مع الفرنسيين والروس على وراثة الشرق الأوسط من الإمبراطورية العثمانية التى ماتت.. يستخدمون كل من حولهم بالوعود.. والرشى.. وإدارة غفلة الغافلين..!

يتحرك «حاييم وايزمان» ليؤصل للادعاء اليهودى فى فلسطين..

الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية حينها لم تضمنا أية نتائج أكثر من كونهما طرفاً اعتُرف بتأثيره على مائدة صراع الفاعلين فى العالم.. ضمنتا الاعتراف وبات لهما أن يُحسِنا التأثير..!

«لورد بالفور» يصدر هو ورئيس وزراؤه «لويد جورج» خطابا لتطمين العرب بأن الوعد الذى قطعته حكومة صاحب الجلالة على نفسها لن يضر بمصالح العرب والمسلمين من سكان فلسطين والمنطقة.. بالمناسبة أوباما لا يكل من التطمين بنفسه أو من خلال مبعوثيه.. فى كامب ديفيد أو فى الرياض وما حولها..!

التطمين حينها.. لا يتعارض مع أن تسلم بريطانيا دمشقَ لحليفتها فرنسا وفقا لاتفاق سايكس – بيكو.. ولا يردعهم عن طرد الملك فيصل بن الحسين من سوريا ليهرب إلى الأردن مندهشاً.. أو أن يبقى الشريف حسين مندهشاً بعد أن طُرِدَ من الحجاز بتآمر من حلفائه.. لكنه لا يفقد ثقته فى بريطانيا..!

فـ«الثقة» فى «الحليف» – وبعبارة أدق «الكفيل» – الغربى و«الدهشة» هما سلاحا جل العروش العربية.. حينها.. أو لم يزل..!

وأما الشعوب العربية فتنفذ دهشتها مزيجاً من «البذاءة والجهل».. فكرنفالات النواح بالأجر زينتها البذاءة.. وتقعر جنرالات المقاهى ومحللى المؤامرات.. يحتاجانهما.

«لا عليكم.. الغرب يلاعب إيران.. يستدرجها.. يدخلها فى قفص..!».. هذا هو لسان حال الكرنفالات والمقاهى..!

وليكن.. الأهم أن الغرب يلاعب إيران.. لا يلعب بإيران.. كما يفعل بغيرها.. إيران فاعل ند.. لا مفعول به تابع..! انتزعت موقع الفعل.. بقى أن تُحسن التأثير..!

إيران عرفت.. فأرادت.. فقدرت.. حتى ولو جزئياً.. ومن قبلها أمم أخرى ومن بعدها أمم أخرى.. يلزم أن نكون منها..!

فى هذا المكان من «المصرى اليوم»، وتحديداً فى السادس من أكتوبر ٢٠١٤ قلنا إننا «نحن والعالم – فى لحظة فارقة من التاريخ.. تتغير فيها الحقائق قبل الخرائط..! وقلنا إن حقائق القوة والقدرة.. والمبادأة والنفوذ… والاقتصاد والحرب.. بل وحقائق العقل نفسه كلها تتغير فى العالم الآن..! وأن نصيب العالم العربى منها كبير إذا وعيناه.. ولكن بحقائق فُرصٍ جديدة للندية والشراكة.. بل والقيادة فى نظام عالمى جديد يتشكل».

وحينها سألنا: «حين يتنادى العالم الجديد لمائدته المستديرة ليجلس الأنداد والشركاء فى هذا النظام القادم.. هل يملك العالم العربى ما يقدمه كورقة نقاش تمثل موقفه ومطالبه ومحرماته.. هل يملك أطروحته بعد..؟! أم أننا فى انتظار السادة سايكس وبيكو الُجدد ليحملوا عنا مؤنة التفكير؟!»

وحتى نتجاوز عبث انتظار «اللاشىء».. آن لنا «مصراً وعرباً» أن ندع الدهشة جانباً لوهلة.. لنقر بأن قضية «المصير» فى بلادنا هى قضية بلا صاحب..!

وقبل أن ننخرط فى البكائيات التقليدية – والتى هى منتهى العمل بعد أن تصدمنا الحقيقة – فلنهدأ قليلاً وليجتهد عقلاء «العروش والشعوب» (سلطة وحكاماً ومحكومين) فى أن نوجد لقضية «المصير» من يقومون عليها بالأهلية قبل السلطة..!

آن لنا أن نضع ملامح «أطروحة مصرية وعربية للمستقبل» قد يضيق المقام بتفصيلها.. ولكن ملامحها يلزم ألا تضيق بسمات العقل المُغَيَّب قرونا..!

«أطروحة» براجماتية أكثر منها مثالية أو حالمة.. ولكن البراجماتية فيها تقتضى أن نعمل فى إطار «الواجب والمطلوب».. وليس فى إطار «المعتاد والمتاح»..!

«الوطنية الحقة».. تقتضى أطروحة تنقل حديث السياسة والاقتصاد والدين من نميمة الأخبار إلى جدال أفكار.. وترقى بفعل السياسة من صراع سلطة ودسائس التماس الشرعية إلى تنافس أهلية.. وبفعل الاقتصاد من إطعام بطون إلى ترقية بشر.. وبفعل الدين من الوصاية على الرقاب إلى تحرير الناس..!

و«الواقعية» تُلِزم بأطروحة تعد أوطاناً هى «العدل والسكن والحلم».. لا أوطاناً مختزلة فى شخص أو محتكرة فى جماعة أو تنظيم أو مؤسسة.. لا تأقيتًا ولا انتقالاً..!

ومنطق الشعور بالخطر الشديد يحملنا على «أطروحة تلزم شعوبنا بالتنوع» ثراءً، كما أراده الله.. تحملهم على القبول بالاختلاف.. تؤثم القوالب المنمطة بوهم تجييشها حتى ولو إلى حتفها..!

ومن باب الخوف على الهوية.. «أطروحة تؤسس للإبداع» بتسييد القانون من أجل الحرية التى تخلق العدل.. وتؤثم الانغلاق والجمود والتخلف باسم العرف تارة وبدعوى الانضباط تارة أخرى..!

يا سادة.. مائة سنة من «الدهشة» تكفى وتزيد..!

ولن تكون لنا نجاة من غفلة أو دهشة.. بتوهم استنساخ زعامات أو بانتحال كرامات الأولياء أو فى انتظار مخلص..!

فالزعامات لا تُستَنسخ وإذا حاولنا تُستَمسخ (أى تكون مسخاً منها).. وكرامات الأولياء تخص الصالحين ولا تشفع لقعود أو كسل.. والمخلص لن يأتى ما دامت الشعوب مستقيلة من الحياة..!

لن تزول عنا الدهشة التاريخية فى منطقتنا والتى صارت كالقدر.. إلا بتطبيع علاقة السلطة بشعوبها وبأنسنة نظرة الشعوب للحياة.. فلا مجد لحاكم إلا فى عزة من يحكمه.. ولا «سلطة أمر» لحاكم إلا فى «سلطة وعى» لمحكوم..!

ستزول عنا الدهشة تماماً.. حين نؤصل لحماية الحدود على كونها حماية للوجود بالأساس.. ولحماية الأرواح بمقصد حماية البقاء..

فنحن أحياء «موجودون» بقدر أثرنا على هذه الأرض، إبداعاً وإعماراً وتغلباً، وبغير ذلك لا وجود لنا حتى وإن كنا أحياءً على جغرافيا وطن..!

وبقاؤنا هو بقاء الإنسانية فينا.. أى بقاء نفوس تُبدِع أكثر من بقاء أرواح فى أجساد تتنفس..!

هذا حديث للعقلاء القادرين الذين لا يستطيعون إلا أن يحيوا أناسى.. ويعرفون أن هذا واجب وقت استحق..

هذا ما فعلته شعوباً غادرت الدهشة.. بفعل العقل.. «منهم من حقق مجده ومنهم من ينتظر»..!

الدهشة ليست قدراً تاريخياً ولا وظيفة سياسية ولا فضيلة إنسانية ولا هى سند عُذر قانونى اسمه العذر بالدهشة كالعذر بالجهل.. الدهشة هى تجليات الغفلة المؤجلة.. وكما أن القانون لا يحمى «المغفلين».. فالتاريخ لن يرحم «المندهشين»..!

فكِّرُوا تَصحِّوا..

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى