الأخبار

تسريب مكالمات الكفار

 

66

 

اتابع باستغرب شديد حملة الإستنكار الواسعة ضد تسريب مكالمات بعض أعضاء 6 إبريل و حملة البرادعي ، و أرى أن الموضوع يشبه القبض على لص في متجر مراقب بالكاميرات ، يذهب محاميه للدفاع عنه مطالبا بالافراج الفوري عن موكله ، لأن تصوير جريمة السرقة تم بدون إذن قضائي ، كما أن اللص لم يُستأذن في التسجيل أو العرض !! .

 

المستنكرون يتكلمون عن سلامة الإجراءات ، و لا يريدون تناول الحقيقة التي تحملها التسجيلات ، و هو ما لا يمكن أن تجد له مثيلا في العالم ، كل فضائح الساسة في العالم المتقدم كشفتها تسريبات صحفية أو إعلامية ، دون إلتفات إلى سلامة الإجراءات ، لاحظ أن ثورة يناير سبقها و أشعل فتيلها تسريبات لعنف و همجية داخلية حبيب العادلي ، وتم التفاعل الإعلامي مع هذه التسريبات دون النظر إلى قانونيتها .

 

تسريب مكالمات الخصوم موجود في التاريخ الإسلامي قبل اختراع التليفون أو آلات التسجيل ، و قبل أن تتأسس أجهزة الأمن و المخابرات ، ففي عهد النبي محمد كان ملك الوحي جبريل ينقل للنبي كل شئ عن أعدائه ، فهل قام النبي بتسريب شئ مما وصله عن أعدائه ؟ الإجابة نعم .

 

بعد غزوة بدر اتفق عمير بن وهب مع صفوان بن أمية على أن يقتل عمير النبي ، مقابل أن يتحمل صفوان ديون عمير و يرعى عياله من بعده ، و بالفعل ذهب عمير إلى المدينة المنورة بحجة الإطمئنان عن ابنه المأسور في بدر ، فقابله النبي الكريم و سأله : ما جاء بك يا عمير، قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال : فما بال السيف في عنقك، قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا، قال: اصدقني ما الذي جئت له، قال : ما جئت إلا لذلك، قال : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بن أمية دينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك ، فأسلم عمير .

 

أمام الملأ في المسجد النبوي فضح النبي مؤامرة أعدائه ، و لو حدثت هذه الواقعة الآن لرفض النشطاء و الحقوقيون تنصت الوحي على الكفار ، و تسريب النبي لمكالمات جرت في مجالس خاصة !! و لن يعدم هؤلاء أتباعا يوافقونهم الرأي .

 

على العموم قد يظن البعض أن الهدف كان إقناع عمير بصدق النبوة ، وهذا غير صحيح لأن عميرا و غيره من كفار مكة كانوا يعلمون صدق النبي وصحة رسالته ، فهم كما قال الله لنبيه :” فإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” ، ولو كان هذا هو مقصد النبي لأسر بذلك إلى عمير دون إعلان . و لكن الحقيقة هي أن إذاعة هذه المؤامرة على الملأ كان يهدف إلى إحباط الكفار نفسيا ، و دفعهم للتخلى عن التآمر على دولة المسلمين ، لأنها دولة تسمع وترى ، تسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء .

 

لقد أبهر النبي أعداءه بقدرة دولته على فضح مخططاتهم ، فهل نجحت هذه السياسة في حماية دولة النبي من مسلسل التآمر ؟ الإجابة نعم .

 

بعد فتح مكة ، جلس أبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد، والحارث بن هشام بفناء الكعبة ، و حانت الصلاة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد فيؤذن على الكعبة ، فقال عتاب ‏:‏ لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه ‏.‏ فقال الحارث ‏:‏ أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته‏.‏ فقال أبو سفيان ‏:‏ أما والله لا أقول شيئًا ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء‏.‏ فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم‏ :‏ ” لقد علمت الذي قلتم‏ ” ثم ذكر ذلك لهم‏ . فقال الحارث وعتاب ‏:‏ نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك ‏.‏

 

أخي الناشط الحقوقي هل تظن أن الحارث و عتاب أسلما لأنهما أقتنعا بصدق النبوة أخيرا ؟ رأيي المتواضع أنهما أسلما لأنهما أدركا أنه لا فائدة من التآمر ، لقد أدرك الكفار أن لدولة النبي آذانا تسمع و عيونا ترى ، و لن تجدي مع هذه الدولة مخططات التقسيم و مؤامرات الإنهاك ، وهذا ما يجب أن تكون عليه الدولة القوية في كل زمان ومكان . بهذه الطريقة استطاعات الدول الكبرى أن تجند ملايين العملاء حول العالم من الذين آمنوا بقوة استخبارات هذه الدول و قدرتها على حمايتهم في مواجهة مخابرات الدول التي ينتمون إليها .

 

لقد كثر العملاء و الجواسيس في مصر بشكل ملحوظ منذ يوم 31 مايو 1971 ، حين وقف الرئيس السادات أمام كاميرات التليفزيون لمتابعة حرق شرائط التسجيلات التي تقوم بها الأجهزة المختلفة لمتابعة المعارضين ، بحجة احترام حرمة الحياة الخاصة ، بالطبع لم تتوقف التسجيلات في عهده ، ولكنه كان يقصد الإساءة لعهد الزعيم جمال عبد الناصر ، فكان ذلك إيذانا لكل عملاءالصهاينة والأمريكان أن يتحركوا بحرية أكبر ، و إيذانا بانتشار الفساد و الإرهاب و الخيانة نتيجة سقوط هيبة الأجهزة الأمنية في نفوس الخارجين على الوطن والقانون .

 

أنا لا أدافع عن انتهاك الحياة الخاصة ، و لكني أدافع عن حق الدولة في كشف مخططات المتأمرين في الداخل والخارج و فضحها ، لأن ذلك يضعف التآمر و يقضي عليه ، بدليل أنك عندما تدخل محلات السوبر ماركت تجد لوحة صغيرة معلقة في كل مكان مكتوب عليه ابتسم للكاميرا ، الهدف من هذه اللوحة ليس انتهاك حياتك الخاصة ، ولكن منع ضعاف النفوس من مجرد التفكير في السرقة .

 

في الختام ، تحية لرجال المخابرات الحربية الذين أعادوا لنا الثقة في هذا البلد الذي تصورنا أنه أصبح مستباحا دون رقيب أو حسيب ، مع تمنياتي ألا تضطر الدولة للعمل خارج منظومة الأخلاق و القانون في كشف و فضح المتأمرين على أمنها في المرحلة المقبلة .

 

الدستور الاصلى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى