الأخبار

طنطاوي: دخلت الحمام وخرجت ففوجئت بفوز “#مرسي”

78

 

يواصل الكاتب مصطفى بكرى فى كتابه «لغز المشير»، الحلقة الحادية عشرة، كشف كثير من الحقائق عن فترة ما بعد ثورة يناير، وملابسات ترشُّح الرئيس المعزول محمد مرسى، ووقائع الساعات الأخيرة قبل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة 2012، التى كانت تمثل نقطة محورية فى تاريخ مصر الحديث، وكيف أن المعلومات الواردة كانت تؤكد فوز الفريق أحمد شفيق، لكن الإخوان وضعوا خطة التخريب ونشر الفوضى، وانتهجوا سياسة الأمر الواقع.بعد إغلاق صناديق الانتخاب وبدء عملية الفرز الأولية، كانت الأرقام تشير إلى فوز محمد مرسى، مرشح جماعة الإخوان، بمنصب الرئيس، قبل إجراء التحريات اللازمة حول وقائع التزوير التى شهدتها الجولة الثانية من الانتخابات، وكان المستشار حاتم بجاتو، الأمين العام للجنة، أجرى اتصالاً بالمستشار فاروق سلطان، رئيس اللجنة، فى الواحدة من صباح اليوم التالى، الاثنين 18 يونيو 2012، أبلغه فيه بجميع التطورات التى وردت إلى الأمانة العامة للجنة العليا، وبعض النتائج الأولية التى تم الإبلاغ بها، وأكد له أنه لن يغادر المقر الذى ظل به حتى الثالثة والنصف من صباح اليوم ذاته.فى فجر هذا اليوم كان الإخوان وأعوانهم أعدوا عُدتهم واحتشدوا فى ميدان التحرير ورفضوا مغادرته للاحتفال بإعلان نتيجة فوز محمد مرسى أياً كانت النتائج المبلغة، لقد قرّروا فرض سياسة الأمر الواقع مبكراً، وأعدوا العدة، ورسموا السيناريو كاملاً، وتم الاتفاق بينهم على استباق قرار اللجنة العليا للانتخابات ووضعها أمام خيار واحد ووحيد.فى هذا الوقت تحديداً، تلقى المشير حسين طنطاوى تقريراً على جانب كبير من الخطورة، أعدته أجهزة أمنية متعدّدة تضمّن تفاصيل عملية رصد تهريب الأسلحة من ليبيا إلى عناصر «الإخوان» والجماعات الإرهابية عبر الحدود الغربية فى أوقات سابقة، وذلك بناءً على اللقاء والاتفاق الذى جرى بين عناصر إخوانية وعناصر تنتمى إلى التنظيمات المتطرّفة فى ليبيا.وكان أخطر ما تضمنه هذا التقرير وصول شحنة من صفقة أسحلة حديثة استولى عليه المتطرفون فى ليبيا من مخازن نظام «القذافى» وقاموا بتسليمها إلى جماعة الإخوان فى شهر فبراير 2012، وهى التى قامت الجماعة بنشرها بين عناصرها من المنتمين إلى اللجان النوعية.ورصد التقرير أنه فى مطلع شهر يونيو 2012، وقُبيل إجراء جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية بين محمد مرسى والفريق أحمد شفيق، دفعت حركة حماس بعناصر مدرّبة من «جيش الإسلام» وجماعة «جلجلة»، و«التوحيد والجهاد» ومجموعة «عماد مغنية» وحزب الله، تسللت إلى داخل الأراضى المصرية عبر الأنفاق غير المشروعة.

«الوطن» تواصل نشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى الجديد «لغز المشير»

وأكد التقرير أن هذه المجموعات قامت فى هذا الوقت بتحديد ومعاينة الأماكن والمنشآت المهمة والأمنية بشمال سيناء، ثم العودة مرة أخرى إلى قطاع غزة عبر الأنفاق، حيث جرى تدعيم هذه العناصر بالرشاشات الآلية وقذائف «آر بى جى»، وسيارات دفع رباعى وبطاقات هوية بأسماء كودية، وكان ذلك هدفه الإعداد لمواجهة التطورات، انتظاراً لما سوف تسفر عنه الانتخابات الرئاسية فى مصر.كانت الخطة تقضى بأنه فى حال إعلان فوز الفريق أحمد شفيق، يجرى استهداف تلك المنشآت والسيطرة على أقسام الشرطة وقتل عناصرها وإعلان شمال سيناء «إمارة إسلامية» مستقلة.وأكد التقرير المقدّم أن «حماس» ألقت بكل ثقلها خلف جماعة الإخوان، لأنها قامت بالتنسيق مع المنظمات التكفيرية الأخرى لتنفيذ مخطط إثارة الفوضى وإرهاب الشعب المصرى حال سقوط محمد مرسى.ولأجل ذلك تم تجميع ما سُمى بـ«الكتائب الشعبية» وتسليحها وتسليمها كميات كبيرة من المهمات والملابس العسكرية للإيحاء للمصريين بأن هناك انشقاقاً قد حدث فى الجيش المصرى حال الإعلان عن فوز أحمد شفيق، وكانت الخطة تقضى أيضاً بأن تقوم هذه المجموعات بالانتشار داخل المواقع الاستراتيجية فى البلاد، فى حين جرى تشكيل مجموعات أخرى هدفها بث الشائعات على موقع التواصل الاجتماعى، وفى الأوساط المختلفة، مستخدمين فى ذلك وسائل الإعلام الإخوانية، ومن بينها قناة «25 يناير» التليفزيونية التى كُلفت باستخدام أكواد مشفّرة وبثها لتحريك تلك المجموعات وبث أحداث العنف والإرهاب للمواطنين وضرب المظاهرات السلمية التى سوف تخرج داعمة لأحمد شفيق فى حال فوزه.لقد أشار التقرير أيضاً إلى وجود خطة لـ«الإخوان» بالاشتراك مع بعض التنظيمات الإرهابية المتحالفة معها لضرب العديد من المنشآت الاستراتيجية ومحطات الكهرباء والمياه فى شتى أنحاء البلاد، والقيام بعمليات خطف وقطع للطرق، ودفع مئات الآلاف للنزول إلى الميادين، بهدف جرجرة الجيش والاعتداء على عناصره، والهجوم على كل البنوك والمؤسسات الاقتصادية وقطع المواصلات، وصولاً إلى سيادة العنف والفوضى وتكرار نموذج السيناريو السورى والليبى على أرض مصر.

تقرير أمنى إلى المشير تضمّن رصد تهريب أسلحة من ليبيا لعناصر الإخوان بناءً على اتفاق مسبق

كان المشير طنطاوى قد تعهد بعدم التدخّل فى الانتخابات، وكان السؤال المطروح أمامه: ماذا إذا نجح «مرسى»؟ وكانت الإجابة التى ردّدها أكثر من مرة تقول: «لن نتدخل، ولن نكون عقبة أمام أى رئيس يختاره الشعب».وافق المشير على بنود الإعلان الدستورى المكمّل الذى أعده اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس الأعلى للشئون القانونية والدستورية، وهو الإعلان الذى صدر فى يوم 17 يونيو، متضمناً مواد تهدف إلى الحيلولة دون تدخُّل الرئيس القادم فى شئون الجيش ومواجهة احتمال صدور قرار من القضاء الإدارى بحل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد.وقد أثار الإعلان الدستورى المكمّل قلق جماعة الإخوان والعناصر المرتبطة بها، غير أنهم ركزوا وجعلوا اهتمامهم فى هذا الوقت على حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح مرشحهم محمد مرسى.فى الرابعة من فجر الاثنين 18 يونيو كانت نتائج الفرز فى كل المحافظات عدا القاهرة قد وصلت إلى غرفة عمليات جماعة الإخوان، وإلى اللجنة العليا للانتخابات، وكان محمد مرسى وفقاً للنتائج المقدّمة فى هذا الوقت فائزاً على المرشح أحمد شفيق بنحو مليون صوت، وفق ما تم إعلانه. فى هذا الوقت عقد محمد مرسى مؤتمراً صحفياً بحضور عدد من أنصاره، وأعلن خلاله فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، وكان الأمر مثار دهشة وصدمة، إلا أن الكثيرين شككوا فى هذه النتيجة.منذ البداية كانت اللجنة العليا للانتخابات قد حددت الاثنين 18 يونيو موعداً لإعلان نتيجة الانتخابات، على أن يتم فتح باب تلقى الطعون، ابتداءً من يوم الثلاثاء 19 يونيو، إلا أن اللجنة قررت تأجيل إعلان النتائج إلى حين تلقى تقارير وزارة الداخلية والمخابرات العامة والرقابة الإدارية بشأن ما تردد عن وجود تجاوزات خطيرة فى العملية الانتخابية، وتم الاتفاق فى هذا الوقت على إعلان النتائج يوم الخميس 21 يونيو.فى الحادية عشرة صباحاً، كان حاتم بجاتو يعقد اجتماعاً مع المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات، وبعدها اتجه إلى وزارة الخارجية للتحقيق فى الاتهامات الموجّهة إلى اللجان الانتخابية فى الخارج، خاصة السعودية، حيث تم اتهام اللجنة الانتخابية هناك بأنها تلقت تصويتاً جماعياً، وكذلك الحال بالنسبة إلى الصناديق المقبلة من جنوب أفريقيا لصالح محمد مرسى.

عناصر «حماس» و«حزب الله» تسللت إلى الأراضى المصرية استعداداً لأى نتائج غير مُرضية للإخوان فى انتخابات «الرئاسة»

وبدأت عملية الفرز من الساعة 12 ظهراً حتى الحادية عشرة مساءً، وتم استبعاد بعض الأصوات، إلا أن الشكوك والطعون ظلت مستمرة، وقدم محامى الفريق أحمد شفيق عدداً من التظلمات الخاصة بالتزوير الذى حدث فى المطابع الأميرية ومنع الأقباط من التصويت فى عدد من المحافظات.كانت الطعون زادت على 446 طعناً، كلٌّ له أسبابه وحيثياته، وكانت اللجنة العليا معنية ببحث كل هذه الطعون والرد عليها، وفى هذا الوقت أعلنت جماعة الإخوان المسلمين على موقعها الإلكترونى حصول محمد مرسى على 13٫732٫000 صوت بنسبة تصل إلى 52٪ من مجموع الأصوات، بينما أعلنت حصول المرشح أحمد شفيق على 12٫338٫973 صوتاً بنسبة تصل إلى 48٪.ويبدو أن جماعة الإخوان كانت قد أعدت نفسها جيداً لهذا اليوم، فقد بدأت ماكينتها الإعلامية تبث التقارير والبيانات إلى شتى أنحاء العالم، لتؤكد وقُبيل إعلان نتيجة الانتخابات أن محمد مرسى سيبدأ على الفور بعد الإعلان الرسمى، فى تشكيل الحكومة الجديدة من ألوان متعددة من الطيف السياسى، وأن «مرسى» سيختار خمسة نواب له فى رئاسة الجمهورية، من بينهم نائب قبطى، ونائب من الشخصيات ذات الكفاءة من خارج حزب الحرية والعدالة، ونائب من الشباب، ونائبة تمثل المرأة.فى مساء اليوم ذاته، دار حوار هاتفى مطوّل بينى وبين الفريق سامى عنان حول ما يتردد عن فوز محمد مرسى بانتخابات الرئاسة، وقد شككت فى الأمر، وقلت إنها النتائج التى أعلنها حزب الحرية والعدالة، لكن اللجنة العليا للانتخابات لم تقل كلمتها بعد، كما أن نتائج القاهرة لم تصل إلى اللجنة حتى الآن.وفى المساء ذاته، اتصل بى الدكتور كمال الجنزورى، ودعانى إلى لقاء عاجل فى الحادية عشرة من صباح الثلاثاء 19 يونيو، وعندما وصلت إلى هناك، عرفت أن هناك تكليفاً من المشير طنطاوى لـ«الجنزورى» بالالتقاء بعدد محدّد من الشخصيات، وذلك للاتفاق على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، خوفاً من حلها بحكم قضائى كان متوقعاً صدوره فى نهاية الشهر ذاته.وقد ضمت اللجنة كلاً من د. الجنزورى، ود. فايزة أبوالنجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولى، ومنير فخرى عبدالنور وزير السياحة، وفتحى فكرى وزير القوى العاملة الأسبق، ورجائى عطية وسامح عاشور ومصطفى بكرى ود. عبدالله المغازى وياسر القاضى وآخرين.كان «الجنزورى» قد وجّه الدعوة أيضاً إلى د. حلمى الجزار ممثلاً عن حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، لكن بمجرد وصوله ومعرفته بالأمر، التقى «الجنزورى» وقرر الانسحاب، ثم خرج ليتحدث إلى وسائل الإعلام، متهماً المجلس العسكرى بأنه يشكل جمعية تأسيسية للدستور، بهدف إسقاط الجمعية التأسيسية الحالية.فى هذا الوقت كان التوتر سيد الموقف، فمع توالى نتائج الانتخابات، كانت كل المؤشرات تشير إلى أن محمد مرسى سيفوز فى هذه الانتخابات ما لم يتم التدخل للتحقيق فى وقائع التزوير التى شاع الكلام عنها.وأثناء الحديث عن التوقعات، أطلعتنى د. فايزة أبوالنجا على مضمون مقال نشرته «إيكونوميست» البريطانية بعنوان «انتخبوا الإخوان»، وقالت لى: إذن المؤامرة قد اكتملت الآن». وكان منير فخرى عبدالنور يجرى الاتصالات بين الحين والآخر ليسأل عن نتائج بعض المحافظات، وكان يقول لى: «يبدو أن الكارثة فى الطريق»، وكان يقصد بذلك احتمال فوز محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية.

كل المعلومات أكدت فوز «شفيق» بـ50.7٪ لكن المستشار فاروق سلطان أعلن فوز «مرسى» بـ51.76٪

بعد مناقشات استمرت عدة ساعات، تم الاتفاق على تشكيل جمعية تأسيسية من مائة عضو يمثلون كل ألوان الطيف السياسى والاجتماعى، وبعض الشخصيات العامة وأساتذة القانون الدستورى، وكان تمثيل الإسلاميين فى هذه الجمعية المقترحة لا يزيد على أربعة أشخاص.وفى مساء اليوم ذاته، تحدث معى الفريق سامى عنان، وقال لى إن هناك نسخة من التشكيل المقترح قد وصلته، وإن الأمر لن يُطرح إلا إذا صدر حكم من القضاء الإدارى ببطلان الجمعية السابقة، وفى هذه الحالة سيُصدر المجلس الأعلى التشكيل الجديد، استناداً إلى سلطته المخولة إليه فى الإعلان الدستورى المكمل الصادر فى 17 يونيو 2012.وجاء يوم الخميس 21 يونيو، لكن اللجنة العليا للانتخابات رأت ضرورة تأجيل إعلان النتيجة إلى يوم الأحد 24 يونيو، وهنا استشاط الإسلاميون غضباً، وراحوا يوجّهون الاتهامات إلى المجلس العسكرى بالمسئولية عن التأجيل، حتى يتمكن من تزوير نتائج الانتخابات.ودعا الإخوان وأنصارهم فى هذا الوقت إلى مليونية فى ميدان التحرير أطلقوا عليها «مليونية الشرعية» طالبوا خلالها بإعلان فوز محمد مرسى فوراً، والتوقُّف عن التدخُّل فى شئون الانتخابات وتزوير نتائجها لصالح المرشح أحمد شفيق كما كانوا يزعمون، واحتشد عشرات الآلاف بعد صلاة الجمعة ليحذّروا وينذروا ويوجّهوا التهديدات بإشعال الأوضاع فى حال فوزه.وفى اليوم نفسه، عقد المرشح أحمد شفيق مؤتمراً صحفياً أعلن فيه فوزه فى الانتخابات بنسبة 52٪ على المرشح المنافس محمد مرسى، وهو أمر أثار مخاوف الإخوان وزاد من حدة قلقهم. وفى الثالثة صباحاً من فجر اليوم التالى السبت 23 يونيو، كان مندوب من النيابة العامة قد وصل إلى مقر اللجنة العليا للانتخابات، ليسلم مظروفاً خاصاً من نيابة استئناف القاهرة إلى الأمين العام للجنة العليا للانتخابات، وكان المظروف يتضمّن كتابين مؤرخين بتاريخ 21 يونيو من المستشار النائب العام المساعد ومدير التفتيش القضائى إلى المستشار حاتم بجاتو، الأمين العام للجنة العليا للانتخابات، يتضمن نتائج التحقيق الأولية حول محضر التحريات المحرر بتاريخ 21 يونيو، بمعرفة اللواء محمود يسرى وكيل الإدارة العامة للمباحث الجنائية بمصلحة الأمن العام، الذى قدّمه بناءً على طلب السيد وزير الداخلية بإجراء التحريات عن الجرائم الانتخابية التى وقعت يومى 16، و17 يونيو 2012، والكتاب الثانى فى شأن الشكاوى التى تلقتها النيابة العامة عن مخالفات أحكام القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية ومباشرة الحقوق السياسية فى نحو ما يزيد على ستمائة بلاغ.وكانت اللجنة العليا للانتخابات مكونة من رئيس وأربعة أعضاء هم: المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً، والأعضاء هم: المستشار محمد ممتاز متولى النائب الأول لرئيس محكمة النقض، والمستشار عبدالمعز أحمد إبراهيم، رئيس محكمة استئناف القاهرة، والمستشار ماهر البحيرى، نائب رئيس المحكمة الدستورية، والمستشار أحمد شمس الدين خفاجى، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، فى حين تولى المستشار حاتم بجاتو منصب الأمين العام للجنة، دون أن يكون له حق التصويت.وعندما اجتمعت اللجنة فى يوم السبت 23 يونيو، كان قد تم اكتشاف وجود 120 ألف صوت مزور فى 16 محافظة، وهذا هو ما تم حصره، وكان السؤال المطروح أمامها: هل تتم إعادة الانتخابات فى هذه المحافظات، أم يتم استبعاد الصناديق التى اكتُشف فيها التزوير؟ وهل إذا تقررت إعادة الانتخابات تعاد بين «مرسى» و«شفيق»، أم تعاد بين الثلاثة عشر مرشحاً الذين دخلوا الانتخابات فى الجولة الأولى؟وبعد مناقشات مطوّلة، كان هناك ثلاثة من أعضاء اللجنة مع إعادة الانتخابات فى المحافظات الست عشرة، وهم: المستشار عبدالمعز أحمد إبراهيم والمستشار ماهر البحيرى والمستشار أحمد شمس الدين خفاجى، فى حين اعترض كل من المستشار فاروق سلطان والمستشار محمد ممتاز متولى، لكن المناقشات انتهت بانحياز المستشار أحمد شمس الدين خفاجى إلى وجهة النظر الأخرى، وتقرر إعلان النتيجة كما هى، رغم أن المؤشرات كلها كانت تؤكد أن استبعاد صناديق الانتخابات المزوّرة يعنى فوز الفريق أحمد شفيق.وفى وقت مبكر من فجر يوم الأحد 24 يونيو تم الاتفاق على إعلان نتيجة الانتخابات فى الثالثة من عصر اليوم ذاته، وفى صباح اليوم ذاته، بدأ المستشار حاتم بجاتو فى الاستعانة بأحد موظفى الكمبيوتر الذى كان يعمل معه منذ فترة طويلة، لإملاء النتيجة، ثم قام بكتابتها بنفسه بعد ذلك.

الإخوان يحشدون للاحتفال فى التحرير تطبيقاً لسياسة الأمر الواقع قبل إعلان نتيجة «الرئاسة» رسمياً

وفى هذا اليوم أعلن المجلس العسكرى حالة الاستنفار العام، فدعا موظفى البنوك وبعض الجهات الأخرى إلى الانصراف فى الحادية عشرة صباحاً، كما تم نقل كميات هائلة من أموال البنوك إلى البنك المركزى، وفرض إجراءات مشدّدة على المنشآت العامة والخاصة، وكانت هذه الإجراءات تشير إلى احتمال فوز الفريق أحمد شفيق فى انتخابات الرئاسة. وكانت المعلومات التى وصلتنى شخصياً تؤكد ذلك، فاتصلت بالفريق أحمد شفيق فى هذا الوقت، وأبلغته بالنتيجة بالأرقام التفصيلية، فقال لى إنه يجلس معه فى نفس الوقت أحد الأصدقاء الموثوق بهم، وأبلغه الأرقام نفسها حرفياً، والتى تؤكد فوزه بنسبة 50.7٪، وهو نفس ما أذاعته قناة «سى إن إن»، نقلاً عن الموقع الإلكترونى لـ«الأهرام» بالإنجليزية.بعد قليل حدّثنى د. السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، وأكد لى أن المعلومات التى لديه تؤكد فوز محمد مرسى، وليس أحمد شفيق، فأبديت دهشتى من هذا الكلام، لكن البيان الذى تلاه المستشار فاروق سلطان فى الرابعة إلا الربع، أكد فوز «مرسى» بنسبة تبلغ 51.76٪. فى هذا الوقت حاولت التواصل مع عدد من أعضاء المجلس العسكرى، إلا أنهم جميعاً أكدوا أن أحداً فيهم لم يكن يعرف بنتيجة الانتخابات، بل إن بعضهم مثل اللواء ممدوح عبدالحق عضو المجلس، وآخرين، أكدوا لى أن المشير طنطاوى لا يعرف شيئاً عن النتيجة.بعد إعلان فوز محمد مرسى عمّت الصدمة أنحاء البلاد، لم يكن أحد يتوقّع أن تمضى الأمور على هذا النحو، خرجت بعض المظاهرات المحدودة التى تستنكر نتيجة الانتخابات، رافعة صور الفريق أحمد شفيق، لكن كل شىء كان قد حُسم وانتهى.فى اليوم التالى، 25 يونيو 2012، التقى المشير طنطاوى بقادة وضباط وجنود المنطقة العسكرية المركزية بوسط القاهرة، أدرك المشير حالة القلق التى تعتريهم جميعاً، وخوفهم على هوية الدولة ومؤسساتها فى ظل حكم رئيس إخوانى للمرة الأولى فى تاريخ مصر، وبعد أن استمع المشير إلى هذه المخاوف على ألسنة الحاضرين، خاصة شباب الضباط، قال لهم: لا تقلقوا كثيراً، إن الذين تطاولوا عليكم وطالبوكم بالعودة إلى ثكناتكم حتى قُبيل انتهاء المرحلة الانتقالية سوف يأتون إليكم خلال عدة أشهر فقط، ليطالبوكم بإنقاذهم إذا لم تلتزم جماعة الإخوان بالحفاظ على الدولة ومصالح الجماهير، أما إذا التزمت فسوف يقف الشعب ومؤسسات الدولة بكل ما يملك مع الرئيس الذى جرى انتخابه، بغض النظر عن الموقف منه. واستكمل حديثة بالقول: «ثقوا أن جيشكم سيحافظ على الدولة وعلى هويتها، ولن يسمح بالهيمنة عليها لصالح فئة بعينها». كانت كلمات المشير حاسمة، هدّأت من مشاعر الحاضرين الذين أدركوا أن الكلمة باتت فى ملعب محمد مرسى وجماعته، وأن الجيش لن يفرّط فى الثوابت الوطنية ومصالح البلاد تحت أى حال من الأحوال.وفى مساء اليوم ذاته، أذاعت بعض الفضائيات بياناً مسجلاً من الفريق شفيق إلى الرأى العام المصرى، يعلن فيه قبوله نتيجة الانتخابات ويقدّم التهنئة إلى الرئيس محمد مرسى.وكان الفريق شفيق قد التقى فى اليوم نفسه بالمشير طنطاوى وأبلغه أنه سيُغادر البلاد لأداء العمرة، وأنه سيعود إلى البلاد عندما تتحسّن الظروف، وبالفعل غادر «شفيق» وأسرته القاهرة فى وقت مبكر من صباح اليوم التالى (الثلاثاء) إلى أبوظبى، ومنها إلى السعودية بعد ذلك لأداء العمرة. كان «شفيق» يعرف أن الإخوان سوف يتربّصون به من خلال البلاغات الكيدية، لذلك تلقى نصيحة بمغادرة البلاد من بعض المقربين، حتى يكون بمأمن من غدرهم وتآمرهم عليه.وفى يوم الاثنين ذاته، التقى محمد مرسى بالمشير طنطاوى وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمبنى وزارة الدفاع، وفى هذا اللقاء وجّه «مرسى» الشكر إلى المشير والمجلس العسكرى على وفائهم بالوعد وإخلاصهم فى العهد الذى قطعوه على أنفسهم، وفى نهاية اللقاء، قال إنه سيتوجه إلى القصر الجمهورى للزيارة.توجّه «مرسى» على الفور إلى مبنى القصر الجمهورى فى الاتحادية، وبرفقته عصام الحداد وخالد القزاز وآخرون، ثم مضى إلى مكتب الرئيس على الفور، وطالب بتغييره، خاصة أن «مبارك» كان يجلس على هذا المكتب طوال فترة حكمه.فى صباح اليوم التالى، كان «مرسى» يتوجه إلى القصر الرئاسى مرة أخرى، ويلتقى الموظفين ويحذّرهم من خطورة التقاعس أو التواطؤ لصالح النظام القديم، يومها قال لهم: «أنا مواعيدى من 7 صباحاً إلى 12 مساءً».فى الحادية عشرة من صباح الأربعاء 27 يونيو، كان موعدى مع الفريق سامى عنان، ثم لحق بنا أحد الأصدقاء، جلسنا معه بدايةً، لأكثر من ساعة ونصف الساعة، كان سؤالنا المشترك: ماذا حدث؟!، وكانت إجابة الفريق سامى إن أحداً لم يكن يعلم نتيجة الانتخابات حتى تم إعلانها، أبديت دهشتى، فقال لى الفريق بكل حسم: «ولا المشير كان يعرف، صدقنى، كنا ننتظر النتيجة مثل أى شخص آخر».بعد حوار مطول غادر صديقى مكتب الفريق عنان، وبقيت أنا، قضيت بعض الوقت مع اللواء ممدوح شاهين، ثم التقيت المشير حسين طنطاوى برفقة الفريق سامى عنان.بادرنى المشير بالسؤال: إيه الأخبار؟!فقلت له: «الأخبار عند سيادتك».قال لى: «أنا أسأل عن رأى الناس».قلت له: «الناس منقسمة فى الشارع، والكثيرون مصدومون، وهناك من يرى أن شيئاً ما قد حدث فى اللحظات الأخيرة».قال المشير: «زى إيه؟!».قلت له: «إنهم يقولون إن المجلس العسكرى قد تدخّل بفعل وجود ضغوط خارجية وأجبر اللجنة العليا للانتخابات على تغيير النتيجة، أى أن سيادتكم سلمتم البلد للإخوان».نظر إلىّ المشير، وقال: «لا أحد فينا كان يعرف بالنتيجة، أنا كنت موجوداً مع أعضاء المجلس نتابع النتيجة، دخلت الحمام، وما إن عدت حتى فوجئت بفوز (مرسى) بمنصب الرئيس».قلت: «لكن الناس لها رأى آخر».

خطة «الإخوان» كانت تستهدف السيطرة على أقسام شمال سيناء وإعلان «إمارة إسلامية» حال إعلان فوز «شفيق»

قال: «نحن لم نتدخل ولا نستطيع أن نتدخل، لقد قالوا قبل ذلك إننا تدخلنا لدى المحكمة الدستورية لحل مجلس الشعب، وأنت نفسك تعرف أن هذا الكلام غير صحيح، والآن جاء البعض يردد نفس الكلام، ونحن لا مصلحة لنا فى نجاح هذا أو ذاك، لقد تركنا اللجنة العليا تمارس حريتها واحترمنا قرارها وإرادة الشعب، الشعب هو الذى جاء بالإخوان، خاصة أن هناك كثيرين سافروا إلى الساحل الشمالى، والشعب الذى جاء بالإخوان هو صاحب القرار، انتظر فترة من الوقت إذا مشيوا كويس مع الشعب هيدعمهم ويقف معهم، أما غير ذلك، فبعد عدة شهور هتشوف هيعمل معاهم إيه»، ثم ابتسم وقال لى: «لا تقلق كثيراً، الإخوان دلوقتى أصبحوا فى يد الشعب، والشعب المصرى ده شعب عظيم، ماتخافش، ماتخافش».تركت المشير ومضيت إلى خارج مبنى وزارة الدفاع، متجهاً إلى مكتبى، حدّثنى أحد أعضاء المجلس العسكرى يسألنى عن لقائى مع المشير، قلت له: «مش عارف، معقولة المشير لم يكن لديه علم بالنتيجة»، فقال لى بحسم: «والله ولا واحد فينا كان يعرف حاجة».

االوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى