الأخبار

ليبيا.. من جماهيرية القذافى «الخضراء» إلى جهنم «الحمراء»

60

 

 

نقلا عن اليومى:

«استعدوا للدفاع عن ليبيا.. استعدوا للدفاع عن البترول، وعند اللزوم سنفتح المخازن ليتسلح كل الشعب الليبى.. لتتسلح كل القبائل، حتى تصبح ليبيا نارا حمراء».

خطاب كارثى ألقاه رئيس ليبيا السابق معمر القذافى بعد اندلاع الثورة الليبية فى فبراير 2011، رئيس ثالث بلد شهدت رياح الربيع العربى، قبل سقوطه وقتله على يد الثوار المناهضين لحكمه.

أطلق القذافى خطبته الحماسية، التى يكشف كل حرف منها عن نيته تدمير ليبيا، والزج بها فى جحيم النيران التى تصطلى بها الآن، وهى نيران تفتح السيناريوهات الليبية على مستقبل كالجزائر أو الصومال.

ليبيا.. الجماهيرية الخضراء التى دأب القذافى على أن يصفها بالعظمى، تحولت إلى كرة لهب متوهجة، يمكن أن تتدحرج، فتلفح ألسنتها دول الجوار، فى شمال القارة السمراء، وعلى رأسها مصر، التى تشترك معها فى حدود يبلغ طولها أكثر من 855 كيلومترا.

انتشار السلاح بالداخل سيؤدى بالضرورة إلى زيادة عمليات دخوله إلى الأراضى المصرية، وهو الأمر الذى كشفت «اليوم السابع» عنه فى تحقيق بعنوان: كيف هرب عاصم عبدالماجد إلى قطر؟

لذا لم يعد من المناسب السؤال عن كيفية تأثير حالة الحرب الأهلية داخل ليبيا وانتشار السلاح على مصر، لأن تصريحات الطرف المصرى واعتراف الطرف الليبى بالعجز تكشف عن الكارثة الأمنية المشتركة، خاصة أن الحالة الداخلية لليبيا وما فيها من متغيرات ينبغى أن تساهم فى طرح الأسئلة، حول كيفية صياغة وتطبيق آليات تسمح لمصر بحماية أمنها القومى.

فمع الثورة الليبية، تعامل القذافى وفق مقولة أنا ومن بعدى الطوفان، واقتفى نيرون الذى أحرق روما، حيث فتح مخازن السلاح لتكون فى يد الجميع لإحداث فوضى داخلية، تركت البلاد بين براثن الحرب الأهلية، واحتقان بين الطوائف ليبقى «الأقوى».

وفى المشهد أيضا أن ليبيا تسبح فوق بحر من الثروة البترولية، وما من شك أن القوى الطامعة ليست بعيدة عن المشهد هناك.

الحديث عن تهريب السلاح من الأراضى الليبية بعد المشهد الثورى فى 30 يونيو عبر الحدود المصرية الليبية كان هو لب حديث جميع المصادر الأمنية والبدوية التى تحدثنا معها قبل دخول الأراضى الليبية، فالتهريب يتم عبر صحراء جنوب سيوة أو عبر مدقات محددة يحفظها بدو الصحراء فى السلوم، ليتجه إلى حماس أو إلى أسيوط، ومنها إلى بقية محافظات مصر.

واعترفت قيادات حكومية بإقليم برقة بتقصير الجهات الليبية فى حماية الحدود وزيادة معدل تهريب السلاح فى الفترة الأخيرة قبل حتى الإعلان عن الدعوة للفيدراليات.

«21 مليون قطعة سلاح ملقاة الآن بين طرقات ليبيا»، بهذه العبارة استهل مسؤول عسكرى – رفض ذكر اسمه – الحديث مشيرا إلى خطورة الموقف الليبى والمصرى، وهو كم من السلاح يبدو مخيفا وكارثيا إذا علمنا أن عدد السكان فى حدود 10 ملايين.

وأضاف: «هذه تركة القذافى الملعونة، فالرجل لم يشأ ترك البلاد إلا بعد أن يسوى الأرض لسيناريوهات الفوضى والدمار، معتبرا الآن بعد فتح القذافى خزائن السلاح بعد سقوطه، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع وتيرة الاغتيالات والتفجيرات العشوائية داخل الأراضى الليبية، وينذر بإغراق ليبيا فى صراعات جهورية وقبلية مدمرة.

البلد الأخضر يغرق أهلها يوميا فى بحور دماء، فالجيش انقسم لميليشيات مسلحة منتشرة فى الشوارع تدافع عن بقايا دولة تركها القذافى مرتعا لانتشار السلاح والعناصر المتطرفة من جانب والميليشيات المدنية المنتشرة فى الشوارع من جانب آخر، ترتدى الزى العسكرى المبيع على الأرصفة.. وهى تحاول فرض سيطرتها على المدنيين أحيانا، وكسب الغنائم من الغرباء فى أحيانا أخرى.

منذ أول خطوة تتعرف على اللاءات الثلاث فى ليبيا، اللادولة وهى الـ«لا حدود ولا أمن ولا ثقة» بعد حوالى 5 ساعات وصلنا إلى مدينة بنى غازى، فمررنا خلالها على 20 قرية، بداية من «قرية مساعد، ثم البردى، ثم رأس عزاز، ثم شمالا إلى بحر جنزور، حيث ولد عمر المختار بكهف بالقرب من زاوية الملك، ثم قصر الجدى، ثم الأشهب، ثم كمبوت، ثم القعرة، ثم باب الزيتون، فطبرق، ثم منطقة عكرمة التى تضم مقبرة للجنود الألمان، ثم قرية مرصص والخاثر وقرضبة وعين غزالة والتميمى، ثم إلى طريق الصحراوى، ومن بعده مدينة المرج، ثم تاكنس، ثم العقورية، وصولا إلى بنى غازى».

فى مدينة بنى غازى الوضع غير مطمئن، رغم هدوء الأحياء وكأن شيئا لا يحدث على هذه الأرض، لكن الاحتقان يطفو فى كلام الجميع.

السلاح يد الجميع يحميه وتهتدى به، لا يمكن أن يسير شخص إلا ومعه قطعة سلاح، سواء طبنجة «9 ملم» أو قطعة كلاشينكوف وهى السلاح الأكثر انتشارا، أو عربة نصف نقل محملة بسلاح ثقيل، سواء مضاد للطيران أو غيره وبعضهم يملك أكثر من قطعة ويحملها فى شنطة السيارة، هكذا تحولت ليبيا من الأرض الخضراء إلى ساحة تتحدث بلغة السلاح والدم.

فوارغ طلقات الرصاص منتشرة فى الشوارع وآثار المعركة على كل منزل ونافذة، طلقات للرصاص هنا ومبانٍ مهدمة هناك، فى الجهة المقابلة بوابات وشبابيك ملقاة على الأرض أسفل مبان محترقة، حتى بعض العربات التى تنقلنا بها يحمل سائقوها السلاح، وفى أرضية إحداها وجدنا خزانة سلاح فارغة متلف عليها شريط أسود سميك.

ولا تتوقف أصوات الانفجارات وأزيز الرصاص، والمؤسف أن السكان أصبحوا يتعاملون معها كأنها جزء طبيعى من تفاصيل الحياة، لا يستحق الاكتراث.

أما عن ارتداء الجميع الزى العسكرى فحدث ولا حرج، البدل العسكرية تباع بالأسواق بشكل طبيعى، جميع الميليشيات المسلحة الموجودة من قرية مساعد وحتى آخر نقطة وصلنا إليها فى بنى غازى يرتدون زيا عسكريا رغم عدم انتماء أغلبهم إلى مؤسسة جيش الدولة، وهو أمر فى حد ذاته يسبب الكثير من الارتباك، فلا يعلم مواطن الشارع لمن يلجأ ويحتمى ممن.

وبالسؤال عن السبب قيل لنا نصا: «ارتداء البدلة العسكرية يوفر الأمان والكثير من الجهد فى طرح الأسئلة على المقاتل، كما أنه زى يعكس قوة الشخص، واحترافية تدربه على القتال». وكانت آخر محطة هى إجراء الحوار مع رئيس حكومة إقليم برقة «عبدربه البرعصى»، مكتب رئيس الإقليم كان بالجهة الأخرى من الإقليم، بالفعل بعد رحلة الدخول إلى أكبر حقل بترول فى شمال أفريقيا، اتجهنا إلى موقف الحافلات من مدينة مساعد لاتخاذ أسرع وسيلة مواصلات لمدينة البيضا، أول شىء تراه وسط أى تجمع بشرى هو السلاح، الجميع كان يحمل قطعة سلاح باختلاف الأحجام وأوضاع حملها، شخص ثلاثينى يرتدى زيا مدنيا، كان متجها لحى جانبى بجوار استراحة الطريق كان يحمل الكلاشينكوف مفرغ الطلقات، ربما كان يستعد لملئه من جديد.

فى طريقنا إلى قرية البيضا مررنا على كتيبة تابعة لتنظيم القاعدة، كانوا رافعين راية سوداء عليها لفظ التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وبعد نحو 12 دقيقة بالسيارة، فوجئنا بثلاث كتائب محملة بالسلاح الثقيل مضاد الطيران والكلاشينكوف، تسير فى اتجاه كتيبة القاعدة.

ورغم انتشار السلاح بين أيدى الجميع حتى – ودون مبالغة – بين أيدى الصبية، كان السؤال الملح كيف لمجتمع ينشد الاتحاد يقوم وسط كل هذا الكم من السلاح، وهل إذا افترضنا جدلا نجاحهم فى تحقيق الهدف فهل سيمكنهم السيطرة على الوضع الداخلى بعد انتشار السلاح وتفتت القوى المعارضة واستعانة الجميع بلغة السلاح لتحقيق المطالب؟ ورغم حمل معظم المدنيين للسلاح لم يكن عن طيب خاطر، بل إن أدق التعبير كان يمثل عبئا على حامله، ولكنه البديل الوحيد للموت، وهذا ما يؤكده الليبيون الذين لا ينسون أن يختتموا كلامهم بعبارة: «الله غالب».

 

اليوم السابع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى