الأخبار

مصر تخوض حرب مياه

2

المسار الحالي للمفاوضات مع أديس أبابا «عبثي» وهي ليست قوية لتتعامل مع مصر بهذه الصورة المهينة

ملف سد النهضة والمفاوضات مع الجانب الإثيوبى واتفاقية عنتيبى التى لا تعترف بحصة مصر المائية والتحريض الإسرائيلى ضد مصر فى إفريقيا ورغبة إثيوبيا فى زيادة نفوذها الإفريقى على حساب مصر والتحالف التركى الإثيوبى للدفاع المشترك والخنوع غير المبرر من المفاوض المصرى، كلها أزمات تواجه مصر وتهددها وتؤثّر على حصتها المائية التى تعد مصدر الحياة على أرضها.

«التحرير» تفتح كل هذه الملفات الشائكة مع الدكتور هانى رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وإلى نص الحوار..

■ ما تقييمك للوضع المائى المصرى مقارنة بدول حوض النيل، خصوصًا دول المنابع؟

– هناك فارق جوهرى بين مصر باعتبارها دولة المصب وبين دول المنابع باعتبار أن لديها وفرة مائية كبيرة نتيجة هطول الأمطار الغزير، ويبلغ إجمالى الإيراد المائى بدول حوض النيل سنويًّا 1660 مليار متر مكعب، فى حين أن ما يصل إلى مصر والسودان معًا خلف السد العالى عند أسوان هو 84 مليار متر مكعب فى العام بما يساوى 5% من إجمالى الإيراد الخاص بحوض نهر النيل، وهذا الفارق من المياه يضيع فى المستنقعات، وتسمى المياه الخضراء، لأنه ينتج عنها غطاء نباتى، وجزء آخر منها يعود مرة أخرى فى شكل بُخر كثيفة نتيجة المناطق الحارة، وهناك جزء آخر يتسرب إلى المياه الجوفية، لكن بشكل عام دول المنابع لا تعتمد -نتيجة هذه الخصائص- على المياه فى مجرى نهر النيل، وهى ما تسمى المياه الزرقاء، وما تحتاجه من هذه المياه التى تمر فى مجرى النهر تتراوح ما بين صفر% و4% بأقصى تقدير، بينما مصر بشكل عام دولة صحراوية ومصدرها الرئيسى للمياه هو نهر النيل، وتعتمد عليه بنسبة 95%، ولذلك فالوضع المائى لمصر حرج لأن كمية المياه التى تصلها عبر النهر هى شبه ثابتة فى الوقت الذى يزداد فيه عدد السكان.

■ ما أهم التحديات التى تقابل مصر فى ظل هذا الوضع المائى الحرج لها؟

– السدود الإثيوبية تعد أهم هذه التحديات، ومن قبلها اتفاقية عنتيبى التى لا تعترف بحصة مصر المائية، وهاتان القضيتان مرتبطتان ببعضهما بعضًا، وتأتى هذه السدود الإثيوبية لكى تضيف بعدا آخر إلى أزمة المياه فى مصر، لأنها تهدد بنقصان الموارد المائية السنوية التى تعتمد عليها مصر كل عام، وهذا قد يدفع الأمور فى مصر إلى أزمة حادة ستؤثر على المساحات المزروعة بالفعل، وسوف يتبع إنشاء هذا السد تأثيرات متتالية وتداعيات كبيرة فى معظم أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثَمَّ السياسية فى مصر، لأن كل 4 مليارات متر مكعب ستفقدها مصر من حصتها السنوية سيعنى ذلك من الناحية العملية انتقاص مليون فدان من الأراضى المنزرعة، وهذا بالطبع سيؤدى إلى فقدان مليونَى أسرة عملها فى الريف، كما سيؤدّى فقدان الأراضى الزراعية إلى زيادة الفجوة الغذائية التى تعانى منها أصلًا مصر، خصوصًا أن مصر تستورد معظم غذائها من الخارج، وبالتالى ستزداد الحاجة إلى تمويل المواد الغذائية المستوردة ومن هنا ستدخل مصر إلى دائرة مغلقة تلهث فيها لسد الثغرات الناتجة عن هذا الأمر وسيؤدى ذلك إلى إعاقتها فى التنمية، مما سيهدد قدرة الشعب المصرى على تلبية حاجاته الضرورية، كما سيؤدى هذا السد إلى تهديد خطير لقطاعات أخرى غير الزراعة مرتبطة بمياه النيل، مثل توليد الطاقة الكهربائية من السد العالى وسد أسوان، كما أن انخفاض المناسيب بنهر النيل سيؤثر سلبًا على السياحة النيلية وعلى النقل النهرى بأنواعه، سواء للركاب أو البضائع، وستجد مصر فى دوامة من الأزمات لا حصر لها، وأنا أرى أنه من المقبول أن تحسن دول المنابع من قدرتها على استخدام المياه وتوليد الطاقة، وهذا ترحب به مصر وتدعمه، لكن ما هو غير مقبول ما تفعله إثيوبيا فى الوقت الحالى من مضاعفة حجم التخزين المائى بسد النهضة إلى خمسة أضعاف الحجم الذى كان مقررًا أصلًا للسد، رغم أنه لا يوجد مبرر فنى أو اقتصادى لهذه السعة الضخمة للغاية لسد النهضة إلا إذا كانت لها أهداف أخرى سياسية تخدم المصالح الإثيوبية على حساب مصر.

■ كيف يمكن لمصر أن تستفيد من فواقد المياه فى دولة مثل جنوب السودان؟

– الاستفادة من هذه الفواقد المائية لها دراسات منذ عشرينيات القرن الماضى، لأن هناك كمية كبيرة من المياه تفقد فى جنوب السودان وتضيع فى المستنقعات، وتقدر كمية المياه المفقودة بـ50 مليار متر مكعب، وهناك مشروعات كبيرة، مثل مشروع قناة جونجلى ومشروعات أخرى فى حوض مشار، وهذه الفواقد يمكن أن توفر بحد أقصى من 22 إلى 30 مليار متر مكعب من المياه، ولكن لكى تتم هذه المشروعات لا بد من موافقة وتعاون دولة جنوب السودان، وأن تكون لها مصلحة فى إقامة هذه المشروعات، وقد كان فى السابق هناك اتفاق بين مصر والسودان طبقًا لاتفاقية 1959 الموقعة بين الدولتين، لإقامة مشروعات مائية لاستقطاب هذه الفواقد من المياه، ولكن ونتيجة انفصال دولة جنوب السودان عن السودان فى عام 2011، وبالتالى فإذا أرادت مصر إقامة هذه المشروعات فلا بد من اتفاق ثلاثى بين مصر والسودان وجنوب السودان، وهذا الأمر حاليًّا من الصعب تحقيقه، بسبب أن دولة جنوب السودان هى دولة حديثة النشأة وتعانى من صراعات داخلية كثيرة.

■ ما تقييمك للمفاوضات الجارية حاليًّا بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة؟

– ما يجرى حاليًّا لا يمكن أن نسميه مفاوضات، لأن المسار الحالى هو ناتج عن تقرير اللجنة الدولية لسد النهضة فى منتصف عام 2103، وهذه اللجنة الدولية نشأت بقرار من إثيوبيا فى مسعى شكلى منها لما تقول إنه سيطمئن مصر بأن سد النهضة لن يلحق ضررًا بمصر، وهذا هو الهدف المعلن من جانب إثيوبيا، لكن فى الحقيقة الهدف غير المعلن هو إشغال مصر بهذه الدراسات وكسب مزيد من الوقت لوضع الأساسات لسد النهضة وإظهار رغبة إثيوبيا فى التعاون، فى حين أنها ماضية فى خطتها وتنفيذها بالكامل دون أى تأثير، وبدلًا من أن تنجز اللجنة الثلاثية الدولية عملها فى ستة أشهر استغرقت فى عملها عاما ونصف العام نتيجة المماطلات والمراوغات الإثيوبية، وأظهر التقرير الدولى أن الدراسات المقدمة من الطرف الإثيوبى هى أولية ولا تصلح لمنشأة ضخمة بحجم سد النهضة ودراسات غير كافية وأن هناك دراسات أساسية غير موجودة أصلا، مثل الدراسات المتعلقة بتأثير السد على دولتى المصب مصر والسودان، فضلا عن نقص الدراسات البيئية وهى دراسات مهمة للغاية، وتقوم الاستراتيجة الإثيوبية فى التفاوض على إغراق الجانب المصرى فى التفاصيل الفنية، على سبيل المثال كان هناك خلاف رئيسى على الجهات التى ستشرف على هذه الدراسات، وكانت مصر ترى ضرورة وجود خبراء دوليين أجانب، بينما كانت إثيوبيا ترى أن من يجب أن يقوم بهذه الدراسات خبراء من الدول الثلاث، وقد تم الاتفاق فى النهاية وبالتحديد فى أغسطس من العام الماضى أن تكون هناك لجنة وطنية تسند العمل إلى مكاتب استشارية دولية، وانصرفت المرحلة التالية إلى وضع الأسس التى من خلالها سيتم اختيار المكاتب الاستشارية الدولية وتكليفها بالعمل ومنذ عام كامل حتى الآن تدور اللقاءات حول هذه النقطة فى الوقت الذى تصر فيه إثيوبيا على استكمال البناء الذى وصل إلى 50%، وهو الأمر الذى يعنى أن هذه الدراسات إذا تم إسنادها بالفعل إلى أحد المكاتب الاستشارية سيكون قد اكتمل السد بالفعل قبل انتهاء هذه الدراسات، وبالرجوع إلى إعلان المبادئ الذى تم توقيعه بين رؤساء الدول الثلاث فى الخرطوم مارس الماضى، فهو يتحدث عن عدم إحداث ضرر ذى شأن لمصر، وهو تعبير ليس له تعريف فى القانون أو الاتفاق نفسه يمكن الاسترشاد به، وبالتالى فهذا بالتوازى مع أن إثيوبيا لا تعترف بحصة مصر المائية إنما تقر بمبدأ الاستخدام المنصف والعادل للمياه، وهذا المبدأ سيتوقف على تقدير ما كمية المياه التى ستكون من حق مصر وفق هذا المبدأ، وهذا الأمر غير متفق عليه، وبالتالى فنتائج هذه الدراسات ستحلق فى فضاء غير محكوم بأى معايير أو مرجعيات، وبالتالى سيحق لكل طرف أن ينظر إلى الأمر من وجهة نظره.

■ ماذا لو رفضنا هذا المسار الحالى للمفاوضات؟

– هذا ما يجب أن يتم، ولا يعنى ذلك الذهاب إلى الحرب بشكل مباشر، وبالتالى فحتى ولو تحول سد النهضة إلى أمر واقع وأننا نحاول تقليل الخسائر فالمسار الحالى لن يقلل الخسائر، لأنه حتى وفق إعلان المبادئ الموقع فى الخرطوم فإنه ليس هناك إلزام على إثيوبيا للالتزام بسياسة تشغيل معينة، بل نص على التنسيق والتنسيق لا يعنى الإلزام والمسار الحالى سيؤدى إلى نوع من الاعتراف والإقرار والموافقة المصرية على ما تفعله إثيوبيا من إضرار بمصالح مصر.

■ ما تقييمك للموقف السودانى فى هذه المفاوضات الجارية بين الدول الثلاث حاليًّا؟ ولماذا تغيَّر الموقف السودانى من معارض للسد إلى مؤيد؟

– الموقف السودانى لم يتغير، لكنه مر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى وكان بها نوع من التوجس من سد النهضة، وفى المرحلة التالية السودان أصبح له قرار سياسى بتأييد السد، وهو قرار سياسى لا فنى، بمعنى أنه لا يستند إلى مصالح السودان المائية، وقد اتضح أن السودان وكذلك إثيوبيا ليست لديهما الدراسات الخاصة بهذا السد، وأن مصر فقط هى مَن قامت بالدراسات التى تثبت تضررها من السد وسلمتها إلى إثيوبيا.

وبالتالى فالقرار السياسى السودانى يستند إلى محورين، أولهما أن المياه التى سوف تأتى إلى مصر والسودان تمر على الخرطوم أولا وبالتالى فأى نقص سيحدث ستخصمه السودان من حساب مصر المائى، وثانيهما أن السودان لديه الكثير من الأزمات والمشكلات مع دولة جنوب السودان والجبهة الثورية المتمردة عليها فى دارفور والنيل الأزرق ومنطقة أبييه المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، فى الوقت الذى تعانى فيه السودان من العزلة الدولية وضعف الحركة الدولية، وبالتالى فهى لا تريد أن تخسر الطرف الإثيوبى الذى يقوم حاليًّا بدور الوسيط، ولها أيضا قوات عسكرية فى مناطق أبييه للفصل فى المنازعات بين الطرفين تقدر بنحو 7 آلاف جندى إثيوبى، كما أن الموقف السودانى بهذه السياسة يكسب استراتيجية كدور وسيط، وهو يعطى للسودان مزايا بحرية الحركة والمناورة، والموقف المعلن للسودان أنه يلعب دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، لكن الحقيقة داخل قاعات الاجتماعات أنه يلعب دور المساند لإثيوبيا مساندة مطلقة، وهذا أعلنه الرئيس السودانى عمر البشير بنفسه، إذ قال إن السد كله فوائد للسودان، ودعا مصر إلى الاستفادة من هذه الفوائد، ومن ثم فالتغير الواضح هو فى الموقف المصرى الذى رغب فى نقل الأزمة من حيز الصراع إلى حيز التعاون، لكن هذه المحاولة حتى الآن أثبتت فشلها، وقد نوه الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى كلمة ارتجالية فى العاصمة السودانية الخرطوم له فى أثناء توقيع إعلان المبادئ، بأنه «ليس المهم هو الاتفاقيات، لكن المهم هو الإرادة السياسية، للوصول إلى حل وسط والتفاوض بحسن نية»، والآن وبعد مرور ٦ أشهر على هذه الكلمات تبين أنه لا توجد إرادة سياسية لدى إثيوبيا، للوصول إلى حل وسط، بل تريد تنفيذ مخططها بالكامل، كما ظهرت سوء النية الإثيوبية خلال اجتماعات اللجنة الثلاثية لسد النهضة، وبالتالى فالمسار الحالى لمفاوضات سد النهضة هو مسار فاشل، ولن تقود مصر إلى أهدافها المرجوة.

■ بعض الخبراء يرون أن السودان اتخذ هذا الموقف المؤيد لسد النهضة بسبب تنازل إثيوبيا له عن بعض الأراضى المتنازع عليها بين الدولتين؟

– ربما يشيرون هنا إلى منطقة الفشقة، وهى منطقة زراعية خصبة على الحدود الإثيوبية السودانية، وهى ليست متنازعا عليها، وهى أراض داخل الحدود السودانية، لكنها محتلة من قبل مزارعين إثيوبيين، وهذا الحال منذ سنوات، لكن الزحف الإثيوبى على تلك المنطقة مستمر مع تغيير فى طبيعتها الديموجرافية، ومؤخرا إثيوبيا وقّعت اتفاقا مع السودان لتخلى جزءا من هذه الأراضى لصالح السودان، وما تم الاتفاق عليه هو خُمس منطقة الفشقة وليس كلها، وما ظهر من تصريحات المسؤولين فى هذا الأمر حاول إظهار حل الأزمة بين الجانبين، لكن هذا غير صحيح.

■ ما رأيك فى إصرار إثيوبيا على اختيار الشركة الفرنسية «بى آر إل» للقيام بـ70% من دراسات سد النهضة بينما المكتب الهولندى لن يقوم سوى بـ30% رغم أنه أكثر خبرة؟

– هذا يوضح عدم كفاءة الإدارة المصرية فى إدارة هذه القضية، ووزير الرى المصرى حسام مغازى وجه الوفد المصرى باختيار المكتب على أساس فنى موضوعى، لكن إثيوبيا وجهت الأمر من الناحية السياسية، وإثيوبيا منحت المكتب الهولندى درجات أقل من التى يستحقها، حيث منحته 60% فقط، مما أعطى للمكتب الفرنسى درجة أعلى ومنحه 70% من إجراء الدراسات، وبالتالى فكان مقصودا، إما أن ترضخ مصر للمكتب الفرنسى مما يحقق ما تريده إثيوبيا فى الحصول على نتائج وفق أهوائها، وبالتالى فإثيوبيا تمارس ابتزازا يوميا متواصلا خلال هذه اللقاءات، فإما أن تنفذ ما تريده وإما أن يحدث انهيار فى ما تم إنجازه، لنبدأ من الصفر، حتى تستهلك مزيدا من الوقت، للإسراع فى بناء السد، وهذا فيه نوع من الإهانة للمفاوض المصرى، وما يحدث حاليا هو سابقة ستستند إثيوبيا إليها فى السدود التى ستلى سد النهضة، فهناك رضوخ وتخاذل مصرى، وهناك تصريحات كاذبة من وزير الرى المصرى وتفاؤل غير معبر عن الحقيقة، فإثيوبيا ليست بهذه القوة حتى ترضخ مصر لها بهذا الشكل المهين، وعلى الطرف المصرى أن يرفض المسار الحالى للمفاوضات بشكل كامل، وأن يعلن ذلك على المستوى الإفريقى والدولى، سواء من خلال الاتحاد الإفريقى أو مجلس الأمن، وأن يضع خطة استراتيجية متوسطة المدى لردع إثيوبيا عن هذه السلوكيات التى لن ترجع عنها إلا إذا شعرت أن هناك ثمنا سيدفع لهذه التهديدات غير المبررة التى تقوم بها تجاه الأمن القومى المصرى ومنه بالطبع الأمن المائى.

■ ما أهم تفاصيل هذه الخطة الاستراتيجية التى يجب أن تقوم بها مصر تجاه إثيوبيا؟

– هى خطة تتعلق بالتوازنات الاستراتيجية بين مصر وإثيوبيا، لأن أديس أبابا تتحول الآن إلى دولة إقليمية كبرى فى القرن الإفريقى، وهى بالفعل حققت ذلك الأمر، ونفوذها يتسع الآن إلى دول حوض النيل، بمعنى أن إثيوبيا تعد الآن هى الوكيل للولايات المتحدة الأمريكية بالقرن الإفريقى، واتضح ذلك من خلال زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما لإثيوبيا مؤخرا، وإثيوبيا هى الحائل أمام إقامة الدولة الصومالية وتحويلها إلى كونفيدراليات منفصلة عن بعضها البعض، وهى تحتفظ أيضا بعلاقة مع جيبوتى أشبه بعلاقة الحماية، وكأنها تحت الحماية الإثيوبية، كما تحاصر إثيوبيا إريتريا من خلال قرارات مجلس الأمن التى تعزلها دوليا، وإثيوبيا تحاول أن تمد دورها هذا إلى دول حوض النيل، فأصبحت هى التى تتولى حل النزاعات فى جنوب السودان، كما أنها تتوسط لحل المشكلات بين شمال السودان وجنوبه كما بين السودانيين داخل السودان، وتقوم ببناء سد النهضة الذى ستتبعه سلسلة من السدود لوضع مصر تدور فى دائرة مفرغة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهى ترغب فى إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية فى منطقة حوض النيل لصالحها على حساب مصر، لكن السؤال هنا هل تمتلك إثيوبيا فى الوقت الحالى القوة الذاتية لتنفيذ هذه الخطة؟! بالطبع لا تمتلك ذلك، لأنه رغم نسبة النمو والاستثمارات الخارجية الضخمة والرعاية الأمريكية والأوروبية لها، وتحقيقها نسبة نمو 10%، وما يطلق عليها بأنها أحد النمور الإفريقية الصاعدة فإنه وفق إحصائيات العام الماضى فإن الناتج القومى الإثيوبى 18% من الناتج القومى المصرى، رغم تساوى عدد السكان بين مصر وإثيوبيا، ورغم الأزمة الاقتصادية التى يعانيها الاقتصاد المصرى فى الوقت الحالى، فضلا عن ذلك فإن مصر هى أول دولة نشأت فى التاريخ، بينما إثيوبيا ليست دولة بالمعنى المتعارف عليه، بل هى مجموعة من الدويلات المتلاصقة بعضها مع بعض، لأنها عبارة عن بعض الإثنيات والشعوب التى لها أصل عرقى مختلف، وتتسم بلغات مختلفة وديانات مختلفة وأنماط معيشة مختلفة وثقافات مختلفة، والنخبة الحاكمة حاليا فى إثيوبيا التى تنتمى إلى «التيجراى» والتى انحدر منهم ميليس زيناوى الرئيس الأسبق، يمثلون 10% فقط من السكان، بينما الشعوب المسلمة هناك مثل الأورومو والأوجادين، ذوو الأصل الصومالى، ترى أنها محتلة من أقليات مثل «التيجراى» و«الأمهرة»، وهذا التحالف هو المسيطر حاليا على إثيوبيا، وهو تحالف من مجموعة من الدويلات، فهى دولة لا تعبر عن نسيج حضارى وبشرى واحد، وبالتالى فإثيوبيا كدولة تفتقر إلى عناصر القوة التى تمكنها من إلحاق الضرر بمصر بهذه الطريقة المهينة، وبالتالى فلا داعى لهذا الخنوع المصرى خلال هذا المسار العبثى الذى تسير فيه مصر خلال إجراء دراسات سد النهضة.

■ هل تلعب إسرائيل دورا فى تحريض دول حوض النيل ضد مصر؟

– إسرائيل تعتبر أن أحد أهم أهدافها هو محاصرة مصر فى دول حوض النيل من خلال دول المنابع، وهو هدف استراتيجى قديم يتحقق الآن، وهناك معلومات محددة نشرها المهندس حيدر يوسف وكيل سابق لوزارة الرى السودانية أكد خلالها أن إسرائيل تحتل دورا كاملا من مبنى وزارة المياه والطاقة الإثيوبية من خلال خبرائها فى هذا الطابق، كما أن إسرائيل لها وجود استخبارى وأمنى وحركى كبير فى إثيوبيا، كما أن إثيوبيا تتفاوض مع مصر وفق المدرسة الإسرائيلية فى التفاوض، والتى تعتمد على المساومة والمراوغة، وبالتالى فقيام إثيوبيا برفع حجم التخزين فى سد النهضة خمسة أضعاف حجمه المتفق عليه ليس له مبرر سوى خدمة المصالح الإسرائيلية، وهى المصالح التى تتعانق مع النظام الحاكم فى إثيوبيا حاليا للتحول إلى دولة إقليمية كبرى، اعتمادا على علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وكوكيل للغرب يحارب ما يسمى بالتطرف الإسلامى، فى حين أن الولايات المتحدة هى التى تغض الطرف عن «داعش»، رغبة منها فى تفتيت الدول العربية، وهو ما يشير إلى التناقض المعروف عن السياسة الأمريكية التى تكيل بمكيالين تجاه الشرق الأوسط.

■ ما تقييمك لوثيقة سد النهضة التى وقعت فى مارس الماضى بين رؤساء الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، فى الخرطوم؟

– هذه ليست وثيقة، بينما هى إعلان مبادئ للاسترشاد به لحل خلافات السد، وهذا الإعلان فيه نقطتا ضعف، وهما أنه تم توقيعه فى ظل قيام إثيوبيا ببناء السد، وهو أمر يصب فى صالح الطرف الإثيوبى، ويفرغ هذا الإعلان من محتواه، وهو فضفاض، ولا يلزم إثيوبيا بشىء على الإطلاق أمام القانون الدولى، وهو إعلان بلا قيمة ويمثل صفرا كبيرا.

■ هل سمحت مبادرة حوض النيل بتكتل دول المنابع ضد مصر؟

– هذه المبادرة هى الفخ الذى وقعت فيه مصر، وهى تم تقديمها من جانب البنك الدولى فى إطار استراتيجية أوسع، ضحيتها الوحيدة هى مصر، لأن البنك الدولى أصبح يتبنى مفهوم حق تحويل المياه إلى سلعة قابلة للبيع والشراء، وبالتالى فهذه المبادرة كان لها شكل معلن براق مثل تحقيق المنفعة المشتركة وتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر، لكن ما حدث على أرض الواقع هو تكتل دول المنابع ضد مصر لتحويل المياه إلى سلعة، وأن يتم الانتقاص من حصة مصر لصالح دول المنابع التى لا تحتاج إلى هذه الحصص التى ستحصل عليها من المياه، فتقوم بمقايضة مصر لبيعها إلى مصر مرة أخرى ومبادرة حوض النيل كانت كمينا وقعت فيه مصر، وقامت وزارة الرى فى عهد وزير الرى الأسبق محمود أبو زيد بتقديم تنازلات دون مقابل، كما كانت تصدر بيانات كاذبة بأنه تم الانتهاء من كل بنود المبادرة، وأنه لم يتبق سوى بند واحد، وكان هذا البند هو الأمن المائى وحصة مصر من مياه النيل.

■ هل التعاون مع إفريقيا كافٍ حاليا؟

– هو ناجح حتى الآن، لكن ما يهم مصر فى الجنوب هو قضية المياه وقضية الأمن القومى، وبالنسبة إلى قضية المياه الوضع متدهور للغاية، وبالنسبة إلى الأمن القومى بمفهومه الشامل فإن التوازنات الاستراتيجية حول مصر تتحرك فى غير صالحها.

■ ما رأيك فى اتفاقية الدفاع المشترك بين تركيا وإثيوبيا؟ وهل هى موجهة ضد مصر؟

نعم لأنه لا توجد قواسم مشتركة بين البلدين على الإطلاق سوى العداء لمصر.

■ ما رأيك فى زيارة الرئيس السيسى للبرلمان الإثيوبى وزيارة وزير الرى لسد النهضة؟

– زيارة الرئيس السيسى كانت جزءا من استراتيجيته للحفاظ على النهج التعاونى مع إثيوبيا، والوصول إلى حل وسط لتخفيف الأضرار على مصر من سد النهضة، لكن من الواضح أن هذه المحاولة لم تأت بأى ثمار إيجابية حتى الآن، وزيارة وزير الرى لم تكن تتم دون موافقة الرئيس السيسى عليها، لكن أداء وزير الرى وتصريحاته وطريقته فى التفاوض هى أحد العوامل الرئيسية فى ضعف الموقف المصرى.

■ ما أهم التنازلات التى قدمتها مصر فى مفاوضات سد النهضة؟

أولا: الاعتراف الصامت بسد النهضة بإبعاده ومواصفاته بوضعه الحالى، وثانيا: الموافقة على التخلى عن مفهوم عدم إلحاق الضرر وعدم الاعتراف بحصة مصر المائية، وبالتالى فمصر قدمت تنازلات دون أن تحصل على أى مقابل.

■ هل تتوقع حرب مياه فى المستقبل بالقارة الإفريقية؟

– فى الحقيقة ما يحدث حاليا هو حرب على مصر دون أن تطلق فيها النيران، ولا أظن أن الأمر سيصل إلى الحرب المباشرة، بل ستكون بوسائل أخرى غير الصدام العسكرى.

■ أخيرا.. كيف يمكن تغيير المسار الحالى لمفاوضات سد النهضة؟

– لا بد من وقفة للمراجعة وإعادة التقييم، وعلى الرئيس السيسى أن يطرح مبادرة لتصحيح المسار من خلال استغلال العلاقات الإيجابية على المستوى الشكلى التى قام ببنائها مع المسؤوليين الإثيوبيين والسودانيين، وذلك لطرح المخاوف المصرية من السد، وللتفاوض المباشر حول هذا الأمر، فإذا لم تقبل هذه المبادرة فإن من حق مصر أن تتخذ الوسائل المناسبة لحماية حق شعبها فى الحياة.

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى