الأخبار

سيناريوهات الحرب والسلام من قلب «اليمن التعيس»

 

73

بعد مرور عام على سيطرة ميليشيات «الحوثيين» وقوات الرئيس المخلوع على عبدالله صالح على الدولة اليمنية، عادت الشرعية بصورة جزئية إلى عدن؛ بعد 6 أشهر من بدء عملية «عاصفة الحزم» العسكرية بقيادة السعودية، لكن المراقبين للوضع اليمنى يرون أن الضربات الجوية التى تعد الشكل الرئيسى للعمليات العسكرية فى اليمن لا تزال محدودة التأثير أمام طبيعة التضاريس اليمنية الوعرة وتمرس الحوثيين على حروب العصابات والميليشيات التى لا تكفى القوات النظامية لمواجهتها بفاعلية.

بعد 6 أشهر من «عاصفة الحزم».. «الوطن» تبحث عن «مستقبل» وسط «الدمار»

وفى ظل إصرار التحالف العسكرى العربى على تحقيق نصر عسكرى شامل، بالاستعداد لشن معركة صعبة لاستعادة صنعاء، بل والوصول إلى صعدة، حيث المعقل الرئيسى لـ«أنصار الله»، فإن سيناريو الحرب الممتدة يبدو الأقرب إلى الواقع، فيما تلوح فى الأفق فرصة للتسوية السياسية للأزمة مع قبول جزئى للحوثيين ببعض بنود القرار 2216 الذى يُجمع المجتمع الدولى على ضرورة تطبيقه، وهو ما دفع ممثلى الحوثى و«صالح» للذهاب إلى مسقط لإجراء مشاورات من طرف واحد مع المبعوث الأممى إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وبين سيناريو الحرب طويلة الأمد، والتسوية الوشيكة، يبرز سيناريو التقسيم والحرب الأهلية والغوص فى مستنقع الفوضى والإرهاب، حيث استغلت «القاعدة» أحادية الحرب على الحوثيين، لتتحرك بصورة أسهل فى الأراضى اليمنية، بينما ينتظر بعض الجنوبيين لحظة إعلان «جمهوريتهم الخاصة» من جديد والعودة إلى ما قبل الوحدة.

مر عام على نكبة اليمنيين، التى بدأت فى أواخر سبتمبر الماضى بسيطرة جماعة «الحوثيين» على العاصمة اليمنية صنعاء، وقد ساد حينها اعتقاد لدى غالبية اليمنيين بأن «الحوثيين» لن يقدموا على أكثر من السيطرة على العاصمة بالقوة من أجل دفع الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى إلى زيادة نصيبهم فى «المحاصصة» السياسية وتشكيل حكومة جديدة، وحصولهم على مكاسب غير مسبوقة، ولكن هذا لم يحدث، حيث سيطرت الجماعة على معظم المحافظات اليمنية وعلى رأسها العاصمة، لتصبح الدولة كلها رهينة، واستغرق الأمر نحو 6 أشهر لكى تعلن السعودية فى أواخر مارس الماضى عن بدء عملية «عاصفة الحزم» لاستعادة الشرعية فى اليمن، تلتها عمليتا «إعادة الأمل» و«السهم الذهبى».

تحالف «الحوثيون – صالح» والصراع «الإيرانى – السعودى» يدفع إلى «حرب مذهبية»

وبعد مرور أكثر من 6 أشهر على بدء عمليات التحالف العربى فى اليمن، حققت القوات انتصارات جزئية فى مدن عدن ومأرب وتعز، دفعت التحالف للتصميم على ضرورة استكمال الطريق نحو صنعاء و«استعادة الشرعية»، فيما استطاع الحوثيون وحلفاؤهم نقل المعركة جزئياً إلى الداخل السعودى، عبر مهاجمة الدوريات السعودية على الحدود، وقصف بعض المدن الحدودية والتصميم على «مواجهة العدوان».

وهكذا أصبحت اليمن بين عدة سيناريوهات، أبرزها استمرار الحرب، فيما يرى آخرون أن الخسائر التى منيت بها الأطراف قد تدفعها إلى الجلوس على طاولة المفاوضات للوصول لتسوية سياسية، بينما يلوح فى الأفق شبح التقسيم والحرب الأهلية، نتيجة تصاعد نفوذ القاعدة، واكتفاء الجنوبيين بتحرير «أراضيهم» فى عدن وغيرها واستعدادهم لمرحلة «الاستقلال».

سيناريو الحرب الممتدة:

«هناك أسباب داخلية تدفع السعودية للاستمرار فى الحرب»، هكذا وصفت المحللة السياسية اليمنية الدكتورة ميساء شجاع الدين، المشهد الراهن، مؤكدة أن هناك إصرار على ضرورة تحقيق نصر عسكرى فى اليمن، فى حين يميل فى جانب البعض إلى الحل السياسى.

ويرى أسامة الشميرى، المحلل السياسى اليمنى، أن الحل السياسى بعيد عن الأفق حالياً، موضحاً لـ«الوطن» أنه يميل إلى سيناريو «الحرب بالوكالة» الممتدة طويلة الأمد، لأن هناك تحالفاً استراتيجياً قوياً بين قوات على عبدالله صالح والحوثيين، والضربات الجوية غير كافية، لأن مواقع الحوثيين ومواقع القوات التابعة لـ«صالح» منتشرة فى مناطق كثيرة وانتقلت إلى المناطق المدنية، مما يصعب حسم المعركة جوياً فقط.

واستبعد «الشميرى» إمكانية تحقيق نصر عسكرى شامل على الحوثيين فى اليمن، مؤكداً أن القوة العسكرية لهم ما زالت قائمة، وما زالت هناك ترسانة صواريخ لم يُعرف طريقها حتى الآن، خاصة أن هناك أراضى سعودية تقصف بصواريخ «سكود» الروسية، وهو ما يعنى نقل المعركة إلى الداخل السعودى، وليس فقط اقتصارها على المسرح اليمنى.

وأكد «الشميرى» أن «من العوامل التى تمنع الحسم العسكرى السريع وتعزز سيناريو الحرب الممتدة، هو عدم وجود قوات برية ضد الحوثيين و«صالح» فى صنعاء وصعدة، والخطر هو عدم وجود مقاومة مسلحة فى صنعاء، لذلك ستكون العاصمة وسكانها هدفاً للتحالف، ولكن لا يمكن الوصول لها بسهولة من جانب قوات التحالف».

مصادر يمنية: الأمم المتحدة أصبحت قريبة من اتفاق يعيد الشرعية لـ«منصور هادى»

ويرى مراقبون أن هناك عدة أسباب أخرى تدفع باتجاه سيناريو الحرب الممتدة فى اليمن، خاصة أن هذه الحرب ترتبط بالأساس بالصراع والتنافس الممتد بين السعودية وإيران، فضلاً عن إمكانية تحولها إلى حرب مذهبية من الدرجة الأولى، مما يجعل من اليمن مسرحاً رئيسياً لهذه الحرب المذهبية التى تشتعل نيرانها فى إقليم الشرق الأوسط، فضلاً عن أن الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن من الملاحة الدولية من الممكن أن يحول الأمر إلى صراع على النفوذ فى المنطقة، ويدفع أطرافاً دولية أخرى إلى التدخل فى الأزمة، لتتحول إلى صراع دولى على النفوذ، وعليه فإن الأزمة اليمنية ستتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد بين السعودية وإيران.

لسان حال معسكر «الحوثيين» وحلفائهم يقول إنه من المستحيل القبول بمطالب الحكومة اليمنية الشرعية وقوات التحالف المتمثلة فى الانصياع للقرار الدولى 2216، الذى يطالب الجماعة بتسليم السلطة والانسحاب من جميع المدن التى يسيطرون عليها بما فيها العاصمة صنعاء ومعقلهم الأساسى فى محافظة صعدة وتسليم السلاح، لأن ذلك يعنى الاستسلام.

هذا الوضع يضع الحوثيين أمام خيار واحد وهو الدفاع عن «أرضهم» والدخول فى حرب شاملة ومفتوحة وطويلة الأمد لا تشمل فقط اليمن، ولكنها تمتد إلى الحدود المشتركة، وتحاول نقل ساحة المعركة إلى الداخل السعودى، بما فى ذلك إمكانية التصعيد بإعلان إلغاء الحدود المشتركة بين اليمن والسعودية.

سيناريو التسوية السياسية:

تؤكد مصادر يمنية مطلعة لـ«الوطن» أن الأمم المتحدة باتت قريبة من إبرام اتفاق سياسى يلزم المتمردين «الحوثيين» وقوات الرئيس السابق بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولى والإقرار بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادى. وتؤكد المصادر أن التسوية أصبحت ممكنة فى ضوء وجود قبول من جانب الحوثيين بالبنود الرئيسية الخاصة بالانسحاب من المدن مع رفض عودة «هادى» والعقوبات، ولكنهم يقبلون بعودة خالد محفوظ بحاح نائب الرئيس «هادى» كمرحلة انتقالية، مع القبول بعزل على عبدالله صالح سياسياً، دون فرض عقوبات عليه.

الفشل فى تحرير «صنعاء» يقود «البلد الموحد» إلى «التقسيم»

ومن جانبه، يقول الدكتور عادل الشرجبى، أستاذ الاجتماع السياسى بجامعة صنعاء، لـ«الوطن» إن «ما يدور فى مسقط يعتبر مشاورات من طرف واحد يلتقى خلالها ممثلو الحوثيين وحزب على عبدالله صالح بالمبعوث الأممى إلى اليمن، ولكن الحكومة ترفض المشاركة فى هذه المشاورات».

وأضاف «الشرجبى» أما عن موافقة الحوثيين على بعض بنود القرار 2216 فهى ليست كاملة، ولا توجد موافقة غير صريحة على القرار، بل إن الجماعة تريد الالتفاف على القرار، من خلال الموافقة على بعض بنود القرار، ولكنها ليست موافقة كاملة، هى موافقة مشروطة، فهم يضيفون عبارات للقرار من شأنها أن تعرقل تطبيق القرار».

ونفى رياض ياسين، وزير الخارجية اليمنى، إجراء حكومة بلاده أى مشاورات للحل السياسى مع الحوثيين، مؤكداً أن ما تبحث عنه الحكومة اليمنية والتحالف العربى فى اليمن هو تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفى مقدمتها القرار رقم 2216.

فيما يرى مراقبون أن الانتصارات التى حققتها قوات التحالف العربى فى اليمن غيرت توازن القوى على الأرض، ويمكن أن تدفع الحوثيين إلى تقديم «تنازلات كبيرة»، وأن العامل الاقتصادى وتكلفة الحرب سيدفعان السعودية ودول التحالف إلى وقف الحرب.

سيناريو الحرب الأهلية والتقسيم:

تريد السعودية ودول التحالف العربى أن تحافظ على الدولة اليمنية التى تمخضت عن اتفاق الوحدة الموقع بين شمال اليمن وجنوبه عام 1990، ولكن فرص فرض سيناريو التقسيم تتعاظم، خاصة مع الفشل فى تحرير صنعاء واستمرار تموضع المشروع الحوثى فى شمال اليمن، وتمكنت قوات التحالف العربى من تحرير عدن وبعض المناطق الجنوبية، فضلاً عن تعاظم نفوذ تنظيم «القاعدة» الإرهابى فى اليمن منذ بدء الفوضى، حيث تعتبر القاعدة أو أى جماعة إرهابية هى الوريث الشرعى للفوضى.

وتؤكد مصادر دبلوماسية مطلعة لـ«الوطن»، أن «مسألة تقسيم اليمن ليست أمراً غير مسبوق، بل كانت ولا تزال جزءاً من تاريخها وواقعها، ففى حقبة الستينات قُسمت البلاد إلى «يمن جنوبى» عبارة عن جمهورية عاصمتها عدن، وآخر شمالى مقر عاصمته صنعاء ويحكم عبر الإمام». وتضيف المصادر: «واليوم تدعم السعودية (الشرعية) بما يبقى اليمن على وحدته، ولكن التطورات العسكرية على الأرض تعيد مجدداً شبح التقسيم، وهناك عدم اتفاق تام بين دول التحالف العربى حول مستقبل شكل الدولة اليمنية، فبينما تؤكد السعودية الالتزام بوحدة اليمن وحتى لو فى شكل فيدرالى، كما هو الحال فى مخرجات الحوار الوطنى، تدعم دول خليجية أخرى بصورة غير معلنة خيار انفصال الجنوب وخضوعه كمنطقة نفوذ لها». ولا يقتصر التقسيم فقط على سيناريو دولتى الشمال والجنوب، بل ترى الكاتبة والناشطة اليمنية بشرى المقطرى أن تنظيم «القاعدة» أصبح هو الوريث الشرعى للفوضى، إذ تمكن من التحرك بسهولة فى ظل غياب الدولة واختطاف جماعة الحوثى السلطة واشتداد الحرب الداخلية بين الحوثيين وقوات صالح من جهة وبين المقاومة الشعبية والموالين لـ«هادى» من جهة أخرى. وقالت المقطرى لـ«الوطن» إنه مع بدء عملية «عاصفة الحزم» دخلت متغيرات جديدة عملت على توفير مساحة أكبر لتحرك «القاعدة»، خاصة مع تركيز الضربات على الحوثيين وحدهم وليس على كافة الجماعات المتطرفة والمسلحة فى اليمن، وهو ما وفر للتنظيم فرصة للانتشار وتثبيت وجوده، خاصة فى المناطق الشرقية، فضلاً عن سيطرة «القاعدة» على مدينة المكلا ومديريات ساحل حضرموت، وبعض المقرات العسكرية.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى