الأخبار

مصر بين الأصل والصورة في الإعلام الغربي

Supporters of ousted Egyptian President Mohamed Mursi argue with riot police and army personnel during clashes near Rabaa Adawiya square

طوال الشهرَين الماضيَين، شعر المصريّون بأن ثمّة مؤامرة دوليّة عليهم، وهو شعور ليس بجديد على العرب عموماً. لكن الجديد أن المصريّين وعدداً كبيراً من العرب صُدموا بأجهزة الإعلام الغربيّة، التي طالما ظنّوا أنها محايدة ومنيعة على التأثير الحكومي. وأصبح السؤال، لماذا تأخذ وسائل الإعلام الغربيّة هذا الموقف المستميت في تأييد الإخوان إلى درجة قلب الحقائق واجتزاء السياق وعكس الصور؟ فالتظاهرات المعارضة للرئيس المعزول محمد مرسي في محيط قصر الاتحاديّة، بثّتها بعض وسائل الإعلام الغربيّة على أنها في ميدان رابعة العدويّة ومؤيّدة لمرسي!!

المؤسّسات الإعلاميّة مهما كانت خاصة أو مستقلة، إلا أنها تبقى في النهاية جزءاً من المنظومة الاقتصاديّة والسياسيّة والفكريّة للدولة التي تعمل في نطاقها وتتأثّر مصالحها وأرباحها بمصالح الدولة صعوداً وهبوطاً، وبالتالي فهي تسترشد بإشارات السلطة الحاكمة. الإعلاميون أيضاً في النهاية هم بشر، ينتمون عاطفياً وبطريقة براغماتيّة إلى منظومة المصالح نفسها. وقربهم من صنّاع القرار يعتبر أمراً حيوياً، لأن هؤلاء يشكّلون مصادر صحافيّة مهمّة تمكّن الإعلاميّين من مواكبة الأحداث وتحقيق السبق في نقل الأخبار الهامة.

قبل تاريخ 30 حزيران/يونيو 2013، اتّضح وجود مقاومة شديدة من قبل الإدارة الأميركيّة والإعلام الغربي لفكرة الثورة على مرسي وحكم الإخوان. وقد خرجت بعض دوائر النفوذ الإخواني القريبة من البيت الأبيض تهدّد قائلة بأن عدم القبول بحكم الإخوان سيحوّل مصر إلى “دولة مفكّكة/منهارة”. وعلى الرغم من أن تظاهرات 30 حزيران/يونيو الماضي كانت الأضخم في تاريخ مصر وربما في تاريخ  البشريّة ككلّ، إلا أن تغطية الإعلام الغربي لها كانت محدودة. لكن الإشارة تجدر إلى أن بعض الصحافيّين الأجانب لم يستطيعوا أن يتمالكوا أنفسهم، فسجّلوا ضخامة الحشود بمبادرات شخصيّة على موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي.

وبعيداً عن نظريّة المؤامرة، من المهمّ أن نفهم لماذا فشلت مصر والثوّار في كسب تعاطف الرأي العام العالمي في صفّهم في خلال هذه الموجة من الثورة. إن الرأي العام الغربيعموماً لا يؤيّد تدخّل العسكر في السياسة، وهو غير معتاد على نموذج التغيير من خلال ديمقراطيّة الحشود الذي ساد مصر منذ ثورة يناير 2011 وربما من قبلها. وكان الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي قد ظلّ على مدى ثمانية أشهر منذ نشوب الأزمة في مصر عقب إعلان مرسي “اللادستوري”، يحذّر السياسيّين –سواء في الحكم أو المعارضة– من مغبّة عدم التوصّل إلى حلول سياسيّة، وقد رفض بشكل قاطع تدخّل الجيش في تشربن الثاني/نوفمبر الماضي على الرغم من مطالبات الكثيرين ومنهم العديد من شباب الثورة، وقد حذّر كذلك في مناسبات لاحقة من أن استمرار الصراع من دون إيجاد حلول سياسيّة يهدّد بانهيار الدولة (وهو ما لن تسمح به القوّات المسلحة).

لكن هذه التحذيرات، ربما لم يتذكّرها –أو يذكرها- أحد في الإعلام بأسلوب واضح. إلى ذلك، لم تذكر وسائل الإعلام أن مرسي انقلب على الإطار الدستوري الانتقالي منذ تاريخ 12 آب/أغسطس 2012، عندما جرّد المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة من المهمّة التي كلّفه بها الشعب في ما خصّ رعاية بقيّة مراحل الفترة الانتقاليّة بطريقة محايدة، وقد خلف بذلك الإطار الدستوري الذي أقسم على احترامه في تاريخ 30 حزيران/يونيو 2012، أي قبل عام واحد بالتمام والكمال من اندلاع الثورة عليه. وبالتالي، أدّى غياب راع أو وسيط محايد إلى تفرّد الإخوان بوضع دستور غير توافقي ضرب وحدة البلاد، فضلاً عن قيامهم بتفصيل قوانين الانتخابات والدوائر الانتخابيّة على نحو يخدم مصالحهم وحدهم ويقزّم من التأثير السياسي للكتل المعارضة لهم، والمسيحيّون مثالاً. فقد دمج الإخوان الدوائر التي يُسجَّل فيها تأثير مسيحي ملحوظ، في دوائر أوسع.

لقد صنّف الإعلام الغربي ما حدث في 3 تموز/يوليو المنصرم على أنه انقلاب. ولم يفهم المصريّون لماذا تلقّف العالم ثورة يناير 2011 باعتبارها ثورة على الرغم من أنها انتهت بحكم الجيش، بينما صنّف ما حدث في 3 تموز/يوليو 2013 بالانقلاب على الرغم من أن من تولّى قيادة البلاد بصورة مؤقّتة هو رئيس المحكمة الدستوريّة العليا طبقاً للعرف الدستوري المصري. بالطبع، يكمُن الفرق في أن مرسي في نظر الغرب كان رئيساً منتخباً. لكن الغرب لم يدرك أن كلا المرشحَين اللذَين وصلا إلى نهائيات الجولة الرئاسيّة كانا مرفوضَين من الشعب بنسب شبه متساوية، فهما مثّلا خيارات الماضي: نظام مبارك أو حكم الإخوان. وعلى الرغم من أن الغرب لام العرب مراراً وتكراراً على الارتكان الدائم إلى نظريّة المؤامرة لتفسير كلّ الأحداث الكبرى والصغرى، إلا أنه وقع في الموقف نفسه في ما يتعلّق بثورة 30 يونيو 2013. وقد نشر عدد كبير من كتاب الأعمدة قصصاً مثيرة عن مقابلات جرت ما بين شباب الثورة وقيادات “تمرّد” وبين جنرالات الجيش والاستخبارات. وقد تناسى هؤلاء أن قادة الجيش كانوا يقابلون كلّ هؤلاء وغيرهم من السياسيّين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين والسلفيّين، منذ تولّي المجلس الأعلى للقوات المسلّحة الحكم بعد رحيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011. وقد تناسوا أيضاً أن الثوّار يعتبرون الجنرالات مسؤولين مباشرة عن تسليم السلطة إلى الإخوان، بسبب سماحهم لهم بأن يضعوا خريطة طريق تضمن لهم الاستيلاء على كلّ السلطات. هل وضع قادة الجيش الإخوان في اختبار عملي أمامهم وأمام الشعب، ليحدّدوا بناءً عليه ما إذا كانوا قد أصابوا في الاختيار بالاعتماد عليهم، وما إذا استطاع الإخوان أن يطوّروا طريقة تفكيرهم ويخرجوا من وساوس العمل السرّي إلى التصرّف كرجال دولة راشدين يمدّون أيديهم إلى خصومهم ويعملون على توحيد كلمة البلاد لإعادة البناء؟

قدّر الإخوان أن سقوط ضحايا من مؤيدّيهم بين قتلى وجرحى على يد قوات الجيش خصوصاً والأمن عموماً، هو الطريقة الفضلى لكسب تعاطف الغرب وكسر التأييد الشعبي للجيش. وبالتالي، فهم بداية خطّطوا أفعالهم على الأرض لتنفيذ سياسة إعلاميّة تجعلهم في وضع الضحيّة. فهم دفعوا بحشودهم نحو منشآت عسكريّة واحتلّوا طرقات حيويّة مثل الطريق الرئيسي لمطار القاهرة وجسر 6 أكتوبر وبنوا الدشم والتحصينات الحجريّة والخرسانيّة على طرقات مهمّة، وذلك لشلّ البلاد واستفزاز أجهزة الأمن والدولة وفي الوقت نفسه كسب رقعة من الأرض تتوسّع باستمرار بحيث يمكن استخدامها في ما بعد لإقامة دويلة موازية. وكانت النتيجة فعلاً سقوط عدد كبير من الضحايا في مواجهات مع الجيش في محيط نادي الحرس الجمهوري وعند “المنصّة” (منطقة النصب التذكاري)، وكذلك في مواجهات مع أهالي المناطق التي مرّت بها مسيرات الإخوان. ولكن العدد الأكبر من الضحايا سجّل يوم فضّ اعتصامَي ميدانَي النهضة ورابعة العدويّة (14 آب/أغسطس الجاري)، وقد نشط الإخوان وحلفاؤهم دولياً في استغلال الضحايا للمطالبة بالتدخّل الأجنبي. وتجدر الإشارة إلى أنه ومنذ البداية، استخدم الإخوان تعبير “انقلاب” لوصف ما حدث في 3 تموز/يوليو 2013، لكن مع سقوط الضحايا أصبحوا يستخدمون تعبير “الانقلاب الدموي”.

لقد واجهت الولايات المتّحدة الإرهاب لسنوات طويلة، بخاصة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001. وربما توصّلت إلى قناعة تقول باستحالة النصر العسكري أو الأمني على هذا النوع من الفكر المتطرّف المقترن باستعداد وتصميم شخصيَّين لدى المؤمنين بأفكار تيار الإسلام الراديكالي، في التضحية بحياتهم من أجل إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو. ومن الوارد فعلاً أنه وكنتيجة لهذه الخبرة، كانت الإدارة الأميركيّة تشفق بالفعل على مصر وتخشى مما يمكن أن يفعله الإخوان –وحلفاؤهم من المنظمات الأشدّ تهوّراً- بمصر. ومن الوارد أيضاً أن تكون الولايات المتّحدة قد توصّلت إلى قناعة أو اتفاق من نوع ما صريح أو ضمني، تسمح بموجبه للإسلاميّين باعتلاء سدّة الحكم في منطقة الشرق الأوسط مقابل تخلّي الإخوان والقاعدة وحلفائهم عن حربهم ضدّها، وذلك سواء في دول تورّطت الإدارة الأمريكيّة فيها مثل أفغانستان والعراق أو في داخل الولايات المتّحدة نفسها. وفجأة تأتي ثورة 30 يونيو 2013 لتقلب الموازين وتسقط مثل هذه الاتفاقيات إن وجدت، بما يعنيه ذلك من انتقام محتمل من أميركا نفسها. فقد أنفق مكتب المباحث الفيدراليّة آلاف الساعات في متابعة نشاط الإخوان المسلمين في الولايات المتّحدة، ليكتشف أموراً خطيرة في وثائق لا يمكن إنكارها تربط الإخوان بخطّة للسيطرة على أميركا تدريجياً من خلال شبكة كبيرة من المنظّمات التي لا يحمل أي منها اسم الإخوان، لكنها كلها ترتبط بها وبحركة حماس إيديولوجياً وتعمل تنظيمياً كأجسام تبدو وكأنها منفصلة عن الإخوان، لكنها تتعاون معها استراتيجياً ولوجيستياً ومالياً من وراء الستار. وكلّ هذه الخبرات قد تكون جعلت شخصاً مثل السناتور جون ماكين يقول: “لا يمكن لمصر أن تهزم تنظيم الإخوان المسلمين”، الذي يساعده بحسن نيّة ملايين المسلمين من الطلبة والأشخاص العاديّين في الولايات المتحدة من دون علمهم. فإن انتماء أي منهم إلى منظّمات مثل ’إسنا‘ أو ’مسا‘ أو أي من آلاف الجمعيات الصغيرة التي تنشأ بالتوازي مع مساجد المسلمين في المدن الأميركيّة، يمكن للإخوان استخدامه بصورة مباشرة أو غير مباشرة لصالحهم من دون أن يعلم بالضرورة الشخص المعني بذلك. إذاً، الموضوع ليس بالضرورة مجرّد مؤامرة شرّيرة تشارك فيها أميركا، بل قد تكون الولايات المتحدة ببساطة قد قدّرت أن الإخوان قوّة لا يمكن لمصر أو أميركا نفسها أن تهزمها، نظراً لتمتّعها بدعم جيش من ملايين الأميركيّين والأوروبيّين فضلا عن المصريّين والعرب والأفغان والباكستانيّين إلخ…، الذين يعملون في خدمة الإخوان وأحياناً من دون أن يدركوا هم أنفسهم ذلك.

وكان مراسلون أجانب قد أسرّوا لمراسل “المونيتور” عدم ارتياحهم من الطريقة التي تتعامل بها مؤسّساتهم الإعلاميّة مع تغطية الأوضاع في مصر، وقد انحازت  إلى الإخوان. لكنه لم يستطع نشر تلك الملاحظات نقلاً عنهم، إذ كانت الأحاديث ذات طابع شخصي. ثم فوجئ مراسل موقعنا أن بعض هؤلاء قد تمّ نقله فجأة من القاهرة إلى مكان آخر بعيد تماماً، وذلك بعد سنوات طويلة من العمل في مصر، ليتمّ إرسال أشخاص آخرين لا يعرفون شيئاً عن المنطقة لتغطية الأحداث طبقاً لرؤية معيّنة. وعقب ذلك، أصدر رئيس جمعيّة المراسلين الأجانب في القاهرة فولكهارد فيندفور  بياناً عبّر فيه عن خيبة أمله من تلك التغطية المنحازة إلى متظاهرين تصفهم وسائل الإعلام الغربيّة بأنهم سلميّون على الرغم من أنهم مسلّحون ويعتدون بشكل مستمرّ على الإعلاميّين والصحفايّين لمنعهم من تصوير الأمور التي لا تناسب خطّتهم الإعلاميّة. كذلك عبّر عن خيبة أمله من تجاهل وسائل الإعلام عدوان هؤلاء “الذين يسمّون أنفسهم سلميّين” -على حدّ تعبير فيندفور- على منشآت الدولة المصريّة والكنائس وغيرها، فلم يحظَ ذلك بأي تغطية تذكر في الإعلام الغربي. وبعد ذلك البيان، أدرك عدد كبير من أشدّ المصريّين تحفظاً ورفضاً للانسياق وراء نظريات المؤامرة، أن ثمّة ناراً تحت هذا الدخان الكثيف، لا بل كتب البعض عن ضرورة إعادة الاعتبار إلى نظريّة المؤامرة!

وعلى الرغم من كل ذلك، في ما يأتي اقتراح لكيفيّة تحسين صورة مصر أمام العالم. الخطوة الأولى لتحسين أي صورة تكون في تحسين الواقع بطريقة مؤثّرة، وهذا يعني بالضرورة الحرص الشديد على تجنّب الدماء. هل هذا ممكن أمنياً أو سياسياً؟ هذه قضيّة يجب على الحكومة أن تدرسها جيداً وتفكّر في حلول غير تقليديّة حول كيفيّة التعامل مع مسلّحين يتّسمون بالعنف، مثل الذين هاجموا مركز شرطة كرداسة في الجيزة وقتلوا كلّ من فيه وقطعوا أعضاءهم ومثّلوا بجثثهم فيما هم الآن متحصّنون وراء الدشم مع أسلحة ثقيلة يروّعون أهل كرداسة. كيف يمكن التعامل معهم بأقلّ قدر من الخسائر البشريّة، بخاصة وأنهم متواجدون وسط أهالي المنطقة من الأبرياء ووسط المؤيّدين الذين قد لا يحملون سلاحاً لكنهم يُستخدمون من قبل المسلّحين كدروع بشريّة؟خطوة أخرى تقول بضرورة فتح مسار سياسي يستوعب مؤيّدي الإخوان في أقرب فرصة، لأنه لا يمكن الاعتماد على الحلّ الأمني وحده في مشكلة سياسيّة من هذا النوع. إلى ذلك تأتي ضرورة التعامل بحرفيّة مع العلاقات الإعلاميّة، بما في ذلك تغذية وسائل الإعلام بالمعلومات الدقيقة والأخبار الآنيّة والصور المعبّرة والقصص الملهمة وليس فقط المأساويّة، بالإضافة إلى الردّ على جميع التساؤلات والشائعات التي تدور في الفضاء الاجتماعي.

يُعتبَر أيضاً التواصل مع المصريّين والعرب في الخارج، أمراً مهماً. فقد فوجئت بعض الأسر مثلاً بأن أبناءها الذين يتابعون دراستهم في الولايات المتّحدة، لديهم صورة مشوّهة تماماً عما يحدث في مصر. وهذا أمر طبيعي، لأنهم يستقون الأخبار من إعلام الدول التي يعيشون فيها، فضلاً عن خطباء مساجد يديرها الإخوان أو حلفاء لهم في دول المهجر. وبالتأكيد، يمكن مع توضيح الصورة من وجهة نظر مصريّة، أن يقوم هؤلاء بنشرها في دوائرهم الخاصة أيضاً.

من المهمّ للغاية أن تخرج وسائل الإعلام من هوس شيطنة الإخوان لتبدأ بالحديث عن المسار الديمقراطي،  وعن منقاشة الدستور، وعن مبادرات لضمّ مئات الألوف أو ملايين الإسلاميّين غير المتورّطين في العنف إلى المسار السياسي، وعن جهود لتحقيق العدالة الانتقاليّة، وعن خطوات لتحسين وضع العدالة الاجتماعيّة. باختصار، لا يمكن أن نتوقّع تحسّناً في الصورة المنقولة إعلامياً إلى الخارج إلا مع تحسّن الأوضاع وانحسار موجة العنف وتخفيف حظر التجوّل وأي إجراءات استثنائيّة أخرى، كذلك خروج الجيش من الشوارع تدريجياً بشرط تحسّن قدرة الشرطة في الحفاظ على الأمن وحدها.

إلى ذلك، ثمّة ما يعطي المزيد من الصور السلبيّة التي تذهب في اتجاه عكس المرغوب فيه، ومثالاً على ذلك أنباء الإفراج عن مبارك أو إعادة تشكيل مباحث أمن الدولة. فذلك منح الإعلام مادة خصبة للتدليل على أن ما حدث في 30 حزيران/يونيو الماضي ما هو إلا ثورة مضادة لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وإعادة إنتاج الدولة البوليسيّة مرّة أخرى. وكان من الممكن أن تتمّ تلك الأشياء بطرق أخرى، بأساليب وضمانات تراعي الحساسيات التي قد تنشأ. وفي الوقت نفسه، لم يجرِ  التركيز على أن الحكم ببراءة مبارك قد صدر في عهد مرسي وأن الحكومة الجديدة وضعته تحت الإقامة الجبريّة باستخدام قانون الطوارئ. كذلك لم يتمّ التركيز مثلاً على إعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي أتى ليضمّ كوكبة من الثوّار والمناضلين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. في كلّ الأحوال، يدرك المصريّون جيداً أن التغيير الذي حدث في الشعب نفسه قد غيّر معادلة العلاقة مع السلطة إلى الأبد، وهم يثقون بقدرتهم على تقويم أي خلل يظهر في هذا السياق في المستقبل. وفي الوقت نفسه، يريد المصريّون دولة حازمة وذات هيبة، وهم لن يتهاونوا ويتسامحوا مع أي من الموجات التي قد تجرّ البلاد إلى الفوضى مرّة أخرى في ظلّ أي ادعاءات مضلّلة.

في النهاية، لا بدّ من إقامة توازن ما بين سعي المصريّين إلى تحسين صورتهم في الخارج وبين الجهود الدؤوبة التي تمكّن من تحجيم الإرهاب ووقف العنف ونزيف الدماء وبين التقدّم في المسار السياسي، وصولاً إلى انتخابات حرّة ونزيهة تضع مصر بكلّ طوائفها على عتبة مرحلة جديدة من مسار التحوّل الديمقراطى

نبض الشرق الاوسط

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى