الأخبار

ثلاثية الفشل في مصر

 

71

 

 

حصلت مصر على المركز قبل الأخير في تقرير التنافسية العالمية عن جودة التعليم، رغم امتلاكها مجموعة من العلماء يحاضرون في أكبر جامعات العالم، ما دفع موقع “لايف” إلى إجراء سلسلة من الحوارات مع أبرز علمائنا في الخارج، في محاولة لفتح باب الأمل ووضع حلول لمشاكل مصر المستعصية.

كانت نقطة الانطلاق مع الدكتور محمد صبري يوسف، خريج جامعة القاهرة، قسم الفيزياء الحيوية، وأستاذ الفيزياء الحيوية بجامعة جنوب إلينوي الأمريكية، والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم البيولوجية عام 2007، والذي يقود فريق بحثي عالمي للقضاء على فيروس سي.

وإلى نص الحوار:

بداية ما آخر التطورات في مشروعك الخاص بعلاج فيروس سي؟

أنا وفريقي البحثي بصدد نشر بحث جديد عن طريق إيجاد وسيلة سريعة وفعالة باستخدام الحاسوب، للتنبؤ بمدى توحش الفيروس وأولوية علاج المصابين، ونسعى الأن للتعاون مع مركز الكبد التابع لجامعة سانت لويس بولاية ميزوري، والذي أبدى اهتماما بأبحاثنا، ورغبة في توفير دعم للأبحاث المشتركة.

ويمكنني القول، إن مرض الالتهاب الكبدي الوبائي سي، تمت السيطرة عليه تمامًا في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، بفضل البحث العلمي الجاد المرتبط بصناعة الدواء المتطورة.

كيف ترى تعامل مصر مع المرض؟

الأساس في استفحال وتفشي فيروس سي في مصر هو ضعف إجراءات الوقاية بسبب تدهور القطاع الصحي بشكل عام، وغياب الرقابة، وبحسب التقديرات العلمية الموثقة ستظل مصر تعاني سنويا من مئات الآلاف من الإصابات الجديدة بالفيروس، بسبب الإهمال الفادح في إجراءات التعقيم في المستشفيات، والمرافق الصحية، وبخاصة المتعلقة بأدوات الجراحة وطب الأسنان ونقل الدم وغسيل الكلى.

هذا بالإضافة إلى الممارسات غير الصحية في القرى ومحال الحلاقة التي ما زالت تستخدم الشفرات والأمواس، فنقطة دم على موس عند الحلاق أخطر على مصر من داعش، ودون غلق هذا المنبع سيظل التحدي قائمًا وسيلتهم أي محاولات لتوفير العلاج.

هل هناك إجراءات حاسمة تمكن الدولة من علاج هذه الأزمة؟

فى ظل معدلات الإصابة المرتفعة في مصر لا بد من تشريع صارم يُجرم بعقوبات مُغلظة أي إهمال في إجراءات التعقيم في المستشفيات، وأي ممارسات من شأنها نشر العدوى، أما المرضى فيجب وضع سياسات علاجية ذات أولويات واضحة لهم. فعلى سبيل المثال يجب وضع أولوية قصوى لعلاج الفتيات والنساء قبل الحمل حتى لا ينتقل المرض للمواليد أثناء الولادة.

ما تعليقك على علاج فيروس سي الذي أثار ضجة في مصر قبل عامين؟

أعتقد أن صاحب الاختراع لخص الموضوع عندما قال إنه سوف يحول الفيروس إلى صباع كفتة ليأكله المريض!! وبعد عامين لا يبدو أن المرضى أعجبتهم الكفتة فالاختراع لم يُطه جيدًا.

ماذا لو عرض عليك تولي وزارة التعليم أو التعليم العالي؟

ينحصر طموحي داخل جدران المعامل وقاعات التدريس وصفحات الكتب، لكن بصفة عامة لا يمكن لي أخلاقيا أو مهنيا أن أقبل بأن أتقلد منصبًا إلا إذا كنت مقتنعًا تمامًا بأني قادر على القيام بمقتضيات هذا المنصب، والاضطلاع بالمهام الموكلة إلي على أكمل وجه، وأن لدي من الصلاحيات ما يكفل تنفيذ رؤيتي في إدارة المرفق، وإن لم تتحقق هذه الأمور فلن أقبل الوظيفة أيًا كانت المغريات الأدبية والمادية.

حدثنا عن رؤيتك لحل مشكلة الثانوية العامة؟

الثانوية العامة في مصر، إحدى البدع والعجائب التي لا مثيل لها في العالم، وحل مشكلة الثانوية العامة بسيط جدًا وهو باختصار إلغاؤها وجعلها شهادة منتهية يمكن العمل بها، أما الالتحاق بالجامعات فيتم وفقا لشروط قبول كثيرة، من ضمنها الثانوية العامة ولكن لا تكون هي الأساس.

ما رأيك في المجلس الاستشاري العلمي للرئيس، وماذا لو عرض عليك الانضمام إليه؟

يضم المجلس نخبة من العلماء المخلصين وله مجهودات كبيرة، وهو مجلس استشاري بمعنى أنه ليست له سلطات تنفيذية وبالتالي لا يجب أن نحمله فوق طاقته، وأعتقد أن المجلس بتركيبته الحالية ليس في حاجة إلى أعضاء جدد.

اختراعات كثيرة للطلاب المصريين دون مرجعية علمية، كيف ترى ذلك؟

في حيثيات حكم محكمة القرن، أقر المستشار أحمد كامل الرشيدي أن نظام مبارك عبر ثلاثين عامًا أدى إلى اندثار التعليم، “والحكم عنوان الحقيقة”، وبالنظر في المعجم نجد أن كلمة “اندثار” التي استخدمتها المحكمة تعني اختفاء الشيء وانتفاء أثره.

فالتعليم في مصر بحكم المحكمة غير موجود بل ليس له أثر من الأساس، ونرى أن هذا الحكم متحقق في كافة مناحي الحياة في مصر، وهو يفسر لنا لماذا يتصور طالب ثانوي أنه أثبت خطأ نظرية أينشتين أو أنه اخترع طائرة لا تتحطم بالسقوط، وهذا مشابه أيضًا لدعاوى علاج السرطان بالجنزبيل والسكر بالحلبة والكبد الوبائي بعصير الجرجير.

كل هذه المشاهد تدل على “اندثار” التعليم وغياب العقل النقدي عند كل من المدعي لهذه الأمور وأيضًا عند الجمهور المستقبل لها.

كيف يمكن لمصر أن تسفيد مصر من علمائها في الخارج؟

عندما تقلم مصر أظافر غيلان الفساد والبيروقراطية والمحسوبية، سيدخل علماء الخارج إلى مصر أفواجًا ليعملوا مع الأكفاء من علماء الداخل وما أكثرهم، وينقلوا إلى بلدهم الحبيب خبراتهم في العلم والحياة، وحينها فقط سيتغير وجه الحياة على بر مصر تمامًا وفي فترة قياسية.

هل ترى أن ترتيب مصر في تقرير التنافسية العالمية ظالم أم منطقي؟

لا بد أن نصارح أنفسنا بالحقائق الدامغة الموثقة، التعليم في مصر “مندثر” بحكم المحكمة، فمن المنطقي أن نكون في مرتبة متدنية في تقرير التنافسية.

هذا بالإضافة إلى استشراء الفساد والمحسوبية والرشوة وغياب القانون، وهذا هو التحدي الحقيقي الماثل أمام القيادة السياسية في مصر، هل هي قادرة بالفعل على مواجهة هذه الشرور التي لا تقل ضراوة عن خطر الإرهاب؟ أم أنها ستقرر التعايش معها؟

هل ترى أن القيادة السياسية تعبّد مسارات الخير؟

أنت تشير إلى مقال نشر لي بعنوان “خيالات الشر والبطولة” تتحدث عن علم الأعصاب الحديث وتفسيره للسلوك الإنساني.

سأقول لك: “عندما يشهر لاعب كرة سلاحه في وجه ضابط شرطة ثم يخرج حرًا طليقا بلا عقاب، في الوقت الذي يعتقل فيه شاب فقير بسبب تغريدة على تويتر أو حتى بلا تهمة محددة فهذا لا يعبد مسارات الخير.. وعندما تصبح مهن رفيعة في الدولة حكرًا لأبناء شاغليها، في الوقت الذي يشقى فيه المتميزون والمتفوقون في البحث عن فرصة عمل تكفل لهم حياة كريمة، فهذا لا يعبد مسارات الخير”.

إن استنهاض الهمم يبدأ بتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتتحقق نهضة الأمم عندما يستقر في عقل ووجدان كل مواطن أنه لن يأخذ من الوطن إلا بقدر ما يعطي، وبقدر كدحه وكفاحه وتميزه، دون أي تميز على أساس لون أو عرق أو جنس أو دين أو طبقة أو خلفية اجتماعية، هذا هو التحدي الحقيقي أمام القيادة السياسية التي نحترمها ونقدر دورها الوطني.

ما الكيفية التي تمكن مصر من تطبيق مشروع “Brain Project”؟

مرة أخرى، سيتحقق هذا عندما ننتصر على ثلاثية الفساد والبيروقراطية والمحسوبية التي تنخر في عظام البلد وتطارد كل جميل ونبيل وأصيل فيه، فتطور البحث العلمي ونجاح المشروعات العلمية الكبرى يرتبط ارتباطًا عضويًا بقضايا التعليم والصحة والاقتصاد وكلها أمور قد ضربها الفساد وأثقلتها البيروقراطية وأقعدتها المحسوبية والواسطة.

باختصار مصر في أشد الحاجة إلى إرادة سياسية صارمة ومخلصة تعيد الحق الضائع لأصحابه وتضرب على يد الفاسدين والتافهين واللصوص بمطرقة من حديد.

وعندما ينجح مشروع العدالة “Justice Project”، سينجح مشروع الدماغ “Brain Project”، وأي مشروعات تنموية لا تدار بأعلى درجات الكفاءة الأمينة ولا تنطوي على قيم العدل هي في ظني قبض على هواء.

 

 

 

لايف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى