الأخبار

لغز الصحافة العالمية

22

الأسبوع الماضي بيروت وباريس طاولتهما يد الإرهاب والإجرام. بيانات ادانة واستنكار صدرت ضد ما اعتبروه اعتداء سافراً على فرنسا وأضيئت المعالم الأثرية في جميع أنحاء العالم بألوان العلم الفرنسي ومنها #بيروت التي لم تكن مدرجة على جدول اعمال الدول أو بيانات الاستنكار التي أطلقت. أما على الصعيد الشعبي فلم يختلف الأمر، فانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي عبارات الاستنكار ومظاهر الدعم لباريس خصوصاً في موقع “#فايسبوك” الذي شغّل الخيار الخاص بالكوارث وهو يتيح تغيير الصورة وصبغها بألوان العلم الفرنسي تضامناً مع باريس في حربها ضد #الإرهاب. أما لبنان فلم ينل هذا التعاطف والتضامن العالميين رغم انفجاري بيروت ولا حتى من “فايسبوك”.

في المحصلة تلقت فرنسا سيلاً من التعاطف على الصعيد العالمي كالذي نالته الولايات المتحدة بعد هجمات #11_أيلول. ولئن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل منبراً للرأي العام، عبّر اللبنانيون عن سخطهم وغضبهم من تجاهل العالم لما حصل من أحداث في بيروت، متسائلين اذا كانت حياة العرب أقل أهمية بالنسبة إلى العالم وانتشرت الصور المصبوغة بألوان العلم اللبناني في “فايسبوك”. اما العدد الأكبر من التعليقات فقد طاول الصحافة العالمية التي تجاهلت أحداث بيروت تماماً، وانهالت الانتقادات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مشكلة بذلك صحوة ضمير للصحافة العالمية.

ردّ فعل الصحافة العالمية

النيورك تايمز” علّقت بالقول “بيروت، تعرضت أيضاً لهجمات مميتة، وتشعر أنها منسية”. ونقلت في المقال مشاعر الشعب اللبناني الذي تعاطف مع باريس ولكن اعتراه الغضب حيال الصحافة العالمية التي لم تكترث بمصاب لبنان، مركزة فقط على هجمات باريس.

أما “الواشنطن بوست” فاعتبرت أن “لا خطأ إن أولينا اهتماماً أكبر بهجمات باريس فهذا لا يجعلنا عنصريين”.

“بيروت تتساءل عما إذا كانت ثمة هجمات إرهابية أهم من الأخرى” عنوان مقال نشرته مجلة “التايم” معتبرةً أن التفجيرين اللذين ضربا بيروت من أسوأ تفجيرات حصلت منذ الحرب الأهلية في بيروت والتي انتهت في عام 1990. وأضافت:” أيا تكن الأسباب، وهي متعددة، لناحية تباين ردات الفعل العالمية، فإن الرسالة التي تنبثق من هذه الأحداث فهي أن بعض الأرواح أهم من غيرها”.

11 أيلول فرنسي

في هذا السياق، تعتبر مديرة معهد العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية كارول شرباتي أن الوضع في لبنان كان دائماً على هذا الحال، إنه بلد مهمش والصدى الذي تخلفه أي عملية ارهابية فيه لا يكون لها الوقع نفسه في حال حصلت في أي من الدول العظمى، مذكرة بالحرب في سوريا حيث إن الأبرياء يقتلون يومياً ولا تسلط وسائل الاعلام الضوء على الموضوع.

كما تشدد شرباتي على أنه “مقارنة بالأحداث التي مرت على لبنان، تعتبر التغطية الاعلامية لانفجاري #برج_البراجنة مكثفة وأهم من العادة عازية ذلك إلى البعد الاقليمي للحادث وتورط الدولة الإسلامية فيه”.

أما بالنسبة إلى هجمات باريس، فتبرر شرباتي أن ردات فعل الاستنكار الواسعة النطاق نتيجة عنصري المفاجأة والصدمة على اعتبار أن فرنسا من الدول الكبرى ولا تشهد حوادث دموية كهذه لذا سمّي بـ “11 أيلول الفرنسي”. أما الرسالة التي وجهها تنظيم “#الدولة_الاسلامية” إلى العالم فهي استطاعته أن يضرب اينما يشاء ومتى شاء. بينما في لبنان فالحدود مفتوحة مما يجعله عرضة بشكل أكبر لهجمات الدولة الاسلامية.

وسائل الإعلام وغلبة التحيّز

من جهة أخرى، يشير الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي الدكتور في الجامعة اللبنانية نزار ابو جودة الى غياب مبدأ الموضوعية وغلبة التحيّز في الإعلام خصوصاً في مقاربة الأحداث بما فيها وسائل التواصل الجتماعي. ويرى أن ثمة نوعاً من التفاعل بين الإعلام والرأي العام، لذا في مقاربتنا الموضوع المطروح لن نعالج فقط تأثير الاعلام في الرأي العام بل كذلك تأثير الرأي العام في الإعلام وتوجهاته.

ويقول ابو جودة:” في تحليلنا لأسباب غياب التغطية الاعلامية العالمية لتفجيري ضاحية بيروت الجنوبية، وتسليط الضوء في المقابل على هجمات باريس علينا التركيز على مبدأ السلطة السياسية والاقتصادية. تتبع وسائل الاعلام العالمية، في تغطيتها الخبر، الدول العظمى المسيطرة والمهيمنة سياسيا واقتصاديا”.

وبالعودة الى مبدأ التحيز، تجدر الاشارة الى ان التغطية الاعلامية العالمية للاحداث ترتكز على شقين: الـFront Door أو الباب الأمامي حيث إن وسائل الاعلام تقوم بتغطية مكثفة للأحداث (الايجابية والسلبية) التي تقع في الدول العظمى و الـBack Door أو الباب الخلفي وهو تغطية الأحداث التي تقع في دول العالم الثالث والتي لا تشمل سوى الدراما ( تسونامي- كارثة طبيعية) لأنها تجذب المشاهد.

في هذا السياق، يؤكد ابو جودة على تحول الخبر الاعلامي الى خبر تجاري تتعامل معه وسائل الاعلام ووكالات الأخبار وفقاً للفائدة التي يعود بها عليها وتالياً خدمته مصالح السلطة السياسية والاقتصادية التابعة لها. من هنا نفهم هدف وسائل الاعلام العالمية من تسليط الضوء على أحداث فرنسا وتجاهلها أحداث بيروت. ويضيف “إن للسلطة تأثيراً كبيراً على وكالات الأخبار العالمية المنوطة بتوزيع الأخبار لأن المونوبول الإعلامي متمركز في الولايات المتحدة ومن بعدها أوروبا مما يفسر انتشار الخبر بطريقة أسرع مع العلم أن التحيز الاجتماعي والثقافي يضطلع بدور كبير في هذا المجال”. ويشدد على ان “بعض وكالات الاخبار العالمية تابع لشركات اقتصادية وعسكرية وتجارية وبالتالي لن تنشر هذه الوكالات أو تغطي خبراً أو حدثاً لا يصب في مصلحة السلطات الاقتصادية والسياسية التابعة لها”.

لهذا السبب اعتذر مؤسس “فايسبوك” من اللبنانيين

اما في ما يتعلق بتأثير الرأي العام على الاعلام، يرى ابو جودة ان وسيلة الاعلام مؤسسة تجارية لذا يهمها الرأي العام وحكمه على ما تنشر من أخبار لأن باستطاعته ان يقاطعها مما ينعكس عليها سلباً من الناحية التجارية والمادية، ويؤكد أن السبب الأساسي الذي دفع بوسائل الاعلام العالمية الى تغطية الخبر بعد انتشار ردود الفعل المستنكرة لطريقة تعامل الاعلام العالمي مع خبر الانفجارين في بيروت، مستعيدا الاعتذار الذي قدمه مارك زاكربيرج، المؤسس والمدير التنفيذي لموقع التواصل الاجتماعي ” فايسبوك”، على عدم تفعيل خدمة التأكد من السلامة بعد تفجيري بيروت أسوة بتفعيلها بعد حوادث باريس. ويفسر ابو جودة أن الاعتراف بالخطأ الذي وقع مصدره الخوف من خسارة الموقع لزبائنه، وتالياً تعرض امبراطورية “فايسبوك” إلى خسائر اقتصادية. ولأنّ الإعلام اليوم عمل تجاري، فعمله يقتضي ارضاء الرأي العام والتعامل معه على قاعدة “الزبون دائماً على حق”.

النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى