الأخبار

5 مؤشرات تعجل بحرب طائفية

5

يبدو أن حزام الدول الإسلامية يمر بأصعب أيامه فى العصر الحديث، فى ظل تنامى جماعات مذهبية متطرفة تقف ورائها دولا مغرضة تسعى لتأجيج الوضع فى الشرق الأوسط من طرف، وجماعات أخرى متطرفة وليدة التشوه الفكرى والدينى والكبت الاجتماعى والسياسى والتردى الاقتصادى فى ظل غياب العدالة الاجتماعية وقهر الحريات فى أغلب دوله من طرف آخر، بجانب انسياق بعض الدول داخل الحزام ذاته إلى مثل هذه الصراعات المفتعلة بغرض إعادة بناء التوازن الدولى للقوى، بجانب تنامى تحركات تقودها المذهبية والأحلام وربما الأوهام لدول أخرى بهدف فرض السيطرة والنفوذ أو إعادة بناء أمبراطوريات أنهاها الزمن، أو المزاحمة والبحث عن دور من جانب بعض الدول قزمية التاريخ، فضلا عن أخريات وحضارات تحاول التشبث بالبقاء.
العرض السابق لهذا التشتت الذى أصبح يطفو على السطح فى خريطة تماسك الدول الإسلامية ومنطقة الشرق الأوسط، مع تنامى الصراعات والفرعيات بصورة جنونية تفتقد “أسس التعقل” وتسوق إلى مزيد من التبعاد والإضعاف من فرص التقريب فى وجهات النظر، والتنازع السياسى والدبلوماسى، بل والعسكرى الغير مباشر من خلال التحالفات المشكلة التى أخذت اتجاهات مختلفة ومتضاربة فى أحيان أخرى، وباتت أصبح تعقيدًا فى ظل تفاقم الأوضاع المتفاقمة فى الدول التى تشهد صراعات وتدخلات عسكرية، سواء عربية أو دولية، أو إقليمية، ومؤخرًا إسلامية يشوب قوامها الطائفية برغم النفى، يكشف عن جانب أكثر خطورة من هذه التحالفات التى ربما كانت تسوق من البداية إلى هذه النقطة وهى تأجيج  “النزاع الطائفى”.

نرصد في هذا التقرير مؤشرات خطيرة من شأنها التعجيل باندلاع حرب على أساس طائفى  مذهبى بين السنة والشيعة يلخص الجانب الأكبر منها صراع النفوذ والعداء بين السعودية وإيران..

المؤشر الأول: سياسة الخبث والتأجيج الأمريكية

تسعى أمريكا على مضض منذ فترة كبيرة، للدفع فى تشكيل تحالفات طائفية فى المنطقة العربية أو بين دول العالم الإسلامي بشكل أكثر تدقيقًا وبالتحديد بين السنة والشيعة الطرفين الأكثر عدائًا وخلافًا على أسس عقائدية، بعدما فشل تطبيقه على المسلمين والمسيحين فى الدول ذات التنوع الدينى وبالأخص مصر، فكان اللجوء إلى تأجيج النزاع من طرف واحد بأن يكون إسلاميًا.
البداية كانت مع دعوة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، مصر وسوريا بتشكيل تحالف سنى وآخر شيعى تتزعمهما كلا الدولتين على الترتيب، إلا إنها اصطدمت آنذالك برفض واضح من الطرفين.
طبقت أمريكا نظريتها عمليًا فى تقسيم العالم الإسلامى وتفتيته، على العراق عقب غزوها فى 2003 كنموذج مصغر، من خلال تأجيج النزاعات بين السنة والشيعة، الأمر الذى بدى يأخذا جانبًا دمويًا شديد العنف وحربًا أهلية لم يتوقف نزيفها حتى الآن، وما زاد الأمر تعقيدًا صراعات النفوذ الإقليمية بين الدول الطامعة والطامحة لفرض السيطرة وبناء الأمبراطوريات، فبدأت بعض الدول فى دعم الأطراف التابعة لمنهجها سواء السنى أو الشيعى، وأقليات أخرى بحثت الانفصال، وبالفعل انتهت العراق إلى دوامة لا نهاية لها.
استغلت واشنطن، أيضًا، تمدد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فى منطقة الشام، بخلاف الأزمة التى بدأت سياسية فى اليمن وتحولت لمنحى طائفى بعد ازدياد نفوذ جماعة الحوثيين المحسوبة على المنهج الشيعى والمدعومة من إيران وتهديدها المباشر للأمن السعودى، فى الوقت الذى تدعم فيه إيران بشار الأسد صاحب المرجعية العلوية، والذى تسعى المملكة السعودية لإسقاطه، وارتفاع وتيرة الإرهاب، مع لعب إيران دورًا مقلقًا فى دول الخليج العربى، انطلقت فكرة أمريكية مراوغة مطلع ديسمبر الماضى، تتلخص فى تشكيل قوة عسكرية قوامها 100 ألف جندى عربى من الدول التى تتبع المذهب السنى لمحاربة “داعش”، بدأها جون ماكين عضو مجلس الشيوخ، وسرعان ما تم تداولها بشكل رسمى على مستوى الإدارة السياسية بواشنطن كمحور أساسى فى الحرب على الإرهاب.
كل تلك المساعى الأمريكية، تؤكد إلى دفعها وضغطها فى هذا الاتجاه الذى يخلق حالة احتراب مسلح غير مباشر عن طريق جماعات متطرفة، أو من خلال الحروب المباشرة كمرحلة متقدمة بين أهل الدين الواحد وبالتالى إضعاف العالم الإسلامى وتقسيمه إلى دويلات، لتضع الدول الإسلامية على خريطة تقسيم جديدة تحت مسمى “سايكس بيكو 2″، على غرار الأولى التى انطلقت عام 1916.

المؤشر الثاني: فخ التحالف الإسلامي “السنى”

بادرت السعودية بعد أسبوعين تقريبًا من مقترح ماكين، بتأسيس تحالف إسلامي على أساس مذهبى، يضم 34 دول سنية، فاجئت به الجميع -وقتها-، وكأنه خطوة استباقية لصدام محتمل مع الطرف الشيعى المستبعد من التحالف رغم تأكيدات السعودية الرسمية بأن التحالف ليس مذهبيًا سنيًا، وهنا يكمن “الفخ”، فالمبدأ “الطائفي” الذى تم على أساسه تشكيل هذا التحالف كان بمثابة شرارة أولى للإعلان عن حرب طائفية كبرى ومباشرة مرتقبة فى الشرق الأوسط، سيلعب السلاح فيها دورًا رئيسيًا، فى ظل دولة إسلامية كإيران تشكل قوة كبرى فى المنطقة ولديها تحالفاتها الدولية القوية هى الأخرى، بخلاف الدور الأساسى الذى تلعبه فى الصراع القائم، من خلال دعم العديد من الجماعات المسلحة والتابعة للمذهب الشيعى أيضًا سواء بالمال أو السلاح المتطور-وفقا للعديد من المزاعم والاتهامات المباشرة من بعض الدول وكذلك الخبراء-، بخلاف ترسانتها النووية والتى ستكون كارت كبير فى تلك الحرب التى أخذت الشكل الطائفى بالفعل، طبعًا كل هذا بخلاف المسيحيين فى تلك الدول الذين ربما مع مرور الوقت سيشكلون جماعات حماية ومواجهة وسيطلبون دعمًا خارجيًا ودوليًا لحمايتهم كرد فعل طبيعى، وقد يكون هذا هو الدور المطلوب والمرسوم فى سيناريو التقسيم.

المؤشر الثالث: إعدام نمر النمر وإعلان «الغضب المقدس»

خلف تنفيذ المملكة العربية السعودية حكم الإعدام فى حق القيادى الشيعى البارز الشيخ نمر باقر النمر، ضمن 47 شخصًا وصفتهم الداخلية السعودية بالإرهابيين، ردود فعل غاضبة من التيار الشيعى الذى ينتمى له النمر، والذى أكد مؤيدوه إنه أُعدم بسبب دعمه للاحتجاجات التى اندلعت ضد العائلة المالكة بمنطقة القطيف شرقى المملكة عام 2011، فجاء تعليق المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي ليشبه ممارسات النظام القضائى فى السعودية بممارسات “داعش” وأن “الانتقام الإلهي” سيحل على الساسة السعوديين “لأنهم سكبوا دماء شهيد دون وجه حق” – على حد قوله -، بجانب دعو أحمد خاتمى، عضو مجلس خبراء القيادة الإيرانية،  لما أسماه “الاحتجاج والغضب المقدس تجاه هذه الجريمة” -على حد وصفه-، لتكون تلك التصريحات بمثابة إشارة رسمية لتخرج التظاهرات فى القطيف شرق المملكة، وبالمثل فى البحرين، بخلاف تهديدات الحرس الثورى الإيرانى الذى توعد فيها بـ”الانتقام الشديد”، ليعقبها اقتحام للسفارة السعودية بطهران وقنصليتها بمدينة المشهد الإيرانية، وإضرام النيران فيهما.
كما شهد مقر السفارة السعودية بالعاصمة بغدد استهداف صاروخى بمحيطها، فى غضون أقل من أسبوع من إعادة فتحها بعد 25 عاما من الإغلاق، جاء ذلك فى أعقاب بيان أطلقها نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق والسياسي البارز الذي تربطه صلات بإيران، وصف فيه اعدام الشيخ النمر بـ”العمل الإرهابى الآثم” قائلًا “جريمة إعدام الشيخ النمر ستطيح بالنظام السعودي”.
هذا الاحتقان والذى جاء رد فعله سريعا يأتى كمؤشر قوى على أن الأمور ستأخذ منحنى أكثر عنفا إن لم يكن مباشر فسيكون فى دعم الجماعات المتطرفة والتابعة فى إحداث أزمات وأعمال عنف وإرهاب داخل الدول السنية، وربما أيضًا تقوم الجماعات المدفوعة بالمنهج السنى فى مبادلة تلك العمليات، لتشتعل فتيل الحرب الطائفية والنزاعات فى العالم الإسلامى بصورة أكثر فجاجة ووضوحًا وبزغًا فى الدعم وتوفير السلاح.

المؤشر الرابع: الوعيد الرسمى والتهديد.. ملامح لتحالف شيعى

جاءت إدانة الخارجية الإيرانية بإعدام المعارض السعودي نمر النمر، محمولة بالوعيد تجاه حكومة الرياض، وقال المتحدث باسم الخارجية، حسين جابر أنصاري، إن “السياسة اللامسؤولة للحكومة السعودية ستدفع بسببها ثمنا باهظًا”، فيما استدعت السلطات الإيرانية القائم بالأعمال السعودي في طهران احتجاجًا على تنفيذ السلطات السعودية حكم الإعدام فى حق الشيخ النمر.
واستنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان تنفيذ حكم الإعدام في رجل الدين السعودي النمر ووصفه بـ “الخطأ الفادح”. فى الوقت الذى شجب فيه الائتلاف العراقي الحاكم في العراق تنفيذ السعودية حكم الإعدام، وقال نائب في الائتلاف إن هذه الخطوة يراد منها إذكاء الفتنة الطائفية و”إشعال المنطقة”. وقال محمد الصيهود النائب في البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون الحاكم إن “هذا الإجراء المتخذ من جانب الأسرة الحاكمة في السعودية يراد منه إشعال المنطقة من جديد وإذكاء نار الفتنة الطائفية وخلق أزمة جديدة إضافة للأزمات التي تشهدها المنطقة”. إلى ذلك، ندد الحوثيون في اليمن بمقتل نمر النمر، وجاء ذلك في نعي للجماعة على موقع المسيرة التابع لها.
وهاجم اللبنانى حسن نصر الله، أمين عام تنظيم “حزب الله” الشيعى، الرياض، قائلًا إن “إعدام نمر النمر يقدم الوجه الإرهابي والإجرامي الحقيقي للسعودية أمام العالم”، وذلك عقب بيان الإدانة الرسمى الذى أصدره الحزب والذى وصف فيه عملية الإعدام بـ”الاغتيال”.
يبدو من هذا التكاتف حول الموقف الإيرانى المتفهم من التيار الشيعى ينذر ببداية أو إرهاصات لتشكيل تحالف شيعى يضم لبنان والعراق وهما “البلدين اللذان يشهدان تعددية وتنوع طائفى حاد”، فى مواجهة التحالف السنى، ليمهد للنزاع طائفى موسع.

المؤشر الخامس: السعودية تقرر قطع العلاقات مع إيران

أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلاده وإيران، وطالب أعضاء البعثة الدبلوماسية الإيرانية بمغادرة المملكة خلال 48 ساعة، وذلك على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مشهد أمس السبت.
واعتبر الجبير أن تاريخ إيران “حافل بالتدخلات السلبية والعدوانية في الشؤون العربية ودائما ما يصاحبه الخراب والدمار”، مشددًا على رفض بلاده التعامل مع دولة تدعم وترعى الإرهاب.
هذا التطور الدبلوماسى الكبير فى الأزمة بين البلدين، يعد مؤشر خطير للغاية حول دخول العلاقة بين الدولتين لمنحى صعب، يكاد يمهد لحرب حقيقية لو لم يتم التهدئة، أو لو خرجت الأمور عن السيطرة واتخذت النزاعات التى تقوم بها الأذرع غير المباشرة من الجماعات المتطرفة مرحلة متطورة من العنف.
الموجز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى