الأخبار

الوظيفة «تأمين».. والحقيقة «مشروع شهيد»

 

 

66

 

«لا يكلف الله نفساً إلا وسعها»، وهم عساكر «غلابة»، ليس بوسعهم أن يقدموا أكثر مما يقدمونه، أرواحهم التى تصعد إلى السماء، وأسماءهم التى تتذيل قوائم الشهداء التى يتم إعلانها عقب كل حادث. ثلاثة مجندين، اختلفت مواقع خدمتهم، لكن لم تختلف هيئاتهم، ولا مستوى تدريبهم أو تسليحهم، وعلى الأرجح أيضاً أنه لن تختلف مصائرهم، فإما العودة لبلدانهم سالمين بفضل دعوات صادقة من قلب أم، أو الموت حيثما يقفون فى انفجار ينثر أشلاءهم أو هجوم مسلح يطرحهم أرضاً وتنزف أجسادهم الدماء، فلا يبقى منهم إلا صورة واسم وذكرى.

داخل إحدى محطات خط مترو «الجيزة – شبرا الخيمة» يجلس أحد المجندين يرتدى بدلة بيضاء على مقعد خشبى أمام طاولة صغيرة يُجرى عليها عملية تفتيش حقائب المواطنين. البعض يمر من جواره دون أن يخضع للتفتيش، وآخرون يسلمونه حقائبهم على مضض بعد أن يناديهم هو، قائلاً: «لو سمحت». بأداء معتاد ومكرر ينتهى من التفتيش الروتينى فى لحظات يعيد بعدها الحقيبة إلى صاحبها.. «ماحصلش إنى مسكت قنبلة أو أى حاجة قبل كده، كل الحالات اللى فتشت فيها كانت سليمة.. الحمد لله»، يقول المجند، الذى رفض ذكر اسمه خشية تعرضه لأى ضرر: «أنا راجل بعمل خدمتى، وعايز أخلص على خير، وربنا ما يجيب لى أذى»، الشاب الذى يتحدث بلكنة صعيدية حديثة بعض الشىء، صمت لثوانٍ طويلة، فور سؤاله: «ماذا لو وجدت قنبلة فى إحدى الحقائب؟»، شرد بذهنه برهة من الوقت، ثم قال وعلى وجهه ابتسامة عريضة مفعمة بالبراءة: «ربك بيستر.. العمل عمل ربنا وقتها».

4 مواقع و«المشهد واحد»: «كمين شرطة» و«محطة مترو» و«سفارة» و«المجمع».. و«شوش» فى ملابس رسمية تنتظر «المصيبة»

على مسافة أقل من مائة متر من محطة المترو، فى أحد كمائن الشرطة بمنطقة شمال القاهرة، لم يختلف الحال إلا فى لون «البدلة»، حيث يقف مجند شرطة على رأس الكمين تحت شمس الظهيرة، يتصبب عرقاً فى بدلته السوداء التى تزيد من حرارة جسده، فوق رأسه «كاب» لا يحميه من أشعة الشمس، وعلى ظهره يحمل سلاحاً قد لا يسعفه حال تبادل إطلاق النار مع عصابة إجرامية أو حفنة من الإرهابيين. ملامحه سمراء، وجسده نحيل، وعيناه تلمعان قلقاً من سيناريو يخشى حدوثه، أو حنيناً لأهل ينتظر رؤيتهم، أو للسببين معاً، أو لشىء آخر فى داخله. موقع المراقبة الذى يجلس فيه المجند مواجه لكوبرى علوى يمر أمامه، ما يجعله عرضة لأى هجوم، بجواره سيارة شرطة «بوكس» يجلس داخلها 3 مجندين خارج خدمتهم، ودراجة نارية شرطية لا يستقلها أحد، وفى نهاية الكمين مكتب صغير يجلس فيه الضابط المسئول وبعض مساعديه.

صورة طبق الأصل أمام إحدى السفارات العربية بمنطقة الدقى، سفارة دولة من دول الربيع العربى التى تحول ربيعها إلى خريف مسلح ودموى. «بوكس شرطة» فقط بجوار بوابة السفارة دون أى إجراءات تشير للاستعداد أو التأهب أو الحماية اللازمة، أفراد القوة الأمنية وموظفو السفارة على حد سواء يبدو أنهم عرضة ليصبحوا جميعاً ضحايا فى أى هجوم محتمل حتى ولو كان متوسط الخطورة، وهدفاً سهلاً يمكن اصطياده من على ظهر دراجة نارية يستقلها مسلحون. الحادث الإرهابى الذى شهدته سفارة النيجر قبل شهر وأسفر عن إصابة مجندين واستشهاد آخر، لم يُحدث أى تغيير على مستوى التمركز أو التسليح أو الاستعداد والرقابة، الحال كما هو، ومسرح الجريمة مهيأ لإعادة مشاهد الدم.

محطة مترو، وكمين شرطة، ومحيط مبنى سفارة، أما رابع المحطات فكانت فى أضخم المصالح الحكومية الموجودة فى قلب العاصمة، مجمع المصالح الحكومية الذى يطل على ميدان التحرير ويأتى إليه المواطنون من كل قرية ومدينة لإنهاء أوراق رسمية تساعدهم فى قضاء مصالحهم وحاجاتهم. فى ممر البوابة الرئيسية للمجمع المواجهة للميدان، توجد ماكينة للكشف عن الحقائب وضبط الأدوات المعدنية، لكنها لا تعمل، وبجوارها يقف مجند لا يختلف عن المجندين السابقين، ولا يملك من أمره شيئاً مثلهم. «الوطن» دخلت إلى المجمع الذى يتكون من 14 طابقاً عبر البوابة الرئيسية، دون أن تخضع لإجراءات تفتيش، مثل عشرات المواطنين الآخرين الذين مروا بسلام، وأجرت جولة فى أرجاء المبنى المكتظ بالممرات والحجرات والنوافذ، استمرت لأقل من ساعة، دون أن يعكر صفو الجولة سؤال أو استفسار.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى