اخبار عالمية

أردوغان يواجه أكبر اختبار له في استفتاء تاريخي

 

مثل الجامع الضخم الذي أمر الرئيس التركي طيب أردوغان بتشييده على قمة واحد من أعلى تلال إسطنبول، يأمل مؤيدو الرئيس التركي أن يكون الاستفتاء على تعديلات دستورية يوم الأحد تتويجا لمسعاه لتغيير تركيا.

وقد يأتي الاقتراع، الذي يدلي فيه ملايين الأتراك بأصواتهم لاتخاذ قرار بشأن استبدال نظام الديمقراطية البرلمانية برئاسة تنفيذية، بأكبر تغيير في نظام الحكم في بلادهم منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية قبل نحو قرن من الزمان.

وستكون لنتائج الاستفتاء تبعات تتخطى حدود تركيا.

لم تكن تركيا، وهي واحدة من دولتين مسلمتين فقط في حلف شمال الأطلسي، في أي وقت في التاريخ الحديث محورية بهذا الشكل مثل الآن فيما يتعلق بالشؤون العالمية من الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق إلى أزمة المهاجرين في أوروبا وتأرجح ولاءات أنقرة بين موسكو وواشنطن.

وقسمت الحملة الانتخابية الدولة التي يقطنها 80 مليون نسمة وامتدت الانقسامات إلى الجاليات التركية الكبيرة التي تعيش في أوروبا. واتهم أردوغان قادة أوروبيين بالتصرف مثل النازيين لمنعهم مؤتمرات انتخابية على أراضيهم متعللين بأسباب أمنية فيما قال معارضوه في الخارج إنهم تعرضوا للتجسس على شؤونهم.

ويرى مؤيدو أردوغان المتحمسون أن مسعاه للحصول على صلاحيات أوسع هو مكافأة مستحقة لزعيم أعاد القيم الإسلامية إلى قلب الحياة العامة وساند الطبقة العاملة المتدينة وأنشأ مطارات ومستشفيات ومدارس.

ويخشى معارضون من الميل إلى الاستبداد تحت حكم رئيس يرونه أدمن السلطة ولا يتسامح مع المعارضة ومن انسحاب تدريجي من المبادئ العلمانية التي أرساها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ومن إبعاد بلادهم أكثر عن القيم الغربية بشأن الديمقراطية وحرية التعبير.

وقال إرجين كولونك (65 عاما) وهو مهندس مدني يرأس رابطة مساجد في إسطنبول تمول الجامع الجديد على تل جامليجا بالمدينة “على مدى الخمسة عشرة عاما الماضية حقق كل شيء اعتبر من قبل مستحيلا بالنسبة للأتراك.. سواء في ذلك الجسور .. الأنفاق تحت البحر.. الطرقات.. المطارات.”

وأضاف وصوت أردوغان يتردد من جهاز تليفزيون في الزاوية يبث أحد مؤتمراته الانتخابية اليومية “أفضل ما يميز الزعيم أنه قريب من الناس. رأيته في تجمع مؤخرا يصافح حرفيا ما يقرب من ألف يد. لا يفعل ذلك من أجل السياسة. هذا يخرج من قلبه.”

وفي مكتب كولونك على تل جامليجا، الذي كان يوما منطقة للصيد للعثمانيين الأثرياء والآن أصبح موقعا للاستمتاع بمشهد يطل على المدينة يرتاده الكثيرون، حمل الجدار صورة موقعة لأردوغان بجوار لوحتين لأتاتورك والسلطان عبد الحميد العثماني.

لكن معارضي إردوغان الذين يشملون ليبراليين علمانيين وأكرادا يميلون نحو اليسار وحتى بعض القوميين يعتبرون أن إحكام قبضته على السلطة يشكل ما قد يكون خطرا وجوديا.

وقالت نورتين كاياجان (61 عاما) وهي ربة منزل من مدينة إزمير على بحر إيجه وهي تحضر تجمعا صغيرا رافضا للتعديلات الدستورية في ميناء للعبارات في اسطنبول “إنه يحاول تدمير الجمهورية وإرث أتاتورك.”

وتابعت قائلة “إذا فاز معسكر ’نعم’ فنحن متجهون للفوضى. سيكون رئيسا لنصف البلاد فقط.”

اعتلى أردوغان الرئاسة في 2014 وهو منصب شرفي إلى حد كبير وقتها بعد أن ظل رئيسا للوزراء لأكثر من عقد من الزمن وبقي منذ ذلك الحين مهيمنا على السياسة بقوة شخصيته ولم يخف طموحه في امتلاك صلاحيات أوسع.

وركب موجة من الوطنية منذ محاولة انقلاب فاشلة في يوليو مصورا بلاده في صورة المعرضة للخطر من خليط من قوى خارجية وبحاجة لقيادة قوية للدفاع عنها في وجه تهديدات من داعش والمسلحين الأكراد وأعداء بالداخل سعوا للإطاحة به وداعميهم الأجانب.

وأظهر استطلاع للرأي بعد أسبوعين من محاولة الانقلاب الفاشلة أنه يحظى بنسبة تأييد تبلغ الثلثين تقريبا وهي الأعلى التي يحظى بها على الإطلاق لكن استطلاعات أجريت في الآونة الأخيرة تشير إلى سباق أشد احتداما. وأشار استطلاعان للرأي أمس الخميس إلى أن أغلبية بسيطة ستصوت بنعم إذ قدرا التأييد له بأكثر قليلا من 51 %.

ويقر القائمون على استطلاعات الرأي بأن هناك أصواتا رافضة قد تكون مختفية في نتائجهم بين مؤيدين تقليديين لحزب العدالة والتنمية الحاكم القلقين من نزعات أردوغان السلطوية وهي أرقام يصعب تقديرها خاصة بعد فصل أكثر من 120 ألف موظف مدني أو إيقافهم عن العمل منذ محاولة الانقلاب الفاشلة.

وقال إتيان محجوبيان الذي كان مستشارا لرئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وهو شخصية رئيسية في حزب العدالة والتنمية الحاكم، لصحيفة قرار أمس الخميس إنه سيصوت برفض التعديلات.

وكتب يقول في الصحيفة “النموذج (المقترح) سيسبب ضررا كبيرا في المدى المتوسط للمحافظين ولتركيا” وأضاف أن التعديلات ستمهد الطريق لتأسيس “نظام رجل واحد” يمكن إساءة استغلاله.

وقال “على كل عضو في حزب العدالة والتنمية أن يدافع بقوة عن الحزب وأهليته وقدرته على الحكم.”

ويرفض مؤيدو أردوغان مثل تلك الاتهامات ويقولون إن التعديلات الدستورية وعددها الإجمالي 18 تعديلا والمطروحة للاستفتاء تضم قيودا وتوازنات كافية مثل بند يلزم بإجراء انتخابات رئاسية جديدة إذا ما حل الرئيس البرلمان.

وركز أردوغان في المؤتمرات الانتخابية التي أقيمت مؤخرا على محاولة التهكم على زعيم الحزب العلماني الرئيسي في البلاد وهو كمال قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري وعرض لقطات مصورة لأخطائه على أمل أن تعكس اتجاهات التصويت نفس ما شهدته الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت في نوفمبر 2015 عندما هيمن حزب العدالة والتنمية على الخريطة الانتخابية.

مثل تلك الأساليب الشعبوية لاقت ترحيبا صاخبا ممن يؤيدونه. لكنه قضى وقتا أقل في شرح تفاصيل التعديلات الدستورية المقترحة.

وقال مراد جزيجي مدير مؤسسة جزيجي لاستطلاعات الرأي “80 % من الناخبين في تركيا يصوتون وفقا للأيديولوجية. هذا يعني أنهم سيدلون بأصواتهم في هذا الاستفتاء دون معرفة مضمونه.”

وقال في مكتبه في إسطنبول “إذا فاز معسكر ’نعم’ سيكتشفون فحسب ما الذي قالوا عليه نعم بالتجربة. وقتها فقط سيواجهون المشكلات.”

 

 

 

صدى البلد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى