الأخبار

بالصور من سجلات “تاريخ الإجرام”

2

في مثل هذا اليوم “الثلاثاء” عام 1886م منذ 130 عاما افتتح قومسيون الأشقياء بمصر واقعة خليفة حفش الذي أوقعه حظه السيئ في أن يقبع لمدة سنة متنقلا بين أقسام المديرية لاستجوابه في اتهامات موجهة له في قضيتين مختلفتين.

قضية سرقة جاموستين في أحد البراري المتطرفة، وقضية قتل فاشلة في سطو مسلح على أحد منازل المواطنين بمديرية البحيرة آنذاك، هي القضايا التي تظهر أن حفش أحد عربان قبيلة التمام لم يكن بطلا أو قائدا لأي واقعة إجرامية، بقدر أنه كان يؤدي دورا ثانويا في كافة التهم المنسوبة له.

تظهر الوثيقة التي تم تحريرها في 7 يونيه من عام 1886م أنه تم استدعاء حفش حسب استجواب آخرين مما يؤكد أنه كان مجرد مساعد للأشقياء في أعمالهم الإجرامية، سواء في سرقة البهائم من البراري المتطرفة إثر وقوع أزمة اقتصادية في مصر بسبب الديوان التي أوقعها في قبضة الاحتلال الإنجليزي في عهد الخديو توفيق، أو تنفيذ جرائم قتل من أجل المال.

تطرح لنا قراءة الوثيقة أسئلة من نوعية: هل كان خليفة حفش الذي لم يدون عمره الحقيقي ككافة وثائق الأشقياء أمثاله ذائع الصيت في مساعدة المجرمين لذا ذاع اسمه على ألسنة المجرمين الذين يقبعون في السجون؟ وكذلك في قومسيون الأشقياء الذي افتتح به سجلات المجرمين، أم كان مجرد إنسان لا يعرف كيف يفكر وينساق لتنفيذ فكر الآخرين وما يريدونه منه؟

يقول الباحث التاريخي أحمد حزين الشقيري لــ”بوابة الأهرام”: إن خليفة حفش ينتمي لعربان قبائل التمام، لافتا أن اسم حفش في اللغة العربية يعني السيل أو الفرس حين يجري، لافتا أن اسمه وهيئته كانا يدلان أنه من القبائل العربية التي مازالت تحتفظ بأعراف وقوانين الصحراء رغم أنها كانت تعرف الزراعة وقريبة من الحضر.

وأضاف: تظهر الصور التي تم التقاطها في هذه الحقبة احتفاظ قبائل البدو في كافة محافظات مصر بلبس العقال، وأزيائهم المعروفة، لذا كانت تطلق عليهم الوثائق “عربان” كما تظهر كافة صور قبائل البشارية والعبابدة في الصعيد أو القبائل التي كانت تستوطن الدلتا آنذاك.

وأكد شقيري أن في صور العربان التي تم التقاطها من كاميرات الأجانب آنذاك تظهر شعور الرأس المرتخية على الأكتاف أوالحراب الحديدية التي كانوا يمسكونها، لافتا أن وثيقة حفش تظهر أنه تم اتهامه في قضية سرقة جاموستين كانتا ترعيان في براري البحيرة آنذاك.

في البداية تم استدعاء حفش لمدة شهر من 25 رجب طبقا لما أورده قومسيون أشقياء مديرية البحيرة حتي 16 من شهر رمضان، حتى قام رئيس القومسيون بالاطلاع علي أوراقه في اتهام وجهه له مسجون يدعي عبدالله عبدالله والذي اتهمه بسرقة جاموستين من البرية بمساعدة آخر.

يقول شقيري إن وثيقة قومسيون الأشقياء تظهر أن المدعو عبدالله عبدالله كان مسجونا بسبب سرقة جاموستين، وحين تم استجوابه اتهم خليفة حفش وآخر مجهول لا يعرفه بتدبير حادث سرقة جاموستين، كما أكد في أقواله التي تم تدوينها في الوثيقة مما يعني أن المسجون عبدالله عبدالله كان ضمن التشكيل العصابي الذي نفذ الواقعة.

كان علي محمود حمدي باشا رئيس القومسيون آنذاك مواجهة المسجون عبدالله عبدالله بخليفة حفش وفي وقت المواجهة، كما تظهر الوثيقة أنكر المسجون عبدالله عبدالله معرفته بخليفة حفش، مؤكدا أنه لا يعرفه ولم يسبق لهما تردد علي بعضهما – كما توضح لغة الوثيقة.

أمر رئيس القومسيون بالاتفاق مع الأعضاء باستدعاء شيخ قبيلة عربان “التمام” التي كان يرأس الزعامة فيها آنذاك عبدالسلام صالح للاستفسار عن خليفة حفش وسلوكه الاخلاقي، ليؤكد شيخ القبيلة أن حفش مستقيم الأخلاق والأحوال وليس عليه قضايا، ولم تصدر في حقه أحكام قضائية، مؤكدا لهيئة التحقيق أنه يضمنه حال إخلاء سبيله.

يوضح الشقيري لـ”بوابة الأهرام” أن الوثيقة أكدت أن هيئة التحقيق قامت بالكشف عن سجل الإجرامي لخليفة حفش ،ولم تجد له أي سوابق إجرامية مما يعني أن خليفة حفش كان بريئا ونقيا، وأن كل الاتهامات التي تم توجيها له كيدية، وبعد خروجه من قضية السرقة وبعد أيام قليلة حدثت مفاجأة غريبة لخليفة حفش جعلته يقبع في الأقسام لمدة سنة أخرى حتى يتم اقتياده لمحكمة جنايات الإسكندرية.

بعد أيام قام شخص يدعى علي مرعي بتقديم اعتراض للمديرية، مؤكدا أن جماعة من اللصوص قاموا بالسطو عليه، وأنهم قاموا بإصابته بعيارين نارين وأنه أصيب، مؤكدا أنه لم يوقع الكشف الطبي عليه، وأن بوليس قسم الرمل بمحافظة الاسكندرية يقوم بالتحري لضبط المنفذين للواقعة، وأن أحد المقبوض عليهم ويدعي جمعة هيبة المسجون اعترف أن خليفة حفش قام بتنفيذ الواقعة معهم.

يؤكد الشقيري أن المواطن علي مرعي قدم الاعتراض للقومسيون في 25 من شهر رمضان، مؤكدا أن حادثة السطو علي منزله وإصابته حدثت في شهر شوال الماضي مما جعل القومسيون يستدعي شيخ قبيلة عربان التمام الذي قام بضمان خليفة حفش وإيداعه أمام هيئة القومسيون لمدة سنة كاملة، حتي يتم التحقيق معه وإصدار حكم نهائي في حقه.

في 3 فبراير من عام 1887م تم التحقيق الثاني مع خليفة حفش في أقوال واعترافات جمعة هيبة المسجون في نيابة محكمة الإسكندرية، والذي اعترف بأن خليفة حفش أحد أعضاء جماعة اللصوص التي سطت علي منزل علي مرعي، وقامت بإطلاق أعيرة نارية عليه وإصابته وفرت هاربة.

ظهرت أحداث مهمة في يوم 3 فبراير من عام 1887م سواء في مصر أو العالم ففي هذا اليوم قررت سلطة الاحتلال الإنجليزي توزيع 4 آلاف جندي على 3 محافظات مصرية، وهي القاهرة والإسكندرية وأسوان كإعلان حقيقي لرفضها الرحيل من مصر، فيما طالب أمير منطقة كردفان بالسودان خديو مصر بإعادة السودان الذي يعج بفوضي القتل والتدمير والاحتلال الإنجليزي لسلطة مصر، كما شهدت منابع نهر النيل اشتباكات ومعارك عنيفة بين إثيوبيا وإيطاليا.

يقول الشقيري إن قومسيون الأشقياء في التحقيق الثاني أحال قضية خليفة حفش لقاضي التحقيق ووضع حفش مسجون علي ذمة القضية، كما تم تحديد يوم 17 أبريل من عام 1887م للنظر في القضتين معا قضية سرقة الجاموستين وقضية السطو علي المواطن علي مرعي وإصابته بأعيرة نارية مع النطق بالحكم النهائي.

كان شهر أبريل من عام 1887م الذي سيصدر فيه الحكم النهائي علي خليفة حفش يوافق عيد ميلاد الخديو توفيق، حيث تم تزيين الأسواق والشوارع وقاد المغني الشهير آنذاك يوسف أفندي صاحب الصوت الرخيم الاحتفالات، كما يؤكد الباحث التاريخي أحمد شقيري، مضيفا: أن الصحف المصرية آنذاك كانت مشغولة بأحداث السودان والقتل المتفشي فيه بعد سقوط الخرطوم في أيدي الثورة المهدية في عهد الخديو توفيق.

قامت الصحف المصرية آنذاك بنشر أسماء القتلى في السودان من المصريين والسوريين، وكافة الأجناس الأجنبية التي كانت توجد فيه.

في 17 أبريل قرر القاضي النظر في قضية خليفة حفش حيث تمت تبرئته مما أسند إليه في سرقة جاموستين، وكتب القاضي لمأمور السجن باعتبار حفش مسجونا على ذمة نيابة محكمة الإسكندرية، كما أكدت وثيقة القومسيون أنها ستصدر حكمها بعد المدوالة فيما بينها.

قرر قومسيون أشقياء المديرية بعد مداولة بين أعضائه الحكم النهائي في قضية حفش، حيث قرر عدم اختصاصه بالنظر فيما نسب لخليفة حفش وتحويل القضية لنيابة محكمة الإسكندرية للنظر في القضية حيث كانت تضم الإسكندرية السجن الذي كان يطلق عليه باللغة التركية الزفر والذي يعني بالعربية مرفأ.

هل تم سجن خليفة حفش في الإسكندرية؟ التي كان يسجن فيها كل أشقياء محافظات مصر، بخاصة من يقومون بتدبير واقعة قتل أم تمت تبرئته؟ أسئلة لا تجيب عنها الوثائق إلا بصيغة إمضاءات الأعضاء في تحويل حفش واقتياده من البحيرة للإسكندرية.

 

 

 

 

الاهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى