الأخبار

يا دكتور مرسى.. نفذ أحكام المحكمة الدستورية!

18

 

على السلمى

 

لا يستطيع مصرى يعايش المشهد الوطنى الحالى بكل أبعاده أن يتجاهل حجم المشكلات والمخاطر التى يتعرض لها الوطن. ولا يمكن لأى مراقب للمشهد، سواء من داخل مصر أو خارجها، إلا أن يشير بكل قوة إلى أن سبباً أساسياً فيما تعانيه مصر والمصريون هو أسلوب الدكتور محمد مرسى فى إدارة شئون البلاد منذ فاز بمنصب رئيس الجمهورية محققاً فارقاً ضئيلاً فى أصوات الذين انتخبوه يُقدر بواحد ونصف فى المائة زيادة عمن أعطوا أصواتهم لمنافسه الفريق أحمد شفيق.

وبدأ «الرئيس المنتخب» برفض أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا نظراً لكون مجلس الشعب منحلاً، مفضلاً أداء اليمين فى ميدان التحرير! ثم بعد وضوح الرأى الدستورى بوجوب أدائه اليمين أمام المحكمة الدستورية نازع فى ضرورة بث مراسم أداء اليمين على الهواء مباشرة، ثم لما أدى اليمين قرر إعادته مرة ثالثة فى جامعة القاهرة!

ومنذ الأيام الأولى لرئاسته، أوضح د. مرسى أنه غير راغب فى أن يكون رئيساً للمصريين جميعاً، من انتخبوه ومن فضلوا عليه منافسه، وبدأ بداية غير موفقة بإصدار قرار جمهورى يلغى به قرار المشير طنطاوى بحل مجس الشعب تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا، داعياً المجلس المنحل إلى الانعقاد! ثم اضطر إلى سحب قراره بعد ما أصدرت المحكمة الدستورية قراراً بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.

ثم ما لبث أن أوقع «الرئيس المنتخب» مصر فى حالة مستمرة ومتصاعدة من الاحتقان السياسى والاستقطاب الحزبى من خلال إصداره سلسلة من الإعلانات الدستورية الصادمة للشعب والمناقضة للقوانين والمخالفة لما تعهد به من احترام الدستور والقانون. ثم لما ألغى «الرئيس المنتخب» الإعلانات الدستورية التى أصدرها، أبقى على آثارها نافذة، ثم جاء الدستور ليؤكد إلغاء كافة الإعلانات الدستورية مع بقاء آثارها نافذة!

والشاهد أن «الرئيس المنتخب» قد انغمس فى عملية سياسية قصدت إلى استبعاد وإقصاء كل القوى الوطنية التى ساندته فى مرحلة إعادة الانتخابات الرئاسية بموجب «اتفاق فيرمونت» الذى وقّعه مع «الجبهة الوطنية لحماية الثورة» فى 22 يونيو 2012 ثم أخلف اتفاقه معهم! كذلك أبعد «الرئيس المنتخب» وأقصى كل القوى السياسية والمجتمعية التى تختلف مع سياساته، حتى العديد من مستشاريه الذين عيّنهم فى فريقه الرئاسى لم يقبلوا الاستمرار فى مواقعهم فى مؤسسة الرئاسة لما أحسوا به من تهميش ولعدم إشراكهم أو استشارتهم فى المسائل الداخلة فى اختصاصاتهم، أو حتى إخطارهم بقرارات الرئيس التى كانوا يعلمون بها من وسائل الإعلام، لدرجة أن نائب رئيس الجمهورية السابق المستشار محمود مكى أعلن أنه لم يطلع على الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر 2012، وبالتالى من المفهوم أنه لم يُستشر قبل إصداره، وكذلك أكد وزير العدل السابق المستشار أحمد مكى أنه كان غير موافق على إصدار ذلك الإعلان.

ومحصلة قرابة السنة من رئاسة د. مرسى عبّر عنها شباب حركة «تمرد» ومعهم توقيعات ما يزيد على سبعة ملايين مصرى حتى الآن فى بلاغة فطرية وشفافية مفرطة أجملت مشاكل المصريين وأبانت فشل إدارة د. مرسى لشئون البلاد؛ الأمن لا يزال غائباً، الفقر لا يزال سائداً، وأسلوب الاقتراض من الخارج وطلب المعونات لا يزال هو طريق الرئاسة العاجز إلى حل المشكلة الاقتصادية، وما زالت حقوق الشهداء لم تتحقق، وإحساس الشباب بأن كرامتهم وكرامة الوطن منقوصة، ولكون سياسة الحكم هى التبعية الكاملة للسياسية الأمريكية.

الصورة الآن فى مصر غير سارة بكل المعايير، سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، والمهانة الوطنية زادت إلى حدود غير مسبوقة لدرجة أن إثيوبيا قررت إعلان بدء العمل فى تحويل مجرى النيل الأزرق كمرحلة أساسية فى تشييد سد «النهضة» فى أعقاب انتهاء زيارة د. مرسى مباشرة من دون أن تعنى بإخطاره!

والمصريون الحريصون على حاضر ومستقبل وطنهم، يجب عليهم العمل بكل الوسائل لترشيد وتقويم الحكم وإسداء النصح للدكتور مرسى بألا يستهين بالغضب الشعبى المتصاعد، وألا يقلل من تأثير الفورة الشبابية وإيمان شباب مصر بحتمية استعادة ثورة 25 يناير، وألا تكون الاستهانة بحركة «تمرد» هى الرد الرئاسى وفق مقولة الرئيس السابق مبارك «خليهم يتسلوا»!

يا دكتور مرسى.. . لقد جاءتك الفرصة من السماء فى صورة أحكام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القوانين التى تمت على أساسها انتخابات مجلس الشورى ومعايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية وقانون الطوارئ، وبدون الاستماع إلى مستشاريك القانونيين، وقبل قراءة حيثيات تلك الأحكام، أقول لك يا د. مرسى: بادر إلى إعلان قبولك تلك الأحكام ونفذها وابدأ المرحلة التصحيحية الواجبة التى تطالبك بها القوى السياسية والمجتمعية فى مصر! ليكن تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية بداية التصالح مع الشعب والعودة إلى رحاب سيادة القانون واحترام القضاء والقضاة.

يا دكتور مرسى.. ابدأ بالدعوة إلى «حوار سياسى ومجتمعى حقيقى» مع القوى الشبابية والأحزاب والقوى الوطنية للاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتكوين فريق رئاسى جديد من كفاءات ورموز وطنية تشارك بجدية فى تخطيط المسار الوطنى وإعداد برامج للإنقاذ الوطنى. وليكن وضع دستور جديد بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة من أول المهام الوطنية التى يجب أن تساندها كل القوى الوطنية.

يا دكتور مرسى.. ليكن ولاؤك لمصر وشعبها وليس لجماعة أو حزب، وأقولها لك مخلصاً: لقد جاءتك الفرصة لتصحيح مسار السنة الأولى من رئاستك.. فلا تضيعها.

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى