الأخبار

حلم الحسيني الذي لم يتحقق

19

ثلاثة سنوات مرت على أحداث الاتحادية، كان من شأنها أن تودي بحياة الآلاف، أو تتسبب في حرب أهلية، كادت تفتعلها جماعة اجتاحها الغرور والأنانية وعشق السلطة، ثلاثة سنوات مرت على اغتيال شهيد “صاحبة الجلالة”، الحسيني أبو ضيف، الذي اغتالته يد الغدر، خوفًا من فضح جرائمها.

 البداية كانت بإعلان دستوري، أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي، لتحصين قراراته من أي طعن، وتحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية لوضع الدستور، مجملًا ذلك الإعلان  بمسمى “قرارات ثورية”، لم تمر سوى ساعات محدودة حتى انهالت التعليقات الغاضبة، وقررت القوى الثورية وعلى رأسهم جبهة الإنقاذ التي تشكلت عقب الإعلان الدستوري مباشرة بالاعتصام أمام قصر الاتحادية، ورفض الحوار مع المعزول، فأي حوار يجرى بعد تحصين القرارات!

أثناء تلك الموجة الساخطة، قرر الشاب الثلاثيني، ذو الوجه الأسمر والملامح الصعيدية، التوجه إلى قصر الاتحادية، ممسكًا سلاحه الذي يواجه به كل من يعتدي على الحق والعدل، الـ”كاميرا” التي تعود اصطحابها في كل حدث، فهو الصحفي الحر الذي أدرك أن مهنته تحتم عليه كشف الحقائق.

التقط الحسيني أبو ضيف ما تمكن من التقاطه في “ليلة الاتحادية”، أثناء اشتباكات الاخوان المعتصمين، واثناء عودته للمنزل أو ربما لمقر عمله مرة أخرى، أصيب بخرطوش في يده، فتوجه لتلقي العلاج في المستشفى الميداني، وبعد أن تلقى أبو ضيف علاجاً في المستشفى، عاد إلى التظاهرة وبدأ يعرض المقاطع التي التقطها سابقًا في ذلك اليوم على زملائه ومتظاهرين آخرين.

بعد بضع لحظات، سقط الحسيني وسقطت الكاميرا.

634905700687046206_736_b41e5cb4d698الطب الشرعي أكد مقتل الحسيني برصاص محرم دوليًا

قال محمود عبد القادر، صديق الشهيد،”وأنا واقف على شماله مباشرة، فجأة سمعت صوت طنين يشبه صوت النحلة، واستقر برأس الحسينى من الناحية اليمين، ولقيت الحسينى وقع على النجيلة بعنف من أثر الطلقة اللى خدها فى دماغه”.

عندما أصدرت إدارة الطب الشرعي التابعة للحكومة، تقريرها في 22 فبراير 2013، أكدت أن أبو ضيف قتل جراء “تهتك ونزيف في الدماغ يصاحبه تمزق سحائي وكسر في عظام الجمجمة ناشئ عن إصابته برصاصة”. ويشير التقرير بطريقة غامضة فقط إلى المسافة التي أطلقت منها الرصاصة، إذ يقول أن الرصاصة أطلقت من مسافة “تزيد عن متر واحد”. ولم يحدد التقرير نوع السلاح أو الرصاصة المستخدمة، على الرغم من أنه أشار إلى انشطار الرصاصة بعد دخولها في جمجمة أبو ضيف.

 قال الدكتور فخرى صالح، كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق، خلال مؤتمر صحفي عقده لمناقشة التقرير، إن الحسينى أبو ضيف، استهدف قتله فى مناطق تؤدى إلى القتل الفوري، منها منطقة أعلى الصدر والرأس، مؤكدًا أن عملية اغتيال الحسينى تمت من محترفين فى القتل برصاص محرم دوليًا.

وفي إبريل 2013، تعاقدت عائلة أبو ضيف مع فخري صالح، الرئيس السابق لإدارة الطب الشرعي، لإجراء تحقيق مستقل. وقام صالح باستخدام التقرير الطبي الرسمي، وشهادات شهود العيان، ليستنتج أن القاتل أطلق طلقة واحدة من مسافة قريبة باستخدام رصاص من نوع “دمدم” والتى تهدف إلى الانشطار داخل الجسد عند الارتطام به لتقوي من تأثير وعمق الإصابة.

2013-635108772954560374-456القضية لم تبدأ إلا بسقوط مرسي

تجاهل نظام مرسي بأكمله القضية، وزعم ياسر علي، المتحدث وقتها باسم الرئاسة، أن هناك جهات أخرى مسؤولة عن قتل جميع المتظاهرين أمام الاتحادية، ففي رسالة نشرتها صحيفة ‘واشنطن بوست’ في 16 يناير 2013، قال ياسر علي إن “تقارير الطب الشرعي أكدت أن أبو ضيف قتل برصاصة من النوع ذاته الذي استخدم في قتل سبعة متظاهرين مؤيدين لمرسي في التظاهرة ذاتها”.

وبعد الإفادة التي أدلى بها الشهود في أبريل 2013، وتقري الطب الشراعي عن مقتل الشهيد برصاص “دمدم” المحرم دوليًا، قررت السلطات استدعاء ثلاثة شباب قياديين من جماعة الإخوان المسلمين، وحققت معهم لمدة ست ساعات ثم أفرجت عنهم لنقص الأدلة، وتم نشر أسماء هؤلاء المشتبه بهم، وهم أحمد سبيع، وعبد الرحمن عز، وأحمد المغير، وأنكر الثلاثة تورطهم بمقتل أبو ضيف .

واستجابةً لنتائج الطب الشرعي، أعادت النيابة العامة فتح التحقيق في أواخر مايو 2013، إلا أنها أقفلت التحقيق بعد شهر واحد فقط، وقدمت تفسيرًا غامضًا بأنها لم تتمكن من تحديد “القاتل الفعلي”، وأحالت النيابة أحمد المغير إلى المحكمة بتهمة الاعتداء على المتظاهرين كما أحالت القيادي الإخوانى علاء حمزة، إلى المحكمة بتهمة تعذيب واحتجاز متظاهرين معارضين خلال المصادمات نفسها التي قتل فيها الحسيني أبو ضيف.

وفي ابريل عام 2015، جاء الحكم الصادم، رغم تقديم كافة الأدلة من فيديوهات للحادث، وشهادة شهود عيان، وتقرير الطب الشرعي، قضت المحكمة ببراءة مرسي و12 متهم آخرين، من قتل الحسيني أبو ضيف.

وأكد سالم أبو ضيف، شقيق الشهيد:”القضاء المصري خذلنا” واليوم فقط تلقيت اتصالا من سيد أبو بيه، الأمين العام للمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، يفيد ضم الشهيد الحسينى أبو ضيف لقائمة شهداء الثورة رسميًا، بعد ثلاثة سنوات من اغتياله، وأكد سالم “هذا بالنسبة لنا هدف فرعي، والهدف الرئيسي بالنسبة لنا هو القصاص العادل للشهيد، فأي تكريم كإشعار اسمه على أحد الشوارع أو مدارس، هو شئ رمزي، والهدف الأمثل لنا هو تحقيق القصاص العادل”.

وقال سالم الذي اكتست ملامحه حزن وعناء ثلاثة سنوات من السعي وراء تحقيق القصاص لأخيه: “نقابة الصحفيين كانت متخاذلة برئاسة ممدوح والي، إلى أن تولى ضياء رشوان الذي لم يختلف موقفه كثيرًا بل تاجر باسم الحسيني أبو ضيف، ولن أنسى عندما تم مسح جرافيتي الشهيد من على جدران النقابة، والنقيب الحالي، يحيى قلاش أيضًا لم يقدم لنا اية مساعدات لدعم القضية”.

انتقد حسام السويفي، منسق لجنة “الحسيني أبو ضيف”، الحكم ببراءة مرسي وباقي المتهمين من قتل أبو ضيف، معتبرًا أن الحكم “مسيس ويعتبر مقدمة للصلح مع الاخوان”، وعندما ذهب السويفي وسالم أبو ضيف شقيق الشهيد، إلى المستشار إبراهيم صالح، رئيس نيابة مصر الجديدة، قبل 30 يونيو، ليطلب سالم منه ضم حارس خيرت الشاطر، خليل أسامه محمد العقيد، للقضية لأنه كان يحمل سلاحًا، ومن الممكن أن يكون ذلك السلاح من نفس نوع السلاح المستخدم في القتل، فرد عليه المستشار “يا سالم انا شايفك بتصلي (مشيرًا الى علامة الصلاة في مقدمة رأسه) أنا لو منك أروح أصلي وأدعي ربنا يجيب حق أخويا”،وفقًا لرواية السويفي لـ”ONA”.

وأكد السويفي أنه لم يحقق في القضية في عهد مرسي، وتم استدعاء وليس ضبط وإحضار، عبد الرحمن عز، وأحمد المغير، وأحمد سبيع، على سبيل الاستدلال وليس التحقيق، وتم إخلاء سبيلهم في شهر مارس، ولفت السويفي أن القضية لم تتحرك جنائيًا إلا بعد30/6 “أي أن القضية “مُسيسة”.

“هناك مسؤولية سياسية على مرسي، قدمنا في أدلة الثبوت فيديوهات تؤكد تصريحات الإخوان في التحريض على العنف والتوجه إلى قصر الاتحادية وفض الاعتصام .. أنا ماليش علاقة مين اللي قتل أنا ليا علاقة مين اللي حرض على القتل”.

وختم السويفي خلال حديثه في الذكرى الثالثة للحسيني”لن نترك حق الحسيني حتى لو بعد مئة سنة”.

وأكد محمد فاضل، عضو لجنة الدفاع عن أسرة الحسيني لـ”ONA” أن “قضية الاتحادية” تختلف عن باقى قضايا قتل المتظاهرين .. فهي قضية متماسكة وأدلتها واضحة، وكان هناك ضغوط على النيابة العامة باغلاق ملف القضية .. وبعد 30 يونيو تم فتح الملف”.

ورغم يأس معظم أصدقاء الحسيني وأسرته، ورأيهم بأن القضاء خذلهم، فقال فاضل “لم يصدر حكم نهائي والحكم قابل للإلغاء أمام محكمة النقض، ونحن تقدمنا بالطعن”.

الجماعة استهدفت الحسيني لفضح “أسرة الرئيس”

قبيل الحادث أبلغ أبو ضيف عن تعرضه للملاحقة والتهديد في الأيام التي سبقت مقتله، كما أفاد شاهد عيان بأن أحد مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين، وجه نحو أبو ضيف ضوء “ليزر” ساطع قبل لحظات من تعرضه للرصاص، والذي أوضح نشطاء أن الإخوان كانوا يستخدمونه بهدف تحديد النشطاء والاعتداء عليهم، وأن المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم المتحدث الرسمى  باسم الرئيس، سعوا إلى إضفاء الغموض على الظروف التي جرت بها  الحادثة.

وكان الحسيني كتب قبل أربعة أشهر من مقتله تحقيقًا بعنوان “مستندات أكبر فضيحة في عائلة الرئيس” قال فيه إن الرئيس محمد مرسي شقيق زوجته، محمود علي، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات بتهمة الرشوة، شمله في عفو رئاسي جماعي عن 572 سجيناً أصدره في يوليو 2012. وبعد فترة وجيزة أبلغ الحسيني أبو ضيف شقيقه وعددًا من زملائه أنه يتعرض للملاحقة في الشوارع، وأنه تلقى تهديدات عبر صفحته على موقع فيسبوك من أشخاص وصفوا أنفسهم بأنهم مؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين، حسب مقابلات أجرتها لجنة حماية الصحفيين مع شقيق الصحفي القتيل وزملائه.

“الحسيني كان شاب ثوري، وأحد اعضاء حركة كفاية، ومن أوائل الناس الذين التفوا حول ثورة 25 يناير، بعد الإعلان الدستوري بالتحديد كان هناك عداء بين الإخوان والحسيني، خاصة بعد أن فضح الحسيني قرار العفو الرئاسي لمرسي، الذي شمل شقيق زوجته والذي كان محبوسًا في قضية رشوة” هكذا وصف سالم أبو ضيف شقيقه في ذكراه الثالثة.

 

“ليلة الاتحادية” .. فيلم تضليل العدالة

“ليلة الاتحادية” كان الفيلم الذي قسم ظهر البعير، فبعد ثلاثة أعوام لم يأتي فيهم حق الشهيد، تنتج قناة الجزيرة فيلمًا وثائقيًا، يتضمن الأكاذيب عن تلك الليلة التي أظهرت فيها جماعة الأخوان أسوأ ما فيها، ولذلك أعلنت أسرة الشهيد تقديم بلاغ ضد القائمين على هذا العمل.

وقال حسام السويفي “ليلة الاتحادية حاول يبرأ الإخوان من دم الشهيد، ويثبت إن اللي اتقتلوا من الإخوان كان بنفس نوع الرصاص”.

وأضاف السويفي أن قناة الجزيرة عرضت فيلم صرفت عليه عشرات الآلاف من الدولارات .. تضمن أكاذيب واضحة للدفاع عن ميليشيات الإخوان.. وقاموا بالتضليل في توقيت مقتله .. و”استعانوا ببعض الأصدقاء القدامى للشهيد الذين باعوا ضمائرهم”.

وأكد السويفي “كاميرات الحرس الجمهوري والمخابرات العامة تعلم جيدًا من قتل الحسيني ابو ضيف”.

وأثناء الوقفة التي قامت بها لجنة “الحسيني أبو ضيف” التي تضم أصدقائه، أكد سالم شقيق الحسيني، أنه سيتقدم ببلاغ للنائب العام ضد القائمين على فيلم قناة الجزيرة “ليلة الاتحادية”. وأشار أنه “من الغريب أن هناك اثنين شاركوا في هذا الفيلم وهما عصام ذكريا، وهو كان في ذلك الوقت رئيس تحرير جريدة الفجر التي كان يعمل بها الشهيد، وزميلته أسماء حسانين”.

وصية الحسيني إكمال الثورة

“هذه آخر تويتة قبل نزولي للدفاع عن الثورة بالتحرير، وإذا استشهدت لا أطلب منكم سوى إكمال الثورة”، تلك كانت آخر كلمات الشهيد على صفحته على “فيس بوك”.

قال حسام السويفي، “كان لازم نكمل رسالته، وننفذ وصيته، فغيرت اسم اللجنة التي أسسها الحسيني من “لجنة الدفاع عن الصحافة” إلى لجنة “الحسيني أبو ضيف”، واستكملت مسيرته في الدفاع عن حقوق الزملاء”.

استكمل السويفي، “أسس الحسيني اللجنة يوم 4 مايو 2012، تزامنًا مع اليوم العالمي للصحافة، قبل اغتياله بـ 7 شهور، وذلك للتضامن مع الصحفيين والمعتقلين، “كان في بعض الأحيان يقف بمفرده على سلالم النقابة حاملًا لافتته للمطالبه بحق زميل أو شهيد”.

“رسمنا جرافيتي للشهداء الأربعة “الحسيني أبو ضيف – ميادة أشرف – تامر عبد الرؤوف – أحمد محمد محمود”، وعملنا 40 وقفة احتجاجية للحسيني، وقمنا برسم أكثر من 500 جرافيتي من ميدان التحرير حتى قصر الاتحادية، ومعه كريستي وجيكا ، قبل 30 يونيو”.

وقال محمد فاضل، :”الحسيني كان من أشجع وأطهر وأنقي الاشخاص الذين عرفتهم في حياتي، كان شريك أساسي في كل الفاعليات الممهدة لثورة 25 يناير، من خلال وجوده في حركة كفاية”.

“كانت وصيته هي استكمال أهداف الثورة، كان نموذج فريد منذ اشتغاله بالعمل السياسي والوطني منذ وجوده كطالب في كلية الحقوق بجامعة اسيوط، ونجح أن يخلق حالة من النشاط داخل الجامعة من خلال تأسيسه لحركة (طلاب كفاية) و (طلاب القوميين الناصريين)، ومن خلال دعواته للتضامن مع القضية الفلسطينية”.

“لن أنسى حينما أنشأ الحسيني مدونة (الثورة هي كل الحل)، فكان يؤمن أن الشعب المصري هو القائد والمعلم، قادر على أن يثور ضد مبارك، وقادر أن يرفض 30 سنة من الاستبداد” .

وأشاد فاضل بنجاح صديقه الذي أكد انه استطاع من خلال تحقيقاته المتميزة أن ينضم خلال فترة وجيزة إلى نقابة الصحفيين، ونجح أيضًا من خلال موضوعاته أن ينحاز للحق وأن ينشر الفساد.

وأكد فاضل، صديق الحسيني، ومنسق شباب حركة كفاية، “بيننا وبين الإخوان تار، عمرهم ما كانوا إضافة للثورة، شوهوا ثورة 25 يناير، أهدروا دماء شهدائها، ساوموا عليه من أجل الوصول للسلطة ومن أجل الاستمرار فيها”.

أكد فاضل على تمسكه بوصية صديقه، وأكد أن الثورة مستمرة في مواجهة أعدائها من الحزب الوطني المنحل وجماعة الإخوان .. “الثورة مستمرة ضد أي نظام يحيد عن أهداف الثورة، وأي نظام يعتقد أن مشروعيته بعيدة عن تلك الأهداف فإنه يعيد أخطاء الأنظمة التي سبقته”، مؤكدًا أن “النظام الذي يعيد عجلة الزمن الى الوراء ويحكم بالقبضة الامنية والاستبدادية.. فهو نظام غبي يكتب نهايته بيده”.

“الحسيني فكرة .. والأفكار لا تموت.. عايش معانا،  نستمد منه معنى الإخلاص للثورة وأهدافها”، قالها صديق الشهيد مسيطرًا على دموعه، مضيفًا “نحن على وصية الشهيد، فالثورة مستمرة حتى تتحقق مطالبها من العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الانسانية، ولن نتخلى عن القصاص له”.

اونا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى