الأخبار

إبراهيم المعلم يروي تفاصيل العلاقة

119

بدأت رحلة الأستاذ محمد حسنين هيكل فى عالم الكتاب والتأليف عام 1951 بكتابه «إيران فوق بركان» الذى تناول فيه حركة تأميم صناعة البترول فى إيران الفاشلة على يد رئيس الوزراء فى ذلك الوقت محمد مصدق والتى عرفت باسم «ثورة مصدق». ومرت السنون وتوالت الكتب التى قدمها الاستاذ للمكتبة العربية حتى جاءت بداية التعاون مع «دار الشروق» التى كانت بمثابة بداية مرحلة جديدة فى رحلة هيكل فى عالم الكتاب.

وتمثل ثلاثية هيكل والكتاب ودار الشروق رحلة إبداع بلا حدود بدأت بنشر الكتب ثم أعادت الاستاذ إلى بلاط صاحبة الجلالة فى مصر كاتبا منتظما ومستشارا مؤسسا لمجلة «وجهات نظر» وأخيرا مبدعا لقالب إعلامى غير مسبوق اسميه «المقال التلفزيونى» من خلال حلقاته التلفزيونية الرائعة «مع هيكل» التى كانت تبثها قناة الجزيرة فجذبت ملايين المتابعين فى العالم العربى حتى وصل عدد مشاهدى الحلقة الأسبوعية إلى أكثر من 45 مليون مشاهد.

ومن أجل الغوص أكثر فى هذه التجربة المهنية والإنسانية الفريدة للاستاذ فى عالم الكتاب كان الحوار مع المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة «دار الشروق» ناشر كتب هيكل باللغة العربية ومنتج إطلالته التلفزيونية ورئيس مجلس إدارة مجلة وجهات نظر والصديق الشخصى للكاتب الكبير.

زيارة هيكل للشروق تصوير احمد عبد اللطيف

• متى وكيف بدأ التعاون بين الأستاذ ودار الشروق؟
– للعلاقة بين الأستاذ هيكل ودار الشروق بدايتان، الأولى تكاد تكون غير مباشرة والثانية كانت البداية الحقيقية لتعاون لم ينقطع حتى الآن برغم رحيله، لأن إبداعه باق ودار الشروق ستظل أمينة على هذا الإبداع وعلى توصيله لكل قراء اللغة العربية.

أعود إلى البداية غير المباشرة وكانت فى بداية السبعينيات، حيث كان هيكل يجمع بين رئاسة تحرير الأهرام ودار المعارف. وكانت دار المعارف تطبع أحد كتب هيكل وأرادوا إصداره فى طبعة فاخرة لم تكن إمكانيات المطابع فى مصر قادرة على توفيرها، فى حين كانت الشروق تمتلك إمكانيات تقنية متقدمة للغاية فى بيروت فتم التعاون بين الجانبين لطباعة الكتاب فى بيروت.

وبعد هذه التجربة اقترح الاستاذ دخول دار المعارف كمساهم فى دار الشروق ولكن بنسبة 51% من أسهم الكيان الجديد وبالتالى سيكون لدار المعارف والحكومة الكلمة الأخيرة فى إدارة الكيان الجديد، فقلت له إن دار المعارف مؤسسة حكومية وضمان استمراره نفسه على رأسها غير مضمون، وبالتالى فإن الكيان الجديد يمكن أن يصبح بين ليلة وضحاها تحت إدارة أشخاص غير أكفاء بالدرجة المطلوبة وبالفعل تم تجميد الفكرة.

أما البداية الحقيقية فكانت فى عام 1982 مع كتاب «مدافع آية الله» الذى تناول فيه هيكل الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979، حيث كان هيكل يؤلف وينشر فى ذلك الوقت باللغة الإنجليزية، فتواصلت معه وعرضت عليه ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية ونشره. فوافق بالفعل، حيث تولى المفكر الراحل عبدالوهاب المسيرى ترجمة الكتاب وصدر لأول مرة من بيروت. وكان عنوان الكتاب باللغة الإنجليزية هو «عودة آية الله»، حملت الطبعة العربية عنوان «مدافع آية الله» والذى كان الاختيار الأول للأستاذ، حيث قال «إذا استعملت تعبيرا عسكريا لتصوير الوضع سأقول انى اسمع دوى مدافعك ولكنى لا أرى أثر لمشاتك ان المشاة فى الثورة هم الكوادر السياسية وجماعات الفنيين والخبراء القادرين على تنفيذ مهام الثورة وبرامجها».

وحقق الكتاب نجاحا كبيرا فى مصر رغم الصعوبات الكبيرة التى كنا نواجهها فى ذلك الوقت لإدخاله إلى البلاد بعد طباعته فى بيروت. وكان الكتاب الوحيد من كتب هيكل الذى طبعته دار الشروق خارج مصر، حيث بدأنا بعد ذلك طباعة الكتب فى القاهرة وتوزيعها فى كل أنحاء العالم العربى، كما كان هذا الكتاب هو آخر كتاب لهيكل تتم ترجمته من النسخة الإنجليزية الأصلية، حيث اعتاد الكاتب الكبير على كتابة نسختين من كل كتاب واحدة باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية.

حسنا، لكن كتابة نسختين من كتب الأستاذ واحدة باللغة العربية والثانية باللغة الإنجليزية والاختلافات العديدة بين النسختين فتح الباب أمام البعض لكى يقول إن هيكل كان يقدم للقراء الأجانب رؤية وللقراء العرب رؤية ومعلومات مغايرة.

• وباعتباركم الناشر العربى للأستاذ والصديق المقرب له، ما هى حقيقة الاختلافات بين النسخة العربية والنسخة الإنجليزية من مؤلفات هيكل وأسباب ذلك؟

– بالطبع كانت هناك اختلافات عديدة بين النسخة العربية والنسخة الإنجليزية من مؤلفات هيكل لأسباب عديدة، أهمها اختلاف طبيعة قراء كل نسخة، لكن هيكل كان يقدم للقارئ العربى تفاصيل أكبر ومعلومات أكثر مما يقدمه للقارئ الأجنبى لأنه كان يرى أن القارئ العربى يحتاج إلى كل التفاصيل حتى يرى المواقف بصورة أوضح خاصة أن كل موضوعات هيكل كانت تدور حول الأوضاع والقضايا العربية.

وما يدحض مثل هذه الأقوال أن النسخة العربية تكون عادة أكبر وأثرى وأكثر تفصيلا من النسخة الإنجليزية كما حدث فى كتاب «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل» الذى صدر فى جزء واحد باللغة الإنجليزية بعنوان «القنوات السرية»، فى حين جاء الإصدار العربى فى ثلاثة أجزاء بعنوان أصلى مختلف و3 عناوين فرعية لكل جزء وكانت «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ــ الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية»، و«المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ــ عواصف الحرب وعواصف السلام»، و«المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل سلام الأوهام أوسلو ــ ما قبلها وما بعدها».

والحقيقة أن هذا الكتاب كان أنجح كتب الأستاذ هيكل وأحد أنجح الكتب العربية بشكل عام، حيث باع أكثر من 50 ألف نسخة وحقق إيرادات غير مسبوقة سواء للناشر أو للمؤلف وتمت ترجمته إلى عدد كبير من اللغات الأجنبية ونشره فى حلقات فى عشرات الصحف والدوريات العربية.

كما كانت المقدمة التى يكتبها هيكل للطبعة العربية أكثر تفصيلا وتوضيحا وعمقا من مقدمات الإصدار الإنجليزى لأغلب الكتب. وفى أحد الكتب كانت المقدمة الأصلية لا تزيد على صفحة واحدة، لكننى اقترحت عليه أن يفصل المقدمة ويدعمها بالمزيد من المعلومات والأفكار فى الإصدار العربى حتى أصبحت المقدمة أقرب إلى فصل كامل من الكتاب.

• كيف كانت علاقة الأستاذ بعملية إصدار الكتاب حتى وصوله إلى يد القارئ؟
– كما هو الحال فى أغلب الكتاب الكبار، كان هيكل حريصا تماما على متابعة مراحل إصدار الكتاب من أجل ضمان صدوره فى أفضل صورة ممكنة. ولعل من أسباب استمرار علاقة هيكل مع «دار الشروق» طوال هذه السنوات رغم تلقيه عروضا كثيرة مغرية من جانب دور نشر أخرى، هو اقتناعه بحرص دار الشروق على الوصول إلى أعلى مستويات الجودة فى كل ما تصدره.

زيارة هيكل للشروق تصوير احمد عبد اللطيف

كما كان الأستاذ هيكل مستعدا دائما لتلقى الملاحظات والمقترحات بشأن الكتاب أثناء مرحلة الإعداد مهما كان مصدر هذه الملاحظات مادامت تستهدف الوصول بالكتاب إلى أعلى مستوى من الجودة والإتقان. كما كان هيكل حريصا على تدقيق بروفات الكتاب لكى يتأكد من عدم وجود أى أخطاء حتى لو كانت نقطة أو فاصلة فى غير موضعها.

ورغم هذا الحرص الشديد، فإنه كان مستعدا وبل ويتحمس للتجارب الجديدة فى مجال النشر، وهو ما ظهر بوضوح فى مجموعة الكراسات التى أصدرتها دار الشروق لنشر المحاضرات التى كان يلقيها هيكل فى بعض المناسبات أو الندوات التى يشارك فيها والتى لم تكن كافية لنشرها فى كتاب بسبب صغر حجمها. وكانت البداية مع محاضرة ألقاها هيكل فى إحدى الندوات بالإسكندرية، وكانت المحاضرة قيمة ومهمة شأن كل يقدمه هيكل، ففكرنا فى دار الشروق فى ضرورة نشر هذه المحاضرة حتى يتم توثيقها من ناحية وتوسيع دائرة انتشارها من ناحية أخرى، خاصة أن هذا كان قبل ثورة الإنترنت. ولما قدمنا الاقتراح إلى هيكل قال إن حجم المحاضرة لا يكفى لنشرها فى كتاب، كما أنه غير مستعد لزيادة حجمها لأنها كافية تماما لنقل الفكرة المطلوبة، فاقترحنا نشرها فى «كراسة» صغيرة. وكانت الفكرة جديدة وحققت نجاحا كبيرا فكررناها فى مناسبات عديدة مع تعدد المحاضرات التى ألقاها هيكل ومنها محاضرته الشهيرة فى الجامعة الأمريكية التى حذر فيها من وجود مخطط لتوريث السلطة من الرئيس الأسبق حسنى مبارك إلى نجله جمال مبارك.

كما اقترحنا على هيكل فى عام 1987 إعادة نشر مجموعة من الأحاديث الصحفية التى أجرتها معه صحف عربية وأجنبية ونشرت خارج مصر فى وقت لم يكن مسموحا له بالنشر فضلا عن الكتابة فى الصحافة المصرية، فوافق بسرعة على الفكرة على أساس أن هذه الأحاديث التى لم يتح لأغلب المصريين قراءتها عند نشرها فى وقتها، وبالتالى فإعادة نشرها فى كتاب يسد فجوة زمان حوصرت فيها آراؤه فى شئون الساعة وأحداثها، كما أن هذه الأحاديث كانت المبرر الذى استند إليه نظام الحكم لكى يروج لاتهامه بالإساءة إلى سمعة مصر فى الخارج ومنعه من السفر وتحويله إلى التحقيق أمام المدعى الاشتراكى طوال 3 أشهر من صيف 1978، وبالتالى فنشرها على المصريين يتيح لهم معرفة حقيقة ما قاله هيكل فى الأحاديث الصحفية ويثبت تهافت هذه الاتهامات.

وقد تولت الشروق تجميع كل هذه الأحاديث من مصادرها الأصلية وتقديمها لهيكل الذى أوكل إلى الكاتب الصحفى فهمى هويدى مهمة اختيار ما يصلح من هذه الأحاديث للنشر فى كتاب وترتيبها بالشكل المطلوب وهى المهمة التى أنجزها الرجل على أكمل وجه، كما قال هيكل فى مقدمة هذا الكتاب الذى صدر عام 1987 بعنوان «أحاديث فى العاصفة» وحقق نجاحا كبيرا كما لو كانت هذه الأحاديث تنشر لأول مرة.

• قائمة إصدارات بالغة التنوع وقائمة الكتاب والمؤلفين الذين تنشر لهم طويلة للغاية وفيهم من كانت له أفكار تعارض بشدة الكثير من أفكار هيكل، فكيف كان يتعامل الأستاذ مع ما يصدر عن دار الشروق من كتب تعارض أفكاره وكتبه؟
– أذكر أننى قلت له ذات مرة إن هناك كتابا معروضا على الشروق يرد على أحد كتبه ويفند ما فيه من أفكار ومعلومات، فهل ننشره؟ وكان رده أنه ليس فقط من حق «دار الشروق» أن تنشر مثل هذا الكتاب، بل إنه من واجبها أن تفعل ذلك، وأن ما يقدمه من أفكار فى كتبه ليس إلا ما يراه صوابا لكنه قد لا يكون كذلك على الإطلاق لأن هناك دائما وجهة نظر أخرى يجب التعبير عنها لتصبح كل وجهات النظر موجودة أمام القارئ صاحب الحكم الأخير.

ليس هذا فقط بل إنه عندما قررنا إقامة حفل توقيع لكتب هيكل وطلبنا منه ترشيح قائمة بأسماء الأشخاص الذين يريد دعوتهم لحضور الاحتفال الذى أقيم فى مكتبة الشروق فى «فيرست مول»، رفض توجيه الدعوات لأحد وطالب بالاكتفاء بالإعلان عن إقامة الحفل فتكون الفرصة متاحة أمام كل من يرغب فى الحضور، وكانت كثافة الحضور وتنوعه مفاجأة للجميع. كما كان الحضور الكثيف للشباب مصدر سعادة حقيقية لهيكل فدخل معهم فى حوارات ومناقشات طويلة وتحول الحفل إلى منتدى ثقافى رفيع المستوى.

• نأتى إلى عودة الأستاذ إلى بلاط صاحبة الجلالة فى مصر كاتبا منتظما من خلال مجلة «وجهات نظر»، فكيف تمت هذه الخطوة؟
– الحقيقة أن هيكل كان صاحب الفضل الأول فى التفكير فى إصدار هذه المجلة التى حققت نجاحا كبيرا، حيث كان الرجل يرى ضرورة وجود إصدار دورى منتظم يتيح للقارئ العربى متابعة أحدث ما تنتجه العقول فى مختلف أنحاء العالم من خلال متابعة ما يصدر من كتب ودراسات فى مختلف المجالات وعرضها فى هذا الإصدار.

 

واقترحنا على هيكل كتابة مقال شهرى فى الإصدار الذى اخترنا له اسم «وجهات نظر» اعترافا من أصحاب الفكرة بحقيقة تعدد وجهات النظر فى العالم وضرورة احترام هذه الحقيقة مهما كانت درجة الاختلاف بين هذه الأفكار، كما اتفقنا على أن يكون الاسم «نكرة» لتأكيد أن المجلة لا تنحاز إلى وجهة نظر على حساب أخرى ولا تدعم موقفا على حساب آخر وإنما هى مفتوحة لكل وجهات النظر.

وشارك الاستاذ هيكل فى كل مراحل إصدار المجلة بالرأى والمشورة وكان له دور مهم فى صدورها بالشكل الذى جعلها خلال فترة وجيزة من أهم الإصدارات الشهيرة الرصينة فى العالم العربى ووصل توزيعها إلى أرقام غير مسبوقة بالنسبة لمثل هذا النوع من المجلات.

• كيف وافق الاستاذ بعد أن أمضى أكثر من 60 عاما بين الورقة والقلم على الظهور فى التلفزيون شاهدا على الأحداث ومحللا لها من خلال قالب إعلامى جديد اسميه «المقال التلفزيونى»؟
– بعد أن كتب هيكل سلسلة مقالاته «استئذان فى الانصراف» فى عام 2003 معلنا توقفه عن الكتابة الصحفية فى الشأن العام ظنا منه أنه بعد ان بلغ الثمانين من عمره قد أتم رسالته الوطنية والمهنية فى عالم الصحافة، لكن تطورات الأحداث المتلاحقة فى الوطن العربى بدءا من الغزو الأمريكى للعراق فى مارس 2003 جعلت حضور هيكل فى المشهد الإعلامى العربى ضرورة. وقد أصبح التلفزيون مع ثورة القنوات الفضائية منذ منتصف التسعينيات نافذة إعلامية بالغة الأهمية فكان التفكير فى إعادة هيكل إلى المشهد عبر الشاشة.

واقترحنا عليه الفكرة، فلم يقبلها ولم يرفضها فى البداية وإنما ناقش كثيرا وسأل أكثر حتى اقتنع بأنه يمكن من خلال هذه الحلقات التلفزيونية أن يقدم أفكاره وآراءه لقطاعات أكبر من المواطنين فى العالم العربى.

• هذه الحلقات أذاعتها قناة الجزيرة الفضائية تحت عنوان «مع هيكل» فهل تم إنتاجها لصالح هذه القناة منذ البداية؟
– الحقيقة أننا عندما فكرنا فى إنتاج حلقات تلفزيونية لهيكل لم نكن قد اتفقنا مع أى قناة على بثها، وفضلنا الانتظار حتى تتجسد الفكرة بالفعل من خلال تسجيل مجموعة من الحلقات فى صورتها النهائية ثم بعد ذلك البحث عمن يشتريها. وجرت مفاوضات مع عدة قنوات تلفزيون عربية ثم جاء الاتفاق فى النهاية مع الجزيرة التى قدمت افضل العروض. فى الوقت نفسه اشترطنا فى العقد على حق التلفزيون المصرى فى الحصول على نسخة من الحلقات لبثها على قنواته الأرضية بدون أى مقابل. وبالفعل أرسلنا خطابا بهذا المعنى إلى وزارة الإعلام والتلفزيون ولم نتلق أى رد.

وكما كان هيكل مهتما بكل التفاصيل التى تضمن صدور كتبه فى أفضل صورة، كان حريصا أيضا على أن تكون هذه الحلقات إضافة إلى مسلسل نجاحاته المتواصل. وكان الرجل حريصا على الإعداد للحلقة وتجهيز كل ما يلزمه من وثائق ومستندات لتوثيق ما يقوله من معلومات وأراء. وفى البداية كنا نسجل نحو ساعة ثم يتم عمل مونتاج لها لتصبح 52 دقيقة وهو الزمن المخصص لإذاعة الحلقة على القناة التلفزيونية. وبعد حلقات قليلة اكتشفنا أن هيكل يسجل 52 دقيقة فقط يعرض فيها فكرته كاملة دون الحاجة إلى مونتاج، كما كان أداء هيكل التلفزيونى سلسا ومريحا للغاية بالنسبة للمسئولين عن الجوانب الفنية فكان يتم تصوير الحلقة دون توقف تقريبا. وقد حققت حلقات هيكل التلفزيونية نجاحا كبيرا حتى وصل عدد المشاهدين إلى 45 مليون مشاهد للحلقة وهو رقم لم يحققه أى برنامج سياسى فى التلفزيونات العربية.

• أخيرا قررت «دار الشروق» التعاون مع هيكل فى وقت كان الرجل شبه محاصر ومرفوض من جانب النظام الحاكم فى مصر فهل عرضكم هذا الأمر لمشكلات مع النظام؟
– ربما انطوى الأمر على مغامرة من جانب «دار الشروق» عندما قررت التعاون مع هيكل فى بداية ثمانينيات القرن العشرين، وبالفعل تلقينا العديد من الرسائل غير المباشرة من النظام الحاكم يعبر فيها عن عدم ارتياحه لإعادة هيكل إلى المشهد السياسى والإعلامى فى مصر. لكن بصراحة كلها كانت رسائل غير مباشرة وبالتالى فربما عبرت عمن حملها إلينا اجتهادا من جانبه وسعيا لخدمة النظام. فمثلا التقيت بمسئول كبير فى رئاسة الجمهورية فى منتصف الثمانينيات وبعد أن أصدرنا عدة كتب لهيكل وقال لى «يارجل وزارة الثقافة تنتظرك وزيرا لها فى أول تعديل وزارى فلماذا تريد إغضاب الناس منك بالتعاون مع هيكل، فقلت له: أنا ناشر وهيكل كاتب مهم وناجح ثم إننى لا أفكر فى الوزارة ولا أريدها وإنما أريد النجاح كناشر والتعاون مع هيكل يصب فى الاتجاه الذى أريده». ومثل هذه الرسائل كانت تأتى على فترات لكنها وللأمانة لم تتجاوز هذه الحدود ولم نتعرض لأى «معاملة خشنة» بسبب هيكل خلال تلك السنوات.

 

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى