الأخبار

الطالبة التي أطلقت ”ناسا” اسمها على كوكب: مشروعي ”محلك سر”

74

ليلة لم تنم فيها قرية “كفر المنازلة” بمحافظة دمياط، حيث احتشد أهل القرية في الشوارع بالمزامير والطبول وأعلام مصر، منتظرين وصول ابنة قريتهم التي رفعت رأسهم إلى أعالى السماء، حينما حصلت على المركز الأول، على مستوى العالم بمعرض “إنتل أيسف” الدولي للعلوم والهندسة في مجال العلوم البيئية.

ياسمين يحيى مصطفى، الطالبة بالصف الثالث الثانوي، التي قامت بتصميم جهاز باسم “RSP”، أو القوة الكامنة في قش الأرز، وتقدمت به لمسابقة “إنتل” الخاصة بابتكارات طلاب التعليم قبل الجامعي، واجتازت كافة مراحل المسابقة، حتى وصلت للمرحلة التنافسية العالمية، وحصلت على المركز الأول.

واعترافًا من الإدارة الأمريكية الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء “ناسا“، بالمشروعات التي تخرج عن تلك المسابقة، قررت إطلاق اسم الطالب صاحب المشروع الحائز على المركز الأول، على الحزام الرئيسي لأحد الكويكبات التي تم اكتشافها مؤخرًا، وكان هذا التقدير من نصيب الطالبة المصرية، والتي حصدت الجائزة من بين 1700طالبًا مرشحين من أكثر من 70 دولة، وأصبح اسم الكويكب “مصطفى 31910”.

أجرى مصراوي حوارًا مع الطالبة ياسمين يحيى، روت لنا خلاله، ما آل إليه المشروع، وتطرق اللقاء للحديث عن مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا التي تدرس بها، ورؤيتها للآليات التي تقوم بها الحكومة؛ لتطوير قطاعالبحث العلمي.

مشروع “قش الأرز”

في البداية، حدثتنا الطالبة عن تفاصيل مشروعها الذي عملت عليه للتقدم للمسابقة، قائلة إن مشروعها عبارة عن جهاز يقوم بتحويل أي مياه ملوثة أو غير صالحة للشرب، إلى مياه صالحة للشرب، وإنتاج مواد “بايو ديزيل – جليسرول – طاقة كهربائية– طاقة هيدروجينية – فيتامين (B) – مواد خرسانية”، بالإضافة إلى أنه يتخلص من السحابة السوداء التي تنتج عن حرق قش الأرز.

لم يكن الجهاز وليد الصدفة، بل اتبعت الطالبة الخطوات العلمية للتوصل إليه، حيث حددت المشكلة، ودرست الحلول السابقة، حتى توصلت إلى أن أفضل حل لتنقية المياه هو التبخير، ولكنه يحتاج لطاقة كبيرة.

وبالتجريب، توصلت إلى أن قش الأرز ينتج طاقة تصل إلى 1200 درجة مئوية عند حرقه؛ فاستغلت تلك الطاقة؛ لتبخير المياه، وتنقيتها، وإنتاج المواد سالفة الذكر.

“أنا بحرق قش الأرز في نظام مغلق، وباخد الغازات اللي بتطلع، مش بسيبها للهواء ولا بتخلص منها، أنا بستغلها في إنتاج المواد التانية زي البايو ديزل، والطاقة الكهرومائية والهيدروجينية”، تقول ياسمين عن فائدة الجهاز الذي صممته.

“محلك سر”

تقول ياسمين أن مشروعها الذي حصلت من خلاله على المركز الأول على مستوى العالم، متوقف حاليًا، حيث لم تقم أي مؤسسة حكومية بتبني المشروع، وتوصيله إلى حيز التنفيذ، على الرغم من أن المسابقة قد مر عليها عام كامل.

بالإضافة إلى ارتباط ياسمين، بدراستها كطالبة بالصف الثالث الثانوي، وانشغالها بتصميم مشروع آخر، بناءً على تكليف من المدرسة.

وعلى الرغم من لقاء ياسمين بالرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن الخطة التنفيذية لمشروع رعاية الموهوبين وتطوير التعليم في مصر التابع للرئاسة، إلا أن حوار الرئيس مع ياسمين لم يتطرق إلى مشروعها، بل كان عامًا يدور حول البحث العلمي، وفق قولها.

ولذلك أبدت ياسمين رغبتها في استكمال مشروعها بمجهودها الذاتي، عقب انتهائها من مرحلة الثانوية العامة: “هشتغل على مشروعي مش مستنية الدعم الحكومي”، مشيرة إلى أن هناك عروض قدمت لها خلال تواجدها بالولايات المتحدة الأمريكية من شركة أمريكية، وأخرى ألمانية؛ لتبني المشروع ولكنها رفضت: “المشروع بيعالج مشكلة بتعاني منها مصر، والمفروض يتطبق في مصر”.

تكلفة المشروع

أكدت ياسمين، أن تكلفة تنفيذ مشروعها، ليست هي العائق أمام الحكومة، مشيرة إلى أن المشروع غير مُكلف؛ لأن معظم مكوناته متوفرة بكميات كبيرة خاصة في البيئة المصرية، موضحة أنها تستخدم “قش الأرز – الرمل – الزلط – نبات المورينجا وهو متوافر بكثرة في الصحراء المصرية – ونوع معين من الطحالب يسمى (سبيرولينا) يتواجد على الشواطئ”.

ولفتت الطالبة، إلى أنه مهما بلغت الأموال التي سيتكلفها تنفيذ المشروع، فإن العائد منه أكبر بكثير.

روتين حكومي

شق آخر من رحلة نجاحها، حدثتنا عنه ياسمين، وهو مدرسة المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا للبنات بالمعادي، تلك المدرسة التي شرعت الحكومة لمصرية في إنشائها، ومثيلتها للبنين في مدينة السادس من أكتوبر؛ ليصبح خريجيها علماء وقادة مصر المستقبل، كما تم إنشاء 7 مدارس جديدة في 7 محافظات هذا العام، ولكن تلك المدارس لا تزال تواجه العديد من المشكلات.

أكدت ياسمين، أن مدرسة المتفوقات هي صاحبة الفضل عليها، في تعلم أسلوب البحث العلمي، ولكنها تخشى المصير المجهول الذي ستؤول إليه بعد تخرجها منها، حيث تطبق الحكومة على طلاب مدارس المتفوقين نظام التوزيع الجغرافي.

تقول ياسمين “نظام التوزيع الجغرافي اللي بتطبقه وزارة التعليم العالي، على طلاب مدرسة المتفوقين، يجبرني على الاختيار مابين كليتي طب دمياط أو المنصورة، وإمكانيات مدرستي أكبر من إمكانيات جامعة القاهرة، وده معناه إن مستوايا هيقل بدل ما يزيد في الجامعة”.

إلى جانب أزمة التوزيع الجغرافي، تأتي أزمة المنح؛ فالحكومة لا توفر منح تكفي عدد الطلاب الذين يتخرجون كل عام من المدرسة، والمنح التي تتوفر بشكل أكبر تكون للجامعات الخاصة، ولا تتضمن كلية الطب التي تتمنى ياسمين الالتحاق بها: “أول دفعة لمدرسة المتفوقين كانت بنين بس، وكان عددهم 84 طالبًا، واتوفرلهم 80 منحة بالخارج، وكلهم علوم وهندسة، دلوقتي إحنا بنتخرج حوالي 100 بنت و150 ولد في الدفعة الواحدة، والمنح اللي بتعرضها الحكومة معظمها جامعات خاصة، واللي بيقدر يسافر بيوصل عن طريق الجهود الذاتية”.

على الرغم من عظم الفكرة التي بنت على أساسها وزارة التربية والتعليم مشروع مدارس المتفوقين، إلا أن هناك بعض التفاصيل التي لا تزال الوزارة غير مدركة لها، حيث توضح ياسمين أن أسلوب الدارسة بمدارس المتفوقين يختلف عن المدارس العادية، ومع ذلك تستند الوزارة إلى نفس أسلوب امتحانات المدارس العامة: “قبل كدة الامتحانات كانت بتجيلنا من أمريكا، والوازرة أول ماحطت امتحانات 40% مننا سقطوا، لإنها فاكرانا حافظين الكتب، مع إن معظم دراستنا بتعتمد على الفهم والبحث وليس الحفظ من الكتب”.

مدارس المتفوقين

ترى ياسمين مصطفى، أن تجربة مدارس المتفوقين جيدة جدًا، لافتة إلى الاختلاف التام بين تلك المدارس ونظائرها من المدارس العادية، من حيث المناهج التي يدرسها الطلاب، والمعاملة التي يتلقونها، وطرق التفكير، وطريقة التدريس، متمنية أن يتم التوسع في التجربة ولكن ليس بالشكل الذي توسعت به الحكومة هذا العام.

وتضيف: “الحكومة قامت ببناء مدرستي المتفوقين للبنين والبنات في المعادي و6 أكتوبر خلال خمس سنوات، بعد ذلك قررت بناء 7 مدارس في عام واحد، وكانت النتيجة وجود مدارس بلا سكن للطلاب وبلا معامل”، مشددة على أهمية التوسع في إنشاء هذا النموذج من المدارس، ولكن ليس بهذه السرعة.

أحلام

تبدي ياسمين رضاها عن كون خريجي مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا لديهم تنسيق مستقل، وأماكن محجوزة داخل الكليات المختلفة، وفقًا لنظام يضع في اعتباره عدد الطلاب وشرائح الدرجات التي يحصلون عليها، مشيرة إلى أن الامتحانات المطبقة عليهم، تختلف عن النظام المطبق في المدارس العامة، ما يجعل لهم الحق في الحصول على نسبة من المقاعد المتاحة بالكليات المختلفة خارج التنسيق.

وتشير ياسمين، إلى أن المجموع الكلي بمدارس المتفوقين يُقسم إلى فئات، حيث تخصص نسبة 20% منه للمشروع المكلف الطلاب بإيجاد فكرته وتنفيذه كل فصل دراسي، و30% للمناهج، و40% لاختبار الـECT وهو عبارة عن اختبار تراكمي لكل المواد، يؤهل للدراسة بالخارج، بالإضافة إلى الـmisconceptions، مشيرة إلى أن الامتحانات متتالية، والمدة الزمنية المخصصة لها قليلة جدًا، حيث يستغرق امتحان الفيزياء 45 دقيقة فقط.

ولفتت ياسمين إلى أن كل ما سبق يجعل الحصول على الدرجات الفلكية المؤدية لكليات القمة في الثانوية العامة، غير ممكن لطلاب مدارس المتفوقين، مما يجعل من الضروري تخصيص شريحة خاصة بطلاب تلك المدارس بالكليات المختلفة خارج نطاق التنسيق.

ومع ذلك تتمنى ياسمين، أن تسعى وزارة التعليم العالي؛ لتوفير المنح للطلاب؛ لاستكمال دراستهم خارج مصر، وأن تتضمن تلك المنح كليات الطب، دون الاقتصار على الهندسة والعلوم فقط.

ويعد الالتحاق بفريق وكالة “ناسا” للفضاء، أحد أحلام ياسمين، مشيرة إلى فرحتها البالغة عندما فتحت موقع الوكالة الإلكتروني، ورأت اسمها على أحد الكويكبات التي اكتشفتها “ناسا“.

وتمنت ياسمين كذلك، زيادة اهتمام الدولة المصرية بالبحث العلمي، مشيرة إلى رفضها تولي وزير واحد لحقيبتي التعليم العالي والبحث العلمي قائلة: “البحث العلمي مش قليل علشان يبقى مع التعليم العالي، أكيد الوزير هيوجه كل جهده للتعليم العالي ومش هيفكر في تطوير البحث العلمي“.

الجهد متصل

مشروع “الطاقة الكامنة في قش الأرز”، ليس الأول الذي تفكر فيه الطالبة، وليس الأخير كذلك، حيث يُطلب منها في المدرسة في كل فصل دراسي، تحديد فكرة مشروع، والعمل عليها طوال الفصل الدراسي، على أن يتم تقييمه في نهايته.

وأشارت الطالبة، إلى أنها تقدمت لمسابقات أخرى بمشروعات أخرى، منها مسابقة أقيمت بدولة ماليزيا، منوهة إلى أن آخر مشروع عملت عليه بالتعاون مع صديقاتها بالمدرسة كان “جهاز يكشف عن فيروس سي“.

مصراوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى