الأخبار

“فارس المنابر”

 

169

 

كفيفٌ رأى بنور قلبه ما لم تراه عيناه، حيث لم تمنعه إعاقته، من أن يُصبح أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي، فلم يحظَ أحد في مجال الخطابة بما أوتي للشيخ كشك من شهره، حيث يوجد له أكثر من 2000 خطبة مسجلة، على مدار 40 عامًا، ولم يخطئ مرة في اللغة العربية، فاستحق أن يلقب بـ”فارس المنابر”.

لم يُولد عبدالحميد كشك ضريرًا، فقد إحدى عينيه وهو في الـ13 من عمره، ولم تمُر سوى 4 سنوات حتى فقد الأخرى وهو في الـ17، ورغم إصابته لم يُوقف سقف أحلامه وطموحاته عند حدٍ، بل اتخذ منها حافزًا، فأصبح أبرز الكتاب المختصين في تفسير وتبسيط مناهج وتعاليم الدين الإسلامي، والتي ترك فيها تراث يقدر بنحو 108 كتب، وكان كثيرًا ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس: “إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما.. ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ”.

وُلد كشك في 10 مارس 1933، بشبراخيت في محافظة البحيرة، وحفظ القرآن وهو لم يُكمل العاشرة من عمره، بعدها التحق بالمعهد الديني في الإسكندرية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر.

اعتاد طوال سنوات دراسته على أن يكون أول دفعته، إلى أن تخرج وعُين معيدًا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1957، ولكنه لم يعطِ فيها سوى مُحاضرة واحدة، ليعود إلى عشقه الأول الذي لازمه طوال سنوات الطفولة والصبا، فمنذ نعومة أظافره وروحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها منذ الـ12 من عمره.

عمل إمامًا وخطيبًا بمسجد الطحان في منطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد “منوفي” بالمنطقة، وفي عام 1962 تولى الإمامة والخطابة بمسجد “عين الحياة”، بشارع مصر والسودان في منطقة حدائق القبة بالقاهرة، الذي ظل يخطب فيه قرابة 20 عامًا، وترك 108 كتاب تناول فيها كل مناهج العمل والتربية الإسلامية، وأشهرها كتاب “في رحاب التفسير” والمكون من 10 مجلدات، حيث قام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملًا، ووصفت كتاباته من قبل علماء معاصرين بكونها مبسطة لمفاهيم الإسلام، ومراعية لاحتياجات الناس.

لم يكن “كشك” رجل دين فحسب، ولكنه كان سياسيًا مُخضرمًا، وله رؤى وآراء واضحة، جعلته في صدام مع السلطة، وخاصة بعد موقفه المُعارض لاتفاقية “كامب ديفيد”، وقد ألقي القبض عليه في عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس المصري محمد أنور السادات، بعد هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر 1981، وقضى عامين في المُعتقل حتى أفرج عنه عام 1982، ولم يعد إلى مسجده الذي مُنع منه، كما مُنع من الخطابة أو إلقاء الدروس.

وتوفي الشيخ عبدالحميد كشك في 6 ديسمبر 1996، وهو ساجد في صلاة الجمعة، تاركًا خلفه تاريخًا طويلًا ورصيدًا حافلًا بالخطب، التي تُبسط تعاليم ومناهج الدين الإسلامي الصحيح، بعيدًا عن التشدد والتعصب والمغالاة.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى