الأخبار

“يوسف شاهين”.. ولد فى يوم الثورة ورحل قبلها بـ3 أعوام..

216

 

 

للقدر مفارقات بديعة، يسميها البعض سخرية القدر، لكنها فى واقع الأمر “حكمة سماء”، ومن هذه أن يتزامن ميلاد يوسف شاهين، مع ميلاد الثورة المصرية.فقبل ميلاد الثورة المصرية، باثنين وثمانين عامًا، شاء القدر أن يولد “شاهين”.. المخرج العالمى، الذى أخذ يقرع الأجراس ليدعو إلى ثورة على كل “التابوهات” فإذا بالثورة تندلع فى ذكرى ميلاده، بعد رحيله بثلاثة أعوام، أليس هو الذى اختتم فيلمه “المصير” بعبارة الأفكار لها أجنحة، وها هى أفكاره تحلق، ككل المبدعين والفنانين يبقى أثرهم بعدهم جيلا وراء جيل.

الـ”تابوهات” التى حطمها شاهين، لم تقتصر على الاعتماد على قصة دينية، فى المهاجر، أو تغيير بعض الوقائع التاريخية فى “الناصر صلاح الدين”، ولا على السلطة الأبوية الساذجة لمجتمع يعتمد عن الكبير كليا، ويدين له بالسمع والطاعة، كما فى “عودة الابن الضال”، ولا على الرأسمالية والإقطاع، كما فى “الأرض”، ولا على هزيمة 67 كما فى العصفور.. فقد كان الرجل ثورة تمشى على قدمين.

ودأب شاهين طوال مشواره السينمائى على رصد إرهاصات الثورة المصرية على مدار عدة عقود، فقد كان يتوقعها، ويأمل أن يقوم المصريون بها، بل إنه حرض عليها وساندها، وكثيرا ما دعا إلى “الحرية” خصوصا حرية الفكر، وهو ما يظهر فى فيلمه “المصير” بطولة نور الشريف والذى جسد خلاله دور المفكر ابن رشد فى مقابل شخصية الخليفة المنصور المغرور المستبد الذى يكره الحرية، فما كان إلا أن نمت حول قصره حشائش التطرف السامة.

والمفارقة فى الفيلم أن “الجماعات الإرهابية” كثيرا ما تتحالف مع الديكتاتور، فتوعز أو تبارك حرق كتب الفيلسوف مرتين، لكن شابا فرنسيا ينجح فى نقل نسخ إلى فرنسا، فتطبع الكتب وتشيع الفكرة وتنتشر.

وتتضمن الفيلم أغنية الكينج محمد منير “على صوتك بالغنا” والتى تدعو إلى حرية الفكر والتعبير عما يدور فى عقل الإنسان، ومع الأغنية نشاهد رقص الأبطال وشخوص العمل، وهو أمر يتكرر كثيرا فى أفلام شاهين، فالرقص هنا تعبير عن ثورة من أجل الحرية، ليوصل المعاناة التى يشعر بها البطل، دون أن يشعر المشاهد بأن هناك خللا ما فى الأحداث.

ويعد فيلم “عودة الابن الضال” واحدا من أبرز أفلام شاهين المتعلقة بالثورة، بل إن البعض ذهب ليؤكد أن أغنية “الشارع لمين” التى تتضمنها أحداث الفيلم هى خير معبر عن ثورة 25 يناير، فالفيلم الذى تم إنتاجه عام 1976 يرصد مشاعر الانكسار لدى المصريين عقب نكسة 1967، وتدور أحداثه حول “على” الذى يترك عائلته ويذهب ليحقق أحلامه فى مصر ولكنه يقع فريسة فى يد من يستغل أحلامه فى مشاريع وهمية فيدخل السجن، وعندما يخرج منه يجد أخاه “طلبة” قد يمتلك مقاليد السلطة ويتحكم فى عمال المصنع، والفيلم يمثل لنكسة1967 على أنها ناتجة عن استغلال رجال الرئيس ومن حوله لأحلامه مما جعلها تنتهى بالهزيمة، كما وضح الفيلم فى النهاية أن على الشباب نسيان ما حدث والاستمرار فى الحلم وتحقيق هذه الأحلام داخل بلادهم، وهم يرددون أغنية “الشارع لمين” لماجدة الرومى ومعها مع ماهر العطار الذى قام بالأداء الصوتى لشخصية إبراهيم “هشام سليم”، لتخرج جموع الشباب إلى الشارع، فى مشهد مقارب لثورة الشباب فى يناير.

وكان شاهين دائما يرصد ظواهر الفساد فى المجتمع والذى توقع أن تؤدى لقيام ثورة فى يوم من الأيام، ففى فيلمه “العصفور” إنتاج عام 1972 حيث يكشف الفيلم عن الفساد السياسى الذى أدى إلى نكسة 67، وقدمت الفنانة محسنة توفيق فى العمل واحدا من أبرز أدوارها فى السينما خصوصا فى المشهد الذى تخرج فيه مع جموع الشعب المصرى لتطالب الرئيس جمال عبد الناصر بالعدول عن قرار تنحيه فى الفيلم.

وتمنى يوسف شاهين قبل رحيله أن يرصد بكاميراته الثورة الكاملة التى يقوم بها الشعب المصرى، وظهر ذلك جليا فى فيلمه الأخير “هى فوضى” الذى شاركه إخراجه خالد يوسف، ففى المشاهد الأخيرة للعمل نرى الشارع المصرى خرج رجالا ونساء وكبارا وأطفالا ليقتحموا قسم بوليس، والذى يديره بعض من الضباط الفاسدين والذين يستخدمون سلطتهم للبطش بالشعب وتحقيق مصالحهم الخاصة، ويبدو أن شاهين استوحى فكرة الفيلم من تصويره للمظاهرات الاحتجاجية التى كانت سائدة فى ذلك الوقت ومنها حركة كفاية، حيث لم يكن شاهين يتردد فى أن يخرج بكاميرته لتسجيل الأحداث المهمة التى يعيشها الشارع المصرى.

 

اليوم السابع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى