منوعات

وهم اسمه «الفياجرا الصينى».. احترس

 

 

لذين يشربون الـ«ستريكنين» من الأزايز! صيدلى- شربين- الدقهلية (مشهد نهارى بالصيدلية) منهمكٌ  بتحضير روشتة على كاونتر البيع.. بجوارى شقيقى يقوم بعملٍ مماثلٍ ، يدخل زبون قروى الملبس يعتمر (لاسه) بيضاء.. ويحمل وجهه بجانب الندبات الغائرة شاربا يغطى نصف ملامحه.. وبصوتٍ أجش يحمل مغزىً ما:   – «والنبى يا (بشمهندس).. عاوز حبايتين للجنس البشرى!! التفت إلى شقيقى الذى بادلنى نفس النظرة.. وسقطنا أسفل الكاونتر فى نوبة ضحك هستيرى دامعى العينين وعضلات بطنينا تكاد تتمزق!!

(مشهد آخر فى المساء) جالسٌ أمام الحاسوب أراجع بعض الفواتير، حين انطلقت من مدخل الصيدلية الجملة اليومية التى اعتادها طاقم العمل جميعا، وبنفس اللهجة السمجة: – «حباية» (كسَّر) يا باشا! إنه عم (سمير) الفكهانى.. أسمج كائن فى المجرة، يأخذ الحباية ويدور الحوار المعتاد (فى كونها باتنين جنيه وربع و هو مش معاه غير اتنين جنيه وبالطبع لا يقبل أن يحاسبه العامل باتنين جنيه ونص عشان مافيش فكة و….. إلى آخر هذا الهرى الذى اعتدناه إلى حد الألفة)!!

أخيرا يمشى وهو يضحك ضحكته الأكثر سماجة التى تختلط بها نبرة الانتصار على العامل فى أخذ الحباية بـ(اتنين جنيه)  وتوفير (ربع جنيه) بحاله، وما يتخيله من مغامرات سوف تحدث فى ليلته الموعودة بعد تناول (الحباية). (مشهد نهارى آخر.. ساعة ذروة بالصيدلية) تظهر فى وسط الزحام سيدة تتنقل عيناها من خلف النقاب بحثا عن أحدٍ بعينه حتى تستقر على الأنثى الوحيدة التى تعمل بالمكان.. فتشير لها أن توافيها على مبعد من الواقفين.

تقترب منها قائلة بصوت تحاول أن يكون خفيضًا: – «عاوزة حباية (فياجرا).. بس تكون شديدة»!! بوجه ينافس الطماطم حمرةً، تتوجه الموظفة متحاشية نظرات زملائها من الذكور التى تحمل مغزى غير مريح.. مع بعض التلميحات بصوت باطنى مسموعٍ بالكاد.. لتعود للسيدة بالقرص المنشود.. فتبادرها السيدة: – «دا أشد حاجة.. »؟!!

صريخ ضحك… (إظلام..)  حين أنتجت شركة (فايزر) الأمريكية عقار (Sildenafil) نهايات القرن الماضى والمشهور باسم (فياجرا) ، لم تكن تتوقع هذا النجاح المبهر وأن العقار سوف يجتاح العالم كله ويصبح حديث الساعة آنذاك، خاصةً وأن العقار قد أنتج بعد سلسلة من الأبحاث لاستخدامه بالأساس لعلاج أمراض القلب التى تحتاج إلى زيادة تدفق الدم فى الشرايين مثل: الذبحة، ولكن الأبحاث أخذت منحى آخر حين تبين أن العقار يزيد من تدفق الدم بصورة أكثر فاعلية فى الأعضاء التناسلية، مما يمنحه تأثيرًا أكبر فى العملية الجنسية ممثلا فى زيادة القدرة على الانتصاب والحفاظ عليه لفترة أطول. ويظهر تأثيره جليا فى الحالات التى تعانى من قصور فى الدورة الدموية والذى ينشأ كأحد الأعراض لمرض (السكرى) على سبيل المثال.

بدأ عقار «الفياجرا» يتسلل إلى الأسواق المصرية فى أواخر التسعينيات من القرن الماضى وبصورة غير رسمية، حيث لم تكن وزارة الصحة المصرية قد صرحت بتداوله بعد. (بس على مين؟!).. دخل القرص الأزرق بمظهره الساحر والمثير للخيالات لدى مريديه فى ثوبه الأصيل، برطمان يحوى ثلاثين قرصًا يحمله بعض العائدين من المملكة العربية السعودية -فى مواسم الحج والإجازات- كإحدى نفائس الكون وسرٌ من أسراره، يهادون المقربين بقرص أو اثنين على سبيل المجاملة أو الاستعراض ولكن فى سرية (التابو) مدعمة بقصص عن الصولات التى يمكن أن يؤمنها ذاك القرص العجيب!. ورويدا رويدا تحول الأمر إلى تجارة حتى وإن كانت غير رسمية لكن الواقع فرض نفسه بعدما انتشرت حكايات من جراب القرص الأزرق وجلس على المقهى فى المساء يقص على رفاقه كيف أن (الفياجرا) فعلت معه الأفاعيل وجعلت منه شهريارًا طوال الليلة الفائتة!! بدأت تلك العبوة فى التداول ما بين الأفراد القادمين من الخارج وبين من طلبها منهم فى مصر بسعر 1500 جنيه للبرطمان، بواقع 50 جنيها للقرص.

تطور الأمر وما أن صار الطلب زائدا فدخل دائرة التهريب عن طريق سوريا، وشيئًا فشىء ومع ظروف الانتشار والعرض والطلب هبط السعر تدريجيا. والتقط الشعب الصينى الشقيق – اللماح – طرف الخيط فأنتج (تسونامى)  من العبوات الشبيهة لتتسلل عن طريق الإمارات فسوريا وصولًا للشعب المصرى الذى تتلهف طبقاته البسيطة لتجربة (القرص الحلم) بسعر فى متناول اليد، وتجلى الإبداع الصينى فى إنتاج آلاف الأشرطة ذات السعر الرخيص والأسماء الرنانة.. ليطل علينا فى بداية الألفية الحالية أسماء عجيبة بعضها يتنافى مع الاسم الأصيل للمنتج مثل (سيلاجرا، كاماجرا، فراجرا) وكل ما يمكن أن ينتهى بـ(اجرا)!!. وبعضها يحمل أسماءً رنانة مثيرة للخيال مثل (شداد القوة، الكلب الألمانى!!! ، قوة الحصان.. الخرتيت الفشيخ… وانتهاءً بـ(الفنكوش)!!.. آه وربنا حصل!!!). وانتشر بعضها بشكل هستيرى نظرًا إلى سعره الزهيد الذى لا يتجاوز الثلاثة جنيهات للدرجة التى جعلت تداوله لا يتم فقط من خلال الصيدليات بل وعلى (المقاهى) أحيانا كثيرًا!   مع الانتشار المستعر لهذه الأصناف مجهولة المصدر والمحتوى، بادرت وزارة الصحة المصرية بالسماح  لشركة (فايزر) بإطلاق منتجها فى السوق المصرية كمحاولة للمنافسة وتقليل الطلب على المنتجات الأخرى ومحاولة السيطرة على منافذ تهريبها. فنزلت العبوة الرسمية (فياجرا 50 مج) فى شكل أكثر بساطة (علبة تحتوى شريطًا واحدًا به 4 أقراص بالشكل الأصلى وباللون الأزرق الساحر) ، وانطلق مندوبو الدعاية للشركة يروجون للمنتج بضراوة فى محاولة منهم لاسترداد السوق (لخبازه)، مستندين فى دعايتهم إلى أصالة منتجهم واحتوائه على التركيز المثالى (50 مج)، فى الحين الذى ظهرت فيه تركيزات عجيبة من المنتجات الأخرى وصلت لـ(225 مج) واختلط فيها المادة الفعالة بمادة (الترامادول!) لدماغٍ أشد!!. استندوا أيضا لخلو منتجهم الأصيل من الأعراض الجانبية التى قد تسببها المنتجات مجهولة المصدر والمحتوى، وارتموا بثقلهم على هذه النقطة الحساسة فى التخويف المشروع من رداءة المنتجات المنافسة.

وكانت المفاجأة أن لم يلقَ منتج (فياجرا) المصرى الرواج المتوقع، واستمر تداول الأشرطة الأخرى زهيدة السعر بل وازداد، وازدادت حيرة الشركة ومندوبوها الذين يخرجون من الصيدليات يجرون أذيال الخيبة بعد (Feedback) مخيب للآمال. كيف لقرص لا يتجاوز سعره جنيها واحدًا أن يعطى أداء وكفاءة القرص الأصلى ذى الأربعين جنيهًا؟ علامَ يحتوى؟ بالتأكيد هناك مبرر ما يجعل مستخدمه يعيد استخدامه مرةً أخرى ثقة فى أنه سيمنحه مبتغاه وليس فقط حبًّا فى التوفير.. فبماذا ينفع التوفير، لو ربح المرء مال الدنيا جميعًا، وبات تحت السرير!! جمعت شركة (فايزر) -والكلام على لسان أحد مندوبيها وليس تكهنا منى- عينات من الأشرطة المتداولة فى الأسواق وقامت بتحليلها فى معاملها.

ما كُنه هذه المادة التى تحتويها تلك الأقراص وتعطى ذات المفعول، وفى نفس الوقت زهيدة السعر إلى هذه الدرجة التى تحرم الشركة الأم من أى فرصة للمنافسة؟!! – « (ستريكنين ).. !» نطقها المندوب فى تشفٍ واضح مكملًا: – «تركيز ضئيل جدًا من مادة الـ(ستركنين) السامة! يعطى نفس إحساس مادة (سيلدينافيل) خاصةً المقدمات المصحوبة بالشعور بالسخونة وتدفق الدم فى الوجه (Flushing) والإحساس بضربات القلب المتسارعة، يتزامن هذا مع كون الشخص مهيئًا بالأساس لما هو مقبلٌ عليه وما حكى له من أداء أسطورى لأقرانه فى أوقاتهم الحميمة. ما يجعله يشعر –نفسيًّا- بكل ما يمنحه قرص (الفياجرا) الأصلى خاصة أن معظم متعاطى هذه العقاقير لا يعانون من خلل عضوى ما، بل هم أصحاءٌ بالكامل لا يحتاجون بالأساس إلا لما يمنحهم دافع المغامرة وتجربة الجديد وما يظنونه سيمنحهم فحولةً مضاعفةً من منطق (إن البحر يحب الزيادة!!)، وهو ما يتنافى أصلا مع الطبيعة، فلكل فطرة وغريزةً خلقها الله حد وميزان. أجبته: «ولكن هذا يعنى -حرفيًّا- أنهم يبيعون للناس (الهوا فى أزايز !!)».

– «بالضبط.. وإن شئت الدقة قل (السم فى شرائط !)». عجيبه!.. هل نحن شعب يسهل خداعه إلى هذه الدرجة استغلالًا لنقاط ضعفه المتمثلة فى رغبة البعض فى تغطية قصورٍ ألم بفطرةٍ خلق بها من فرط ما أنهكته الحياة وأرهقه السعى، ورغبة البعض الآخر فى علاج عرضٍ أصابه نتيجة مرضٍ ما لا ذنب له فيه. ومجبر أخاك لا بطل، فشبهة تطال فحولة أى امرئ فى مجتمعنا هى بقعة سوداء كبيرة فى جبهته وحمل ينوء به أمام نفسه ومن حوله، ناهيك بشريكة حياته التى فى أحيان كثر لا تكون طرفا (يُقدر) ويتفهم.. أو (يصمت) على الأقل!! أعطوا الأمور حجمها يرحمكم الله ! «كل حاجة بالمعقول حلوة».. ولا تهدروا أموالكم فى (هواءٍ) معبأ فى (أزايز). خدعة الملك النسر الشديد قوى!

د.ميشيل حنا صيدلى- مصر الجديدة   عام 1998 ظهرت الفياجرا فى العالم للمرة الأولى، كأول دواء حقيقى لعلاج الضعف الجنسى، مفجرة ثورة غير مسبوقة، طبيا واجتماعيا وثقافيا. فى نفس العام صدر قرار بمنع تداول الفياجرا فى مصر! كانت الحجة المعلنة لهذا المنع -والعجيبة جدا فى الحقيقة- أن التجارب السريرية أجريت على أمريكيين، وأن الإنسان المصرى مختلف عن الأمريكى لذا يجب عمل دراسات جديدة على الإنسان المصرى! ظلت الفياجرا ممنوعة فى مصر من 1998 حتى 2002 عندما سمحوا بها أخيرا.

فى تلك الفترة الممنوعة لم تكن هناك صيدلية واحدة فى مصر لا تبيع الفياجرا! كانت الفياجرا تأتى عبر «تجار الشنطة» الذين يدورون على الصيدليات، وكانت متوفرة فى أشكال كثيرة منها الأصلى ومنها المقلد ومنها ما كان يطلق عليه الفياجرا السورى (كانوا يقولون إنها تأتى من سوريا لكن لا أحد يعلم) والفياجرا التركى وغيرها. كانت كميات الفياجرا المتوفرة فى السوق تشى بحجم تجارة ضخم جدا لا مجرد عمليات تهريب صغيرة تتم فى المطارات. كميات ضخمة لا بد أنها تأتى فى حاويات هائلة تدخل من الموانئ تحت سمع وبصر أجهزة الدولة المتواطئة، التى تغض البصر دائما عن أفاعيل الكبار من الحيتان ذوى العلاقات المتشابكة والمتشعبة.

حقق المهربون أرباحًا طائلة من هذا المنع فى سنوات قليلة، ثم تم إنتاج الفياجرا محليا فى مصر تحت مسميات مختلفة وانخفضت أسعارها كثيرا، فاختار المهربون أن يحولوا وجهتهم إلى الصين. كل شىء يأتى اليوم من الصين، الجيد والسيئ، الأصلى والمغشوش، حتى على مستوى المنشطات الجنسية المهربة. دعنا نلقى نظرة على ما يحضرونه لنا من هناك الآن، مع العلم بأن هذه المنتجات متوفرة بكميات كبيرة، مما يشى -مرة أخرى- بقدر من تواطؤ الدولة مع مستورديها أو على الأقل بنوع من العمى والصمم الحكومى. عشرات الأنواع من الأدوية التى لا تمت إلى علم الدواء بصلة. منتجات تعد وعودا وهمية وتلعب على الغرائز، حتى إن بعض أنواعها جعل أقراصه على شكل أعضاء ذكرية! أدوية لم يصنعها باحثون وعلماء، وإنما تجار جنس، لذا فهم يضعون صور رجال مفتولى العضلات على العلب، أو نساء تنضح وجوههن بالرغبة، وأحيانا صورا عارية بالداخل. اللعب على الغرائز يمتد حتى على مستوى اختيار الأسماء، فنجد دواءً اسمه «شداد القوة» وآخر باسم «شديد قوى»! لدينا أيضا «الملك النسر» و«ملك النمر» و«Top Hardness» وغيرها من الأسماء المبتذلة.

إذا نظرت للمواد الفعالة فى هذه الأدوية فلن تفهم شيئا، المواد الفعالة مكتوبة باللغة الصينية! لا تقلق فهناك أدوية بها نشرة مكتوبة باللغة العربية، لكنها مكتوبة باستخدام خدمة google translate! لذا ستجد فيها تعبيرات رائعة مثل: «بالنسبة إلى إنسان مصاب بالبروستات دواء جميل» و«يعالج صعب الدخول» و«يدافع عن قوة الكلية» وغيرها من التعبيرات «المسخرة». هذا ناهيك بالوعود الكاذبة التى تقدمها هذه الأدوية، التى تدعى قيامها بـ«تغليظ» و«تكبير» و«تمديد» القضيب، إضافة إلى «إنتاج المنى» و«تنشيط القوة الدافعة للكلية» أيا كان ما يعينه هذا! مرة أخرى: لا ينبئنا الحجم الهائل لتوافر هذه المنتجات المضروبة والمغشوشة وغير المسجلة -بالطبع- فى وزارة الصحة، إلا على تورط جهات مسئولة فى هذه التجارة الضارة بصحة الناس، فمتى تبدأ الحكومة فى ممارسة دورها وتتوقف عن غض الطرف عن هذه الممارسات؟

 

الموجز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى