الأخبار

نشر مقال “من يحكي لمعوض؟”

106

 

تُعيد “الوطن” نشر مقال الكاتب محمد صلاح البدري، المنشور في جريدة “الوطن” بتاريخ 4 نوفمبر 2014، تحت عنوان “من يحكي لمعوض؟”، وذلك عقب نبأ إفاقة الشاب معوض عادل، أحد مصابي أحداث محمد محمود في 2011، من غيبوبة دامت لـ 5 سنوات.

معوض عادل.. إذا لم يثر ذلك الاسم انتباهك.. فربما تنتبه حين تعرف أنه كان طالباً فى الفرقة الرابعة بكلية الصيدلة بإحدى الجامعات الخاصة بمدينة السادس من أكتوبر.. لا.. لم أعن بـ«كان» أنه قد تخرج منها بالفعل كما كان يتمنى والداه.. ولا أعنى أيضاً أن القدر قد اختاره ليفارق هذه الدنيا وهو فى ريعان شبابه.. ليكلم قلوب أحبائه وأهله.. الواقع أن معوض عادل كان ممن آمنوا بثورة ٢٥ يناير منذ ولادتها بميدان التحرير.. وهتف منادياً ضد الظلم والقهر.. وطار فرحاً مع من فرحوا حين تنحى مبارك.. كان يظن أن الثورة قد نجحت.. وأنه سيجد عالمه الذى حلم به.. وسيجد وطنه كما يراه فى خياله.. لقد كانت صدمته كبيرة.. حين وجد الأحلام تنهار مع «نعم» التى سمعها مدوية فى استفتاء مارس ٢٠١١.. بعد أن اكتشف البعض أن نعم ستدخله الجنة.. لقد هتف بـ«لا».. ولكن لم يسمعه أحد.. ثم كانت صدمته الأبشع فى أحداث محمد محمود الأولى.. حين وجد المصابين والقتلى بالمئات.. وحين شاهد ذلك «الباشا» الذى يصيب فى الأعين بالخرطوش على شاشة «اليوتيوب».. دون أن يحاول أحد أن يردعه.. بل ويجد من يهتف له «جدع يا باشا».. لقد نزل إلى محمد محمود ليساعد فى نقل الجرحى والمصابين الذين كانوا بالمئات.. وبحث عن رفقاء الميدان الذين كانوا يهتفون بجواره.. ولكنهم كانوا مشغولين بانتخاباتهم البرلمانية.. فلم يجد أحداً.. كان يظن أن ثورته أقوى من الرصاص الذى كان يتناثر حوله.. ولكن إحدى تلك الرصاصات لم يكن لها نفس الرأى.. فأصابته فى رأسه.. وأدخلته فى غيبوبة استمرت ثلاثة أعوام كاملة.. ثلاثة أعوام مرت على معوض وهو يصارع من أجل البقاء.. ويصارع أهله كى يتم علاجه على نفقة الدولة.. باعتباره من مصابى الثورة.. فقد كان الحمل ثقيلاً على والده أستاذ الأمراض الصدرية بطب الأزهر.. الذى لم يدخر جهداً لاستكمال علاجه خارج البلاد.. الكثير من جلسات المحاكم التى يتم تأجيلها.. حتى تم الحكم بعلاج معوض على نفقة الدولة فى ديسمبر الماضى.. وليكتب له أن يعود إلى الحياة ليواصل ثورته التى آمن بها.. وكليته التى طالما حلم مع أبويه أن يتخرج منها.. ليبدأ حياته فى وطن حر.. يراه فى احلامه منذ الصغر.. قد تتساءل لماذا أقص عليك هذه القصة اليوم.. وقد مرت بعد هذه الحادثة ثلاثة أعوام كاملة! المشكلة أن معوض خرج من غيبوبته أخيراً.. وبدأ يستعيد وعيه الذى فقده لثلاثة أعوام.. قد يكون هذا خبراً مبهجاً.. ولكن السيئ فى الأمر أنه قد يسأل أهله عما حدث فى الثلاثة أعوام السابقة!! إنه لم يعرف برلمان الإخوان.. ولم يعش أيام انتخابات الرئاسة.. إنه لم يسمع بمرسى ولا يعرف أن شفيق خاض انتخابات الإعادة أمامه.. لم يقض عاماً كاملاً فى مصر التى يحكمها المقطم. لم يقرأ الإعلان الدستورى الإخوانى العجيب.. ولم يشاهد أحداث الاتحادية على شاشة التلفاز.. إنه لا يعرف تمرد.. ولم يسمع بما حدث فى ٣٠ يونيو.. لم يشاهد السيسى وهو يقرأ بيان العزل وبجواره شيخ الأزهر والبابا والبرادعى.. إنه لم يشاهد الجزيرة ولا يعرف ما كان يحدث على منصة رابعة.. ولم يشاهد الفض ولا يعرف ماذا حدث.. إن معوض عادل لم يقض ساعات الحظر فى منزله.. ولم يسمع دوى الانفجارات فى محطات المترو.. لم يشاهد جثث الجنود المقيدة والراقدة على وجهها على رمال سيناء.. ولم يسمع بحادث الفرافرة ولا بحادثة رفح.. لا يملك أحد أن يجيب معوض.. ليس لأننا لا نريد الإجابة.. بل لأننا لن نستطيع الإجابة! لقد غاب معوض ثلاثة أعوام.. ولكنه حين يكتمل وعيه سيدرك تماماً.. أنه لم يعد من الغيبوبة.. وإنما عاد إليها!!

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى