الأخبار

«إزدراء الأديان» سيف التشدد الذي يلاحق المفكرين

23

عادت أزمة تهمة ازدراء الأديان من جديد، بعد قرار محكمة جنح السيدة زينب، الذي صدر اليوم الخميس، برفض استئناف الكاتبة فاطمة ناعوت على حكم حبسها 3 سنوات وتغريمها 20 ألف جنيه بتهمة ازدراء الدين الإسلامي.

 وأصدرت الكاتبة فاطمة ناعوت بيانا اليوم حول الحكم الصادر اليوم من محكمة جنح مستأنف بحقها جاء تحت عنوان بيان  «بخصوص ما تداولته الصحف حول قضيتي». وأوضحت ناعوت في بيانها أن الحكم صادر غيابيا نتيجة اضطرارها للسفر إلى كندا لحضور مؤتمر للمصريين الكنديين « وقالت ناعوت «الحكاية ببساطة  أنني اضطررت للسفر. وبسبب تقاطع توقيت المؤتمر والتكريم مع موعد الجلسة سقط الاستئناف لأن حضوري وجوبي وإلا يسقط ويؤجل، وسيقدم فريق المحامين الخاص بي معارضة استئنافية في الوقت المناسب».

وبعيدا عما جرى اليوم، لم تكن ناعوت وحدها من وضع على رقبتها سيف المادة 98، لكن سبقها إلى مقصلة نفس المادة الباحث إسلام البحيري القابع في السجن الآن يواجه حكمًا بالحبس تم تخفيفه من 5 أعوام إلى عام واحد بذات التهمة.

أبو زيد وفوده والبحيري

أبو زيد وفوده والبحيري

“محاكمات الفكر” تحت مسمى “ازدراء الأديان” لم تقف عند ناعوت والبحيري فقد لاحقت منذ زمن المبدعين والشعراء والأدباء والصحفيين و دعاة تجديد الخطاب الديني، منهم الشاعر حلمي سالم بسبب قصيدته “شرفة ليلى مراد”، والمفكر نصر حامد أبو زيد بعد كتابه “مفهوم النص” حتى طاله حكمًا بالتفريق بينه وبين زوجته بعد تكفيره، والدكتورة نوال السعداوي التي طالب مجمع البحوث الإسلامية بإسقاط الجنسية عنها، والكاتب علاء حامد بسبب رواية “مسافة في عقل رجل.. محاكمة الإله” والتي حكم عليه بالحبس فيها 8 سنوات، والأديب كرم صابر عن مجموعته القصصية “أين الله” التي تسببت في صدور حكم بحبسه 5 سنوات، إلى جانب الدكتور فرج فودة الذي لم ترفع ضده قضايا أو تحرك دعاوى لكن جبهة علماء الأزهر تبنت مهاجمته وتكفيره، حتى انتهي الأمر باغتياله عام 1992.

وفق الكتاب السادس في سلسلة “الدليل في قضايا النشر”،  الصادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كان ظهور جريمة ازدراء الأديان في قانون العقوبات المصري حينما وضعها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وهي المادة (98/ و)، والتي تعد مادة مطاطة أو جريمة البحث في الضمائر، خاصة أنها وضعت عقب أحداث الزاوية الحمراء يونيو 1981، التى راح ضحيتها العشرات من المصريين ، وتم إحراق ممتلكات للأقباط تتضمن بعض المنازل والمحال التجارية، ثم تم وضع مادة سلطوية عرفت بقانون ازدراء الأديان، والتى تنص بالحبس أو الغرامة لمن يرتكب فعلاً يسبب ازدراءً أو تحقيرًا للأديان، ما يتعارض شكلًا وموضوعًا مع  المادة 65 من الدستور المصري التي نصت على أن حرية حرية الفكر والرأى مكفولة، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، والمادة 67  التي تنص على ألا توقع عقوبة سالبة للحرية ف اي لجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى.

وتنص المادة 98 في قانون العقوبات، أو ما تعرف بمادة “ازدراء الدين” على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز الـ5 سنوات، أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز الـ1000 جنيه، كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، تكملها مادة آخرى في القانون وهي المادة 176، والتي تنص على أن يعاقب بالحبس كل من حرض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام، إلى جانب المادة 161 والتي تنص على أن يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 171 على أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علناً، ويقع تحت أحكام هذه المادة كل من طبع أو نشر كتاباً مقدساً في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدي شعائرها علناً إذا حرف عمداً نص هذا الكتاب تحريفاً يغير من معناه أو قدم تقليداً أو احتفالاً دينياً في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به.

نوال السعداوي

نوال السعداوي

ولم تقف تهمة ازدراء الأديان على الكتاب والمفكرين، بل امتدت لتنال من 3 أطفال أقباط، في القضية  رقم 350 لسنة 2015، حيث حكم على مولر عاطف، ألبير أشرف، وباسم أمجد، بالحبس خمس سنوات، وإيداع الطفل الرابع كلينتون مجدي مؤسسة عقابية لصغر السن، في القضية المعروفة إعلاميًا باسم قضية “أطفال المنيا”، عقب تصويرهم مقطع تمثيلي ساخر يتهكم على ممارسات تنظيم “داعش” الإرهابي.

وفي 29 يناير الماضي، أعلنت 13 منظمة حقوقية، و 4 أحزاب سياسية، و 84 شخصية بينهم صحفيين ومخرجين وحقوقيين ومحامين، عن استنكارهم الشديد لما لاحظوه من تزايد المحاكمات المرتبطة بتهمة ازدراء الأديان بدرجة كبيرة في الفترة الأخيرة، مطالبين مجلس النواب بإجراء التعديلات التشريعية اللازمة لتفعيل المواد الخاصة بالتزام الدولة بحرية البحث العلمي، وحماية حرية الفكر والتعبير، وعلى رأسها إلغاء المادة (98و) من قانون العقوبات المصري الخاصة بازدراء الأديان ، التي قال بيان مشترك للمنظمات إنها استخدمت منذ حشرها في قانون العقوبات في التنكيل بالمختلفين دينيًا، والتنكيل بالمفكرين المسلمين خدمة للسلفية التي وصفوها بالـ”متخلفة”، كما طالبوا الشعب المصري وقواه الوطنية والديمقراطية بدعم هذه المطالب العادلة، لمواجهة التقييد المتزايد للحريات التي نص عليها الدستور، من أجل دعم احترام الدستور وتفعيل مواده.

وأضاف البيان أن  المحاكمات فى قضايا ازدراء الأديان وتزايد معدلات الإدانة فيها، تتضمن عدة انتهاكات للمواثيق الدولية والدستور واعتداء على حرية الاعتقاد، وبصفة خاصة فإن محاكمة فاطمة ناعوت تعني مصادرة حقها فى رأيها ومعتقدها ومصادرة لحرية الرأى والتعبير اللتين يحميهما الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر، مشيرين إلى أن أحكام ازدراء الأديان تكشف توجهات مؤسسات الدولة الحقيقية تجاه حريات الدين والمعتقد والرأي والتعبير.

 وفي سياق متصل، قال تقرير “حصار التفكير”، الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن المشرع المصرى اعتبر نقد الأديان جريمة، واصفاً إياها تارة بالازدراء، وأخرى بالتحقير، سواء بقصد الإخلال بالسلم العام، أو بقصد الإهانة.

وأوضح التقرير أن استخدام  تهمة الازدراء في الكثير من الأحيان يتم بغية تحقيق أغراض سياسية أو انتخابية، وتحصيل مصالح اقتصادية واجتماعية، ورغم اتساع نطاق اتهامات الازدراء هذه، إلا أن حظوظ الضحايا تتفاوت من التهديد والترهيب، فيزيد في مواجهة الأقليات الدينية والمذهبية وبدرجة أقل في مواجهة المفكرين والمبدعين، ثم يتراجع بشكل ملفت في مواجهة من تحميهم جماعاتهم الدينية والعشائرية، مشيرين إلى إنه تغيب عن أجهزة الدولة صفة الحيادية عند التعامل في الجرائم التي تخص إزدراء الأديان، ورغم عدم تفرقة قانون العقوبات بين “الأديان السماوية”، إلا أن واقع الحال يشير إلى رسوخ ممارسات التمييز بين الأديان، فنجد الإجراءات القانونية تتخذ بسرعة فائقة في حال كان الازدراء موجهًا ضد الإسلام، بينما تتباطأ إجراءات السير في البلاغات في حال وُجِّه الازدراء ضد المسيحية.

ومع تزايد المطالبات بإلغاء قانون ازدراء الأديان، قال الكاتب الصحفي عبد الله السناوي للـ”البداية”، إنه تم  خلال لقاء وفد الكتاب والأدباء و المثقفين مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، 22 مارس الجاري، مناقشة ملف قضايا النشر والحريات وحبس الصحفيين، مؤكدًا أن الرئيس وعد بإعادة النظر في المادة الخاصة بإزدراء الأديان في القانون.

كما أعلنت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب، وأستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر، في عدة تصريحات صحفية وتليفزيونية، عن رفضها لمادة ازدراء الأديان في القانون المصري، مشيرة إلى أن ازدراء الأديان مصطلح “مطاط”  ويحتمل أوجه كثيرة،  ومؤكدة أنه يجب أن يزاح هذا المصطلح من أحكام القضاء لأن دالتها مختلفة من قلم إلى قلم، ومن مفكر إلى مفكر، ولذلك يجب أن نستبعده فى هذا العصر، مضيفة أن الرقابة  على ما ينطق الكلام من قبل الشخص سواء شاعر أو أديب يصعب تقنينها ووضعها تحت بند ازدراء الأديان، كما أعلنت عن  تبنيها و ومجموعة من النواب إعداد مشروع قانون يطرح على المجلس لتعديل المادة الخاصة بازدراء الأديان في القانون المصري.

وتبقى قصة ناعوت نموذجا على استغلال المادة سيئة السمعة حيث بدأت القصة بعدة تدوينات لناعوت في عيد الأضحى الماضي، عبر حسابها على تويتر، قالت فيهم: ” كل مذبجة وأنتم بخير.. بعد برهة تساق ملايين الكائنات البريئة لأهول مذبحة يرتكبها الإنسان منذ عشر قرون ونيف”، “عيد أضحى سعيد عليكم وعلى مصر وعلى العالم، فداءً طيبًا وقربانًا لله رب العالمين وأضحية شهية وصدقات لفقراء”، لتواجه ناعوت عبر صفحات التواصل الاجتماعي هجومًا حادًا، وصل إلى حد التكفير وإهدار دمها،  ما اضطرها لكتابة تدوينة ثالثة كان مضمونها: “توضيح أخير: أنا مسلمة لكنني لا أطيق إزهاق أي روح حتى ولو نملة صغيرة تسعى، وليحاسبني الله على ذلك فهو خالقي وهو بي أدرى”، ولم يقف الهجوم على ناعوت على حدود السوشيال ميديا، حيث تم تحريك دعوى قاضية ضدها، اضطرت حينها ناعوت إلى نفي  أن يكون هدفها هو ازدراء الدين، أمام النيابة،  موضحة أن تناولها القضية غير مخالف للشريعة الإسلامية من وجهة نظرها، ومؤكدة أن ذبح الأضحية يعد نوعًا من الأذى الذى يحمل “استعارة مكنية”، وأن ذلك كان على سبيل الدعابة، ما لم يؤخذ بعين الاعتبار، حتى حكمت المحكمة عليها بالحبس بموجب المادة 98 من قانون العقوبات، وتم رفض الاستئناف الذي قدمه محاميها لوقف تنفيذ الحكم في جلسة اليوم، ليصدر حكمًا بتأييد حبسها 3 سنوات. وهو الحكم الذي استئنفت عليه ناعوت لكن الاستئناف تم اسقاطه اليوم بسبب عدم حضورها للمحكمة .

البدايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى