الأخبار

الشاهد الصامت على “الأربعاء الدامي”

23

حالة من الهرج والمرج، رسمتها قنابل غاز مسيل للدموع وهتافات متداخلة، وصاحبتها أعمال عنف وتضارب في شتى الأنحاء، لم يوقفه سوى انقشاع السحب البيضاء التي خلفتها القنابل، لتكشف عن سقوط العشرات من القتلى والمصابين، لطخت دماؤهم الأرض والقصر الرئاسي، بعد أن كانت أصواتهم تعلو بأغاني الثورة وتجمل أيديهم الرسوم على الجدران، فقرروا أن يستكملوا طريقهم في الحرية اعتراضًا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي في نوفمبر 2012، ولقي تأييدًا شديدًا من مؤيدي الإخوان الذين رددوا “الموت للكفرة”، في 5 ديسمبر لنفس العام، المعروف بـ”الأربعاء الدامي”، بمحيط قصر الاتحادية الرئاسي.

وفي نفس المنطقة التي شهدت سقوط قتلى ضحايا لإعلان مرسي الدستوري، انطلقت منه بعد عدة شهور ثورات عظيمة احتشد فيها المصريون لعزل النظام الذي سعى لنشر الفساد وتحطيم البلاد والاستيلاء عليها لمصالحه الخاصة، بعد دعوات حركة “تمرد” لسحب الثقة من محمد مرسي وقتها، حيث علت الهتافات بـ”اصحى يا مرسي صح النوم 30 يونيو آخر يوم”، ليشق عنان السماء وينطلق عبر المحيطات لباقي دول العالم إيذانًا بسقوط النظام البائد، ويكتسب المتظاهرون دعم الجيش المصري كونه السند الوحيد للشعب المصري، منذ قرون ماضية، وتحدث الثورة في 30 يونيو 2013، التي تمر ذكراها الثانية هذه الأيام.

“الاتحادية”.. محيط تلك المنطقة كان خير شاهد على ظلم الحاكم وقوة الشعب القادرة على عزله بعد الإساءة له وفشله في إدارة شؤون البلاد، لطخت جدرانه بدماء الشهداء، وقضية حكم فيها على المعزول بالسجن المشدد لعشرين عامًا، وكان الحصن المنيع للثوار الذي تخطت دعواتهم وهتافاتهم أسواره العالية، بينما مثل القصر صامتًا يشاهد بصمت إرهاصات أدت لانتفاضة شعب وثورة عاتية قضت على نظام فاسد، وقيام دولة جديدة على حطام الماضي تسعى بكل جهد لبناء عصر جديد من الديمقراطية والنزاهة والعدالة الاجتماعية.

ومن بين العديد من الضحايا والمتظاهرين، ظلت الناشطة وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان شاهندة مقلد، حافظة لمكانها بينهما، في “الأربعاء الدامي”، وثورة 30 يونيو، لتعلن رفضها الدائم لجماعة الإخوان المسلمين وتثور على مرسي في الاتحادية، الذي مثل لها رمزًا ودليلًا على إصرار الشعب المصري في إسقاط العصابة الإرهابية الدولية التي أرادت أن تغتصب قوة وعزيمة المجتمع وتغيير هويته.

“أحداث الاتحادية وثورة يونيو معركة انتصر فيها الشعب”.. بهذه الكلمات وصفت مقلد لـ”الوطن”، شعورها تجاه تلك الأحداث التي ما زالت تاركة أثرها العميق داخلها، ففي الأربعاء الدامي تعرضت لاعتداء من أحد الأشخاص المنتمين لجماعة الإخوان لوضع يده على فمها ومنعها من الهتاف، ووصفته مقلد بأنه “شخص لا ضمير أو أخلاق أو دين”، مؤكدة أنه لم يتمكن من إسكات الشعب الذي كانت تعبر عنه وقتها.

وتابعت أنها في 30 يونيو 2013 تفاجأت بالأعداد المهولة للشعب الذي نظم المظاهرات، ما كان يعني إدراكهم للمؤامرة الدنيئة التي كانت تحاك لهم من الإخوان، وأكدت لديها بأن مرسي سيلحق بسابقه، وهو ما خلف داخلها إحساسًا قويًا بالانتصار مازال نابضًا حتى الآن، لافتة إلى أهمية وضع الصحفي الحسيني أبو ضيف، الذي قُتل في أحداث الاتحادية باعتباره فخرًا للمنظومة الصحفية والشعب أجمع.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى