الأخبار

ثلاثة مشاريع قومية في الميزان

56

بين ثلاثة أنظمة مختلفة، حاول كل منهم القيام بإنجاز مشاريع قومية مختلفة، بعضها نجح وبعضها أخفق وأهدر مع إخفاقه هذا الكثير من المال العام والجهد والوقت، سنوات تُنذر من أجل إنجاز مشروعا قوميا واحدا، سيحقق بعده مكاسب عامة تستحق الجهد والوقت والاستدانة من دول أخري لتحقيقها، ثلاث قصص لثلاثة مشاريع قومية منذ أن أصبحت مصر “جمهورية”، تبنتها ثلاثة أنظمة حكم مختلفة، فكان جمال عبد الناصر ومحمد حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي، وكانت مشاريع مثل السد العالي والمشروع القومي لتنمية سيناء ومشروع حفر قناة السويس الثاني.

السد العالي.. حلم ناصر

يقف وسط الملايين الذين يستمعون إليه بشكل مباشر ويرونه خلال المؤتمر القومي العام، والذين يستمعون إليه من خلال أجهزة الراديو أو التليفزيون، يقرر أن وقوفه هذا لتحية من أعطوا للوطن أنبل وأشرف ما يكون العطاء، يجلس ويرحب بالدول الشقيقة التي قامت بحضور المؤتمر القومي للإتحاد الاشتراكي العربي، تتغير نبرة صوته، تزداد حدة وسرعة، وهو يقول “تلقيت صباح اليوم الرسالة التالية من وزير السد العالي”.

ويبدأ عبد الناصر، في قراءة نص الرسالة (باسم بناة السد العالي، الذين تعهدوا بالانتهاء من إنشاء محطة كهرباء السد العالي في العيد الثامن عشر للثورة، تقديرا منهم لفضلها، في تنفيذ هذا المشروع العظيم الذي لم يكن ليتم لولا التصميم الأكيد علي إنهائه بالرغم من المؤامرات الإمبريالية التي حيكت لإحباطه، يسرني أن أبلغ سيادتكم أن العمل بالسد العالي علي هذا النحو يكون قد انتهي علي أكمل وجه.) لتقاطعه القاعة وتضج بتصفيق طويل، ويضيف هو قائلا “هكذا أيها الإخوة المواطنون، وسط الحرب ووسط المعارك ووسط التضحيات ووسط المؤامرات، يمضي الشعب المصري قادرا قويا عزيزا أبيا لا توقفه عثرة، ولا يعوقه صدمه، ولا يخيفه خطر.”،، كان المشهد في يناير عام 1970، حيث وقف عبد الناصر يزف بشري انتهاء الأعمال في السد العالي.

 

من هذا التاريخ يمكننا أن نعود بالزمن نحو خمسة عشر عاما إلي الوراء، تحديدا في عام 1955، حيث لجأت مصر إلي الولايات المتحدة وانجلترا والبنك الدولي الذي أقر مشروع بناء السد، لكنهم في النهاية رفضوا التمويل حتى بعد أن قبل الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بالشروط الأمريكية بما فيها الشرط الذي يحدد مديونية مصر الخارجية، ويقيد حريتها في عقد قروض أخرى أثناء عملية تنفيذ السد العالي، لكن الولايات المتحدة رفضت في النهاية وبررت رفضها بأنها لن تستطع أن تتحمل تكلفة مشروع ضخم كهذا في بلد من أفقر بلدان العالم، كما أن النيل ليس ملكا لمصر وحدها حتى تقيم عليه مشروعا كهذا، فألقي عبد الناصر خطابه في 26 يوليو 1956 وأعلن خلاله تأميم القناة وتوظيف إيراداتها في تمويل بناء السد العالي بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق الذي عرض على مصر المشاركة في التمويل بشروط ميسرة، مما دفع بريطانيا للبدء التخطيط لشن العدوان الثلاثي علي مصر الذي شاركت فيه فرنسا وإسرائيل، وكان الرد من الاتحاد السوفيتي بإنذار كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لوقف العمليات العسكرية ضد مصر فورا، والانسحاب من الأراضي المصرية، مع تهديد صريح بالأسلحة النووية السوفيتية، وعقدت مصر اتفاقيات مع الاتحاد السوفيتي للحصول علي قروض لبناء السد العالي،  ورغم كل الصعوبات ورغم العدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967، أكملت مصر مشروعها القومي إلي أن وصلت لمشهد الاحتفال وزف البشري في يناير 1970.

توشكي..11 عاما ومليارات الجنيهات بلا طائل

مشروع قومي يهدف إلي تنمية جنوب الوادي، سيغير وجه مصر تماما، سيتم استصلاح مئات الآلاف من الأفدنة، وسيتم توفير الملايين من فرص العمل، زُفت البشري بالإعلان عن انطلاق المشروع، ولم تُزف بالانتهاء منه!.

في يناير عام 1997 أعطى الرئيس الأسبق حسنى مبارك إشارة الانطلاق للمشروع، معلنا أن الخروج من الوادي الضيق إلي الصحراء أصبح ضرورة ملحة لا فكاك منها، فانطلق المشروع الذي يهدف إلى استصلاح 540 ألف فدان حول منخفضات توشكى، وتم تحديد عام 2017 كموعد لانتهاء المشروع، وفي عام 1998 صدر تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات يؤكد أنه تم زراعة 13 ألفًا و200 فدان فقط، من إجمالي 540 ألف فدان أى بنسبة 4,2% بتكلفة نحو ٥ مليارات و٦٠٠ مليون جنيه.

وفي العام نفسه تم تخصيص 100 ألف فدان في توشكي لشركة المملكة للتنمية الزراعية التي يرأسها رجل الأعمال الوليد بن طلال، والتي حصل عليها بسعر خمسين جنيها للفدان، وبعدها بنحو ثلاثة عشر عاما وتحديدا في 2011 قام النائب العام بالتحفظ على أراض تابعة لشركة المملكة للتنمية الزراعية التي يرأسها رجل الأعمال الوليد بن طلال بمنطقة توشكي بعدما تبين أن عملية البيع تمت بالمخالفة للقانون.

وفي عام 2003 بدأ ضخ المياه في القناة الرئيسية لمشروع توشكى وهي ترعة الشيخ زايد، وروجت الدولة للمشروع لجذب المستثمرين لاستصلاح أرض توشكى، ويبدو أن الأمر قد ظل بلا طائل، فبعدها بنحو ثلاثة أعوام، في أبريل عام 2006 اتهم عدد من نواب المعارضة في مجلس الشعب الحكومة بإهدار المال العام، وإنفاق المليارات علي المشروع دون عائد، مؤكدين أن المساحة المزروعة لم تتجاوز ٤ آلاف فدان من إجمالي ٥٤٠ ألف فدان، بتكلفة ٧ مليارات جنيه تم صرفها بمعدل مليون و٧٥٠ ألف جنيه للفدان الواحد، في حين كان يؤكد وزير الري والموارد المائية وقتها، محمود أبو زيد، أنه قد تم الانتهاء من 85% من المشروع.

وفي عام 2008 توقف المشروع وأرجع البعض توقفه إلي نقص في التمويل، وأعيد فتحه في 2011 بعدما أقرّ النائب العام عدم قانونية الأراضي التي حصل عليها الوليد بن طلال.

حاول وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوي أن يقف في وجه إفساد توشكي كمشروع قومي فبعد خروجه من الوزارة بنحو ثلاثة أعوام ذهب إلي مبني وزارة الخارجية بناءا علي نصيحة وطلب من أسامه الباز أن يكتب لمبارك رسالة بخط يده يكون مضمونها لفته إلي سوء ما يحدث في مشروع توشكي، وبالفعل فعل الكفراوي ليقرأ بعد أيام تصريحا في الصحف بأن من يهاجم توشكى كأنه يهاجم الأمن القومي المصري، “طبعا هما أدرى بالأمن القومي من اللي قاعد في البيت” هكذا يعلق الكفراوي.

قناة السويس الجديدة..مشروع قومي بمشاركة شعبية

في الخامس من أغسطس عام 2014 أعطي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إشارة البدء لمشروع تنمية قناة السويس ومشروع حفر قناة السويس الجديدة، وصرح إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء أن مشروع تنمية منطقة قناة السويس ومشروع حفر قناة السويس الجديدة، سيساهمان في فتح آفاق أرحب للاستثمار في هذه المنطقة، ويجعلها محورًا رئيسيًا للنقل البحري عالميًا، كما سيساهمان في زيادة كفاءة القناة وزيادة عدد السفن العابرة للقناة وقدرتها على استيعاب ناقلات أكبر حجمًا وسعة، مبشرا بالتأثير الإيجابي الكبير للمشروعين علي النمو الاقتصادي المصري.

وفي الثالث من سبتمبر 2014 أعلن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، إن مشروع حفر القناة الجديدة تكلفته تصل إلى 60 مليار جنيه، بالإضافة إلى 4 مليارات دولار تكلفة إنشاء 7 أنفاق جديدة أسفل القناة، لافتا إلى أن تمويل حفر القناة الجديدة وطني من الدرجة الأولى، وفقا لتعليمات الرئاسة للمحافظة على الهوية المصرية لقناة السويس، وتم إقرار أن يتم جمع المبلغ المطلوب من خلال الاكتتاب الشعبي العام.

وفي 21 سبتمبر 2014 أعلن  هشام رامز محافظ البنك المركزي، إن الحصيلة النهائية لشراء شهادات استثمار قناة السويس بلغت 64 مليار جنيه في 8 أيام، مشيرًا إلى أن نسبة شراء الأفراد لهذه الشهادات كانت 82%، مقابل 18% للمؤسسات، وتمثلت المفاجأة في أن عدد طلبات شراء شهادات الاستثمار وصل إلى مليون و100 ألف طلب في 8 أيام عمل، وهو رقم قياسي لم يحدث من قبل.

وتقدم نحو 70 ألف مصري لشراء شهادات استثمار قناة السويس فئة 10 جنيهات، و150 ألف  تقدموا لشراء الشهادة فئة 100 جنيه، في حين كان العدد الأكبر من الطلبات في فئة 1000 جنيه ومضاعفاتها.

الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، فيري أننا نقع كل مرة في الخطأ نفسه ثم نكرره مرة أخري، فما يهم من وجهة نظر رشاد هو ليس إقامة المشروعات الكبرى، وحديث الإعلام عنها ليلا ونهارا وتبني قاعدة جماهيرية عريضة لها، الأهم هو دراسة مدي جدوى هذه المشروعات، والعائد الاقتصادي الذي يمكنها تحقيقه.

ويري رشاد أن المشروع القومي الحقيقي في هذه المرحلة، هو مشروع تطوير محور قناة السويس، فهو الذي سيحقق العائد الاقتصادي الكبير .

 

مصراوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى