الأخبار

أبعاد زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن

 

تختلف وجهات النظر حول زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة، ومباحثاته مع المسؤولين هناك.

فقد جاءت هذه الزيارة عقب اتهامات أمريكية للرياض بالوقوف وراء أحداث 11 سبتمبر 2001. كما تزامنت مع هجوم أورلاندو الإرهابي، ما أضاف لبساً إضافياً إلى العلاقة بين الرياض وواشنطن في المرحلة المقبلة. فجدوله هذه المرة مكتظ بين ثلاث ولايات: نيويورك وكاليفورنيا وواشنطن.

وجاءت زيارة محمد بن سلمان، رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، ووزير الدفاع السعودي، لترميم العلاقات المتدهورة بين الجانبين، في ظل اتهامات واشنطن ومرشحي الرئاسة للرياض بدعم الإرهاب، الذي طال الأراضي الأمريكية عدة مرات. وذلك، في محاولة منه لتبديد الاعتقاد السائد بأن السعودية راعية للإرهاب العالمي، وأنها يمكن أن تكون حليفاً اقتصاديا باعتبار أنها تمثل فرصاً استثمارية كبيرة للشركات الأمريكية. وهذا ما يمكن أن نستشفه من الزيارة؛ إذ إن بن سلمان عرض على الشركات الأمريكية فرصاً في السوق السعودية، وخصوصا في مدينة الملك عبد الله. وهذا هو السبب الحقيقي لزيارته إلى وادي السيلكون في كاليفورنيا، مقر الشركات العملاقة في البرمجيات. كما أنه التقى كذلك مع كبار المستثمرين في السوق المالي “وول ستريت” في نيويورك، وتباحث معهم حول ما يمكن للرياض أن تقدمه في ظل “رؤية-2030” السعودية، التي تسعى لتنويع مصادر الدخل وتخفيض الاعتماد على الطاقة الهيدروكربونية، بسبب تراجع أسعار النفط.

ويمكن تلخيص زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن بعدة نقاط أبرزها:

أولاً: الملف الاقتصادي

وهنا قام بن سلمان بالتباحث مع المسؤولين الأمريكيين بصفته من يتخذ القرارات في السعودية؛ إذ عرض على المستثمرين الأمريكيين فرصاً استثمارية في المملكة بحوافز كبيرة والدخول في شراكات مالية بهذا الخصوص لتعزيز الثقة بالاقتصاد السعودي. كما أن المتفحص للوفد المرافق له، يجد أنه ضم وزراء: الطاقة خالد الفالح، والخارجية عادل الجبير، والثقافة والإعلام عادل الطريفي، والتجارة والاستثمار ماجد القصبي، والمالية إبراهيم بن عبد العزيز العساف؛ وعضو مجلس الوزراء محمد بن عبد الملك آل الشيخ، ووجوهاً عسكرية وأمنية أخرى؛ ما يعكس توجه القيادة السعودية إلى زيادة التعاون في تلك المجالات مع واشنطن؛ حيث تم التباحث في أكثر من مشروع اقتصادي مشترك بين الجانبين.

وكانت الرياض قد هددت في أبريل/نيسان الماضي واشنطن ببيع ما تملكه من أصول في الولايات المتحدة، والتي تقدر قيمتها بـ 750 مليار دولار، وذلك قبل إصدار قانون أمريكي في مايو 2016 يسمح بمقاضاة المملكة بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويسعى بن سلمان لبناء علاقة اقتصادية استراتيجية بين البلدين؛ حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين 45 مليار دولار عام 2015. وتباحث مع القطاع الخاص الأمريكي إنشاء شركة “صدارة” للكيماويات “ٍSadara”، لتكون لبنة للتعاون المشترك بين شركة “داو للكيماويات” “Dow” وشركة “أرامكو” “ِAramco” السعودية برأسمال يبلغ 20 مليار دولار لتكون بذلك أكبر مشروع بتروكيماوي في العالم.

ثانياً: الملف السياسي

يحاول بن سلمان تحسين صورة الرياض لدى الإدارة الأمريكية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتحديداً إلى ما قبل المفاوضات الأمريكية-الإيرانية في مسقط عام 2013، والتي تُوجت بالاتفاق النووي. ولعل ما يميز الحزبين الأمريكيين الرئيسين أنهما، وبالرغم من الخلافات الكبيرة بينهما، يتفقان على انتقاد الرياض وسياستها. وقد  تمثل ذلك في انتقاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما للرياض، واتهامه لها برعاية الإرهاب في مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتك” في مارس الماضي، وفي أن واشنطن لن تضحي بأبنائها من أجل حماية مصالح السعوديين أو غيرهم، وأنها بصدد الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط والتوجه نحو الباسيفيك وإفريقيا؛ حيث النفوذ الصيني، ونحو أمريكا الجنوبية؛ حيث النفوذ الروسي. وتمثل ذلك أيضاً في اتهام الكونغرس الأمريكي الرياض برعاية الإرهاب.

كما يحاول بن سلمان أن ينقل إلى واشنطن وجهة نظر دول مجلس التعاون الخليجي من الاتفاق النووي مع إيران في مسألة تنصيب إيران قوة إقليمية في المنطقة.

وتعدُّ هذه الزيارة الثالثة للأمير الشاب إلى الولايات المتحدة منذ تبوئه المنصب، وبعد مشاركته في قمة كامب ديفيد في مايو 2015، تأتي الزيارة في ظروف تشعر فيها دول المنطقة، وخصوصا الخليجية، بخطورة الوضع العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، عقب انخفاض أسعار النفط وزيادة حدة التطرف والعمليات الإرهابية.

ثالثاً: الملف الانتخابي

الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية بين قطبين هما دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. ولعل الرياض هي من أقوى الداعمين لهيلاري كلينتون عبر “مؤسسة كلينتون العالمية للأعمال الخيرية”؛ إذ ترى السعودية أن كلينتون قد تبقي الأساطيل الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وأنها قد تفتعل حرباً جديدة في المنطقة، في الوقت الذي ترى فيه الرياض أن ترامب يمثل عدواً رئيساً للمنطقة.

ومن الواضح أن سِر الزيارة يكمن في اجتماعه مع قياديين في فريق عمل كلينتون وسط أنباء عن قيام لوبيات لدعم كلينتون لتكون أول رئيسة للولايات المتحدة. وفي هذه الحالة، تحصل الرياض على فرصة قوية في استمرار النفوذ الأمريكي المؤيد لسياستها في منطقة الشرق الأوسط، والذي لا يتماهى مع السياسة الروسية. ومن الجدير ذكره أن دول الشرق الأوسط باتت تعتمد أسلوب الاستعانة بخدمات شركات العلاقات العامة الفرنسية والأمريكية والإنجليزية للترويج لسياساتها.

إلى ذلك، بحث بن سلمان الوضع في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا، إضافة إلى زيادة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا واليمن على وجه الخصوص.

رابعاً: الملف العسكري الأمني

في هذا السياق، يمكن القول إن محمد بن سلمان يعي تماماً أن الأمريكيين يولون مصالحهم الاستراتيجية أهمية قصوى، وهنا يكمن سر بيع واشنطن ما قيمته 60 مليار دولار للرياض عام 2015 في صفقات أسلحة، لتكون السعودية أكبر مستورد للسلاح الأمريكي.

كما تتابع اللجان المنبثقة عن قمة “كامب ديفيد” الالتزامات الممنوحة من واشنطن في مجال الأمن البحري.

ولعل لقاء الأمير مديرَ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان، ولقاءه وزيرَ الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، يأتيان في سياق ما تسعى الرياض لتحقيقه في المقبل من الأيام مع الإدارة الأمريكية: زيادة التعاون الأمني والاستخباري وزيادة حجم الصفقات العسكرية.

rt

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى