الأخبار

«الأمننة» تتخطى «العسكرة» في السياسة

 

 

تأخذ أنماط الصراع في منطقة الشرق الأوسط أشكالًا متعددة ما بين صراع تقليدي بين الدول أو صراعات غير تقليدية ما بين الدولة وجماعات عنف أو عصابات، ولكن هناك صراع غير مرئي بين مكونات السلطة الحاكمة المتمثلة في المؤسسات الأمنية المختلفة هذا الصراع هو المحدد لشكل الحكم وموازين القوي، فبعيدًا عن أشكال النظم السياسية في العلوم السياسية وهي أبعد ما تكون عن الواقع في منطقة الشرق الأوسط هناك أشكال من النظم السياسية تفرزها العلاقة بين المؤسسات الأمنية وعلاقتهما مع رجال المال والأعمال في الداخل، تلك العلاقة هي من تحدد شكل نظام الحكم هل هو نظام أمني أم نظام عسكري؟.

دائما تتعرض العلوم السياسية لفترة ما بعد سقوط الأنظمة القمعية سواء كان بحراك جماهيري آو بالصناديق بإطلاق مسمي (مرحلة التحول الديمقراطي) هذا ما يمكن أن نشاهده في الدول الأوروبية التي شهدت ثورات شعبية، ولكن في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن نطلق علي مرحلة ما إسقاط الأنظمة الحاكمة (بمرحلة التحول الأمني) سواء كان هذا التحول من العسكرة الى الأمننة أو من الأمننة الى العسكرة، وبالنظر في مجريات الأحداث خلال السنوات العشر الأخيرة في بعض دول المنطقة نجد حدوث ذلك ويمكن أخذ النموذج التركي لفهم ذلك.

لم تشهد تركيا ثورة شعبية تقليدية علي نظام الحكم بل شهدت ثورة عبر صناديق الاقتراح في بداية الألفية الجديدة بسقوط سلطة ما بعد (الانقلاب الأبيض) 1997، وصعود حزب العدالة والتنمية المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما دفع البعض لإطلاق مصطلح مرحلة “التحول الديمقراطي” في تركيا بوصول اردوغان لسدة الحكم، فهل ما حدث هو عملية تحول ديمقراطي أم الانتقال من مفهوم عسكرة الدولة لأمننة الدولة؟.

سعي اردوغان منذ اللحظات الأولي من الوصول للحكم بالعمل علي خلق حالة من التوازن في مقابل المؤسسة العسكرية فكان التركيز علي أجهزة الاستخبارات المختلفة بإعادة هيكلتها ليست بشكل مؤسسي بل بضمان الولاء لحزب العدالة والتنمية بل وصل الآمر الآن لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية علي الطريقة.

الإيرانية من ولاء لحزب لولاء لشخص القائد “ارودغان”، وقد نجح اردوغان في ذلك وخصوصا تجاه جهاز الاستخبارات الوطني التركي بتعينه (هاكان فيدان) رئيس لجهاز الاستخبارات الوطني وهو صاحب الدورالأكبر في القضاء علي محاولة الانقلاب، من حيث الكشف المبكر عن محاولة الانقلاب والتصدي لفرض الانقلابيين سيطرتهم علي مؤسسات الدولة، حيث تمكن (هاكان فيدان) المتخصص في الاتصالات والإشارة من التشويش علي أجهز الاتصال داخل القوات المسلحة، بل وصل الأمر بقطع الاتصال بين طائرات F16 والأقمار الصناعية لتحديد الخرائط مما أدي لفقدان الطائرات المشاركة في محاولة الانقلاب لقدرتها علي تحديد الأهداف ما جعل أهم سلاح في القوات المسلحة ليس لديه فائدة. وهو ما يفسر خبر إسقاططائرة نقل جنود تابعة لقوات الانقلاب من قبل طائرة مشاركة في الانقلاب، بجانب عجز سلاح الجو التركي عن استهداف طائرة الرئيس التركي، هذه المنظومة الحديثة التي استخدامها (هاكان فيدان) رئيس جهاز الاستخبارات الوطني التركي هي التي لعبت الدور الأساسي في الكشف عن المعلومات الخاصة بتحرك الانقلابين ومواجهة محاولة الانقلاب.

وكانت المرحلة الثانية من تمكين اردوغان للحد من مفهوم العسكرة وإحلال الأمننة كان إنشاء جهاز استخباراتي جديد متمثل في هيئة الأمن والنظام العام(K.D.G.M) الذي استحدث عام 2010، وهو جهاز مزدوج المهام ما بين جمع المعلومات وفرض النظام ويمكن تشبيه هذه الهيئة ( بالبسيج الإيراني) كمحاولة لتقريب الوصف، وتأتي المرحلة الثالثة من إحلال الأمننة في مواجهة العسكرة بتركيا بدعم جهاز “الجندرمة” ( J.I.T.E.M)، وخلق إدارة استخبارات داخل الجهاز مستقلة عن باقي إدارات وأجهزة جمع المعلومات والاستخبارات الأخرى، وهو ما جعل من جهاز “الجندرمة” يتفوق علي قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية، وكان القرار الأخير هو إلغاء تبعية “الجندرمة” من رئاسة الأركان الجيش التركي في حالة الطوارئ. فقد تمكن اردوغان من استنساخ التجربة الإيرانية من إضعاف القوات المسلحة التقليدية وجهاز الشرطة التقليدي وخلق أجهزة وأدوات بديله، قادرة علي مواجهة أي تحركات من قبل الجيش التركي تجاه سلطة اردوغان.

خلاصة القول تشير التفاعلات الداخلية التركية خلال السنوات الأخيرة لتجاوز تركيا مرحلة العسكرة ودخولها الى مرحلة الأمننة حيث سيكون القرار النهائي في الدولة لصالح الأجهزة الأمنية على حساب الجيش الوطني التركي، وهو ما يؤكد أن ما حدث في تركيا بعد وصول اردوغان ليس تحول ديمقراطي بل تحول من عسكرة الدولة لأمننة الدولة، وهذا بخلاف عما يجري في مصر والذي يحتاج لمساحة أخرى.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى