منوعات

الدين لله والبركة للجميع.. مسلمون يتبركون بالأولياء الأقباط

 

مسلمات ‪:‬ نتشفع بالقديسين ونوقد لهم الشموع بغض النظر عن ديانتهم ويكفى أنهم رجال الله

– القمص صليب متى ساويرس: روايات شعبية بأن مارجرس هو سيدنا الخضر ومريم ذكرت بالقرآن 34 مرة

– غنيم: مصر قبطية بثقافة فرعونية ورثنا منها زيارة الأضرحة والخلاف روايات شعبية نسمعها

– بيسنتي: إخواتنا المسلمين يرددون “سيدنا العريان بتاعنا وإنتوا أخذتوه”

– في مدخل كنيسة القديسة سانت تريز بشبرا يستقبلك من البوابة الرئيسية مزينة بالآية القرآنية «هذا من فضل ربي »
منذ الآف السنين توارث المصريون من أجدادهم الفراعنة عادات وتقاليد لم يستطع الزمن محوها، بل استمرت فى أوقات علت فيها النعرات المتشددة مرات بالتحريم وأخرى بالترهيب. من أبرز هذه العادات زيارة أضرحة الأولياء والقديسين، ويشارك فيها المسيحيون والمسلمون، الطريف هنا هو الخلاف فيما بينهم على أن هذا الضريح لقديس مسيحى أم لولى مسلم. ومن أبرز هؤلاء، الشهيد مارجرجس الذى يقال إنه “سيدنا الخضر” ، وأيضاً القديس برسوم العريان الذى يعتقد البعض أنه “سيدنا محمد العريان”. كما يتنازع المصريون عموما على حب العذراء مريم والقديسة تريزا التى تشتهر بحى شبرا حيث كنيستها.

وبطبيعة الحال نتحدث هنا عن طلب البركة وحب أولياء الله ولا نتحدث عن الدجل وخلافه
وفى جولة قامت بها “7أيام” زارت خلالها أماكن مسيحية يهتم المسلمون بزيارتها ويتشفع بكرامات أصحابها، بل ويعتقدون أن بعضهم من أولياء المسلمين. ففى كنيسة الشهيد مارجرجس للروم الأرثوذكس بمصر القديمة تقابلنا مع محمد سمير و زوجته هيام أبو زيد، مصطحبين طفليهما يس، قالت هيام: هذه أول مرة أزور فيها مجمع الأديان وقد بهرتنى العمارة وروحانية المكان، وهو ما أكده محمد، مضيفاً المكان به رهبة دينية غير عادية وقد أثار بداخلى عدة تساؤلات حول مارجرجس وحياته، وكيف تحمل السجن لسنوات بهذا المكان، وأحاول أن أتعرف على كل تفاصيل المكان حتى أستطيع أن أغرس بداخل طفلى حب الأماكن الدينية واحترام مقداساتها. فيما قالت نجوى بدر قرأت كثيراً عن مارجرجس وعادة ما آتى بصحبة زميلاتى المسيحيات أثناء الامتحانات، حيث يتشفعن به ويوقدن الشموع حتى بدأت أتفاءل بزيارته كل عام. وتقول الحاجة سعدية “م” أسمع من جدتى منذ طفولتى أن مارجرجس هو ذاته سيدنا الخضر، ويبدو أن القصة قديمة وتناقلتها الاجيال وقد سردتها على أبنائى وأحفادى وقد تكون الرواية حقيقية ولكن هذا لايهم المهم بالنسبة لى هو أنه رجل الله وتحمل الكثير من أجل الدين ويستخدمه الله فى عمل الخير حتى بعد قرون من موته.
ويقول ميلاد غطاس الخادم بالكنيسة والمكلف بإرشاد الزوار تزداد الرحلات فى فترة الصيف ويأتى المسلمون بأعداد كبيرة سواء فى رحلات أم مجموعات من الأصدقاء وعادة ما يسألونى عن المكان وأدوات التعذيب الموجودة والسجن. ويوقدون الشمع أمام أيقونة “صورة” الشهيد طالبين شفاعته “كرامته” فى تحقيق بعض الأمنيات. وبعض ممن تتحقق أمنياتهم يأتون بلوحات رخامية مطبوعا عليها عبارات شكر للقديس والكثير منهم مسلمون.

ومن داخل كنيسة السيدة العذراء المعلقة بدأت بالتجول وكان الزوار بأعداد كبيرة، وخلال التقاطى لبعض الصور طلبت منى شابة “مسلمة” أن ألتقط لها صورة أثناء صلاتها أمام أيقونة العذراء ممسكة بشمعة أوقدتها. ولم أرد التحدث إليها بل تركتها تتصرف وبدأت أتابعها فهى فى زيارة مع عدد من صديقاتها جميعهن مسلمات، وبدأن فى التزاحم أمام الأيقونة لطلب الشفاعة ثم توجهن إلى أحد المرشدين من خدام الكنيسة ليسمعن منه تفاصيل الكنيسة. وبعد انتهاء الشرح تحدثت إلى أحد المرشدين فقال، الأخوة المسلمين يكرمون العذراء تماما كالمسيحيين وتبهرهم العمارة والفن القبطى عموما بمنطقة مجمع الأديان، وخصوصاً الكنيسة المعلقة لأنها ذات خصوصية معمارية فهى بنيت على حصون مرتفعة وفى الأسفل مياه راكدة أى أن من ينظر إلى الزجاج الموجود فى أرضية الكنيسة يرى فراغا وعمودين رفعت عليهم. أما هانى عطية فيقول “أزور الست العدرا كل سنة فى الصيف وأطلب كرامتها ولا أتصور للحظة أنها تخص المسيحيين فقط فالعذراء مذكورة فى القرآن الكريم وقد طهرها الله واصطفاها عن نساء العالمين”.
ومن جانبه يقول القمص صليب متى ساويرس كاهن كنيسة مارجرجس والعذراء بالجيوشى. إن العذراء مريم مكرمة من مشارق الأرض حتى مغاربها، ولم يكرمها الإنجيل فقط لكن أيضاً فى القرآن الكريم، حيث ذكر اسم مريم 34 مرة ولها صورة باسمها، ويقول عنها يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك عن كل نساء العالمين. وكما تعيد الكنيسة لها ويسبق عيدها صوم 15 يوما، فإن إخوتنا المسلمين بعضهم يشاركنا الصوم تبركاً بها، وكما يقول المسيحى السيدة العذراء يقول المسلم “ستنا مريم” ويطلقون اسمها على بناتهم. كما أن الشهيد مارجرجس له محبة خاصة لدى قلوب المصريين جميعاً، حتى إن المسلمين يقولون إنه فى الأصل سيدنا الخضر والرواية لا نعلم مصدرها لكنها تتناقل ومشهورة ويدخل المسلمين كنيسته طالبين بركاته فى حل بعض المشاكل.
أما القصة الثالثة فهى عن القديس برسوم العريان، أو كما يطلق عليه “سيدى محمد العريان” فالقصة أيضاً شعبية ومنتشرة لاسيما فى المنطقة المحيطة بديره فى المعصرة وحلوان، حيث يقول محمد سالم لم أعرف أن سيدنا العريان شخص مسيحى، إلا وأنا فى الجامعة، وقد تفاجأت بأنه القديس الأنبا برسوم العريان، كما يطلق عليه أصدقائى المسيحيون وطوال طفولتى أسمع أننا ذاهبون إلى مولد سيدى محمد العريان وكنت أتساءل لماذا نزوره فى كنيسة وكانت عمتى تقول لنا “أنه مسلم والمسيحيين أخدوه”. والقصة لا تقف عند الحد الشعبى، بل إن تصريحات عدة للأنبا بيسنتى أسقف حلوان والمعصرة خلال حديثه عن الوحدة الوطنية والتآلف بين نسيجى الوطن فى هذه المنطقة التى لم تشهد أى حدث طائفى يذكر القصة بأن المسلمين يبجلون القديس ويرددون “دا ولى من أولياء الله يعنى بتاعنا إحنا وإنتوا أخدتوه” معتقدين أنه ولى يدعى “الشيخ محمد العريان” وكان رجلاً تقياً وبعد موته أخذه المسيحيون ودفنوه بالكنيسة.
وفى آخر محطات جولتنا كانت زيارتنا لكنيسة القديسة سانت تريز بشبرا، وهى من أشهر الأماكن بالقاهرة مقصداً للمسلمين والمسيحيين. حيث تجد تمثالاً كبيراً يستقبلك من البوابة الرئيسية، حتى تصل لمبنى الكنيسة التى بنيت على طريقة البازليك. وفى مدخلها الآية القرآنية “هذا من فضل ربي” وتغلف جدرانها من الخارج لوحات رخامية بلغات مختلفة تحمل عبارات الشكر للقديسة لتحقيقها لأمنيات وشفاء الأمراض، وبعض هذه اللوحات تخص فنانين وشخصيات عامة منهم الفنان عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان ونجاة الصغيرة وصباح وشقيق والد الرئيس جمال عبد الناصر ويقودك المكان إلى مزار القديسة فى أسفل المذبح، والذى يغلف بأكمله بلوحات الشكر والتشفع بالبركة.
وتقول أميرة محمد وهى حاملة لأبنها حكيم البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة، تعرفت على القديسة منذ عامين حينما طلبها زوجى فى أمر وبالفعل حققت له طلبته ومنذ ذلك الحين وأنا أتردد على كنيستها وأطلبها فى كل شىء وأطلب من أبونا أن يذكرنى فى صلواته لها، وما زاد تعلقى بها أننى رأيتها فى المنام ذات مرة.
ويقول الأب ملاك الكرملى إن القديسة صنعت لنفسها مكانة عميقة بقلوب كل زوارها من مختلف الأديان ومنذ خدمتى فى هذه الكنيسة لنحو 50 عاما، كنت شاهداً على الكثير والكثير من المعجزات، وقد اعتاد المريدون على شكرها بطريقة اللوحات الرخامية المطبوعة.
ويقول الدكتور محمد عبد الرازق غنيم، أستاذ علم الاجتماع والتراث الشعبى والعميد السابق لكلية الآداب جامعة المنصورة. إن هذا الاختلاط طبيعى ومنطقى لأن ثقافة المصريين انصهرت بها مجموعة من الثقافات بدءاً من الفرعونية واليونانية مروراً بالقبطية حتى الإسلامية، لا أنسى بهذا الشأن ما قاله الراحل البابا شنودة “أنا مسيحى بثقافة إسلامية” والعبارة صحيحة تماماً، لأن المجتمع فى تشكيلة امتزجت بداخله الثقافات التى مرت عليه، والأفكار المرتبطة بالاعتقاد الدينى جزء مهم من هذا التكوين الذى صاغ تلاحم بين المصريين وتبددت فكرة الآخر لذا نجد أن المصرى لا يمكن أن نعرف معتقده من خلال سلوكياته، خصوصاً أن مصر كانت دولة قبطية، ومع دخول الإسلام تحول البعض للدين الإسلامى فيما احتفظ الشعب بطابعه مع تطبعه أيضاً بالثقافة الجديدة، ومسألة زيارة الأضرحة أو مزارات القديسين هى متوارث قديم من العهد الفرعونى والخلاف على قديسين بأنهم أولياء للمسلمين مسألة نسمعها وتتردد فى القصص الشعبية.

**ويقول الكاتب عصام ستاتى الباحث فى علم الفلكلور فى كتابه “مقدمة فى الفلكلور القبطي” الذى صدر فى 2010 عن هيئة قصور الثقافة متحدثاً فى الفصل الأول عن الاحتفالات الشعبية بالموالد القبطية، إن المذبح والبخور والشموع هى متوارث فرعونى، غير مرتبط بدين معين، وحتى صورة العذراء مريم هى مستوحاة من صورة للإلهة إيزيس حيث رسمت بقرنان يتوسطهما نور القمر. ومفتاح الحياة الذى تحول بعد ذلك مع ميلاد المسيح إلى صليب. بل ما يطلق على مريم “أم النور” أيضاً يطلق على السيدة زينب “أم العجائز” أى التى تنير الطريق أمام العميان. أيضاً أبتكرت فكرة النذور للآلهة التى تحولت إلى نذور للأولياء والقديسين. ويضيف كانت تقام المهرجانات للإله أوزوريس لذلك فهذه الموالد قديمة قدم مصر نفسها، ولا نجد غرابة فى مشاركة المسيحيين والمسلمين موالد بعضهم البعض. ويروى الكاتب زيارته لمولد مارجرجس بميت دمسيس بدمنهور وأنه وجد أسر مسلمة كاملة تفترش بالمولد وروت له أحد المنتقبات أنها جاءت للقديس ليفك السحر لبناتها الأربع ويرزقهم الله بعريس.

 

 

 

 

 

الاهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى