أخبار مصر

اللاجئون السوريون: المصريون هم السند الحقيقي

 

 

وجوه بائسة وعيون دامعة وقلوب تشتاق حنينا لسوريا، تلك هي ملامح اللاجئين السوريين في دمياط الذين هربوا من جحيم الحرب كي يعيشوا آلام الفراق لذويهم والمعاناة والاشتياق لبلدانهم.

“الوطن” التقت عددا منهم للتحدث عن معاناتهم وعن مشاريعهم الناجحة التي أقيمت بمدينة دمياط الجديدة، حيث تُعد محافظة دمياط أكبر المدن التي يعيش بها السوريون لطبيعة دمياط المشابهة تماما لريف دمشق.

ويروى “أبو رضا” قصته قائلا: “جئت من حلب لمصر قبل ثلاث سنوات، ورغم ما وجدته في البداية من ترحاب ومودة من المصريين في بادئ الأمر، إلا أن الأمر تبدَّل نوعا ما، حيث بات يشعر البعض من المصريين أننا جئنا لنقاسمهم أرزاقهم، خاصة وأن الوضع الاقتصادي يوما تلو الآخر في مصر في النازل، ففي بادئ الأمر تخيلت أنني سأقضي ستة أشهر وسأعود بلدي، ولكن مع تأزم الأمر بات يتضح لي أن زيارتي لمصر لن تكون سياحة بل سيتعقد الأمر، ولا بد من البحث عن عمل، خاصة وأنه لا يوجد دخل ثابت لي ورغم أنني وعائلتي كنا نعمل بتجارة الأقمشة قبل نزولنا مصر إلا أنني وجدت أنه لا يوجد أي فرصة لممارسة ذات النشاط بدمياط الجديدة”.

يتوقف أبو رضا لحظات ويستكمل حديثه قائلا: “شعرت بألم ومعاناة لم أشعر بهما من قبل، وشعرت وكأن جسدي مقسوما لنصفين، فوالدي ووالدتي سبقاني لمصر، وحينما قدمت لم أتمكن من اصطحاب زوجتي ونجلتي معي، وظلا عدة أشهر بسوريا وأنا بمصر لحين إنهاء أوراقهما حيث قيل لي في بادئ الأمر ممنوع دخول أسرتي معي، علاوة على دفع مبلغ 2500 دولار على كل سوري يدخل مصر كتأشيرة دخول فكان لزاما عليَّ أن أرتب أموري في بادئ الأمر حتى أجلب زوجتي ونجلتي”.

ويرى أبو رضا أن أزمة الإقامة واستخراج جواز السفر، بخلاف المعاملة السيئة بمكتب الجوازات، كوارث تواجه اللاجئين السوريين في دمياط، مشيرا إلى أنهم في أحيان كثيرة يحصلون على الإقامة حال حصولهم عليها بعد خمسة أشهر من التقديم عليها ولدى استلامها يحتسب شهر أو أقل فقط للاستفادة بأوراق الإقامة، مضيفا أن “ما يتردد عن أن السوريين حاصلون على إقامات جميعهم من وحي الخيال، خاصة بدمياط لأن السوري عشان يحصل على إقامة بيتهان ويتذل ومبيعرفش يحصل عليها”، متابعا بقوله إن “الإقامة باتت السلسلة اللي ملفوفة على رقبتنا بسببها لا نعرف نمتلك شقة ولا بنعرف ندخل أبناءنا المدارس بسهولة وكذلك رخصة السواقة”.

ويضيف أبو رضا: “فتحت أكثر من مشروع بدمياط ولكنني تعرضت للاحتيال التجاري وباءت جميعها بالفشل، ولم يكن أمامي إلا الشراكة بافتتاح محل موبايلات”.

وبوجه بشوش وقف أنس فلاحه، بمحله للهواتف المحمولة وسط زبائنه يقلب في هاتف ثم الآخر، يستمع لهذا ولذاك، محاولا تلبية مطالب زبائنه، مرددا: “الرزق عليك يا كريم”، ويقول فلاحه لـ”الوطن”: “قدمت قبل ثلاث سنوات لمصر بصحبة زوجتي ولم نكن نعلم أن رحلة العذاب ستطول”.

ويضيف فلاحة قائلا: “أشعر بعذاب ومهانة وألم لدى توجهي لتجديد الإقامة، ففي كل مرة لا بد من الانتظار ما يزيد عن ستة أشهر وأظل متجولا في كل المؤسسات الحكومية، علاوة على العرض على الأجهزة الأمنية للتأكد من أوراقنا وفي الآخر أحصل على الإقامة لا تظل بجيبي كام يوم، وأكرر نفس الموال وكأننا لسنا آدميين كي نعذب بتلك الصورة وكل موظف يمشيني ويقول لي روح للي بعدي”.

ويتابع فلاحة بقوله: “معاناتنا لا تنتهي عند هذا الحد فهناك أزمة إيجارات الشقق باهظة الثمن والتي تجاوزت 2000 جنيه بخلاف إيجارات المحلات مبالغ فيها في الوقت الذي يعد الدخل محدودا”.

ويرى أنس المصريين هم السند الحقيقي له فلولاهم لما تمكن من عمل مشروع مع شركائه ونجح فيه، مضيفا: “وجدت معاملة حسنة ولم يحاول أحد منهم إيذاء مشاعري رغم الوضع الاقتصادي السيئ فكل من تعامل معنا بات زبون لنا كما أننا وجدنا معاملة حسنة من زملائنا بذات المهنة”.

فيما وقف محمد زهير، مواليد دمشق، في العقد الرابع من عمره، بجوار أنس يرتب مقتنيات المحل، فإذا به يعود بالذاكرة للوراء حينما كان وسط عائلته بريف دمشق قبل الحرب ثم يتوقف متمتما “الحمد لله على كل شيء” فإذا بصديقه أنس يربت على كتفه سيبها لله.

يقول زهير: “جئت لمصر قبل نحو 3 أعوام ولم أكن أتوقع أني سأعود لبلدي مرة أخرى، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن”، مضيفا أن “الحياة هنا نار، فالإيجارات أسعار خيالية، علاوة على ارتباطها بالإقامة التي باتت أزمة لا حل لها فبآخر مرة تقدمت لتجديد الإقامة لزوجتي وظللت ستة أشهر إلا يوم، وفي يوم استلامي للإقامة بعد عذاب ومعاناة شهور كان موعد انتهائها”، متسائلا: “هل يرضي ده ربنا بهدلة ومرمطة عشان الإقامة فذوينا ما زالوا بسوريا ولا نعرف نؤتي بهم لمصر لنترحم من العذاب والفراق”.

ويضيف زهير قائلا: “يكفي ما نعانيه لكوننا لاجئين وبعدنا عن بلدنا وأهلنا ومكان نشأتنا”، متابعا بقوله: “بعد المعاناة اللي شوفتها في تجديد الإقامة مش عايز أجددها ثاني، كفاية إيجار الشقة اللي وصل لـ3000 جنيه بخلاف إيجار المحل”.

وبعينين دامعتين ووجه حزين وقف سامح مقيد، في العقد الرابع من عمره، أمام شواية اللحوم بأحد المطاعم الشهيرة بمدينة دمياط الجديدة، كي يجهز الوجبات لزبائنه مرددا: “يا رب ارحم ضعفي وريحني من العذاب اللي أنا فيه، نفسي أشوف والدي ووالدتي، محروم منهما منذ سنوات، وهما كبار سنا ولا يجدان من يخدمهما، خاصة وأن أشقائي عقب الحرب هاجروا لتركيا ولم يعد بالساهل دخول سورى لمصر.

ويضيف سامح قائلا: “عقب الحرب جئت وزوجتي وأبنائي، ولم أكن أعلم أنني لن أتمكن من دخول بلدي مرة ثانية ووالدي ووالدتي كبار سنا ولا يجدان من يلبي مطالبهم فبسبب الحرب أصبحنا مشتتين، فأنا وزوجتي وأبنائي في بلد، ووالدي في بلد، وأشقائي في بلد آخر، وأجري الذي أتحصل عليه بمصر زهيد لا يكفي مطالبنا، خاصة في ظل الأسعار الفلكية للإيجارات”، متابعا بقوله: “مش عارفين نستخرج الإقامة بسبب الإجراءات المعقدة وطول فترة الانتظار والمعاملة السيئة”.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى