الأخبار

مسيحيو شمال سيناء يتحدون تهديدات «داعش»

«أكيد راجعين»، عبارة تتردّد على ألسنة عدد من المسيحيين الذين اضطروا إلى ترك منازلهم فى شمال سيناء، هرباً من جحيم الإرهاب، والقدوم إلى محافظة المنيا للإقامة فيها مؤقتاً لحين عودتهم إلى بيوتهم مرة أخرى، وهى عبارة تبعث فى نفوسهم التفاؤل بقدرة الدولة على سحق معاقل الإرهاب، الذى لا يُفرّق بين مسلم ومسيحى، ويحاول التنكيل بالمدنيين دون ذنب، كما أنها تُحيى الأمل بينهم فى العودة إلى حياتهم فى أقرب وقت.

وبنبرة حزينة، تحدّث «ديفيد نشأت»، طالب بالصف الأول الثانوى، الذى قدم إلى المنيا مع عدد من أفراد أسرته، لـ«الوطن»، قائلاً: «أكيد هنرجع». وأضاف: «أكتر حاجة وجعانى إنى ممكن ما أشوفش أصحابى تانى، أنا مرتبط بهم منذ طفولتى، وجميعهم كانوا يبكون، مسلمون ومسيحيون، على مغادرتنا سيناء، لأنهم لا يعرفون هل سأعود مجدداً أم لا، ولا بد أن يأتى يوم وأعود إلى هناك، حتى لو لساعة واحدة».

«ديفيد»: «بكاء أصحابى أكثر ما يؤلمنى».. و«منصور»: «تركنا مفاتيح بيوتنا مع إخوتنا المسلمين».. و«مكاريوس»: «أجهزة الدولة أسرع من الكنيسة»

وعن كيفية خروج أسرته من العريش، قال: «أخدنا سيارة أجرة من منزلنا، قاصدين موقف العريش، وتوجهنا إلى محافظة الإسماعيلية، لكننا فوجئنا بأن نزل الشباب مزدحم للغاية، وكانت المعيشة هناك صعبة، نظراً لكثرة أعداد النازحين وضيق الوقت، حتى إن دورات المياه كانت مشتركة، فسجلنا البيانات الخاصة بنا، وتوجّهنا إلى القاهرة، ثم إلى المنيا، ومن مدينة المنيا إلى ملوى، وهنا تفرقنا، فوالدى يمكث فى منزل عمتى، ووالدتى بمنزل جدى، وشقيقتى فى منزل خالتى، لكن أقول الحمد لله على كل حال، وحلم العودة إلى العريش ما زال داخل قلوبنا، وسيبقى إلى الأبد». أما رب الأسرة «نشأت ذكرى عبدالملاك»، 57 سنة، فنى أول تدريس، فقال: «أجبرتنا التهديدات المتلاحقة من العناصر الإرهابية، التى استهدفت المسيحيين، والوضع المأساوى بسيناء على ترك بيوتنا، فقد كنت أتقبل الشتائم والإهانات، لعلمى أنها من شرذمة قليلة جداً لا تُعد على الأصابع، تكره الاستقرار للبلد»، مضيفاً أنه «فى عام 1986 كنت فى ريعان شبابى أعمل بمحافظة بورسعيد، ثم قررت التوجه إلى العريش، تلبية لدعوة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بتعمير سيناء، وتزوجت هناك ورُزقت بثلاثة أبناء، هم: دينا بالفرقة الأولى بكلية التربية، وديفيد بالصف الأول الثانوى، وطفل 4 سنوات، وكنا نعيش طوال السنوات الماضية فى أمن واستقرار ومحبة وأخوة، لا فرق أو تمييز بين مسلم ومسيحى، وكنا نخرج ونسير فى الشوارع طوال الـ24 ساعة، دون خوف أو تهديد، والآن نترحّم على تلك الأيام».

أما زوجته «ميرفت نصيف»، فقالت إن «الأمور تغيّرت رأساً على عقب، حتى أصبحنا نواجه تهديدات فى الشوارع، من أشخاص غرباء، فقط لمجرد كوننا مسيحيين، كنا نسمع عبارة متكرّرة من أشخاص غرباء، مثل: هنولع فيكم»، مشيرة إلى أنها أقامت فى العريش قرابة 20 عاماً، منها 15 عاماً شعرت بأن أسرتها تُقيم فى قطعة من أوروبا، لكن فى آخر 5 سنوات، تحولت إلى قطعة من الجحيم، على حد وصفها.

وتابع «نادى نصيف منصور»، 59 سنة، وكيل مدرسة، بقوله: «تركت وأسرتى منزلنا فى ملوى عام 1996، وذهبنا إلى مدينة العريش، التى تتميز بجمالها وطيبة أهلها، لا فرق هناك بين المسلمين والمسيحيين، وتجد الجميع يداً واحدة، فمعظم جيرانى وأصدقائى من المسلمين، ونلجأ إليهم فى الشدائد، كما يلجأون إلينا فى الأوقات الصعبة، لكن فى تلك الظروف، وفى ظل الأوضاع الأمنية والجماعات المسلحة، أصبحت الحياة هناك صعبة، والخطر يداهمنا من كل جانب، ففضّلنا العودة إلى أهلنا، حتى تستقر الأوضاع هناك، لنعود مجدداً إلى ديارنا». وأضاف بقوله: «تركنا مفاتيح منازلنا مع إخوتنا المسلمين بالعريش، لأنهم هيحافظوا عليها حتى نعود مجدداً، وسينتظرون عودتنا لاحقاً.

من جانبه، قال الأسقف العام لمطرانية المنيا، الأنبا مكاريوس: «نحن نتابع الأحداث فى العريش ومغادرة عدد كبير من الأسر المسيحية، ومعلوماتنا أن نحو 150 أسرة تركت العريش»، مؤكداً أن أجهزة الدولة تتصدّر المشهد فى تلك المجهودات، بدلاً من الكنيسة، التى كان يمكن أن تساعد تلك الأسر، لكن تحرك الدولة كان أسرع، حسب قوله.

وخلال لقائه 5 أسر مسيحية قدمت إلى محافظة المنيا، أكد المحافظ، اللواء عصام البديوى، أن «الدولة عازمة على اقتلاع جذور الإرهاب الأسود، الذى لا يُفرّق بين أبناء الوطن الواحد»، واصفاً الجماعات المتطرّفة بأنهم مرتزقة وعصابات للتهريب.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى