الأخبار

هروب جماعى لكوادر الإخوان «الوسيطة» من مصر

117

 

 

أين اختفى الإخوان فى العيد؟ ظهورهم يوم وقفة عرفات، وكذا أول أيام عيد الأضحى، أمس، لم يتعد العشرات فى بعض الأماكن المتفرقة، وأبرزها كان التجمع الهزيل بمسجد عمرو بن العاص. لكن دون ذلك ذهبت كل التهديدات الإخوانية، بإشعال ثورة جديدة ضد الجيش وسلطة ما بعد 30 يونيو، تزامنا مع الأيام المباركة التى يحتفل بها المصريون أدراج الرياح.

القراءة الأولية للغياب الإخوانى اللافت عن الشارع، قد تستند إلى قاعدة الفشل فى الحشد، جراء نقص التمويل، والضربات الأمنية التى طالت القيادات العليا، والأهم قيادات الربط والاتصال، بين مكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية بالمحافظات، وبين قواعد الجماعة. بينما الاعتماد على السلفيين والإخوان المنشقين العائدين لحظيرة الجماعة، عقب عزل محمد مرسى، وفض اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر بالقوة، فضلا عن شرائح المتدينين والحالمين بالخلافة والمشروع الإسلامى، من أجل تنظيم مظاهرات ومسيرات كبيرة أو ضخمة لم يعد يجدى بأى حال من الأحوال.

تهديدات ما يعرف بالتحالف الوطنى لدعم الشرعية، واجهة الإخوان المسلمين السياسية، بعد عزل مرسى وسقوط مشروع حكم الجماعة، لم تعد تتجاوز مرحلة الشائعات والفاعليات الاستعراضية، بغرض أربك الحكومة وأجهزتها الأمنية، وشغل قواعد التنظيم عن الالتفات لكوارث وأخطاء وجرائم القيادات، فى حين بدا أن ضجر تلك القواعد بمسألة الدفع بأعضائها إلى أتون مواجهات دموية غير محسوبة العواقب من الجيش والشرطة والشعب، وما يترتب على ذلك من سقوط ضحايا، أصبح خارج السيطرة، فى ظل عدم وجود أى نتائج إيجابية على الأرض تعود على الجماعة جراء العنف، غير مزيد من الغضب المجتمعى تجاهها.

لكن القراءة المعمقة للمشهد الإخوانى فى الوقت الراهن، تكشف أن الجماعة ومن تبقى من كوادرها الحركية المؤثرة، ممن لم تطلهم حملات الملاحقة الأمنية، يكررون سيناريو الهروب التنظيمى الكبير الذى سبق أن تبنوه بعد عام 1954، وبداية ستينيات القرن الماضى. فعلى خطى المئات بل والآلاف من الكوادر الإخوانية التى غادرت البلاد فى ظل الحقبة الناصرية، لجأ عديد من أعضاء الجماعة، خصوصا ممن لم يصدر بحقهم حتى الآن أى أمر من النيابة بالقبض عليهم، أو يشك أن التحقيقات الجارية فى عدد من قضايا القتل والتحريض على القتل وإثارة الفوضى والعنف ستشملهم خلال الفترة المقبلة، للسفر خارج مصر، بينما تم استغلال فترة الضوء الأخضر الحكومى لتفعيل وساطة الوزير السابق والقانونى، الدكتور أحمد كمال أبو المجد، للمصالحة بين الدولة والإخوان، وما تلاها من حالة مجادلة ومناورة ثم رفض من قبل الإخوان، فضلا عن موسم الحج والاستعداد لعيد الأضحى، كتوقيت مناسب لمغادرة البلاد.

أغلب الهاربين الإخوان من المهنيين النشطين فى التنظيم، خصوصا فى نقابتى المحامين والمهندسين، تدبروا أمر سفرهم من القاهرة بشكل غير تنظيمى، حتى ولو تم ذلك فى مجموعات. ولكن من دون تنسيق مع الجماعة، وإن كان برضى قياداتها، خصوصا من هم فى السجن. فى حين تولى كل عضو أو مجموعة من الأعضاء خلق فرصة السفر كل على طريقته، حيث لجأ معظمهم لأقاربه الموجودين فى الخارج، للمساعدة فى الخروج من مصر، وإيجاد مكان آمن له فى أى دولة عربية أو أجنبية.

وفى وقت تحتل فيه قطر وتركيا، المرتبة الأولى لكل رؤوس وكوادر الإخوان العليا، وحلفائهم، فإن القيادات الوسيطة ليس لديها خيار، ووجهة السفر تحددها ظروف، غير أن بعضهم يستفيد من علاقات الجماعة المتشعبة فى بعض العواصم الأوروبية، مثل لندن وبرلين، فضلا عن عدد من دول البلقان التى كان للإخوان بصمة فيها أوقات الحروب، عبر بوابة اتحاد الأطباء العرب، ولجان الإغاثة ببعض النقابات، مثل نقابة المهندسين فى تسعينيات القرن الماضى، ومنها البوسنة والهرسك وربما كوسوفو، وكذا ألبانيا. ناهيك ببعض الدول العربية التى تتمتع بوجود إخوانى لافت، مثل اليمن والأردن، إضافة إلى اللجوء إلى معظم بلدان الخليج عدا الإمارات.

عديد من الكوادر الإخوانية الهاربة خلال الأسبوعين الماضيين، خرجوا من البلاد تحت لافتة الحج، غير أن الأراضى المقدسة ستكون مجرد محطة ترانزيت للانتقال إلى مكان آمن بالنسبة لهم خارج مصر.

المثير أن عمليات الهروب الإخوانى، وصلت لفرق الدفاع المشكلة لمساندة قيادات الإخوان المحبوسين على ذمة قضايا. أحدهم وهو من الكوادر التنظيمية المهمة فى مكتب إدارى الجيزة، وهو يعد واحدا من المحامين المؤثرين الموكل إليهم الدفاع عن المرشد العام للجماعة، فى عدد من القضايا، وصل إلى لندن مطلع الأسبوع الجارى، بينما انتقل إلى عاصمة الضباب، بعد أن أمنت له مجموعة من أقاربه المقيمين هناك منذ عقود، فرصة للاستقرار فيها، ولو مؤقتا، أو لحين بيان وجهة الأحداث فى مصر. الرجل قال لأفراد مكتبه قبل سفره «سيقبض علىّ قريبا»، ولم يزد على ذلك بكلمة، وفق ما نقله مصدر قريب منه لـ«التحرير»، رفض ذكر اسمه أو اسم المحامى المشار إليه حتى لا يكشف عن هويته «أى المصدر».

يأتى هذا بينما انتقل عديد من الكوادر الإخوانية، للخارج أيضا، صحيح ليس هربا لكن بغرض العمل، ومنها طواقم إعلامية تنتمى للجماعة، انتقلت لبعض البلدان لمواصلة بث برامجها، على أقمار صناعية عربية وأجنبية، بديلة عن «النايل سات». فى حين شعر البعض الآخر أنه لن يتحمل مزيدا من الخسائر المالية جراء البقاء فى مصر، من أجل النضال لعودة مستحيلة لمرسى إلى الحكم.

الهروب الإخوانى المتواصل من مصر، بلا شك، أسهم ومن قبله الملاحقات الأمنية، فى تناقص الحشود الإخوانية فى الشارع، حتى كادت تتلاشى فى بعض الأوقات والمناسبات. لكن ما تبقى من التنظيم، وبمساعدة بما يطلق عليه التنظيم الدولى، لن يسلم بسهولة، ولن يتراجع عن طريق العنف والتصعيد، طيلة فترات محاكمة قيادات الإرشاد، فضلا عن المرشد والرئيس المعزول، فالأمر لم يعد نضالا لإنقاذ الجماعة من الاندثار، وإنما إنقاذ رؤوسها الكبيرة من السجن.

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى