الأخبار

أحلام سودا

157

هل تريد أن تتعرف على قصتى وهى حقيقة لا خيال؟، ربما تكذبنى ومن الممكن أن تصدقنى، ومن المحتمل أن تضحك وتتهمنى بالجنون والكذب، ولكنى أردت أن أقصَّها ربما يستفيد منها البعض.

حسنٌ.. سأرويها لكم، عشت أنا وأسرتى فى بيت مكون من ثلاثة أدوار، فكانت جدتى من أبى وعمتى معنا فى نفس العمارة، التى بناها جدى له ولأولاده، حتى يستمتع بأسرته من حوله. ومرت الأيام والسنوات وتوفى والدى وترك ثلاث بنات، وكانت أمى قوية وتحبنا جدًا، وكانت نعم الأم والأب فى نفس الوقت، وقد وهبنا الله أنا وأخوتى بجمال نُحسد عليه وكنت أكثرهم جمالاً مما جعلنا محط أنظار جميع أقاربنا وجيراننا.

وما أكثر أن تختلط مشاعر الحب بالغيرة حتى من أقرب الناس إليك، فقد أثار جمالى حقد عمتى، لأن لديها بنات لم يتزوجن بعد، وأعمارنا متقاربة، والعين فضاحة، فقد رأينا ما بداخلها يوم أن تمت خطوبتى، ولكننا تجاهلنا، واعتبرتها لحظة من لحظات الضعف التى لا يخلو منها أى إنسان.

وبعد شهرين من خطوبتى، اقترحت عمتى علينا ضرورة عمل تجديدات فى منزلنا، وأنها أيضًا ستجدد معنا وسنقوم بدهان مدخل العمارة، وستساعدنا والحمد لله نحن نعمل ومستورون، ولم تمانع أمى وقمنا بالتجديدات وعمتى معنا وكل شىء كان جميلاً. لا أعرف ماذا حدث لى أنا تحديداً بعد ذلك، فقد تدهورت حياتى بطريقة غريبة.. أولها أن خطيبى تركنى بدون أسباب، وكنا فى أحسن حال، وكنت أعمل عملًا خاصًا بى، وكان فى حالة جيدة، توقف.. وأصبحت كأنى لا أعمل.. أما الشىء العسير الذى كان فوق طاقتى هو الأحلام، فكنت أخاف النوم حتى لا أحلم. “أحلام مرعبة” أقرب منها إلى كابوس، توقظنى من نومى، وتجعلنى أحسُّ بضيق فى التنفس، وارتسم ذلك على وجهى فذبلت وأصبح شكلى يوحى بالمرض.

أخذتنى أمى إلى أكثر من طبيب، والرد الدائم “حالة نفسية بسبب فك خطوبتها وظروف عملها”، وكأنهم اتفقوا على نفس الإجابة “خدوها أى مكان تغيَّر هوا وهترجع زى الفل”. وعندما علمت جدتى من أمى بمرضى جاءت إلينا من محافظة مجاورة لترانى، وكانت تنام معى فى نفس الغرفة ورأت ما أنا فيه طوال الليل من قلة نوم، وإن نمت أستيقظ سريعاً لكى أهرب من أحلامى. ولم أكن أعلم ما اتفقت عليه أمى وجدتى وسمعتها تقول لأمى “دى أحلام سودا” ووعدتنى بالعودة القريبة. وعادت جدتى بعد يومين ومعها الشيخ “يوسف” وهو من فرع بعيد من العائلة ومعروف بقراءته المستمرة للقرآن وتدينه الشديد وقراءاته العديدة.. حجَّ بيت الله وسمعته عطرة.

وجهه مريح للعين وكل أهل قريته يحبونه، وعند ولادة أى طفل لا بد أن يذهب للشيخ يوسف ليرقيه، وقد أتت به جدتى ليرقينى ويهدئ من روعى.

وأخذ يقرأ لى ويتمتم حتى أحسست بأنى نعست، وعلمت من أمى بعد ذلك أنه سألنى “أين أنتِ الآن؟” وأنى أخبرته بأنى فى غرفة مظلمة ليس فيها إلا نار خافتة فى ركن بعيد، وأنه طلب منى أن أحفر بجوار هذه النار، وأنى حاولت ولكنى شممت رائحة كريهة فرفضت أن أكمل.

وصمم الشيخ يوسف على ضرورة هدم بلاط المنزل، وجدتى وافقته، وبدؤوا ووجدوا فى ركن من أركان المنزل “رأس حيوان” مدفون، ولم أدرى ماذا فعلوا بها ولكن بعد الانتهاء قال لى “ارمى حمولك على الله”، ونبه أمى من عمتى لأنها تملك قلبًا مريضًا بالغل والحقد.

وانتقلنا من مسكننا فقد عجزنا عن الحياة فيه أكثر من ذلك، وتحسنت حالتى وعاد رونقى وبالرغم من تركنا منزل العائلة إلا أننا لم نقاطع عمتى.. ولكن لم أستطع أن أعود معها كما كنا من قبل. وازددت قربًا من الله، فكنت دائمة الصلاة وقراءة القرآن.. وقابلت نجاحات وفشلاً فى عملى وفى حياتى الشخصية، ولكن كان عندى إصرار على النجاح والمضى فى حياتى، دون أن أنظر إلى الماضى، وماذا حدث لى.
فبالرغم من تقدم العلم، فإنه عجز أن يحيط بكل أسرار النفس البشرية وغموضها.. فهى لغز كبير وعالمها واسع عميق لا يدركه إلا خالقها.

حاولت أن أنسى وبالفعل نسيت ولكن أثرها ما زال فى قلبى، ولكنى تعلمت ألا أضع هذه التجربة كالشماعة أعلق عليها إخفاقى فى إنجاز عمل أو فى حياتى الشخصية. أؤمن أن هناك سحراً وأعمالاً.. أومن بالحسد، ولكنى لا أؤمن بالدجل والدجالين والانصياع لهم.

ووجدت طريق النجاة.. فليس هناك طريق قبله أو بعده، وهو..

أن الله خير حافظًا.

 

مبتدأ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى