الأخبار

هذه حكايتى مع الشيخ رفاعى

 

160

 

 

«مازلت أذكر الشيخ رفاعى»، مرتبط عندى برمضان الطفولة الى أبعد حد، فلا أتذكره الا ومعه أتذكر رمضان، ولا يأتى الشهر الكريم الا وأتذكر «الشيخ رفاعى»، حكاية مدهشة ومثيرة يرويها لنا الخال الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودى عن ذكرياته مع شهر رمضان ايام الطفولة.

يقول الابنودى: كان «الشيخ رفاعى» إمام مسجدنا وقارئ القرآن به، والعجيب فى الأمر أن هذا الشيخ كان بلا صوت، ولم يقل لنا أحدا متى فقد هذا الشيخ صوته.

يتابع الابنودى قصته مع الشيخ رفاعى: كان يقرأ القرآن فى بيت جدتى، يزيح الباب ذا «الضلفة» الواحدة، ويجلس «ينونو» كما كانت جدتى تقول، وكانت تعلن دائما أن هذا الرجل لا يحفظ القرآن، ولكنه «ينونو مثل البسس ــ القطط».

أما نحن فكنا نذهب الى فناء بجوار المسجد الذى لا مأذنة له والسقف المنخفض، ونلعب ألعاب مختلفة ومبدعة، وكان بعض الموهوبين منا يصنعون «جمال» من الطين، وألعاب أخرى يبيعونها مقابل «نوى البلح»، فكانت ثروة كل منا تقاس بكم ما يملك من «نوى البلح» الذى كان يشتريه أقباط قريتنا يطعمون به خنازيرهم.

كنا نتجمع حول المسجد نقضى الوقت فى اللعب والبيع والشراء حتى يحين موعد الأذان، وفى ذلك الوقت لم يكن بالقرية ــ كما هو اليوم ــ كهرباء، وبالتالى لا يوجد تلفزيون او راديو او حتى ميكرفون، تعلن عن حلول موعد الافطار، لذلك كنا الاطفال أجهزة الاعلام الوحيدة فى القرية نقف أمام المسجد ذى السقف القريب فيصعد المؤذن الذى لا صوت له ــ الشيخ رفاعى ــ ونحن نقف امامه فى الاسفل، ونتابعه وهو ينظر الى ساعة جيبه، وحين يرفع يده ويضعها على اذنيه ويفتح فمه نعرف أنه يؤذن رغم اننا لم نكن نسمع شيئا.

يواصل الابنودى روايته المثيرة عن الشيخ الغريب: فى هذه اللحظة ينطلق جميع الاطفال فى دروب القرية، ونغنى «افطر يا صايم ع الكحك العايم»، ومعناها أن يفطر الصائم بالكعك العائم فى السمن البلدى. رغم أنه لم يكن هناك كعك ولا سمن بلدى.

وانما كانت المعاصر فى أبنود تبيع زيوت «الخس والكركم» اللذين كانا يزرعان فى القرية، وكان لهذه الزيوت رائحة رائعة، مازالت تسكن أنفى حتى الآن بالذات فى «طشة الملوخية»، أو «الويكا الناشفة».

فالقرية كانت تفطر على اصواتنا وليس على أذان الشيخ رفاعى، لذلك مازلت اتذكر هذه القصة دائما عندما يحل الشهر الكريم كل عام.



الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى