الأخبار

التداعيات “المحتملة” لفض الاعتصام في رابعة والنهضة

32

بعد بدء قوات الشرطة عمليات فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، ترصد بوابة الأهرام في هذا التحليل الإخباري التداعيات المحتملة لفض الاعتصامات.

منذ إعلان الرئاسة المصرية فشل الحلول الدبلوماسية للأزمة السياسية التي تمر بها مصر، في 7 أغسطس 2013، تواصلت حالة الترقب للبدء في التنفيذ الفعلي لفض الاعتصام في رابعة والنهضة،التي بدأت بالفعل صباح اليوم.
و التركيز على استراتيجية الفض، هي جزء من التعامل مع الأزمة السياسية التي تمر بها مصر منذ ثورة 30 يونيو، فالمشكلة ليست في استراتيجية فض الاعتصام بقدر ما هي مرتبطة بتداعيات اليوم الثاني للفض، وما قد يرتبط بها من تداعيات “غير محسوبة”، قد تخرج عن نطاق السيطرة والقدرة على إدارتها والتحكم في نتائجها، وقد تدخل مصر في حالة من عدم الاستقرار المزمن.

فالأزمة الحالية في مصر، أشبه بلعبة الجبان chicken game ، حيث لا يزال كلا الطرفين، جماعة الأخوان، والحكومة، مثل سائقي السيارة اللذان يسيران عكس بعضهما، وكلما استمرا في السير بسرعة تضيق المسافة بينهما، ويزداد احتمال الصدام بينهما، وكلاهما ينتظر الطرف الآخر للقيام بفعل مختلف يحيد به عن خط السير، ويقلل احتمال الصدام.

-الهدف من فض الاعتصام:

تقدم الخبرات الدولية العديد من الاستراتيجيات الخاصة بفض الاعتصامات والتعامل مع الحشود الكبيرة، خاصة التي تقودها جماعات منظمة، مثل جماعة الأخوان المسلمين، سواء من قبل قوات الشرطة أو من قبل قوات الجيش، والاختيار بينها يكون استنادا الى الهدف المراد تحقيقه من عملية الفض. حيث عادة ما يتم التمييز بين ثلاثة أنواع من الأهداف، يتمثل الهدف الأول في الانتصار الكامل لقوات الأمن، من خلال انهاء وجود الجماعة كلية، وبالتالي يتم التعامل مع فض الاعتصام على أنه خطوة نحو القضاء على الجماعة بقواعدها من الخريطة السياسية، وفي هذه الحالة، يتبع الفض عدة إجراءات، تشمل مصادرة الموارد الخاصة بالجماعة، ومقراتها وقياداتها وقواعدها.

وينصرف الهدف الثاني إلى الانتصار المؤقت، وهو الذي يقتصر على انتهاء وجود فعل الاعتصام، ورسم خط أحمر لا يتعين على الجماعة التفكير في تخطيه، أي عدم قيام الجماعة بتنظيم اعتصام في مناطق أخرى، مع استمرار وجودها ككيان سياسي.

ويتمثل الهدف الثالث، في الانتصار “المرضي”، فمن خلال استراتيجيات “الكبت الهاديء” يتم احتواء الجماعة، دون تدميرها، وتظل محتفظة بالقدرة على القيام بعنف محدود في لحظات معينة.

والوضع في مصر ربما أكثر تعقيدا من القدرة على الاختيار بين أي من هذه الأهداف، وأحد أبعاد هذا التعقيد مرتبط بخريطة الجماعات الموجودة في اعتصامي رابعة والنهضة، فرغم أن جماعة الأخوان المسلمين تعد هي القوى الأكثر تنظيما، إلا ان هناك استنادا لشهادة كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان المسلمون في الغرب، جماعات سلفية –جهادية، وجماعات دينية عنيفة بطبيعتها، إلى جانب عدد من سكان المحافظات والأقاليم الموالين والمتعاطفين مع الجماعة، وإذا كانت الجماعة قد استطاعت أن تحشد هؤلاء منذ 28 يونيو 2013، إلا أن قدرتها على التحكم في سلوكهم تظل محدودة.

وبعد ثان، مرتبط بطول مدة بقاء الاعتصامين، خاصة اعتصام رابعة، حيث تحول إلى “مجتمع” متكامل الأركان، يحوي كافة متطلبات الإعاشة والاكتفاء الذاتي، وخلق ديناميكية ذاتية، سمحت بتعاضد المعتصمين مع بعضهم، خاصة في فترات ما بعد الاشتباك مع قوات الأمن.

وبعد آخر، مرتبط بطبيعة المشكلة، حيث لا يمكن التعامل معها أمنيا بعيدا عن طابعها السياسي، فجماعة الأخوان باعتبارها القوة الأكثر تنظيما مقارنة بغيرها، متغلغلة في نسيج الدولة والمجتمع، وطوال فترة حكم الإخوان عملت من خلال عملية “الأخونة” على الانتشار في مؤسسات الدولة والجهاز البيروقراطي لها، على نحو أوجد لها موالين في كل مكان، وبالتالي فإن تكلفة المواجهة معها مرتفعة. كما لا تزال الجماعة تحتفظ بشبكات الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي طورتها طوال العقود الماضية، والتي لم تختبر مدى قوتها بعد بعد ثورة 30 يونيو ، وهذا يجعل التعامل الأمني معها دون الاهتمام بالبعد السياسي والاجتماعي قاصر، وهو ما يعد سببا في الانقسام داخل الحكومة الانتقالية حول كيفية التعامل مع الاعتصام.

-تداعيات اليوم التالي:

شهد التاريخ المعاصر الكثير من الخبرات التي تم فيها فض المظاهرات والاعتصامات بالعنف، وتعد حالة البحرين هي الحالة النموذجية لفض الاعتصامات بالقوة منذ الربيع العربي، حيث قامت قوات الأمن بفض اعتصام المعارضة في دوار اللؤلؤة مرتين، كانت المرة الأولى في 17 فبراير 2011، والمرة الثانية في 18 مارس 2011، وقامت سلطات الأمن في المرة الثانية بتدمير الدوار المنشأ منذ 1984، رغم أهميته التاريخية، وعمدت الى تغيير اسمه، وإلغاء أي ذكر له في المناهج الدراسية، وقد صورت الصحف الغربية عملية الفض على أنها “تيانمين البحرين”. وولدت هذه العملية موجة من العنف وعدم الاستقرار الذي لا تزال تعاني منها البحرين حتى اليوم.

وبالنظر إلى حالة مصر، يمكن تحديد ثلاثة تداعيات مرتبطة بفض الاعتصام، بصرف النظر عن الاستراتيجية المتبعة، وهي تداعيات “متوقعة”، بحكم تكررها في حالات أخرى مشابهة، ينصرف التداعي الأول إلى انطلاق موجات من العنف spiral of violence بين الجماعة وقوات الأمن، تولد موجة من عدم الاستقرار، حيث يعد هذا الاعتصام مختلف عن اعتصامات أخرى شهدتها مصر خلال مرحلة حكم المجلس العسكري، مثل اعتصام مجلس الوزراء، واعتصام ميدان التحرير أبريل 2012، ففي كلتا الحالتين لم تكن هناك جماعة منظمة، وراءهما، كما أن الجماعة تتجه إلى تبنى استراتيجيات عنيفة، تواجهها اجهزة الأمن بعنف مضاد، وتشير تقديرات مجلس الدفاع الوطني الى وجود أسلحة في كلا الاعتصامين، وهذا يعني أن عملية الفض لا تعني بالضرورة نجاح قوات الأمن في الاستحواذ على الأسلحة، او اعتقال كافة العناصر التي يمكن ان تنفذ أعمال عنف.

ويمكن في هذا السياق تحديد ثلاثة سيناريوهات محتملة، يتمثل السيناريو الأول في عدم قيام الجماعة برد فعل مباشر وحال على فض الاعتصام، أي قد يتبعه بفترة زمنية معينة، يصاحبه عنف عشوائي وشغب لا يتركز بالضرورة في القاهرة، وقد يستهدف منشآت سيادية.

ويتمثل السيناريو الثاني في محاولات الجماعة الالتزام بفكرة التظاهر السلمي من أجل “استعطاف” المجتمع الدولي، والتنديد بـ”وحشية” قوات الآمن ويتضمن ذلك تسيير مسيرات ومحاولة الاعتصام في ميادين أخرى، ويصاحب ذلك توظيف سياسي لفكرة الضحايا والقتلى، وتصوير العنف المستخدم من قبل الجماعة على أنه دفاع عن النفس.

ويتمثل السيناريو الثالث في مواجهة عملية فض الاعتصام مواجهة عنيفة، خاصة اذا تضمنت استراتيجية فض الاعتصام دخول عناصر من الأمن داخل الاعتصام، ويعد هذا هو السيناريو “الكابوس” بالنظر الى تداعياته المباشرة سواء بالنسبة للجماعة، أو للوضع الأمني.

ويتمثل التداعي الثاني، في “اهتزاز” شرعية الحكومة الانتقالية، خاصة المؤسسة العسكرية، خاصة إذا صاحب عملية الفض عنف يؤدي إلى سقوط قتلى، وعملية إقصاء حتى وان كانت غير مقصودة أو ممنهجة لجماعة الإخوان المسلمون، وهو ما قد يترتب عليه انتقاد من المنظمات الدولية للحكومة المصرية، على غرار ما حدث في حادث دار الحرس الجمهوري، وقد يستتبع ذلك، خاصة في حالة ارتفاع مستوى القتل استقالات من الحكومة الانتقالية، وهو ما قد يضع الحكم في مصر في مأزق حقيقي.

ويتمثل التداعي الثالث، في تشكل جماعات تتبع سياسات عنيفة ضد أجهزة الأمن ، وتحظى بدعم سياسي ما وإن بطريقة غير مباشرة من قبل جماعة الأخوان المسلمين، أو ما تبقى منها، وهذا التداعي شهدته البحرين بعد فض اعتصام دوار اللؤلؤة بالقوة في المرة الثانية، حيث دفع هذا حركة “شباب 14 فبراير” لتنفيذ العديد من المواجهات مع قوات الأمن في العديد من المدن والقرى، والتي هي مستمرة حتى اليوم، وهي تعد من الجماعات المحظورة.

والاستراتيجيات التي قد تتبعها هذه الجماعات، كما تفيد بذلك حالة البحرين، تمتاز بأنها طويلة الأمد ويصعب منعها، كما تمتاز مطالبها بطابعها الراديكالي والمتطرف، على نحو يجعل جماعة الإخوان أكثر اعتدالا، فعلى سبيل المثال، تطالب حركة “شباب 14 فبراير” باسقاط النظام، بينما تظل جمعية الوفاق، جمعية المعارضة الرئيسية في البحرين تقبل الحوار والتفاوض مع النظام.

وقد يصاحب ذلك تزايد شعبية بعض البدائل التي طرحت خلال الفترة الماضية، والتي مثلت محاولة لتخطي حالة الاستقطاب في المجتمع على اثر الازمة السياسية، مثل الميدان الثالث، وهو ما قد يحدث في حال انضمام شباب الجماعة والقيادات الصفوف المتأخرة منها لأى من هذه المبادرات، بهدف الحفاظ على بقاء الجماعة.

ويتعلق التداعي الرابع، والذي قد يكون الأكثر خطورة، بانتقال الصراع مع الإخوان من كونه صراع سياسي، إلى صراع مجتمعي، خاصة في حالة تشكل حركات اجتماعية تعمل على عزل جماعة الإخوان والقوى المتحالفة معها على المستوى الشعبي، وهو ما سيؤدي الى أزمة مجتمعية يتطلب علاجها أجيال.

وتظل كل الاحتمالات مفتوحة، فيما يتعلق بتداعيات “غير محسوبة” قد تقع، خاصة وان هناك العديد من الأسئلة المتعلقة بحجم تسليح المعتصمين، وبقدرة الجماعة على إعادة ترتيب صفوفها.وبالتالي تظل عملية التعامل مع الاعتصامين شديدة التعقيد، بالنظر الى تداعياتها، ويزداد تعقيدها كلما ظلت جماعة الإخوان أقل مرونة في التخلي عن استراتيجيات التصعيد التي تتبعها.

الاهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى