الأخبار

أضربت عن الطعام 96 يوما

 

129

 

كرة القدم هي حياته، يعشقها رغم مصاعب الحياة التي يواجهها من احتلال وحصار، وقع الاختيار عليه للانضمام إلى منتخب فلسطين الوطني لكرة القدم، وهو ابن 14 عامًا.

انضم إلى الفريق وتدرب وسط صفوف زملائه طوال العام استعدادًا لمواجهة منافسيه، وقبل السفر فوجئ بقرار منعه من قبل المحتل الإسرائيلي دون أسباب، ظل الوضع هكذا منذ عام 2005 حتى 2009 عندما وافقت إسرائيل على سفره، وأثناء وصوله لمعبر إيرز، تم اعتقاله دون إبداء أي أسباب بين سجني النق وعسقلان 3 سنوات، ليقرر إضرابه عن الطعام والذي وصل إلى 96 يومًا متتالية، حتى تم الإفراج عنه.

محمود السرسك يتحدث للوطن

“الوطن” التقت الأسير المحرر وإلى نص الحوار:

– ما هي ظروف اعتقالك والتهم التي وجهت إليك؟

تم اعتقالي يوم 22 يوليو 2009 عند معبر إيرز الإسرائيلي، أثناء توجهي إلى الضفة الغربية للاحتراف في نادي بلاطة بنابلس، وأثناء تواجدي في المعبر تم استدعائي لمقابلة الشاباك الإسرائيلي “جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل”، وخلال المقابلة تم استصدار قرار باعتقالي بعد تحقيقات استمرت 12 ساعة، ليتم نقلي لمركز تحقيق آخر في مجدل عسقلان لمدة 35 يومًا، ثم تحويلي إلى تحقيق عسكري، وتم اعتقالي تحت بند “مقاتل غير شرعي”، وهو قانون غير موجود في الأعراف الدولية أو اتفاقية جنيف الرابعة أو الملحق، فوفقًا لهذا القانون يتم اعتقالك دون تهم أو محاكمة أو إدانة كما لا يحق لك أن يراك محامٍ.

ثورات الربيع العربي ألهمتنا الحماس.. ونتمنى توحيد العرب حول القضية الفلسطينية

– هل تم اعتقالك بدون تهم محددة؟

تحقيقاتي استمرت 35 يومًا، بالإضافة إلى 6 أيام، تحت تعذيب التحقيق العسكري، حيث الجلوس على كرسي بشكل قرفصائي مكبل القدمين والأيدي من الخلف وجسدي مشدود على الكرسي بشكل محكم، ولا يتم فكي إلا ساعة واحدة يوميًا، وكان كل يوم يتم توجيه تهمة جديدة لي كانتمائي إلى تنظيمات سياسية أو مشاركتي في مظاهرات أو عمليات تخريبية، وفي كل مرة يتهموني في قضية لا يستطيعون إثباتها، إذ كانوا يحاولون إثبات أنني شخص معادٍ للكيان الصهيوني.

– هل تصريح المرور الذي كان بحوزتك جعلهم يشتبهون فيك أمنيًا؟

معبر “إيرز” مثله مثل أي معبر، لا يمكن المرور من خلاله إلا من خلال “تصريح أمني” وبالفعل حصلت على تصريح بالموافقة للمرور، والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم سهل لي إجراءات المرور، وفوجئت بعملية الاعتقال، وخاصة أن الجهات الأمنية الإسرائيلية هي من وافقت على تصريح مروري، فأنا إنسان ذاهب لألعب كرة وأمثل وطني، ولكن هذا ليس غريبًا على قوات الاحتلال التي تعتبر آلة لانتزاع أي موهبة أو حلم فلسطيني.

حاولوا الضغط علي لإنهاء الإضراب.. و”حقنوني” بكريات دم بيضاء ملوثة بفيروس الكبد الوبائي

– هل سافرت إلى الضفة الغربية من قبل وتعرضت لمشاكل شبيهة؟

سافرت من قبل إلى الضفة وكان عمري وقتها 13 عامًا، دون حدوث أي مشاكل تذكر، أما في الفترة الأخيرة وخاصة بعد حرب 2008 التي شنها الاحتلال على غزة، وجدت نفسي ممنوعًا من السفر من الجانبين المصري والإسرائيلي، وعندما أردت السفر إلى مصر وجدت اسمي على قوائم الممنوعين من السفر لدواعٍ أمنية، أما اليهود فكانوا يمنعوني من السفر منذ عام 2005، وعندما كانت تأتي سفريات مع المنتخب الوطني كان اليهود يصدرون تصريحات للسفر لكل الفريق عدا شخصين كنت دائمًا أنا واحد منهما، فكنت استمر في تدريباتي ولا أتمكن من مشاركة فريقي لأن الجانب الإسرائيلي يمنع سفري مع المنتخب.

– هل لديك انتماء سياسي معين دفع قوات الاحتلال لاعتقالك؟

لدي علاقات بكل الناس سواء فتح أو حماس أو الجبهة الشعبية أو الجهاد، شعبنا كله مسيس، والإسرائيليون لا يريدون هذه العلاقات، فالناس تعرفني على أني محمود لاعب الكرة، أدرس في الجامعة، وأعمل مع والدي في التجارة، وألعب كرة حتى بعد خروجي، لم أرتبط بأحد ولا أحد يستطيع منع علاقاتي مع الناس.

– وماذا حدث معك في السجن؟

بعد أن تم اعتقالي لم يسأل أحد عني، وكنت في بادئ الأمر بسجن عسقلان، ثم تم نقلي إلى سجن النقب الصحراوي، وكان يبعد عن الحدود المصرية 5 كيلو، وكان يتم نقلي بين السجنين بشكل مستمر وكانت الظروف سيئة، فالسجنان لا يصلحان لاستقبال البشر ولا يسمحان للأهالي والمحامين والصليب الأحمر بالزيارة.

– هل كان يتم حبسك بشكل انفرادي أم مع مجموعات؟

كان الحبس مع مجموعات إلا أنهم كانوا يعزلونني بشكل انفرادي على فترات، حتى عندما كان يأخذونني إلى المحكمة لتجديد حبسي كل 6 شهور، كان يتم اصطحابي بمفردي إلى القدس، وكنا نستغرق 7 أيام في السيارة رغم أن المسافة من النقب إلى القدس لا تستغرق أكثر من ساعة، إلا أنهم كانوا يصرون على وضعي لوقت أطول، والسيارة كانت عبارة عن زنزانة مساحتها متر في متر ومطلية باللون الأسود، ويوجد بها كرسي يتم وضعي عليه مكبل الأيدي والأرجل، وكانت التنقلات تتم من سجن لسجن ومن معبر إلى آخر حتى نصل إلى مستشفى ومنها إلى المحكمة، وبمجرد وصولي يتم إبلاغي باعتقالي لمدة 6 شهور، بدعوى أنني أمثل خطرًا على أمن دولة إسرائيل، بدون مرافعة أي محامٍ.

محمود السرسك يتحدث للوطن

– كيف كان يتم معاملتك معك داخل السجن؟

كان يتم التحقيق معي على فترات، وكان التحقيق يستمر لعدة أيام، حيث يتم استدعائي في زنزانة مساحتها مترين، مثبت بها كرسي في المنتصف ويتم تكبيلي في الكرسي، حتى يتم الانتهاء من التحقيق، ولا يتم فك قدمي أو رجلي، إلا في حالة تناول الطعام أو قضاء الحاجة، وكانت التهم أنني قتلت أو خربت أو جرحت، وهو كان يعلم جيدًا أني لاعب كرة، ولكنه كان يريد أن يجد مبررات لاستمرار اعتقالي وخاصة بعدما تدخل رئيس اتحاد الفيفا بلاتر، بالسؤال عن سبب اعتقالي، فأخبروه أني قتلت 3 جنود إسرائيليين، فكان رده “طالما أنه قاتل فلماذا لا تحاكموه وتتركوه في السجن”.

– متى قررت الدخول في الإضراب عن الطعام؟

قررت ذلك بعد مرور عام ونصف العام على اعتقالي، ولكن زملائي أبعدوني عن هذا القرار، لأنني كنت مصابًا بمرض الربو وآلام المفاصل، وبعد شفائي قررت الإضراب، وخاصة أنه لا أحد يهتم بموضوع الأسرى سواء فتح أو حماس أو حتى الدول العربية، ولن يسأل أحد عنك إذا حركت قضيتك بنفسك والتفكير في الإضراب معركة نفسية مع الذات، كيف تنتصر كيف تكمل، وهل وضعك الصحي يسمح أم لا، وعندما دخلت في الإضراب جاءت دولة كاملة برواتبها العسكرية لتضغط عليك لتنهي الإضراب أو لكسر عزيمتي، ولكن الحمد الله انتصرت عليهم.

– وكيف تم تعميم قضية إضرابك؟

السبل لا تنقطع أمام الأسير، كل يوم يبتكر فكرة جديدة كي يساير حياته ويخدم نفسه، فتسريب خبر إضرابي من السجن كان أمرًا سهلًا، وعندما تصل الأمور إلى الإعلام تصل بالتبعية إلى الأهل والمؤسسات الحقوقية، التي تتبنى القضية بعد ذلك، ولم أكن أتوقع أن ينتشر الموضوع بشكل سريع، فأنا قضيت 3 سنوات في السجن دون أن يسأل عني أحد، وأنا ألوم الإعلام الفلسطيني والاتحاد الفلسطيني اللذين اكتفيا بأخذ معلومات من الجانب الإسرائيلي دون أن يسمعا لي، وهذا كان يجرحني كثيرًا، لأنك تصدق العدو ولا تصدقني حتى لم تقم بإرسال محامٍ للدفاع عني.

– صف لي الحالة التي كنت تمر بها خلال الإضراب؟

في الإضراب تواجه الموت، لكن الكرامة وعزة الإنسان واحترامه لنفسه يفرض عليه أنه يموت في سبيل الدفاع عن قضيته، نحن كأسرى لا نعيش حياة كريمة في السجون، لا يوجد أحد مهتم بقضيتنا، الكل تركنا كبش فداء للمحتل، جوع وألم وأمعاء تسمع صوتها، تلتها التهابات في البنكرياس، وكنت على وشك فقدان كلية بسبب قلة المياه، ولكن “ربنا وقف جنبي”.

– كيف كان يتقبل المحتل هذه الأعراض التي كانت تصيبك؟

مع استمرار إضرابي، كان لابد من تزويد جسدي بكريات دم بيضاء، وبالفعل أمدوني بها، ولكنها كانت تحتوي على فيروسات الكبد الوبائي، ما جعلني أصاب بالمرض، ولكن قدرة الله كان تفوقهم حيث أن كبدي في هذه الفترة كان يفرز إنزيمات ومضادات حيوية بشكل غزير قضى على المرض تمامًا.

– هل تعرضت لضغوط لكي تنهي إضرابك؟

كان يزورني يوميًا وفد مكون من المخابرات الإسرائيلية وإدارة السجن والدائرة القانونية الإسرائيلية، لكي يضغطوا علي لفك الإضراب، وكأنك تخوض معركة تحقيق أو “كسر عضم”، وكانوا يقولون لي “أنت طلعت المخابرات على الشجرة نزلهم لكي نصل إلى اتفاق”، لدرجة جعلتهم ينزلوني إلى المعتقل “زهير لبادة”، وهو يغسل كليته، وكانوا يقولون لي “هنخليك زي هذا الزلمة راح تضرب الكلى عندك”، وكان ردي “اللي ربنا مقدره هيصير هروح إما بتموت أو على كرسي أو مصاب بمشاكل في الكلى”، والحمد لله خرجت سليم.

– هل وصلت لديك أخبار عن تضامن الأسرى واضرابهم معك؟

لم يتضامن الأسرى معي ولكنهم أضربوا يوم 17 أبريل، وهو يوم الأسير الفلسطيني، وكانت هناك خطة ممنهجة من قبل الأسرى في جميع السجون؛ لتحسين المطالب الحياتية، فهم يعيشون أوضاعًا مزرية لا تعليم ولا رعاية طبية وعزل وتفتيشات ليلية عارية، بالإضافة إلى إهانة الأهالي في الزيارات.

– ولكنك أضربت قبل 17 أبريل؟

نعم، أضربت قبل الأسرى بـ38 يومًا.

قضيتي تحركت بعد إضرابي.. والموساد قال لي “خلتنا فوق الشجرة”

– خلال فترة اعتقالك حدثت 3 ثورات.. هل كنت تتابع أخبارهم؟

نعم، كنت أتابع الأخبار عبر الراديو، حيث تابعت ثورة تونس ومن بعدها مصر وليبيا، الربيع العربي ألهمنا ونحن في السجون وكنا نتمنى للشعوب الاستقرار، وفرحنا لأنهم نجحوا في إزالة الظلم، ونتمنى أن تكون وسيلة لتجميع الشعوب العربية، وإن شاء الله الرؤساء الجدد يهتمون بقضية الشعب الفلسطيني ويخففوا عليه آلامه وحصاره، وتكون بالدرجة الأولى “رأس الحربة” المدافع عن قضية الشعب الفلسطيني.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى