الأخبار

لبنان يعيش أسوأ كارثة سياحية

 

56

 

 

بيروت: كارولين عاكوم
لا يجد أصحاب الفنادق والمطاعم وصفا للوضع السياحي والاقتصادي في لبنان سوى «الكارثة الحقيقية» في ظل الأزمة السياسية والأمنية التي يعيشها لبنان منذ أكثر من عامين، لتصل اليوم إلى ذروتها، ضاربة بعرض الحائط كل الآمال التي كانت معقودة على موسم عام 2013.

وجاء قرار دول مجلس التعاون الخليجي بتحذير رعاياها من الذهاب إلى لبنان وحتى مغادرته، لتزيد الأمر سوءا وتقفل الباب أمام أي إمكانية لتصحيح الوضع ما لم تحصل معجزة، بحسب ما يرى نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر. وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها قرار خليجي مماثل بشكل «جماعي»، إذ كانت الدعوات تأتي في وقت سابق من بعض الدول منفردة، لتعود الأمور وتصحح بعد فترة قصيرة.

وكرر السفير السعودي لدى لبنان علي عواض عسيري دعوة دول الخليج، مشيرا في بيان إلى ضرورة عودة جميع السعوديين الموجودين في لبنان إلى وطنهم؛ التزاما بالدعوة الصادرة من مجلس التعاون الخليجي حرصا على سلامتهم.

وإضافة إلى أزمة سوريا وتداعياتها على السياحة البرية بشكل خاص، لا يساهم الوضع الأمني اللبناني في جذب السياح العرب، وحتى اللبنانيين المغتربين للمجيء إلى لبنان، خصوصا بسبب التوترات الأمنية التي تشهدها مناطق لبنانية عدة، أبرزها طرابلس، حيث أدى تجدد الاشتباكات أمس إلى مقتل المواطن السوري طلال حسون وخلق حالة من الذعر في أسواق المدينة. وكان لافتا إشارة «جمعية إنماء طرابلس والميناء» أمس إلى أنه «أمام الكارثة التي تعيشها المدينة، يبدو أنها مهددة بانهيار مزدوج، الأول يتعلق باستمرار الاقتتال العبثي، والثاني خسارة السياحة، حيث كان المجتمع الأهلي الطرابلسي يعلق أهمية على هذا الموسم من أجل إبراز معالم وجمال مدينة الفيحاء.. الأمر الذي يعني خسارة فادحة لأبنائها المغتربين الذين فضلوا عدم المجيء بسبب الظروف الراهنة».

«الوضع صعب للغاية والفترة المقبلة قد تكون الأصعب منذ نحو 10 سنوات»، بحسب ما يقوله نقيب أصحاب الفنادق لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «كان لدينا بصيص نور أو أمل، إلى أن جاء قرار دول المجلس الخليجي ونسف أي احتمال قد يعيد إحياء موسم هذا العام في بلد يؤمن فيه السياح العرب 65 في المائة من مداخيل القطاع السياحي.. الأمر الذي جعلنا نخسر العنصر الأساسي لمنظومة السياحة اللبنانية».

ويشير الأشقر إلى أن «نسبة تشغيل الفنادق التي وصلت في عام 2008 إلى 80 في المائة تراجعت العام الماضي إلى 50 في المائة لتتدنى اليوم إلى 16 في المائة». وفي حين يوضح أن «هذه الأرقام تثبت مدى تأثير الوضعين الأمني والسياسي على الوضع الاقتصادي في لبنان»، يستشهد بما حصل منذ ثلاثة أشهر «حين تم تكليف النائب تمام سلام لتشكيل حكومة جديدة، برغم أن الوضع الأمني حينها، لم يكن سليما كما يجب، فإنه بين ليلة وضحاها بدأت أسهم الحجوزات ترتفع والحركة الاقتصادية تنشط، واستمر الوضع عليه لمدة شهر ليعود بعدها ويتراجع مع عودة الأحداث الأمنية في عدد من المناطق، ولا سيما طرابلس وصيدا والبقاع والشمال».

ويعتبر الأشقر أن «ما يزيد الأمر سوءا هو هذا الانقسام الحاد بين الفئات اللبنانية نتيجة الأزمة السورية؛ إذ إن هذه الخلافات لم تقتصر على السياسية منها، إنما تعدتها إلى مواجهات عسكرية، وهو الأمر الذي لا يبشر بالخير أبدا».

وبرغم تشاؤمه من الوضع القائم، فإن الأشقر يرى أن «من شأن التوافق اللبناني – اللبناني إذا حصل ونتج عنه تأليف حكومة أن يؤدي إلى استعادة الاقتصاد عافيته خلال أيام قليلة»، مشيرا إلى أن «هذا الواقع لا ينعكس فقط على استغناء العرب عن لبنان بوصفه وجهتهم السياحية هذا العام فحسب، إنما على المغتربين الذين يعتمد القطاع السياحي عليهم أيضا، ويبدو أنهم لغاية الآن يترددون في اتخاذ قرار المجيء أو عدمه».

في موازاة ذلك، يلفت نقيب أصحاب المطاعم والملاهي بول العريس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «قبل اتخاذ دول الخليج قرارها بتحذير رعاياها من المجيء إلى لبنان، ضربت السياحة عبر البر من الدول القريبة بشكل شبه نهائي، حيث يخسر لبنان 350 ألف سائح سنويا بسبب الأزمة السورية».

وكان وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال فادي عبود قد عبر عن تفهمه لحرص بلدان الخليج العربي على حماية رعاياها، مجددا التأكيد على أن «إرادة الحياة تبقى أكبر من أي يوم في تاريخنا، وهذا البلد لن يتمكن أحد من محوه سياحيا».

واعتبر عبود أنه «يجب أن لا نضخم الحوادث الأمنية التي تحدث في لبنان، وبالتالي ليس صحيحا أن الوضع في لبنان ميؤوس منه، إذا أخذنا نسبة السرقات، نسبة التعديات، نسبة الجرائم، مقارنة بأي مدينة سياحية في لبنان، نرى أن هذه النسبة ما تزال معقولة، والبلد ليس بلدا يطبق شريعة الغاب».

ويتوافق كل من العريس والأشقر على اعتبار أن «الأمن والسياسة يشكلان البورصة التي من خلالها تتحدد الصورة الاقتصادية بشكل عام، والسياحية بشكل خاص»، مشددين على أن «إعادة النهوض في لبنان، ولا سيما في هذين القطاعين، سريعة إلى درجة كبيرة، وبالتالي يبقى الوضع مرهونا بمعجزة ما تأتي من الخارج وتؤدي إلى التهدئة، ومن ثم إلى سير الأمور السياسية كما يجب، لينعكس ذلك فورا على الاقتصاد».

ويكشف العريس عن أن «هذا العام هو الأسوأ بالنسبة إلى لبنان، حتى مقارنة مع الأزمات التي مر بها لبنان في السنوات الأخيرة، ولا سيما منذ عام 2005»، مذكرا بأن «الأزمة التي شهدها لبنان خلال عدوان يوليو (تموز) 2006 عادت وانحسرت بعد شهر واحد واستعاد القطاع عافيته». ويضيف: «لم يختلف الأمر كثيرا عام 2008 عندما شهد لبنان في شهر مايو (أيار) أحداثا أليمة ومعارك بين اللبنانيين أنفسهم؛ إذ ازدهر الموسم بعدها، فيما كان عاما 2010 و2011 الأفضلين». ويخلص إلى أن «مؤشر الأزمة بدأ منذ اندلاع المعارك في سوريا إلى أن وصلت إلى أقصاها هذا العام».

ويشدد العريس في الوقت عينه على أن الأزمة هذا العام وصلت إلى ذروتها، لا سيما بعد إقفال أكثر من 300 مؤسسة سياحية أبوابها منذ بداية العام الحالي، متوقعا أن «هذا الوضع قد يتجه نحو الأسوأ في الفترة المقبلة، لا سيما أن أصحاب المؤسسات السياحية التي تقاوم منذ أكثر من سنتين، قد استهلكوا ما لديهم من المخزون الاحتياطي وبدأوا الآن يصرفون من مالهم الذاتي، وبالتالي قد لا يجدون قدرة على الاستمرار، وقد يواجهون بدورهم خيار الإقفال وتشريد المزيد من اليد العاملة اللبنانية في هذا القطاع».

 

الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى