الأخبار

ابدأوا الحكاية من أولاً!

bilal

 

 

 

 

«من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: إبدأ حكايتك من «ثانيا»!، و يكفي ان تبدأ حكايتك من «ثانيا» حتى ينقلب العالم. إبدأ حكايتك من «ثانيا» تصبح سهام الهنود الحمر هى المجرمة الاصيلة و بنادق البيض هى الضحية الكاملة!، يكفي ان تبدأ حكايتك من «ثانيا» حتى يصبح غاندي هو المسؤل عن مآسي البريطانيين!، يكفي ان تبدأ حكايتك من ثانيا حتى يصبح الفيتنامي المحروق هو الذي اساء الى انسانية النابالم!، و تصبح اغاني «فكتور هارا» هى العار و ليس رصاص «بينوشيه» الذي حصد الالاف في استاد سنتياغو!، يكفي أن تبدأ حكايتك من ثانيا حتى تصبح ستي أم عطا هي المجرمة وأرييل شارون هو ضحيتها»، هكذا ينبهنا الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي في كتابه الفذ (رأيت رام الله) الذي صدرت له طبعة جديدة منذ أسبوعين عن دار الشروق، لعلنا نتنبه إلى خطورة أن تجرنا جماعة الإخوان الكذابين وحلفائها إلى أن ننسى ما حدث أولا، لنبدأ معهم الحكاية من ثانيا، لأن إسترجاع الحكاية من أولها هو وحده السبيل لفصل الحابل عن النابل في شوارع وميادين مصر الملطخة بالدماء التي تسيلها داخلية الإخوان من بور سعيد إلى المنصورة، برعاية ودعم من مُدِرّ الدماء محمد مرسي. 

 

أرجوكم تذكروا أن كل محاولة للبدء بالحديث عن قنابل المولوتوف أو تنظيم البلاك بلوك أو محاصرة قصر الرئاسة أو عصابات البلطجية أو مؤامرات الحارة المزنوقة، ليست سوى محاولة حقيرة لتزييف الحقيقة وبدء الحكاية من ثانيا، ففي البدء كانت الكلمة التي قطعها محمد مرسي على نفسه أمام (الجبهة الوطنية لحماية الثورة) التي نسيها الناس عندما أنست الجبهات بعضها بعضا، والتي كان مرسي قد تعهد أمامها بوعود قاطعة حاسمة لا مجال لتأويلها أو التملص منها، قررت أن أعيد نشرها بالنص معتمدا على شهادة نشرها في هذه الصحيفة الصديق وائل قنديل، لكي لا يشكك أحد في أمانة نقلي لتلك الوعود من مصدر منعدم الضمير.

 

وعود مرسي التي قطعها على نفسه كانت بالنص: «أولا التأكيد على الشراكة الوطنية والمشروع الوطنى الجامع الذى يعبر عن أهداف الثورة وعن جميع أطياف ومكونات المجتمع المصرى، ويمثل فيها المرأة والأقباط والشباب. ثانيا: أن يضم الفريق الرئاسى وحكومة الإنقاذ الوطنى جميع التيارات الوطنية، ويكون رئيس هذه الحكومة شخصية وطنية مستقلة. ثالثا: تكوين فريق إدارة أزمة يشمل رموز وطنية للتعامل مع الوضع الحالى وضمان استكمال إجراءات تسليم السلطة للرئيس المنتخب وفريقه الرئاسى وحكومته بشكل كامل. رابعا: رفض الإعلان الدستورى المكمل والذى يؤسس لدولة عسكرية، ويسلب الرئيس صلاحياته ويستحوذ السلطة التشريعية، ورفض القرار الذى اتخذه المجلس العسكرى بحل البرلمان الممثل للإرادة الشعبية، وكذلك رفض قرار تشكيل مجلس الدفاع الوطنى. خامسا: السعى لتحقيق التوازن فى تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين. سادسا: الشفافية والوضوح مع الشعب فى كل ما يستجد من متغيرات تشهدها الساحة السياسية. «.

 

كان هذا نص ما وعد به مرسي، ثم قام بنقضه بندا تلو الآخر دون أن يطرف له جفن، لدرجة أنه بعد تتابع إستقالات مستشاريه الذين لا ينتمون إلى جماعة الإخوان، لم يكلف نفسه حتى عناء تعيين مستشارين آخرين من تيارات مستقلة، بل مضى في غيه متصورا أن الإعتماد على بطش الداخلية سيحميه من مواجهة حقيقة كذبه وإخلافه للوعود، فأصدر أوامره إلى الداخلية بأن تعربد كيفما شاءت في كل محافظات مصر دون رقيب ولا حسيب، غير مدرك أنه مع كل قطرة دم تسقط من مواطن مصري يوسع دائرة العداوة والبغضاء التي لن تجعل فقط مهمة بقائه على الكرسي مستحيلة، بل ستصعب أصلا تقبل أي حوار مستقبلي مع أنصار جماعته، وهو ما يزرع مشروعا دائما للفتنة الأهلية في مصر لا يعلم إلا الله كيف ومتى سينتهي؟.

 

أعود للتذكير دون ملل ولا كلل: قبل أن يقوم محمد مرسي بنقض هذه الوعود، لم يكن يفكر أحد في الإطاحة به من موقعه، بل إنه عندما حدثت محاولة لذلك في 24 أغسطس الماضي، قابلها الجميع بالإستهجان والإستنكار، وتمسك الجميع بشرعية الصندوق، لكنه عندما داس على التعهدات التي جلبت له شرعية الصندوق، أعلن بنفسه إنتهائها، وكانت تلك «أولا» التي جلبت لنا «ثانيا»: عندما خرجت الحشود رافضة إعلانه الإستبدادي الأهوج، وكان على رأسها القوى الثورية التي انتخبته ليس حبا فيه ولا في جماعته، بل كراهية في إعلان وفاة الثورة على يدي منافسه، رعونة مرسي هي التي أوصلتنا إلى «ثالثا»، عندما رفض أن يتعامل مع ذلك الغضب الشعبي بحنكة ومسئولية، بل بدأ مسلسل إسالة الدماء الذي لم يتوقف حتى الأمس، والذي جعل أي حديث عن شرعيته لغوا لا فائدة منه، وجعل الرهان على أي حوار معه عبثا، وجعل كل ذي عقل يدرك أن بقاءه في المشهد فيه ضرر بالغ للجميع، سواءا كانوا من أنصاره أو من خصومه.

 

إذا أوجعك كل ما تراه و تسمعه وتعيشه، وأصبحت مختنقا من  وطأته، وصرخت في وجهي «وما الحل؟»، صدقني لا حل سوى بأن تبدأ الحكاية من أولا، ولا تدعهم يخدعونك بروايتها من ثانيا، وعندها ستعرف الحل بنفسك، لأن ضميرك وعقلك سيصرخان فيك بصوت واحد «ما بُني على باطل يقود إلى باطل»، وعندها ستدرك أن خلاصنا الوحيد يكمن في رحيل هذا الحاكم الكذاب والدعوة لعقد إنتخابات رئاسية مبكرة يقرر بها الشعب مصيره، ويعود بها الجميع إلى مواقعهم في يوم 11 فبراير 2011 دون أن يبغي أحد على أحد، المهم أن ندرك ذلك قبل أن نصل إلى «عاشرا» والعياذ بالله.

 

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى