الأخبار

«فرق الرب» الأمريكية

89

على ما يبدو، لا تعرف السياسة الخارجية الأمريكية كيف تقيم علاقة طبيعية متوازنة مع الدين، فهى إما أن تتجاهل تأثيره على الشعوب إلى حد البلاهة، كما كانت تفعل فى فترة الحرب الباردة، أو تركز على أهميته إلى حد الجنون، كما تفعل فى السنوات الأخيرة فى تعاملها مع أزمات الشرق الأوسط.

لا أحد يمكنه أن ينكر اليوم، أن الولايات المتحدة قررت لسبب ما أن تنقل رهانها على الجماعات الدينية الإسلامية، وعلى رأسها «الإخوان»، لضمان مصالحها فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ظهر ذلك واضحاً فى إصرارها على دخول الإخوان من اليوم الأول فى عملية الحوار السياسى الذى دار فى مصر بعد أحداث ٢٠١١، والتزامها بتقديم الدعم المادى والدبلوماسى لهم خلال فترة وجودهم فى السلطة، ثم عدم الاعتراف السهل بخروجهم منها بعد ثورة يونيو ٢٠١٣. كان هناك سبب ما «أقنع» الإدارة الأمريكية بأن الإخوان والإسلاميين هم الحل، وأن توجيه سياساتها الخارجية للتعامل معهم والتنسيق بينها وبين مصالحهم، يمكن أن يؤدى إلى أن تصبح تحركاتها أكثر تأثيراً فى الشرق الأوسط، سواء على مستوى المساعدات، أو على مستوى الحد من الصراعات.

ما لا يعرفه كثيرون ربما، هو أن وراء حماس السياسة الخارجية الأمريكية للتعامل مع الجماعات الإسلامية فى الشرق الأوسط، تقف جماعات دينية أخرى فى قلب أمريكا نفسها. تلك الجماعات التى تضم الكثير من الوجوه المؤثرة فى المجتمع الدينى الأمريكى، المسيحى واليهودى والإسلامى، كانت كلها تلعب دوراً شديد الأهمية فى تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية فى الفترة الأخيرة، والدفع لكى تكون محاورها الأساسية دائرة ومرتكزها حول الدين.

أى إن تلك الجماعات الأمريكية التى تصر على إقحام ورقة الدين فى الدبلوماسية، وجعله «عامل الحسم» فى ما يتعلق بقرارات الإدارة الأمريكية حول من تدعمه، ومن تتخلى عنه فى الشرق الأوسط، كان لها دور لا يقل تأثيراً عن دور الأسلحة الأمريكية التى تتحرك فى صفقات وضربات لحسم الأمور على الأرض، فى منطقة اشتعلت بالنار والدم باسم الدين، الذى لم يكن أكثر من مجرد سلاح فى يد جماعاته، سواء كانت تنطق زوراً باسم الله فى الشرق الأوسط، أو باسم الرب فى واشنطن.

6 جماعات «دينية» بـ«غطاء دبلوماسى» تشارك فى صناعة «القرار الأمريكى» من الطابق السابع فى وزارة الخارجية

ورقة بحثية أوروبية حملت عنوان «تعامل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى مع الإسلاميين فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، للباحثة «سارة وولف»، أستاذة العلوم السياسية والمحاضرة فى جامعة لندن، والباحثة فى المعهد الهولندى للعلاقات الدولية، قررت بحث دور وتأثير تلك الجماعات الدينية الأمريكية، التى أصبح دورها «رسمياً» مؤخراً فى وزارة الخارجية الأمريكية، وأن تفهم الفلسفة والأهداف التى تقوم عليها، خصوصاً فى الفترة التى أعقبت أحداث ٢٠١١، وما يمكن أن تكون عليه الآن بعد سقوط الإخوان، وفشلهم فى حكم مصر.

تبدأ الدراسة بالقول إن «الثورات العربية كانت نقطة تحول كبرى فى السياسات الخارجية لأمريكا والاتحاد الأوروبى.

فى البداية، صارت أجهزة السياسة الخارجية مجبرة على إيجاد وسائل وأساليب تعامل جديدة عندما ربحت الأحزاب الإسلامية فى انتخابات ديمقراطية. وثانياً، وتحت ضغط جماعات دينية بعينها من داخل أمريكا نفسها، صمّمت الحكومة الأمريكية استراتيجية جديدة، وأجرت العديد من التغييرات فى مؤسساتها، بحيث أصبحت السياسة الخارجية قائمة على فكرة أن المصالح الأمريكية سوف تتم مراعاتها بشكل أفضل من خلال التعامل مع الجماعات الدينية وقادتها، سواء كان ذلك فى داخل أمريكا أو خارجها».

أما الاتحاد الأوروبى، فصار يركز على عامل حماية حرية الاعتقاد الدينى خلال تعاملاته الخارجية مع اللاعبين الجدد على ساحة الشرق الأوسط. كانت هذه التعاملات الأمريكية والأوروبية مع الجماعات الدينية وقادتها فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقوم على أساس اتصالات الدبلوماسيين الأمريكان والأوروبيين الرسمية، وغير الرسمية معهم.

إدارة أوباما تصر على التعامل مع الجماعات «الإسلامية» لخدمة مصالحها فى المنطقة

وتضيف: «جرت هذه التغييرات فى السياسات الأمريكية والأوروبية فى توقيت شديد الدقة، حدثت فيه تغييرات واسعة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ظل تعامل أمريكا وأوروبا مستمراً مع اللاعبين السياسيين الإسلاميين، لكنه انتقل إلى مستوى أعلى بعد وصولهم إلى السلطة فى دول كانوا مهمشين أو محظورين فيها من قبل.

كان التحدى الحقيقى هنا هو كيفية التعامل مع الجماعات الدينية التى أصبحت الآن أحزاباً سياسية مؤثرة، تتراوح أطيافها من السلفية إلى الصوفية وما بينها».

«فى مصر، حرصت إدارة (أوباما) على التعامل بشكل منظم مع الإخوان وحزب الحرية والعدالة الذى انبثق منها، خاصة بعد فوز الحزب فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية. والواقع أن واشنطن لم تفرض قط أى شروط على مساعداتها المادية والعسكرية لمصر بعد وصول محمد مرسى إلى الرئاسة فى يونيو ٢٠١٢. وفى فبراير ٢٠١١، بعد سقوط الرئيس الأسبق حسنى مبارك، شجعت الولايات المتحدة ودعمت دخول الإخوان فى الحوار السياسى الدائر فى مصر.

هذا الموقف شديد الإيجابية لم يكن مجرد شىء جديد على السياسة الخارجية الأمريكية، لكنه كان أيضاً بداية لتغييرات أكبر فى موقف الحكومة ككل. وقال مدير المخابرات الوطنية (جيمس كلابر) فى شهادة له أمام الكونجرس: (إن الإخوان جماعة [معتدلة وعلمانية بشكل كبير]، نبذت العنف، وليس لها أهداف توسعية، من الناحية الدولية على الأقل).

وفى وقت متقارب، زار وفد من الإخوان واشنطن فى أبريل ٢٠١٢، وسارعت سفارات الولايات المتحدة إلى تدعيم تعاملها مع الإسلاميين، وعلى رأسهم الإخوان فى الأردن والمغرب».

وأضافت: «أما الاتحاد الأوروبى، فطالما واجه انتقادات بسبب رفضه التعامل مع اللاعبين السياسيين الإسلاميين، أو حصر تعامله معهم فى مناطق مكافحة الأصولية الإسلامية، خاصة منذ وصول حماس إلى السلطة فى غزة عام ٢٠٠٦. إلا أنه، وبشكل نفعى وبراجماتى بحت، قام بـ(تطبيع) تعامله مع اللاعبين الإسلاميين.

وجهّز الاتحاد بعثات خاصة للتواصل مع القادة السياسيين لجماعة الإخوان فى مصر، وحركة النهضة الإسلامية فى تونس لبحث أفضل الطرق لتسهيل عمليات تداول السلطة.

إلا أن تعامل أوروبا مع الإخوان تم تقليصه بشكل كبير، بعد الإطاحة بمحمد مرسى من حكم مصر فى ٢٠١٣».

وتتابع الدراسة: إن «سياسة أمريكا فى التعامل مع الجماعات الدينية لخدمة مصالحها هى الآن جزء من عمل مؤسسات السياسة الخارجية.

والواقع أن الحكومة الأمريكية اضطرت إلى شرح تفاصيل هذه السياسة بسبب القلق الداخلى الأمريكى المتزايد منها، خاصة بعد إطلاق برنامج الحوار الاستراتيجى مع المجتمع المدنى التابع لوزارة الخارجية الأمريكية فى يناير ٢٠١١. كانت تلك فرصة للجماعات الدينية المتمركزة فى قلب أمريكا نفسها للتأثير على سياستها الخارجية، خاصة فى ما يتعلق بضرورة التعامل مع الإسلاميين، باعتبار أن الدين صار عنصراً لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه، عند صياغة أى سياسة خارجية تتعلق بالشرق الأوسط».

وتواصل: «فى تلك الفترة، تم تأسيس ست جماعات تعمل تحت قيادة دبلوماسيين أمريكيين، وتضم ممثلين من المجتمع المدنى، هى جماعات: الحكم والمساءلة، والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة، والعطاء الاجتماعى الدولى، والدين والسياسة الخارجية، والعمل».

وأضافت: «تضم جماعة الدين والسياسة الخارجية عدة وجوه مؤثرة من قادة المنظمات الدينية الأمريكية، مثل (روث ميسينجر)، المديرة التنفيذية للخدمات العالمية اليهودية الأمريكية، و(ويليام فيندلى) رئيس جمعية (الدين من أجل السلام)، والإمام محمد ماجد، رئيس الجمعية الإسلامية فى شمال أمريكا، و(كريس سيبل) رئيس معهد المشاركة العالمية.

وتروج هذه الجماعة لضرورة تدريب وتأهيل الدبلوماسيين الأمريكان للتعامل مع الجماعات الدينية خاصة الإسلامية منها. والدعوة إلى الحفاظ على الحريات الدينية فى الدول التى تعمل بها».

وتضيف: «دفعت الجماعة الدينية الأمريكية فى اتجاه تعديلين رئيسيين فى السياسة الخارجية، تم إقرارهما بالفعل عندما أعلن البيت الأبيض عن استراتيجية قومية قائمة على دمج القادة الدينيين والمجتمع الدينى فى السياسة الخارجية الأمريكية فى يوليو ٢٠١٣.

مدير المخابرات الأمريكية أمام الكونجرس: الإخوان جماعة معتدلة وعلمانية بشكل كبير.. نبذت العنف وليس لها أهداف توسُّعية من الناحية الدولية على الأقل

تقوم هذه الاستراتيجية التى أعدها مجلس الأمن الوطنى على ثلاثة أهداف رئيسية: الأول هو أن التعامل مع القادة والجماعات الدينية الإسلامية سوف يساعد فى الحفاظ على تنمية مستدامة، ويضمن أن تكون المساعدات الإنسانية الأمريكية أكثر فعالية فى بلادهم، وبشكل أكثر تحديداً، فإن هذه الاستراتيجية تتوقع أن الشراكة الأمريكية مع الجماعات والقادة الدينيين، وتصميم برامج سياسية تأخذ السياق الدينى فى الاعتبار، يمكن أن تجعل جهود الولايات المتحدة للمساعدة أكثر تأثيراً واستمراراً فى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

وأكدت الدراسة: «الهدف الثانى هو إقامة رابط واضح بين التعامل مع القادة والجماعات الدينية وضمان الحرية الدينية، أى أن الاستراتيجية تطمح إلى «إعطاء دفعة لحقوق الإنسان، بما فيها الحريات الدينية.

أما الهدف الثالث للاستراتيحية فهو أن التعامل مع الجماعات الدينية الإسلامية يمكن النظر إليه على أنه وسيلة لمنع وحل النزاعات المسلحة والمساهمة فى دعم الأمن والاستقرار الإقليمى».

وتضيف: «التعديل الثانى، الذى نجحت الجماعة فى إقراره فى سياسة أوباما الخارجية، هو تأسيس مكتب لمبادرات المجتمع الدينى فى قلب وزارة الخارجية الأمريكية تحت اسم (مكتب الشئون الدينية والدولية)، ويرأسه (شون كايسى) الذى يشغل منصب ممثل الولايات المتحدة للشئون الدينية والدولية.

ويرفع (كايسى) تقاريره مباشرة إلى وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، وهو مسئول بشكل أساسى عن وضع أهداف استراتيجية دمج القادة الدينيين الإسلاميين أو الديانات الأخرى فى السياسة الخارجية الأمريكية، موضع التنفيذ. وهو يقدّم توصياته إلى وزير الخارجية الأمريكى فى شئون السياسة الخارجية فى الجانب الذى يتعلق بالدين والتعامل مع ممثلى الجماعات والمجتمعات الدينية.

أمريكا وأوروبا غيرتا سياستهما الخارجية بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر

على أن الأهم، أن ذلك المكتب هو المدخل الرئيسى لكل من القادة الدينيين الإسلاميين أو غيرهم، ممن يسعون لتدخل وزارة الخارجية الأمريكية فى الشئون الدينية والدولية. تلك هى ما يطلق عليها وحدات ومكاتب (فرق الرب) التى كانت منتشرة من قبل فى الخارجية الأمريكية، قبل أن يتم تجميعها فى عهد (كيرى) فى الطابق السابع من مبنى الخارجية الأمريكية. ومنهم مثلاً شريك ظفار، ممثل الولايات المتحدة للمجتمعات الإسلامية منذ يوليو ٢٠١٤، والمسئول عن وضع سياسة (كيرى)؛ الخاصة بالتعامل مع المسلمين حول العالم موضع التنفيذ، سواء على مستوى المنظمات الدينية أو على مستوى الأفراد.

كما أنه يرفع تقاريره مباشرة إلى وزير الخارجية الأمريكى. معه أيضاً (أرسلان سليمان) المبعوث الأمريكى الخاص لمنظمة التعاون الإسلامى، وكذلك (إيرا فورمان) المبعوث الخاص لمراقبة ومكافحة معاداة السامية».

إن «فرق الرب»، كما تسميها الباحثة السياسية الأمريكية «ماريان كوزيمانو»، التى أصبحت تحتل مكاناً خاصاً فى مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، صارت تلعب دوراً لا يمكن إنكاره فى رسم السياسات الخارجية، خاصة فيما يتعلق منها بالتعامل مع قادة الجماعات الدينية الإسلامية أو غيرها من الديانات الأخرى، وفى مارس الماضى، التقى «شون كايسى» مع جون كيرى، وانضمت إليهما وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والمتشددة «مادلين أولبرايت»، ليعقد ثلاثتهم حلقة نقاشية فى مركز الحريات الدينية التابع لمعهد «نيوزيوم» فى واشنطن.

كان موضوع النقاش يدور حول «مستقبل الدين والدبلوماسية»، ويسعى لإلقاء الضوء على جهود وزارة الخارجية الأمريكية لمساعدة صنّاع القرار على فهم «البعد الدينى» للشئون الدولية والتعامل مع اللاعبين المؤثرين فيه.

لعب مكتب الشئون الدينية والدولية التابع للخارجية الأمريكية دوراً فى إرشاد وتوجيه وزارة الخارجية، وكذلك السفارات والقنصليات الأمريكية حول العالم، عن كيفية التعامل مع القادة والمجتمعات الدينية فى الدول التى يعملون بها، بما يصب فى خدمة أهداف المصالح الأمريكية، أى أن دور «فرق الرب» فى الخارجية الأمريكية هو تحسين قدرة الحكومة الأمريكية على خوض غمار البعد الدينى للسياسة الخارجية.

وترجع بداية هذا الدور إلى فترة التسعينات، عندما أدركت واشنطن أنها ارتكبت خطأً بتجاهل دور وتأثير الدين فى سياستها الخارجية خلال فترة الحرب الباردة، الأمر الذى انتقده المتدينون فى أمريكا باعتبارها كان من الممكن أن تحقق العديد من المكاسب لو أنها لعبت بورقة «النضال ضد الشيوعية الملحدة» فى تلك الفترة.

وازداد موقف الجماعات الدينية الأمريكية قوة عندما تجلى قصور السياسة الخارجية الأمريكية التى تتجاهل العناصر الدينية فى أحداث مثل الثورة الإسلامية الإيرانية، وتزايد المد الدينى مع سقوط وانهيار الاتحاد السوفيتى.

كانت تلك هى بداية تكوين لجنة الحريات الدينية الدولية التابعة للخارجية الأمريكية، وظهور منصب سفير الحريات الدينية الدولية الذى يشغله حالياً السفير ديفيد سابرشتاين، وهى المسئولة عن إصدار تقرير أوضاع الحريات الدينية سنوياً حول العالم. إلا أن اللجنة تلعب دوراً أكثر أهمية فى التعامل مع ممثلى المجتمع المدنى حول العالم، بمن فيهم قادة الجماعات الدينية وجمعيات حقوق الإنسان.

«أوباما» أسس مكتب «الشئون الدينية» لخدمة الإسلاميين المطالبين بالتدخل الأمريكى فى دولهم

إلا أن جهود هذه اللجنة وحدها لم تكن كافية للتعامل مع كل النواحى التى يمكن أن يلعب الدين فيها دوراً فى توجيه مسار السياسة الخارجية الأمريكية، ومن هنا ظهر منصب الممثل الخاص للمجتمعات الإسلامية الذى يشغله «شريك ظفار» أو منصب المبعوث الخاص لمراقبة ومكافحة معاداة السامية الذى تشغله «إيرا فورمان».

تجمعت هذه الجهود كلها فى مكتب الشئون الدينية والدولية الذى يقع الآن فى الطابق السابع من مبنى الخارجية الأمريكية، مظهراً مدى أهميته لوزير الخارجية جون كيرى.

وقال «كيرى» فى تلك الحلقة النقاشية التى عُقدت فى مارس الماضى: «إن الدين أصبح مهماً فى العالم اليوم، ولو عاد بى الزمن للوراء إلى أيام الجامعة لاخترت أن يكون تخصصى فى مجال الأديان المقارنة».

وأيدته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «مادلين أولبرايت» فى كلامه، مؤكدة أن التحدى الحقيقى أمام السياسة الخارجية الأمريكية حالياً هو الاستفادة من قدرة الإيمان على توحيد الناس فى الوقت الذى يتم فيه احتواء قدرته على التفرقة بينهم.

وتواصل الدراسة: «كان عام ٢٠١٣ عاماً اضطرت فيه السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية إلى تعديل نفسها، مع سقوط حكم الإخوان فى مصر، وتفكك الدولة الليبية بشكل شبه كامل، وتوحّش تنظيم «داعش» الإرهابى وما يصاحب ذلك كله من ازدياد ظاهرة المقاتلين الأجانب والأوروبيين الذين انضموا إلى تنظيم داعش أو ممن يقاتلون مع الجماعات الإرهابية المتطرفة على امتداد الشرق الأوسط. لم يبد أن قادة الجماعات الدينية ممن وصلوا إلى السلطة فى مصر أو تونس أو حتى المغرب، قادرين على إدارة الحكم بشكل جيد، أو حتى تقديم نموذج «المجتمع الإسلامى المثالى» الذى تصور بعضهم أنه قادر عليه، ولا على تطبيق إصلاحات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية يمكن أن ترضى كلاً من المتدينين والمدنيين فى شعوبهم.

فى الوقت نفسه، ظل قلق أمريكا، والاتحاد الأوروبى على وجه التحديد، يتزايد من تنظيم داعش والمقاتلين الأجانب الذين يحملون جنسية أوروبية ممن ينضمون إليه.

صار «البعد الدينى» فى السياسة الخارجية الأمريكية أو الأوروبية يقوم على أساس كيفية احتواء ذلك التهديد ومكافحة الأصولية والتطرّف، التى يمكن أن تنتشر بين المسلمين الأوروبيين، خاصة من الشباب، الذين وصل عدد المنضمين منهم إلى تنظيم داعش فى سوريا والعراق، إلى ما يزيد على خمسة آلاف مقاتل حتى الآن.

وأكدت الدراسة أن «الاستراتيجية الأوروبية الجديدة لمكافحة الأصولية والتطرف الدينى، صارت استراتيجية يلعب فيها قادة المجتمعات والجماعات الدينية دوراً محورياً فى مكافحة العنف.

يلتزم فيها هؤلاء القادة بحماية المجتمعات الإسلامية والمسيحية واليهودية، إضافة إلى نشر قيم الإسلام، جنباً إلى جنب مع القيم الأوروبية، وإدراك الشباب فى سن خطرة من الوقوع فى هاوية التطرّف الدينى.

وهى الاستراتيجية التى تحظى أيضاً بدعم كبير من واشنطن التى تشعر بقلق خاص إزاء المقاتلين الإرهابيين الذين يحملون الجنسية الأوروبية، ويمكنهم التسلل بسهولة أكبر من مواطنى الشرق الأوسط، عبر إجراءات الأمن فى مطاراتهم».

وتضيف: إن «أحداً لم يعد قادراً على أن ينكر اليوم، أن الدين قد صار عاملاً مؤثراً فى تشكيل السياسات الخارجية لكل دولة تسعى للعمل بأى شكل فى منطقة الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا، مثله مثل فهم الثقافات أو القيم الاجتماعية والأسرية التى تحرك أى مجتمع من مجتمعات هذه الدول.

ربما كان التعامل مع القادة الدينيين الإسلاميين فى الشرق الأوسط، أمراً يمكنه أن يضيف إلى الجهود الدبلوماسية الأمريكية أو الأوروبية فى المنطقة.

إلا أنه سيكون من الخطأ التعامل مع الدين على أنه الزاوية الوحيدة التى يمكن النظر من خلالها لفهم التطورات التى تحدث على الأرض فى الشرق الأوسط، هذا القصور فى الرؤية يمكن أن يؤدى، على العكس، إلى عرقلة المصالح الأمريكية والأوروبية فى المنطقة».

وتصل الدراسة إلى «أن الدين ليس عاملاً غير قابل للتغير فى السياسة، لكنه عامل يتغير باستمرار، ويعيد ترتيب نفسه، ويتم وضعه موضع اختبار، وتتم مقاومته أو تعديله وفقاً لمتغيرات متعددة.

وبالتالى، فعلى الدبلوماسيين الأمريكان والأوروبيين أن يحسبوا خطواتهم جيداً، ويدرسوا من هم قادة التيارات الدينية الإسلامية أو غيرها، الذين يريدون التعامل معهم، وأن يحددوا أى نوع من الجماعات الدينية يمكن السماح له بأن يلعب دوراً فى عملية صياغة وتشكيل السياسات الخارجية».

كما أن على أمريكا وأوروبا أن تنتبها أيضاً إلى ضرورة عدم السقوط فى فخ دعم الأنظمة الديكتاتورية والسلطوية التى تدعم سلطتها باسم الشرعية الدينية، فالدين ليس سبباً كافياً لدعم تيار بعينه، وأن تعمل بدلاً من ذلك على التواصل مع كل التيارات التى تؤمن بقيم الديمقراطية، أياً كانت انتماءاتهم الدينية، وأن تكون الأولوية لمحاربة الفقر والأمراض الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية التى تشكل تربة خصبة يمكن أن تنمو فيها بذور التطرف والإرهاب.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى