التجربة النيجيرية فى مواجهة «بوكو حرام»
ظهرت جماعة “بوكو حرام” بقوة على ساحة الأحداث خلال فترة أبريل من العام 2014، وذلك عن طريق جريمتها الشنعاء باختطاف ٢٧٦ تلميذة من مدرسة ثانوية فى شمال نيجيريا، وشكلت الجماعة التى بايعت البغدادى زعيم “داعش” خطرا كبيرا فى إفريقيا، لكنها بدأت فى الانحسار.
ولأن الإعلام المصرى المحلى وحتى الإقليمى العربى يهمل كثيرًا هذه البقعة من بقاع العالم، فإن التجربة النيجيرية فى حصار بوكو حرام تظل ملهمة لمن درسها ويعرفها جيدًا، حتى على الرغم من حوادث الخطف والقتل التى وقعت خلال شهرى مارس الماضى وأبريل الجارى، وما أتبعها من مفاوضات بين الحكومة والجماعة لإطلاق سراح المخطوفين أو إنهاء حالة القتال.
هذا فحوى دراسة نشرتها دورية “واشنطن كوارترلى” الفصلية فى الربع الأول من العام ٢٠١٨، لـ”ناثالين ألين”.
تشير الدراسة إلى أن جماعة “بوكو حرام” دخلت مع الدولة النيجيرية فى شراكة سياسية بين عامى (٢٠٠٢-٢٠٠٩)، ولعبت دورًا حاسمًا فى انتخاب “على مودو شريف” حاكمًا لولاية بورنو فى عام ٢٠٠٣، بينما وعد “شريف” بنشر الشريعة الإسلامية.
وفجأة تصدعت الشراكة القائمة، وتحولت “بوكو حرام” إلى تنظيم إرهابى منذ منتصف عام ٢٠٠٩، بسبب الصدام بين بعض أتباع الجماعة وقوات الأمن، مما دفعها إلى تهديد الدولة صراحة باللجوء إلى العنف.
وتؤكد الدراسة أن أصول جماعة “بوكو حرام” محلية، وليست لها صلات مع التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، وهو ما يفسر عدم قدرة الجماعة على التوسع كثيرًا أبعد من معاقلها فى ولاية بورنو والمنطقة المحيطة بها، كما أوضحت الدراسة.
وتحصل “بوكو حرام” على التمويل من مصادر محلية، ومن الضرائب، وعمليات السرقة، والابتزاز، والاختطاف، ومنذ إعلان الجماعة البيعة لتنظيم “داعش” فى أبريل لعام ٢٠١٥، لا يوجد دليل يُذكر على التعاون الرسمى بينهما، بغض النظر عن ترديد الجماعة للاستراتيجية الإعلامية للتنظيم.
وعندما زادت الطموحات الإقليمية لـ”بوكو حرام” ازداد الصراع مع المدنيين فى شمال شرق البلاد، وكانت الفترة من منتصف عام ٢٠١٤ وحتى منتصف عام ٢٠١٥ هى الأكثر دموية فى تاريخ الجماعة، بمقتل ما يزيد عن ١٠ آلاف شخص، وتشريد الملايين.
ولهذا ترى الدراسة أن التوسع الإقليمى للجماعة كان بمثابة خطأ استراتيجى فادح، فالطموحات الإقليمية غير المدروسة لا تضمن استمرارية التوسعات، وبذلك أصبحت الجماعة ضعيفة استراتيجيًّا.
وعندما بدأت “بوكو حرام” فى توسعاتها الإقليمية بين عامى ٢٠١٤-٢٠١٥، وسيطرت على مجموعة أراضٍ فى شمال شرق نيجيريا، ووسعت عملياتها فى الكاميرون وتشاد والنيجر، فإنها اعتمدت على الأساليب القسرية كالخطف والقتل الجماعى وقطع الرؤوس والتفجيرات.
وتنصح الدراسة بضرورة تعامل الدول مع الحركات الاجتماعية المنشقة سياسيًّا بضبط النفس والعدالة المحايدة، وليس بالقبضة الحديدية، حيث أدى قيام الحكومة النيجيرية بالقمع الوحشى ضد أفراد الجماعة إلى تولى عناصرها الأكثر راديكالية القيادة والتحول نحو العنف.
وربما لو كانت الحكومة النيجيرية قابلت الهجمات الأولى للجماعة بالمفاوضات والاعتقالات، بدلًا من العنف العشوائى، فإن ذلك قد يكون سببًا فى عدم تحول “بوكو حرام” إلى تنظيم إرهابى.
ومنذ تولى “محمد بخارى” الرئاسة النيجيرية فى أبريل ٢٠١٥ كثفت الدولة جهودها لمكافحة جماعة “بوكو حرام”، وفى مقدمتها التنسيق مع الحلفاء.
ووفقًا لقاعدة بيانات العنف الاجتماعى النيجيرية، قتل نحو ٥ آلاف متمرد بين عامى ٢٠١٥ و٢٠١٦، وتضاءل عدد القتلى والمصابين من المدنيين إلى حد كبير لأول مرة منذ عام ٢٠١٢.
كما تنصح الدراسة كذلك بالتعاون الإقليمى لمواجهة التنظيمات الإرهابية، حيث اتخذت بعض الدول (مثل: نيجيريا، وتشاد، والكاميرون، والنيجر) إجراءات ضد توغل الجماعة فى أراضيها، وأنشئوا فرقة عمل مشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) لمنع فرار عناصر “بوكو حرام” عبر حدودها التى يسهل اختراقها.
وتتركز جهود نيجيريا وشركائها فى منع عناصر الجماعة الإرهابية من الهروب عبر الحدود الدولية، والعمل على تبنى الميليشيات المحلية لموقف الحكومة خلال النزاع، وتخصيص الموارد العسكرية اللازمة لإبقاء “بوكو حرام” خارج المدن.
وقاتلت جيوشُ تلك الدول جماعة “بوكو حرام” بكفاءة مدهشة، مما ساهم فى تراجع التهديد الذى كانت تشكله الجماعة، فلم تستطع الصمود أمام الجيوش الأربعة، وخلال خمسة أشهر من العام ٢٠١٥، تم طرد “بوكو حرام” من جميع الأراضى التى سيطرت عليها.