الأخبار

المشير كما قدمه الحوار

223

 

 

أظهر حوار المشير عبد الفتاح السيسي المرشح الرئاسي والذي أجراه إبراهيم عيسى ولميس الحديدي في الطريق الى الاتحادية ، أظهر سمات شخصية واضحة للمرشح لم يكن صعبا على من تابع أثرها على المتلقين أن يدرك أن هذا الحوار سيعتبر نقطة واضحة الفصل في علاقة المشير بالمصريين واستكمال صورة ذهنية ستظل ثابتة المعالم الى وقت اعتبرته بعيدًا .

قبل أن أسهب في تفاصيل الحوار ودلالته يجب الإقرار بواقع أعتبره قاطعا بشكل كبير من المتابعة الحثيثة لردود فعل من لا تغيب آرائهم عن مواقع التواصل الاجتماعي والحقل السياسي المنغلق نسبيا على ساكنيه ، هو أن من عارضه وانتقد ما جاء في الحوار لم يتجاوز حالة الرفض والتهكم والإساءة ولم يصل برفضه حتى إلى أولى عتبات الموضوعية هذا الى جانب تحول كثيرين ممن كانت لهم آراء تعد سلبية تجاه شخص المشير وربما تجاه آراءه والطريقة التي قدم بها نفسه الى الشعب المصري في مداخلات وشهادات سابقة الى موقف معتدل مستبشر بالمنطق الذي لم يغيب عن الحوار.

١) حين تجري حوارا مع شخصية اعتيادية سواء كانت على قدر من الشهرة أو من المسؤولية بموقع ما فإنه من السهل بطول الحوار أن تظهر جوانب متناقضة وإجابات وآراء يغالط بعضها البعض ، إلا أن السيسي لم يسقط في هذا ولو لمرة واحدة والحق أن التفسير الوحيد لذلك هو أنه يقول ما يعتقد وأن اعتقاده يأتي بعد بحث مرتكز الى سند، خاصة في الإجابة عن موضوعات كان قد عرف عن رأيه بها في مواضع سابقة. -وضح ذلك في إجابته بالتأكيد على أن قرار ترشحه تطلب وقتا وبحثا وأن الوضع الحرج للدولة كان عاملا محددا لقراره وإن فسره البعض ترددا او تبديلا للرأي فلن يكون لذلك التفسير تأثيرا على اتخاذه القرار أو إعلانه عنه.

في إجابته الأولى عن تفضيله الصمت في مواضع أكد على أن المكسب ليس بالضرورة بكثرة الكلام التي تقل محاسنه على حد وصفه ثم ظهر ذلك واضحا خلال مواضع متأخرة في الحوار حيث لم ينجح محاوروه الى استدراجه للإسهاب في الحديث حول ما اعتبره جدلا غير مفيد ولم يتردد في تفسير موقفه كما جاء في إجابته عن الحاكم الفعلي لمصر بعد الثلاثين من يونيو وقال إنه لن يستطرد في حديث لا يرى طائلة منه ومن يدعي عليه بالبينة ، كذلك حين سئل عن المشاركين في الإعداد لبرنامجه الانتخابي قال إن هذا ليس ما يهم الأن ، ما يهم هو البرنامج نفسه . – دائماً ما أقر السيسي بتقديره للمرأة وثمن مجهوداتها وربما واجه في دعوته المرأة خاصة للمشاركة بـالاستفتاء ، الى نقد أشار لتعمده استخدامها فقط كمحفز للأسرة المصرية وليس صدقا في تقديره لها، إلا أن سؤال مضيفيه عن رأي ‘الأسرة’ في قرار ترشحه جاء كاشفا لاتساقه مع رأيه السابق فأجاب متحدثا بطريقة مباشرة عن زوجته ولم يختزل وجودها في تعبير ‘ الأسرة’ فقط. – وصف الأداء الأمني خلال الفترة الماضية بالجيد جدا وهو ذات التقدير الذي قدره وهو عضو بالحكومة وعزى ذلك الى أن تقديره جاء وفق مالديه من معلومات وحقائق حول ماهية الإرهاب الذي يواجهه الأمن إضافة إلى تقديره لحال وإمكانيات الجهاز الأمني ذاته.

٢) -باستمرار الحوار أظهر السيسي جانبا جديرا بتسليط الضوء فهو لم يخضع أبدًا لما يسمى بالابتزاز الانتخابي وهو المرشح، ولم يطلق إجابات تربحه أصواتا بـ المغالطة مع آراءه وقناعاته، كذلك لم يخالف المنطق وان احتمل ذلك فتح أبواب النقد ربما كان فضلا عن قناعته تقديرا ذكيا لان المغالطة لا تربح سوى خسارته لمصداقيته لدى الشعب . -أُقر بأنه قبل مغادرته الجيش كان حتمياً أن يرتب أمور بيته حد تعبيره وإن ساق ذلك البعض الى الدفع بأنه مرشح الجيش الا أن الواقع ومنطق الأمور تفرض عليه عدم المغالطة إضافة الى تقديره للحالة الثورية العامة لدى المصريين – اعترف بسقوط أبرياء وتجريف مزارع لـ استئصال الإرهاب و كان على قدر من الثقة والمسؤولية بقراره الذي لا محالة له تبعاته التي يدركها . – وعن موقفه من إعلان حزب النور دعمه له كمرشحا رئاسيا قال يجب ألا ننسى أن لدينا دستورا لا يسمح بالدفع بأحزاب على أساس ديني وأن ما آلِ إليه حالنا اليوم كان نتيجة الخطاب الديني السيء وأنه واجه القيادات الدينية جميعها بمسؤوليتهم عن ذلك. -حين سؤاله عن الخيط الرفيع بين أداء الداخلية لفرض الأمن وانتهاكها حقوق الإنسان وإسهامها في توسيع دائرة الاشتباك بعض الوقت أشار إلى قطعه برفض التجاوز فيما يتعلق بحقوق الانسان وعطف على ذلك بتقديم الجيش الدعم الكامل الذي تحتاجه الداخلية حتى تصحح مساراتها دون أن يدين انتهاكاتها بشكل مباشر رغم اعترافه الضمني ربما تقديرا لدورها كشريك للجيش في اجتياز الثلاثين من يونيو وما عقبه . -رغم وجود المعارضين لقانون التظاهر إلا أن السيسي لم يتهاون أو يتنازل في الإعلان عن رأيه الصريح بأن قانون التظاهر أحد آليات حفظ هيبة الدولة وحمايتها وأن مصر لن تسقط ومن أراد التظاهر فعليه أن يلتزم بالقانون المنظم لذلك دون تفريط أو مساومة.

٣)-بعث السيسي خلال حواره بعدد من رسائل القوة تعرف عن طرحه نفسه رئيساً قائدا راعيا مسؤولا عن رعيته وليس موظفاً من الدرجة الأرفع بالدولة فحسب وتعمد بأكثر من موضع ان يضع لخلفيته العسكرية نقاطا مقابلة ترجح كفته – في بدء الحوار رد على تحية مضيفيه بتحية مقابلة ورحب بدوره بهم و بمتابعيه من الشعب المصري ربما لتنطلق بذلك إشارة بدء الحوار منه إليهم أو لفرض سيطرة مقابلة لسيطرة مديري الحوار بكل حال . – تجاهل في إجابته على سؤال لميس ‘لماذا قمت بتغيير رأيك’ -عن قرار ترشحه- الالتزام القاطع بما جاء في سؤالها وانتقل الى شرح مستفيض لوضع الدولة وقتها مذكرا بما عاناه المصريون على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وكرر ذلك في أكثر من موضع غير أنه التزم بالإجابة التي تعبر عن قناعاته دون أن ينساق للمقاطعة من أي من مضيفيه . –

عن القوات المسلحة كانت له إشارات فخر عدة بدأها بوصفه القائد الأعلى بالمنصب الرفيع الذي لا يأخذ إذنا من أحد – عن أخطاره القوات المسلحة بقرار اعتزامه الترشح- كما أنه لم يبرر لعدم تعارض خلفيته العسكرية مع كونه يسعى لأن يكون الرئيس المنتظر بل تحدث عن البيئة العسكرية والتي اعتبرها السبب في تشكيل سماته القيادية التي أهلته لطرح نفسه رئيساً وأعلن بقوة عدم سماحه بالتجاوز في حق القوات المسلحة -عن إجابته عن تقبله النقد أجاب : سأحتمله … استخدم كلمة يختلف مدلولها عن تقبله النقد ما يعني ربما أنه لن يقبل أن ينتقده أحد خاصة إن صاحب ذلك تجاوزا في حقه رغم إقراره بأن الصبر وتقديم النمط الإيجابي هو الحل لتعديل ذلك السلوك الغالب ، وذلك لا يعني أن صدره لن يتسع لسماع معارضيه أو غيرهم شرط أن يكون لديهم ما يضيف ويغني وأن يكون لهم سند وإثبات على رجاحة وجهة نظرهم وذلك ما لا يعتبره نقدا بالأساس بل يندرج تحت ما اسماه تفاعل وتواصل مع مختلف فئات الشعب بمرجعياته.

حين تحدث عن برنامجه الانتخابي تخلى عن خطابه القاطع وخفف من حدته دون أن تقل ثقته في طرحه وذلك لأنه لا يقطع بالمستقبل ويقدر أن هناك حسابات لتعديل الخطط دائماً أثناء تنفيذها ما يعكس اتسامه أيضا بدقة لا ينوي إهدارها وفي ترتيب أولوياته جعل الأمن والتنمية على خط سواء وأن العمل الجاد حل جامع لمشكلات مصر، لن يكون هناك وجود للإخوان المسلمين خلال فترة حكمه إن قدر الله له ذلك وأن الجماعات الإرهابية -دون أن يسميها- تخرج جميعا من عباءة الجماعة وكونه مسؤولا لن يسامح فيما ارتكبوه بحق مصر والمصريين.

٤)- ربما هي المرة الأولى التي استمع فيها إلى مسؤولا كان أو مرشحا يعلن عن تدينه دون تخوف أو اعتبارا لأحد ، عبد الفتاح السيسي قدم نفسه مصريا مسلما ليحكم وطنا شعبه من المسلمين والمسيحين ودستوره يقر بأحقية ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب الديانات السماوية الثلاث لم يجد تحرجا كونه عبر عن رأيه في الاسلام الذي ربطه بالعلاقات الانسانية الراقية كما كان حيث نشأ وافقت وطمأنت رسالته هذه الكثير من المصريين الذين كرهوا طرح نمط الدين الملتزم بالمظهر والأجوف في جوهره. – لم يستخدم السيسي في حديثه عن الإسلام المصطلح الأكثر شيوعا خاصة بين السياسين والمثقفين والذي أجده يحمل الكثير من المغالطة وهو ‘ الإسلام الوسطي ‘ والذي يقر ضمنيا بأن التطرف شكلا من أشكال الإسلام وهو ما تجاوزه المرشح ليدلل عن فهم حقيقي ووعي بأن ما قُدم عن الإسلام في الفترة الماضية كان إساءة للدين نفسه. قد يدلل ما سبق على سمات أولية لشخصية المشير عبد الفتاح السيسي سواء أعجبت البعض أم تحفظ عليها أخرين .. هو قائد غير حمايته لأمن البلاد القومي يدرك أن له دورا في تغيير الأنماط الاجتماعية السلبية لدى المجتمع يتجاوز ذلك إلى كونه ملتزما بتقديم قدوة تطرح سمات ينشد رؤيتها في شعب دلل على فهمه لطبيعته بأكثر من موضع ، يعرف أن الأزمة بينه وبين السلطة ليست في إرادة الشعب واحتماله للعمل بل لثقة إضاعتها سنوات من حكم فاسد وعليه ان يسترجعها. الديمقراطية عنده ليست غاية هي وسيلة للتواصل شرط أن تتوافر النية الخالصة والجدة في المعارضين وإن لم يحدث ، فسيعتبر الالتفات لاحتجاجهم مضيعة للوقت فهو لا يعتمد قراراته وفق رؤى أو عاطفة دون بحث دؤوب يعول على الدراسة والتدقيق جاء رأيه حول قانون التظاهر ووضع الأحزاب الدينية رغم دعمها له وموقفه من جماعة الإخوان واضحا رغم علمه بتحفظ الكثيرين إلا أن ذلك دلل على أنه لن يكذب بتبرير أداء السياسي ليكسب اصوات هو مرشح له سمات واضحة لا يكترث بمسك العصا من المنتصف.

 

اونا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى