اخبار عالمية

الفائزون والخاسرون من قمة ترامب وكيم

 

انتهت قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في سنغافورة، بإعلان غامض إلى حد كبير، وسلسلة من الصور الملتقطة، ومفاجئة. وتمثلت المفاجأة في إعلان ترامب أنه سيعلق المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، كبادرة حسن نية للكوريين الشماليين، وهي خطوة لم تكن الحكومة في سيئول على علم بها قبل الإعلان عنها. مجلة “فوكس” الأمريكية، قالت إن الوقت قد حان للنظر إلى الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالقمة، ومعرفة حقيقة ما حصل، وهل حصلت كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على ما تريدانه؟ وهل أصبح العالم مكانا أفضل أو أسوأ بعد هذا الحدث؟ في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، قامت المجلة بتحديد قائمة من الفائزين والخاسرين من الاجتماع، وهم الناس والحكومات الذين خرجوا من القمة في وضع أفضل مما كانوا عليه قبلها، والذين تضرروا من الطريقة التي سارت بها الأمور. كان البعض منهم فائزا بوضوح، مثل كيم، في حين أن آخرين، مثل العديد من السجناء السياسيين في كوريا الشمالية، هم الخاسر الأكبر من القمة بعد عدم ذكرهم على الإطلاق. – كيم جونج أون: فائز إن كيم جونج أون هو زعيم دولة صغيرة فقيرة للغاية، وديكتاتور وحشي يجوّع ويسجن مواطنيه، وقد جعل رئيس الولايات المتحدة يسافر حول أكثر من نصف العالم ليقابله، ويصافحه، ويلغي المناورات العسكرية مع عدوه الأكبر، وكل ذلك دون التخلي عن أي شيء كبير في المقابل، وهو يعد فوزًا كبيرًا. ولطالما أراد قادة كوريا الشمالية أن يُنظر إليهم على أنهم لاعبون رئيسيون على المسرح العالمي، وأن يحصلوا على الاحترام والشرعية الممنوحة للقوى النووية، وقد سعوا طويلًا إلى عقد لقاء فردي مع رئيس الولايات المتحدة كطريقة رئيسية لتحقيق هذا الوضع. اقرأ المزيد: قمة سنغافورة التاريخية.. ترامب يقبل تعهدات كيم المبهمة إلا أن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، بداية من بيل كلينتون مرورًا بجورج بوش الابن، إلى باراك أوباما، رفضوا الاجتماع وجهًا لوجه مع زعماء كوريا الشمالية، إما كيم جونج أون أو والده كيم جونج إيل، الذي حكم حتى وفاته في عام 2011. حيث قال الرئيس أوباما في 2013 حول لقاء محتمل مع كيم “منذ أن توليت المنصب، كان الشيء الوحيد الذي كنت واضحًا بشأنه هو أننا لن نكافئ هذا النوع من السلوك الاستفزازي”. لكن كل هذا تغير عندما تولى ترامب السلطة، ليس فقط بسبب شخصية ترامب وإيمانه بقدراته التفاوضية، ولكن بسبب قدرات الصواريخ النووية والباليستية في كوريا الشمالية تسارعت إلى حد كبير. حيث يقول جيفري لويس الخبير في البرنامج النووي لكوريا الشمالية في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية، “إن كيم جونج أون يبحث عن الاعتراف الدولي بكوريا الشمالية كدولة تتمتع بوضع جيد، وحقه في حكمها، وشرعية امتلاكه للأسلحة النووية”. ومنحه لقاء ترامب مع كيم، والثناء على “شخصيته العظيمة” في مؤتمر صحفي بعد القمة، الفوز بهذا الأمر بكل تأكيد. لكن في الواقع لقد حصل كيم على أكثر من ذلك، فكوريا الشمالية لم تتخل عن أي شيء مهم في البيان المشترك بعد القمة، حيث لا تقدم كوريا الشمالية أي تنازلات كبيرة للولايات المتحدة، وكانت التعهدات أضعف بكثير مما حصل عليه أي من الرؤساء السابقين خلال المفاوضات السابقة مع كوريا الشمالية. وأكد بروس كلينغر النائب السابق لرئيس قسم كوريا في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، يوم الثلاثاء، أن “كل نقطة من النقاط الأربع الرئيسية، ذكرت في وثائق سابقة مع كوريا الشمالية، بعضها كان أقوى وأكثر شمولًا”. اقرا المزيد: بمصافحة تاريخية.. بدء قمة سنغافورة بين ترامب وكيم لذا لم يتخل كيم عن أي شيء وحصل في المقابل على انتصار دعائي وتعهد من الولايات المتحدة بتعليق التدريبات العسكرية مع كوريا الجنوبية، إنه انقلاب دبلوماسي مذهل. – دونالد ترامب: فائز وخاسر لقد قدم دونالد ترامب نفسه خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية على أنه مفاوض عظيم، يعرف كيف يبرم الصفقات، لكن في معظم فترة رئاسته، كان ينسحب من معظم الصفقات، مثل اتفاق باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، بدلًا من صنعها. ومن أجل الحفاظ على صورته كصانع للصفقات، كان ترامب بحاجة إلى النجاح في مبادرة كبيرة من نوع ما، وأكدت المجلة الأمريكية، أن كونه أول رئيس أمريكي يجتمع مع زعيم كوري شمالي هو بالتأكيد ما كان يبحث عنه. واعتقد العديد من النقاد أن القمة لن تحدث أبدًا، حيث كان الجانبين أبعد ما يكون عن الوصول إلى طاولة المفاوضات، إلا أن حقيقة أن ترامب وصل إلى طاولة المفاوضات، كانت فوزًا واضحًا. إلا أن “فوكس” ترى أن هذا التحليل سطحي للغاية، فمن الناحية الموضوعية، خرج ترامب من القمة خاسرًا، لنفس الأسباب التي يُعتبر كيم فائزًا بسببها. حيث لم تحصل الولايات المتحدة على أي شيء من كوريا الشمالية، بينما حصل كيم على تنازلين كبيرين، وهما الانتصار الدعائي، وإلغاء المناورات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وكتب جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية بمعهد “كارنيغي”، على تويتر “أن لغة نزع السلاح النووي في البيان المشترك ضعيفة للغاية”، مضيفًا أن “الدبلوماسية قد تنجح في الوقت الحالي، لكنني لست متفائلًا على المدى الطويل”. اقرأ المزيد: أكثر 8 مواقف غرابة من قمة كيم وترامب كما لا يعتقد بعض الخبراء، أن الفضل يعود إلى ترامب لتقليل مخاطر نشوب حرب، حيث تسبب ترامب الذي استخدم خطابًا قاسيًا، ردا على التجارب الصاروخية التي أجرتها كوريا الشمالية العام الماضي، في الوصول إلى حافة الصراع، كما أن حقيقة تراجعه عن هذا النهج لا تجعله دبلوماسيا عظيمًا. وقالت ميرا راب هوبر، الخبيرة في شؤون كوريا الشمالية في كلية الحقوق بجامعة “ييل” إن “القمة أفضل من الحرب النووية، لكن التهديد بنشوب حرب كان من صنع ترامب نفسه”. لذا فإن أفضل طريقة لتقييم نتيجة ترامب في القمة هي أنه، مثل كيم، حصل على انتصار دعائي، ولكن انتهى به المطاف كخاسر كبير على خلاف كيم. – الشعب الكوري الشمالي خاسر ذكرت “فوكس” بعض الأمور التي لم تذكر في البيان الذي صدر بعد القمة، وهي السجناء السياسيون الكوريون الشماليون، ومعسكرات العمل الوحشية، وأزمة المجاعة. هناك سبب لاعتبار كوريا الشمالية أكثر البلاد قمعا على وجه الأرض، حيث تحتجز الحكومة الكورية الشمالية ما بين 80 ألفا إلى 130 ألف كوري شمالي، كسجناء سياسيين، في معسكرات وحشية. ومات مئات الآلاف من الكوريين في معسكرات الاعتقال هذه خلال العقود الماضية، حيث نفذت عمليات الإعدام بإجراءات مشكوك في نزاهتها، وكان الاغتصاب أمرا شائعا داخل هذه المعسكرات. وساعد توماس بورجنثال، المحامي الدولي البارز، في إعداد تقرير تقشعر له الأبدان حول هذه المخيمات في العام الماضي، وقال لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن “الأوضاع في معسكرات السجون الكورية مرعبة، أو أسوأ من تلك التي كانت في المعسكرات النازية”. وفي الوقت نفسه كرست كوريا الشمالية موارد هائلة لبرنامجها النووي والعسكري، على حساب الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، حيث قدرت اليونيسف في يناير الماضي أن نحو 60 ألف طفل كوري شمالي على شفا المجاعة. اقرأ المزيد: «السيطرة على التصرفات الغريبة».. الانطباعات الأولى من قمة كيم وترامب ولم يقدم اتفاق ترامب وكيم أي شيء لمساعدة هؤلاء الناس، على الرغم من أن ترامب أعلن، في مؤتمر صحفي بعد القمة، أن السجناء السياسيين “واحد من كبار الفائزين اليوم”. – كوريا الجنوبية خاسر يعد قرار ترامب بإلغاء التدريبات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية أمرا مهما للغاية، حيث تعد التدريبات التي تجرى بشكل منتظم، ومن المقرر عقدها في أغسطس المقبل، أداة مهمة لطمأنة كوريا الجنوبية بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عنها. كما تظهر لكوريا الشمالية أن التحالف بين أمريكا وكوريا الجنوبية دائم وجاد، وبالتالي يردعها عن أي نوع من عمل العسكري تختبر به العزم الأمريكي والكوري الجنوبي. الأمر الأكثر أهمية أن الكوريين الجنوبيين لم يكونوا على علم به مسبقًا، ولا يزالون غير متأكدين مما يعنيه ذلك، حيث تؤكد المجلة الأمريكية أن التحالفات تقوم على الثقة والتعاون؛ ويجب على الأقل أن يتم التشاور مع الحلفاء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. ويجعل إلغاء التمارين من جانب واحد، الولايات المتحدة تبدو أقل جدارة بالثقة، حيث يقول روبرت كيلي من جامعة “بوسان”، إن ترامب تخلى عن كوريا الجنوبية. المفارقة هنا هي أن رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، كان المحرك الرئيسي وراء محادثات السلام، حيث لعب دور الرسول الدبلوماسي بين الجانبين، حيث التقى مع كل من ترامب وكيم عدة مرات قبل المحادثات لإرساء الأساس للقاء. وكان مون قد أكد في أكثر من مناسبة على قدرة الجانبين على التوصل إلى اتفاق مشترك، لكن ما حدث في النهاية لم يكن ما توقعه الزعيم الكوري الجنوبي. وتعد هذه المشكلة أكبر مما تبدو عليه، حيث يرى البعض أن هدف كوريا الشمالية الاستراتيجي، شيء يطلق عليه علماء السياسة “فك الارتباط”، وهو ما يعني استخدام ترسانتها النووية كإسفين لكسر التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. من الناحية الكلاسيكية، كان من المفترض أن تعمل فكرة “فك الارتباط” على التهديد، فإذا كان لدى كوريا الشمالية صواريخ نووية يمكن أن تصل إلى المدن الأمريكية، فإن الولايات المتحدة ستلغي تحالفها مع كوريا الشمالية لأنها ليست على استعداد لوضع سان فرانسيسكو في خطر لإنقاذ سيئول. اقرأ المزيد: غدًا.. ترامب «صانع الصفقات» في مواجهة كيم «الرجل القوي» إلا أن ما يحدث الآن مختلف قليلًا، حيث يستغل كيم “جزرة” نزع السلاح النووي لإقناع ترامب بتقديم تنازلات ضد مصلحة الجنوب، وتأليب الحلفاء ضد بعضهم وبعض، وجعل كسر التحالف أكثر احتمالا على المدى الطويل، وهي مناورة ذكية من كيم، وليس من الواضح ما إذا كان ترامب يعرف أنه يتم التلاعب به. – جون بولتون: خاسر في فبراير من هذا العام، كتب بولتون مقالًا مرعبًا في صحيفة “وول ستريت جورنال”، يضع خطة تقوم على توجيه ضربة وقائية ضد كوريا الشمالية. وكتب بولتون أن “معارضي هذه الفكرة يقولون إن هذا الإجراء غير مبرر لأن بيونج يانج لا تشكل “تهديدًا وشيكًا”، مضيفًا “أنهم مخطئون، التهديد بات وشيكا”. وأكمل “من المشروع تماما بالنسبة للولايات المتحدة أن تستجيب للضرورة الحالية التي تفرضها الأسلحة النووية لكوريا الشمالية عن طريق الضرب أولًا”. كان موقف بولتون صريحا تجاه كوريا الشمالية في أوائل عام 2000، عندما كان وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي في إدارة جورج بوش الابن. وخلال تلك الفترة، كان بولتون مشاركًا في قرار الإدارة لعام 2002 بإلغاء اتفاقية عام 1994 الموقع عليها مع كوريا الشمالية، وهي اتفاقية للسيطرة على الأسلحة النووية التي أبرمتها إدارة كلينتون. حيث جمّد هذا الإطار برنامج تخصيب اليورانيوم في كوريا الشمالية، وهو خطوة مهمة في الطريق إلى إلغاء برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، وبعد مرور أربع سنوات فقط من حصول بولتون على ما يريد، اختبرت كوريا الشمالية أول قنبلة نووية. من جانبها، لطالما كرهت حكومة كوريا الشمالية، بولتون بقدر ما كان يكرههم، ففي عام 2003، وصفت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية بولتون بـ “حثالة بشرية وقحّة” و”رجل بغيض”. ويعد مجرد جلوس ترامب مع كيم، تصريحًا بأنه لا يوافق على وجهة نظر مستشاره للأمن القومي، لكن الأمر أكثر من ذلك، بولتون كان في الواقع مهملًا خلال عملية القمة. حيث تم استبعاده من اجتماع مع أحد كبار الدبلوماسيين الكوريين الشماليين في واشنطن الأسبوع الماضي، بسبب الخوف من أن يفسد بولتون المحادثات. الآن، من الممكن أن تتعثر المحادثات في الأيام القادمة، ونعود إلى نوع العلاقات المعادية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية التي يفضلها بولتون بوضوح، لكن في الوقت الراهن، من الواضح أن بولتون في نزاع مع البيت الأبيض.

 

 

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى