الأخبار

البابا تواضروس في إيطاليا.. هل تكون خطوة للتقارب مع «الكاثوليكية»؟

يشارك بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الأنبا تواضروس الثاني، في يوم الصلاة المسكوني، غدا السبت، في مدينة باري الإيطالية والذي دعا إليه بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، وهي المرة الثانية التي يلتقي فيها البابوان في إيطاليا عقب زيارة تواضروس لفرنسيس لأول مرة في 10 مايو 2013، لتقديم التهنئة للأخير لجلوسه على كرسي القديس بطرس في الفاتيكان. كان بابا الإسكندرية وبابا الفاتيكان، تقابلا في القاهرة في 29 أبريل من العام الماضي، واتفقا على «عدم إعادة المعمودية» بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، وبسبب الهجوم والضغط الذي تعرض له البابا تواضروس، تم تعديل نص البيان من «قررنا» إلى «نسعى جاهدين» لعدم إعادة المعمودية. هل يساهم اللقاء في التقارب بين كنيستي روما والإسكندرية؟ منذ جلس البابا تواضروس على الكرسي المرقسي وهو يتبع نهج مختلف في التعامل مع الكنائس الأخرى داخل وخارج مصر، عكس ما اتبعه سلفه الراحل البابا شنودة الثالث في فترته الأخيرة، وفتح الباب للتعاون بتبادل الزيارات في الاحتفالات وتأسيس مجلس كنائس مصر في فبراير 2013، ثم زيارته لبابا الفاتيكان فرنسي الأول واتفاقهم على الصلاة من أجل بعض يوميا. وتحدث البابا تواضروس في وقت سابق على الوحدة بين الكنائس على أنها مثل حبات العقد يجمعها خيط واحد، وتحتفظ كل منها بكيانها. ورغم وضوح البابا في هذه الأمر إلا أنه دائما ما يتهم من قبل معارضيه ومنتقديه بأنه لا يحافظ على الإيمان، ويقف أنصار التيار المتشدد -هم بعض الأساقفة وأتباع لهم- على مواقع التواصل الاجتماعي في وجهه كلما اتخذ خطوة لانفتاح الكنيسة على العالم. وسيتضح بعد هذا اللقاء، هل سيتم توقيع اتفاق المعمودية المؤجل من زيارة البابا فرنسيس للقاهرة، أم سيظل لحين إشعار آخر؟ وهل سيكون هذا اللقاء بمثابة خطوة جديدة يتفق فيها الباباوان على خطوات جديدة للتقارب بين أكبر كنيستين قادتا العالم المسيحي قديما، وانفصلتا منذ 16 قرنا، بالتحديد بعد مجمع مدينة خلقدونية عام 451م؟ أم سيظل أصحاب التيار المتشدد كحائط صد ضد انفتاح الكنيسة القبطية على العالم مرة أخرى، والتي شكلت عبر مدرسة الإسكندرية الفلسفة المسيحية في القرون الثلاثة الأولى؟. ماذا ينتظر البابا تواضروس إذا اتخذ أي خطوة جديدة للتقارب؟ في حالة اتخذ البابا تواضروس، أي إجراء جديد للتقارب مع الكنائس الأخرى وبالأخص كنيسة روما، سيواجه عاصفة من الانتقادات والتشهير كالتي حدثت وقت اتفاق المعمودية العام الماضي خلال زيارة البابا فرنسيس للقاهرة، فوقتها خرج بعض الأساقفة المتشددين في المجمع المقدس لمهاجمة البابا والاتفاق، مثل الأنبا أغاثون مطران مغاغة والعدوة، الذي أصدر بيانا يشير فيه إلى أن الكيسة الكاثولية «مهرطقة»، وتدخل وقتها سكرتير المجمع المقدس السابق الأنبا رافائيل، والذي لم يكن راضيا على اتمام الاتفاق، وتم من خلال تعديل نص الاتفاق من «قررنا»، إلى «نسعى جاهدين».  كما ينتظر البابا، الهجوم من بعض المتشددين على مواقع التواصل الاجتماعي والذين فعلوا هذا الأمر عندما صلى الوفد الإيطالي في دير السريان خلال زيارة مسار العائلة المقدسة القداس بالطقس اللاتيني، وقرروا هذا الأمر في مواقف سابقة كثيرة، منها زيارته للسويد ولقائه مع رئيسة الكنيسة اللوثرية. هل يساهم تغيير سكرتارية المجمع المقدس في اتمام اتفاق المعمودية؟ هذه المرة يسافر البابا إلى روما، وسكرتير المجمع المقدس أسقف مختلف هو الأنبا دانيال أسقف المعادي، والذي اختاره البابا نائبا له في حالة سفره خارج البلاد، والأنبا دانيال كما هو واضح خلال السنوات الماضية لا ينتمي للمدرسة المتشددة والمنغلقة، فعند تطوير المجلس الأكلريكي الخاص بمشكلات الأحوال الشخصية، عهد إليه البابا مسؤولية رئاسة المجلس الخاص بالقاهرة، وخلال الثلاث سنوات الماضية وهي فترة توليه هذا المجلس خفت صوت أصحاب مشكلات الزواج والطلاق، وتم انتخابه الشهر الماضي لسكرتارية المجمع المقدس خلفا للأنبا رافائيل الذي انتهت مدته. ما أهمية عودة كنيسة الإسكندرية لموقعها المميز في العالم؟ إذا كانت كنيسة روما اكتسبت قوتها من كونها عاصمة الإمبراطورية الرومانية، والتي بشر فيها واستشهدا أيضا القديسان بطرس وبولس، حيث الأول كان أكبر تلاميذ السيد المسيح، والثاني يشتهر بكونه فيلسوف المسيحية، فإن كنيسة الإسكندرية اكتسبت قوتها من «العلم» فقط، حيث كانت مصر وقتها مجرد ولاية رومانية، وسياسيا لم تكن مدينة الإسكندرية في موقع قوة كما كانت روما. وتأسست بمصر مدرسة الإسكندرية التي أسست لعلم «اللاهوت»، ويقال أنها «فلسفت المسيحية»، اعتمادا على التراث الفلسفي اليوناني في مصر، وحصلت على مكانتها وسط الكنائس وكانت الكلمة العليا لأولاود كنيسة الإسكندرية في المجامع المسكونية لمواجهة الهراطقة، كما حدث في المجمع الأول في مدينة نيقة 325م عندما قاده الشماس المصري الشاب «أثناسيوس» ابن مدرسة الإسكندرية في مواجهة القس الإسكندرية أريوس. ما مرت به مصر سياسيا طوال ألفي عام أثر على الكنيسة، التي لم تجد أمامها سوى أن تنغلق على ذاتها لتحافظ على إيمانها وتراثها وطقوسها، واستطاعت هذه الإجراءات أن تبقيها رغم ما مر بها، لكن اليوم، لم يعد هذا الإجراء مناسبا في عصر تسود فيه التكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي، وعلى الكنيسة القبطية أن تخطو على طريقتها الخاصة خطوات شبيهة بالتي اتخذتها الكنيسة الكاثوليكية لمراجعة أخطاء الماضي. يوم الصلاة المسكوني الذي دعا إليه البابا فرنسيس يهدف للصلاة من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تتعرض إلى اضطرابات عنيفة في السنوات الأخيرة، نتج عنها تفريغ سوريا والعراق من مواطنيهم المسيحيين، وربما كان ذلك سيحدث في مصر أيضا، وخلال فترة الاضطربات في 2013 كان البابا فرنسيس عامل مهم في رفع ضغوط كثيرة عن مصر التي كانت تواجه هجمات إرهابية حادة، إذ طالب وقتها قادة العالم بالوقوف إلى جانب مصر. ويرغب البابا تواضروس في الحفاظ على بقاء المواطنين المسيحيين في مصر، وهو ما يؤكد عليه كلما قابل وفودا أجنبية سوزاء سياسة أوكنسية، كما يدعوهم لمساعدة مصر للنهوض بالاقتصاد والتعليم. البابا فرنسيس وهو شخصية فريدة ومختلفة عن باباوات الكنيسة الكاثوليكية في القرن الأخير، فتح الباب للتقارب مع الكنيسة القبطية، وبعد زيارته لمصر بعدة أشهر قرر اعتماد مسار العائلة المقدسة في أكتوبر الماضي ضمن برامج الحج المسيحي التي تتبناها الفاتيكان، وأتت الثمار خلال شهر يونيو الماضي بزيارة وفدين أحدهما إيطالي والآخر مجري للمرحلة الأولى من المسار والتي تم افتتتاحها مؤخرا. خروج الكنيسة القبطية من عزلتها التي دخلتها رغما عنها على مدار 16 قرنا، أصبح أمرا مهما ليس للكنيسة فقط بل ولمصر كلها، فهي جزء من قوة مصر وتأثيرها مثلها مثل الأزهر، والفن والرياضة وغيرها من المجالات التي يمكن أن يؤثر المصريين من خلالها.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى